مقتضيات تحرير الشهادة العدلية (الجزء الرابع)
ثانيا- الحفاظ على البيانات الواردة بالشهادة المتلقاة.
تنص المادة 25 من المرسوم التطبيقي
لقانون خطة العدالة في فقرتيها الثانية والثالثة على ما يلي: "تشتمل الوثيقة
في طليعتها على اسمي عدلي التلقي ودائرة انتصابهما والمكتب المعينين به، مع ذكر
تاريخ التلقي بالساعة واليوم والشهر والسنة بالحروف والأرقام، وفق التقويم الهجري
مع بيان ما يوافقه من التقويم الميلادي، وكذا رقم مذكرة الحفظ وصاحبها،
وعدد الشهادة فيها.
تشتمل أيضا على الحالة المدنية الكاملة
للمشهود عليهم وجنسيتهم ومهنتهم وعنوانهم الكامل، وكذا رقم بطاقة التعريف الوطنية
وتاريخها إن وجدت، أو أي وثيقة إدارية تفيد التعريف".
ومؤدى هذا النص أن العدلين يلتزمان بتحرير
الشهادة مشتملة على البيانات الإلزامية في إطار التطابق بين الملخص والمحرر،
والامتناع عن الإصلاح والاعتذار.
أ- المطابقة بين الملخص والمحرر.
ينبغي أن تكون المطابقة تامة بين ملخص
الشهادة المدرج بمذكرة الحفظ وبين الوثيقة المحررة وفق ما تقضي به المادتان 25 و26
من المرسوم التطبيقي لقانون الخطة.[1]
وقد يرى البعض أن في ذكر لفظة
"الملخص" دلالة على أنه لا يضم إلا تلك البيانات الإلزامية التي تشكل
أركان الشهادة، بينما لا تدرج فيه البيانات التي تدخل في نطاق الجانب التحسيني،
ولا البيانات الجوهرية التي جرت العادة بذكرها في الوثيقة دون الملخص.
وهكذا قد يسهو العدل عن ذكر الأتمية
في المذكرة بينما يذكرها في الوثيقة وكذلك بخصوص المعرفة والتعريف وذكر معرفة
القدر، وأحيانا قد يغفل حتى عن ذكر القبول.
وقد يرى البعض بأن جميع ما ينبغي ذكره في
الملخص هو نفسه الذي يذكر في الوثيقة المحررة إلا في ما يخص بعض التلفيفات
والتحسينيات وكذلك الأمور المقتضبة كأن يرد فيه لفظ "وطنيته" بدل
"بطاقته الوطنية" وكأن يذكر العنوان مباشرة دون أن يذكر قبله لفظ
"الساكن ب" أو "سكناه" وهكذا.
وقد يتشدد البعض ويذكر أن ما يرد في الملخص
لا ينبغي أن يختلف قيد أنملة عن الشهادة المحررة، وذلك خشية من أن تؤدي المخالفة
بين الملخص والمحرر بالعدلين إلى نتائج غير محمودة.
والواقع أننا نرى أن مسألة التطابق بين
الملخص والمحرر مسألة لازمة؛ إلا أن الظروف العملية تجعلنا نعتقد بأن هذا الأمر
يحتاج إلى تفصيل وتقييد، ذلك أن بعض الأنواع من الشهادات تحتاج فعلا فيما يخص
موضوعها الرئيسي إلى أن تأتي الوثيقة فيها بالمطابقة بين الملخص والمحرر، والمثال
الواضح على ذلك هو الوكالات الخاصة.
