ركن الرضا في الوثائق العدلية (الجزء الأول)
المطلب الأول: الإشهاد على صحة التراضي في الوثائق العدلية
تقوم التصرفات على ركن التراضي. وقوام هذا
التراضي صيغة متبادلة بين المتعاقدين تدل على تبادل الرضا بموضوع التصرف. وتأتي في
صورة تطابق بين الإيجاب والقبول. فإذا ما تم هذا التراضي أمام العدول وشهدوا
عليـــــه، فإن التراجـع عن الإمضــاء بعـــد ذلك لا يؤثر –بحسب الأصل- في صحة
الشهادة، وهذا الأمر يدفعنا إلى التساؤل عن تمام الإشهاد على التراضي بمجرد تطابق
الإرادتين، ثم عن دور التوقيع والبصمة في هذا التراضي.
فهما إذن مسألتان نعالجهما فيما يأتي:
أولا- تمام الشهادة العدلية على التراضي بتطابق الإرادتين.
لما كان إشهاد العدول بالتصرف لا
يتصور فيه إلا أن يتم بين متعاقدين حاضرين بمجلس العقد – لا غائبين عنه-، فقد وجب
أن يقترن الإيجاب بالقبول ويتطابقا على الفور. ومتى لم يكن الأمر على هذه الصفة
فإن الإيجاب يسقط ما لم يعلق على أجل أو شرط. وهذا ما يستفاد من الفصل 28 و 19 من
قانون الالتزامات والعقود (ق.ل.ع).
فبموجب الفصل 28 "يعتبر الرد مطابقا
للإيجاب إذا اكتفى المجيب بقوله قبلت أو نفذ العقد بدون تحفظ". وبموجب الفصل
19 "لا يتم الاتفاق إلا بتراضي الطرفين على العناصر الأساسية للالتزام وعلى
باقي الشروط المشروعة الأخرى التي يعتبرها الطرفان أساسية.[1]
والتعديلات التي يجريها الطرفان بإرادتهما
على الاتفاق فور إبرامه لا تعتبر عقدا جديدا وإنما، جزءا من الاتفاق الأصلي وذلك
ما لم يصرح بخلافه".[2]
ومتى تطابقت الإرادتان على النحو المذكور
آنفا لزم العقد الطرفين. ولو لم يفترق المتعاقدان بالأبدان إلا بعد برهة طويلة من
تطابق الإيجاب والقبول يظل العقد لازما لهما.
وهذه الأحكام ترجع إلى ما قال به مالك وأبو
حنيفة. بينما خالفهما الشافعي وأحمد اللذان قيدا إتمام البيع بالافتراق من المجلس،
وأنه متى لم يفترق المتبايعان فالبيع لا يكون لازما لهما. ويرجع سبب الاختلاف إلى
الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم
يتفرقا".[3]
فالشافعية والحنابلة وقفوا مع ظاهر اللفظ
وتبنوا ما يسمى بخيار المجلس. بينما ذهب المالكية و الحنفية إلى أن التفرق الوارد
بالحديث إنما المقصود منه التفرق بالأقوال لا التفرق بالأبدان.[4]
وقد يبدو أنه لا أثر لهذا الاختلاف في موضوع
التصرفات العقارية على الخصوص، لأن هذه التصرفات لا تصح إلا باستكمال ركن خامس هو
شكلية الكتابة؛ غير أن الإشكال يظل مطروحا إذا ما تم إبرام هذه التصرفات العقارية
عند العدول؛ إذ لا تعتبر شكلية الكتابة تامة إلا بالخطاب على الوثيقة لكي تستوفي
الصفة الرسمية؛ فماذا لو تطابق الإيجاب والقبول وتم إشهاد العدلين بذلك وكتابة
ملخص الشهادة بمذكرة الحفظ ثم امتنع أحد الطرفين أو كلاهما عن التوقيع؟ وحتى لو
افترقا من المجلس بعد أن وقعا معا، ثم رجعا بعد يوم أو يومين وطلبا إلغاء الشهادة،
فهل ينبغي أن يستجيب العدلان لطلبهما؟
إذا كان من خصائص الوثيقة العدلية أنها تجمع
بين عنصري الشهادة والكتابة، فإن حضور الشهادة فيها أقوى من حضور الكتابة، وعليه
إذا شهد العدلان على الأطراف وسمعا منهما الإيجاب والقبول وتأكدا من تطابق
إرادتيهما على أركان العقد وشروطه، فإن الكتابة بعد ذلك في مذكرة الحفظ تعد مجرد
توثقة وتأكيد لما شهدا به، ويترتب على ذلك أن العقد يلزم الطرفين، فإن تراجع
أحدهما وامتنع عن التوقيع لزمه العقد لأن عنصر الإشهاد قد تم،[5] أما إذا تراجعا معا
فيعتبر ذلك بمثابة عقد جديد يتضمن إقالة متبادلة بينهما، ولا يعتبر افتراقا من
مجلس العقد بالأقوال. وفي كل الأحوال، ينبغي على العدلين أن يستكملا الإجراءات من
أجل خطاب القاضي على ما شهدا به قبل التراجع.