وبعض البيانات تأتي لزوما في الوثيقة
كالبيان الذي يفيد القبول، مع أن العدل يكون قد أغفلها في الملخص دون أن يعتذر عن
ذلك، فهل نجبره على كتابة محرر خال من ذلك البيان مع أنه بيان لازم، لمجرد أنه لم
يكتبه بالملخص؟
هذا
لا ينبغي أن يقال به، لأن الأصل في الوثائق الصحة إلى أن يثبت ما يناقضها.[2] فلو افترضنا أن عدلا كتب
شهادة في الملخص دون أن يذكر ما يفيد القبول، ثم تدارك ذلك في الوثيقة وكتب هذا
القبول، ثم طعن الطرف الذي ادعي قبوله وقال إني لم أقبل ولم أرد الإشهاد علي بهذا
العقد، فهل يصدق بناء على اعتبار عدم وجود القبول بالمذكرة قرينة على صدقه؟ الجواب
هو طبعا لا، لأن القبول ولو لم يرد في الوثيقة فقد ورد فيها ما يفيده وهو توقيع
هذا الطرف الذي ينازع في القبول أسفل الشهادة؛ نعم إذا كانت الوثيقة تتضمن شروطا
أخرى زائدة على المحل الرئيسي للعقد، فالواجب على العدل أن يبين –في ملخص الشهادة-
قبول الطرف الآخر لتلك الشروط.
ومسألة التطابق بين مذكرة الحفظ والوثيقة المحررة تطرح إشكالين، يتعلق أولهما بأنه
كثيرا ما يتم تضمين معلومات بمذكرة الحفظ دون الوثيقة المحررة، والذي يملي ذلك في
الغالب هو أن الأطراف يطلبون من العدل كتابة كل ما يترتب عن مقتضى الشهادة، فيكتب
العدل ما يأتي إلى ذهنه من باب الاحتياط، كأن يكتب بيانا بالملخص ثم يحذفه عند التحرير
لما قد يسببه من مشاكل للأطراف أمام بعض الإدارات، فيكتب مثلا: "وهب فلان
نصيبه على الشياع في العقار المملوك له ملكية مشتركة المسمى...ذي الرسم
العقاري"، فبعض المحافظين قد يرفض ذكر الشياع هنا ظنا منه أن الشياع يتنافى
مع الملكية المشتركة. فالعدل كتب لفظ "الشياع" بالملخص أولا (مذكرة
الحفظ) ولكن طلب منه المحافظ العقاري حذفه من الوثيقة المحررة فحذفه فأصبح الملخص
يضم معلومات أكثر من المحرر.
وقد تتردد في ذهن العدل مجموعة من العبارات
التي تفيد نفس المعنى فيثبتها جميعا في المذكرة ثم يختار أقواها عنده –بعد البحث والتمحيص-
فيضمنها الوثيقة المحررة.
وإذا ما كتب العدل بيانا في المذكرة بناء
على إرادة الأطراف، ثم لم يثبته في المحرر -ولو كان صحيحا قانونا- فلا
بأس في ذلك طالما أن العدل يمكن أن يستدرك على الرسم بكتابة رسم آخر انطلاقا من
المذكرة، فبيانات الملخص هي التي يعتمد عليها في الاستدراك على المحرر.
فلو أن العدل أثبت بيانا بالملخص وأغفله في
المحرر، فمن السهل أن يستدرك عليه برسم آخر؛ أما لو حدث العكس وتم تضمين بيان
بالمحرر دون الملخص، فالاستدراك هنا غير جائز؛ ولو تم واقترن بسوء النية لعد
تزويرا. وقد يحدث أن عدلا يتذكر بيانا تلقاه من الأطراف دون أن يضمنه بالملخص، فلا
بد في هذه الحالة من استدعاء الأطراف مرة ثانية من أجل إضافة البيان والتوقيع عليه.
فكل ما أوردناه آنفا لا يجيز تقريع العدول
وتوجيه اللوم لهم طالما أنه لا يوجد أي تناقض بين المذكرة والمحرر، وأن ما فعله
العدل لا يمس بجوهر الوثيقة.
وقد يحصل عمليا –بفعل الحرص على التطابق
التام بين الملخص والمحرر- أن يتم ترك البياض قبل التوقيع، فلا يملأ العدل هذا
الفراغ إلا بعد أن يكتب الشهادة بالمحرر، ثم ينقله حرفيا إلى المذكرة، فيكون بذلك
قد ضمن المطابقة بين الملخص والمحرر.
ولئن كان من الطبيعي والفطري رفض مسألة
التوقيع على البياض عند العدول، خاصة أن المشرع أمر بتلاوة الشهادة على الأطراف
وشرح بنودها لهم، فقد يعارض ذلك بما ذهب إليه القانون الجنائي الذي لم يجعل من
التوقيع على البياض جريمة معاقبا عليها إلا إذا استغل هذا التوقيع بطريقة تؤدي إلى
قيام أركان جريمة خيانة الأمانة أو جريمة التزوير، فالمعاقب عليه هما هاتان
الجريمتان وليس مجرد التوقيع على البياض.[3]
فالمدار إنما هو على استغلال التوقيع على
البياض من أجل تحقيق مصلحة شخصية للمستغل، والواقع أثبت أن العدول لا مصلحة لهم في
ذلك، فهم قد يلجئون إلى التوقيع على البياض لأنهم قد يأخذون جميع المعلومات من
الأطراف ويسمعون الإيجاب والقبول ثم يقيدون النقط العريضة في مسودة أولية لنقل
المعلومات منها فيما بعد وفق كيفية تضمن التطابق بين الملخص والمحرر.
وقد يلجئهم إلى ذلك كون المكتب العدلي مليئا
بمتعاقدين آخرين ينتظرون دورهم، أو وجود بعض الأطراف بحالة يكون معها على عجلة من
أمره أو مرتبطا بالتزامات شغله أو وظيفته؛ فتجد لدى مثل هذا الطرف – الذي تم الاستماع إلى شهادته مسبقا- استعدادا للتوقيع
على البياض مع ترك مستنداته والوثائق المثبتة لهويته عند العدلين إلى أن يرجع لاستيلامها
في وقت آخر.
وكثيرا ما يحصل هذا الأمر – أي التوقيع على
البياض- عند السماع من شهود اللفيف حيث يوقعون على ما شهدوا به ثم ينصرف كل واحد
منهم إلى حال سبيله.
ونحن لا نرمي من وراء ذكر ما سبق إلى الدفاع
عن مسألة التوقيع على البياض، وإنما فقط ندعو إلى التعامل مع مثل هذه المسألة
بواقعية كبيرة؛ وإلا فمن الواجب أن يأتي الأطراف إلى العدل في الوقت المناسب لهم
وله حتى لا يتذرع أحد بعد ذلك بضيق الوقت، وعليهم أن يمكنوا العدلين من الاستماع
إلى الشهادة وينتظروا حتى تكتب ويعطى لها حقها من حسن الصياغة، ثم تقرأ عليهم
وتشرح لهم بنودها، ثم يوقعوا بعد ذلك؛ وهذا هو الذي يحصل في الغالب، لأن مسألة
التوقيع على البياض تعد مجرد استثناء قد تلجئ إليه الضرورة.[4]
ب- الامتناع عن إصلاح الأخطاء والاعتذار عنها بالوثيقة المحررة.
" الجديد في المادة (33 من قانون
16.03) عما كان عليه في القانون السابق هو أن تحرير الشهادة...يجب أن يكون بكيفية
صحيحة لا أخطاء فيها؛ وإذا حصل أثناء كتابتها خطأ نحوي أو إملائي أو موضوعي تعين
على العدل المحرر أن يعيد الكتابة في ورقة جديدة، بحيث لا يجوز له أن يبقي على
الخطأ ويصلحه ثم يعتذر عنه وفقا لما كان عليه العمل في السابق؛ كما أنه يتعين على
العدلين أن يحررا الشهادة دون انقطاع، وهو التوقف عن الكتابة وإعمال الفواصل
والنقط والرجوع إلى السطر؛ ودون بياض وهو ترك فراغ بين كلمتين أو أكثر، ودون بشر
(بكسر الباء وتسكين الشين)، وهو محو الكتابة بآلة حادة؛ ودون إصلاح،
وهو القيام بأي إصلاح في الكتابة؛ ودون إقحام، وهو كتابة حرف أو كلمة أو أكثر فوق
السطر أو بين الكلمات والسطور؛ ودون إلحاق وهو كتابة كلمة أو أكثر في آخر الوثيقة
مع التنبيه إلى أنها ملحقة بكلمة كذا أو بالسطر كذا؛ ودون تشطيب وهو الضرب على
كلمة مكررة أو غير صالحة؛ ودون استعمال حرف إضراب؛ وهو حرف بل الذي هو للإضراب،
إشارة إلى الضرب على كلمة أو عبارة سابقة".[5]
" وإذا وقع ما يدعو إلى إصلاح
الشهادة أثناء أو بعد تحريرها وتوقيعها من طرف عدليها، أو حتى بعد تسجيلها بمصلحة
التسجيل وتضمينها بالسجل المعد لتضمينها وقبل الخطاب عليها من طرف القاضي، فإنه
يتعين عليهما تمزيق رسمها وإعادة تحريرها بشكل سليم وخال من كل ضرب أو إلحاق أو إصلاح،
ثم إعادة تسجيلها ماليا بواجب ثابت إن كان ولابد، ثم تدفع للقاضي للخطاب عليها وهي
سالمة من كل إصلاح.
غير أنه إذا لم ينتبه إلى الخطأ إلا بعد
التضمين وقبل الخطاب، فإنه يتعين على الناسخ والعدلين - كل فيما يخصه – إصلاح
الخطأ والاعتذار عنه بكناش التضمين...
أما إذا لم ينتبه إلى الخطأ الذي بالوثيقة
إلا بعد الخطاب عليها من طرف القاضي، فإنه لا يجوز إصلاحها والاعتذار عن ذلك؛ وعلى
العدلين إعداد ملحق إصلاحي لها يدرج بمذكرة الحفظ يشار فيه إلى الخطأ وإصلاحه
والاعتذار عنه ثم يوقع من طرف جميع الأطراف المذكورة في أصل الشهادة؛ ويحرر بدون
أي إصلاح واعتذار؛ ثم يضمن ويخاطب عليه".[6]
والمشرع في سنه لهذه المقتضيات التي تحتم
على العدول تحرير وثائقهم بصفة صافية نقية من كل تسخيم أو تسويد أو تصويب أو
اعتذار، اتجه اتجاها واقعيا حريا بالتأييد لما فيه من تحقيق المصلحة
العامة، ولما فيه من فائدة خاصة للعدول وللمهنة.
وتظهر واقعية هذا الاتجاه في أن المشرع
افترض –ربما- أن العدول – كلهم أو جلهم- أضحوا يحررون وثائقهم عبر الحواسيب التي
تسهل عملية مراجعة الوثائق قبل أو بعد طبعها؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المشرع
لم يمنع العدلين من إصلاح ما وقع في ملخص الشهادة والاعتذار عنه بمذكرة الحفظ حسب
الكيفية المنصوص عليها بالمادة 19 من المرسوم التطبيقي لقانون خطة العدالة.
ووجه الواقعية في ذلك أن المشرع راعى أن
العدل بشر يخطئ، وأن احتمالات الخطأ في ملخص الشهادة أكثر من تلك التي يمكن أن ترد
على الوثيقة المحررة.[7] إذ أن مذكرة الحفظ تكتب
بها الشهادة لأول مرة، مع ما قد يعتري العدل في هذه الكتابة الأولى من عوارض
النسيان والعياء وعدم التركيز، بحسب طبيعة الشهادات والأحوال والظروف التي كتبت
فيها. بينما في التحرير يجد العدل أمامه شهادة جاهزة بمذكرة الحفظ فيعمل فقط على
نقل الملخص وإفراغ مضمنه في الوثيقة المحررة.
ولم يكن لهذا التفريق معنى عند الموثقين
القدامى، فكان يجوز عندهم الاعتذار مطلقا بالوثيقة المحررة، ويرجع ذلك إلى أنهم لم
يكونوا يكتبون الشهادات التي تلقوها في سجلات خاصة، وإنما كان التلقي يتم بطريقة
شفوية، فكانت أولى عمليات الكتابة هي التحرير وليس التلقي، ولذلك كان احتمال الخطأ
كبيرا، فأوجب ذلك إيجاد طرق وضوابط لإصلاح الوثائق والاعتذار عن الأخطاء.[8]
لكن الأمر ظل على نفس الشاكلة في القوانين التي تعاقبت على تنظيم خطة العدالة التي سبقت قانون 16.03 والمرسوم التطبيقي له، وذلك بسبب عدم انتشار الكتابة بواسطة الآلات والحواسيب والطابعات –كما هو عليه الأمر اليوم- فكأن المشرع يفترض أن جميع العدول – حاليا- أصبحوا يكتبون وفق هذه الوسائط. وحتى إن لم يكن هذا هو واقع الحال، بأن لم يكن كل العدول يستعملون التقنيات الحديثة، فإن المشرع إنما أسس المقتضيات السابقة بناء على الحالة الغالبة المتمثلة في شيوع الكتابة بواسطة الحواسيب. ويمكن أن يقال بأن المشرع – بهذا التوجه- يدفع العدول دفعا إلى الدخول في عصر التقنيات والعولمة؛ ولهذا السبب قلنا بأن اتجاه المشرع إنما يخدم العدول أنفسهم فضلا عن رعاية المصلحة العامة.
لكن عددا كثيرا من العدول لا يزالون يكتبون
وثائقهم كلها أو البعض منها بواسطة الخط اليدوي، وذلك اعتمادا منهم على الاختيار
المخول لهم بواسطة قانون 16.03 الذي تنص المادة 27 منه في فقرتها الثانية على أن
الشهادة "تحرر... بأكملها دون انقطاع في ورق جيد بكيفية واضحة مخطوطة باليد
بمداد أسود غير قابل للمحو أو مطبوعة بالحاسوب؛ ويوقعها العدلان اللذان قاما
بتلقيها".[9]
فالبعض منهم قد يركن إلى اختيار الخط اليدوي
بدل خط الحاسوب من أجل الرغبة في الحفاظ على جمالية الوثيقة – إذا كان خطه حسنا
جميلا- أو الاستجابة لطلبات بعض الأطراف الذين يصرون على أن تكتب وثائقهم يدويا،
أو لأن بعض العدول لا يلمون بطريقة الكتابة بالحاسوب و لا يستعينون بمن يلم بها
لسبب من الأسباب.
ويأتي الإشكال من أنه قد يطرأ على الكتابة
بخط اليد ما يطرأ من موجبات الإصلاح، فيعمد هؤلاء العدول إلى الاعتذار خاصة
باستعمال حرف الإضراب "بل"، وهو أمر منهي عنه قانونا في الوثيقة
المحررة، وهم إنما يفعلون هذا - الذي يفترض أنه أصبح نادرا من الناحية العملية –
إما جهلا بالمقتضيات القانونية –وهو نادر أو منعدم- أو بسبب عدم الرغبة في إعادة كتابة الوثيقة
يدويا لما يخلفه ذلك من التعب، أو لمجرد التهاون والإهمال. وقد يضاف إلى تلك
الأسباب ما يلاقيه بعض العدول من عنت في إنجاز الوثيقة وطول في إجراءاتها، خاصة في
المناطق البعيدة عن مراكز التوثيق.
فلو حدث الخطأ وتم الاعتذار عنه
بالوثيقة المحررة ثم تمت المخاطبة عليها فهل يكون الجزاء هو بطلان هذه الوثيقة؟
وهل ينبغي كتابة ملحق إصلاحي لاستدراك ذلك؟ وهل هذا الاستدراك يكون على الخطأ أو
على الاعتذار عن الخطأ؟
إن القول بالبطلان في مثل هذه الحالة لا سند
له لأن البطلان لا يكون إلا بنص،[10] ولا نص ينظم هذه الحالة.
ثم إن كتابة ملحق إصلاحي يستدرك به على
الاعتذار لا معنى له، وهو أمر يدخل في باب العبث، فلا معنى لأن يقول العدلان مثلا
عند صياغة استدراك على وثيقة اشتملت على اعتذار: "لما حرر شهيداه رسم -الشراء
–مثلا- المؤرخ في...تضمن في السطر كذا خطأ بذكر حرف الإضراب "بل" واستدراكا
على هذا (الخطأ) فإنه يلحق بالرسم المذكور أن شهيديه ألغيا حرف الإضراب المذكور
لما توجبه المادة 33 من قانون 03-16... ".
والأولى في نظرنا – في مثل هذه الحالات- أن
يعاد تحرير الوثيقة خالية من الاعتذار والأخطاء مع كتابة رسم آخر يبين هذه الحالة
يبقى عند العدلين ولا يسلم للأطراف. وبالطبع فإننا ندعو إلى تبني هذا الاقتراح من
الناحية التشريعية، وإلا فهو غير جائز.
وإن
لم يتم الانتباه إلى مثل هذه الحالات وتبني حلول تشريعية لها، فإن الأمور تحل
تطبيقيا بطرق؛ منها أن العدل قد يكتب رسما، وبعد الخطاب عليه يكتشف فيه خطأ، ثم
يخشى بعد ذلك أن يستدرك على الرسم فيرفض الأطراف تسلم وثيقتين إحداهما فيها الأصل
وإحداهما فيها التصحيح لأنهم يرغبون في تسلم وثيقة واحدة فقط، فيعمد العدل إلى
كتابة الوثيقة من جديد خالية من الخطأ ثم يذهب عند الناسخ الذي يمنحها نفس الأرقام
ويتم الخطاب عليها بنفس التاريخ، وتمنح لها نفس المراجع، ويتم تمزيق
الصورة الشمسية الأولى التي كانت عند الناسخ وإبدالها بالصورة الشمسية الجديدة،
كما يتم تمزيق الوثيقة الأصلية التي تم الخطاب عليها أولا وإبدالها بالوثيقة
الجديدة التي تم تضمينها والخطاب عليها بنفس المراجع.
فكل ما تم فعله هنا تم من
خلاله صون الوثيقة والحفاظ على مضمونها سالما نقيا، فلا مانع من ذلك – في
رأينا- ما دام الضرر لم يلحق لا بالعدول ولا بالنساخ ولا بالمتعاقدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] - الفقرة الأولى
من المادة 25 نصت على ما يلي:" تحرر الشهادة اعتمادا على ما هو مدرج بمذكرة
الحفظ المتلقاة بها".
والمادة 26 نصت على
ما يلي: "تتضمن الوثيقة المحررة جميع الأركان والشروط والمستندات المتعلقة
بها، وفق ما هو مثبت بمذكرة الحفظ".
[2] - إذ المفروض أن
العدل تلقى القبول شفويا حتى لو نسي كتابته بالمذكرة.
[3] - ينص
الفصل 553 من المجموعة الجنائية على ما يلي: "من أؤتمن على ورقة موقعة على
بياض ثم خان أمانتها، بأن كتب بسوء نية فوق التوقيع التزاما أو إبراء أو أي
تصرف يمكن أن يمس شخص الموقع عليها أو ذمته المالية، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس
وغرامة من مائتين إلى خمسة آلاف درهم.
وفي حالة ما إذا كانت
الورقة لم تسلم إليه على سبيل الأمانة، فإنه يعاقب كمزور بالعقوبات المنصوص عليها
في الفصلين 357 أو 358 حسب التفصيلات
المقررة فيهما".
[4] - في ميدان التوثيق
(العصري) منع المشرع الموثق صراحة من أن تجرى أمامه عملية التوقيع على البياض، جاء
في المادة 34 من قانون التوثيق: " يمنع على كل موثق:
- أن يقبل
توقيعا على أوراق تتضمن التزامات أو اعترافات مع ترك بياض في متن الوثيقة ولاسيما
في مكان اسم المستفيد أو الدائن أو المبلغ؛...".
[5] - الحراق، الوجيز،
م س، ص 108.
[6] - الحراق، الوجيز،
م س، ص 109.
[7] - ولعل عدم مسك
الموثق (العصري) لمذكرة الحفظ – التي يكتب فيها ملخص الشهادة- يعد من بين الأسباب
التي جعلت المشرع يخول للموثقين الاعتذار حتى في الوثيقة المحررة، لأن الموثق يحرر
الوثائق في أصل (مسودة) يبقى عنده ونظير يسلم للأطراف، فاحتمالات الخطأ
تبقى واردة.
وقد نصت على مقتضيات
الاعتذار المادة 41 من قانون التوثيق التي جاء فيها ما يلي: "يحرر العقد تحت
مسؤولية الموثق دون انقطاع أو بشر أو إصلاح في صلبه أو إقحام أو كتابة بين السطور
أو إلحاق أو تشطيب أو ترك بياض باستثناء ما يفصل بين الفقرات والبنود، وفي هذه
الحالة يوضع خط على البياض. ترقم جميع الصفحات ويشار إلى عددها في آخر العقد.
يجب تصحيح الأخطاء
والإغفالات بواسطة إحالات تدون إما في الهامش أو في أسفل الصفحة.
يجب التنصيص في الصفحة
الأخيرة على الكلمات والأرقام الملغاة وعدد الإحالات والإشارة إلى الحيز الفارغ من
الكتابة مع بيان عدد الخطوط التي وضعت عليه، ويذيل الموثق هذه البيانات بتوقيعه
وخاتمه مع توقيع باقي الأطراف بعد اطلاعهم على مضمون التصحيح.
تكون ملغاة كل الكلمات أو
الأرقام التي وقع فيها بشر أو إصلاح أو تشطيب أو أقحمت أو ألحقت أو كتبت بين
السطور، في حالة عدم احترام المقتضيات المنصوص عليها في الفقرة السابقة".
[8] - وللاطلاع على هذه
الطرق والضوابط يمكن الرجوع إلى:
- محمد الربيعي، الأحكام
الخاصة بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم، مكتبة المعرفة، مراكش، الطبعة الأولى،
أكتوبر 2008، ص 172 وما يليها.
[9] - ويستفاد من
المادة المذكورة -حسب بعض الباحثين- أن التحرير بالآلة الكاتبة أضحى ممنوعا ولا
يسوغ اعتماده، إذ لابد من التحرير باليد إن كان الخط واضحا أو بالحاسوب.
- الحراق، الوجيز، م س، ص
112.
لكننا لا نرى هذا الرأي
لأن الأصل في الأشياء الإباحة، ولأن المفروض في خط الآلة الكاتبة أنه
أوضح من خط اليد العادي. ولربما بني الرأي الفقهي السابق على أن خط الآلة الكاتبة
أكثر عرضة إلى ما يوجب الإصلاح والاعتذار. لكن طالما لم يرد المنع صراحة، فنحن
لا نرى به. ومهما يكن، فإن التحرير بالآلة الكاتبة أضحى نادرا من الناحية العملية عند
العدول.
[10] - ينص الفصل 306 من
ق.ل.ع على ما يلي: "الالتزام الباطل بقوة القانون لا يمكن أن ينتج أي أثر،
إلا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له.
ويكون الالتزام باطلا بقوة القانون:
1 - إذا كان ينقصه أحد الأركان اللازمة
لقيامه؛
2 - إذا قرر القانون في حالة خاصة
بطلانه".