ولعل مراعاة هذه المقتضيات الفقهية هي التي
جعلت المشرع ينص عليها في المادة 20 من المرسوم التطبيقي لقانون خطة العدالة التي
جاء فيها: "في حالة الامتناع عن التوقيع أو وضع البصمة أسفل الشهادة بعد
إدراجها بمذكرة الحفظ، يشير العدلان إلى هذا الامتناع قبل توقيعهما، ويخبران
القاضي المكلف بالتوثيق فورا بذلك".
يقول الدكتور العلمي الحراق في ذلك: "إذا
تلفظ المشهود عليه في مجلس رسمي للإشهاد بما يلزمه أو يعمر ذمته عن طواعية واختيار
بقصد الإشهاد على نفسه لدى عدلين، فإن ما تلفظ به لديهما يلزمه ولو امتنع عن
التوقيع أسفل الشهادة بعد إدراجها بمذكرة الحفظ وبعد إملائه فصولها وأركانها،
وبالتالي فإن عدم التوقيع على الشهادة...لا يؤدي بالضرورة إلى بطلان الشهادة، لأن
التوقيع ليس أمرا جوهريا فيها، وإنما هو شأن شكلي لا يؤثر في جوهر الشهادة.
ولذلك ننبه العدول إلى أنه لا يسوغ لهم أن
يلغوا الشهادة بمذكرة الحفظ بدعوى أن المشهود عليه امتنع من التوقيع أسفلها
بالمذكرة، لأن إلغاء الشهادة ليس من اختصاصهم ولا من اختصاص قاضي التوثيق؛ وإنما
هو من اختصاص قضاء الموضوع؛ وما على العدول في هذه الحالة إلا أن يحرروا الشهادة
على علتها وأن يشيروا (قبل وضع علامتيهما)...إلى أن المشهود عليه امتنع من
توقيعها، وأن يقدموها للقاضي المكلف بالتوثيق الذي بإمكانه أن يشير في عبارات
الخطاب إلى عدم توقيع المشهود عليه أسفلها بمذكرة الحفظ؛ ويبقى للمحكمة كامل
الصلاحية في تقدير قيمتها ومدى لزومها...".[6]
فكلما تم الإشهاد على الأطراف من قبل العدول
لزمتهم الشهادة، ولا ينبغي أن تتعرض الوثيقة المحررة للبطلان لمجرد تعذر التوقيع
بمذكرة الحفظ أو الامتناع عنه.[7]
إذ أن غياب التوقيع يعد -في نظرنا- مجرد
قرينة بسيطة على عدم تمام الإشهاد على الأطراف، فيمكن دحض ذلك وإثبات نقيضه ببينة
أخرى أقوى. وليس من بينة أقوى مما شهد به العدول بصفة محكمة وتامة على الأطراف.
وقد أقام المشرع المغربي قرينتين على تمام
العقد بمجرد الإشهاد الصحيح على الأطراف، ترجع أولاهما إلى وجوب تلاوة الشهادة على
أطرافها من قبل العدلين المتلقيين فور الانتهاء من إدراجها بمذكرة الحفظ،[8] والثانية إلى وجوب
الاعتذار عما شاب الشهادة من غموض أو إبهام أو بياض أو إصلاح أو إقحام أو إلحاق أو
تشطيب،[9] وذلك قبل توقيعات
الأطراف، أو بعد توقيعاتهم بشرط أن يتم ذلك في مجلس الإشهاد وأن تعاد توقيعات
المتعاقدين للمرة الثانية بعد عبارة الاعتذار.[10]
ثانيا- دور التوقيع والبصمة في الإشهاد على تمام الرضا.
إن ما ذكرناه عن التوقيع
آنفا من أنه ليس إجراء جوهريا وأن عدم وجوده لا يؤدي إلى إلغاء الشهادات، ينبغي
تقييده بما إذا تم الإشهاد على تطابق الإرادتين في مجلس العقد ثم حدث أن تراجع أحد
الأطراف عن التوقيع بمذكرة الحفظ، أو كان له عذر يمنعه من التوقيع.
فما قررناه سابقا يعد مجرد استثناء من الأصل
الذي يلزم الأطراف بالتوقيع أو البصمة، خاصة أننا سبق أن قلنا أن عدم إلغاء
الشهادة نتيجة الامتناع عن التوقيع لا يغل يد قضاء الموضوع في إبطالها إذا ما ظهر
له لذلك موجب، وقد يكون الامتناع عن التوقيع موجبا لهذا الإبطال إذا ما تبين
للقاضي مثلا أن لذلك علاقة بالرضا من حيث الصحة أو عدم
الصحة.
فربما يتبين للقاضي أن إرادة الممتنع عن
التوقيع كانت بالفعل معيبة ولم ينتبه العدل إلى ذلك، إذ ليس العدل مطالبا باستفسار
المتراجع عن سبب تراجعه، فهو يحرر الشهادة بعد تمام التطابق بين الإيجاب والقبول،
ثم يذكر واقعة الامتناع عن التوقيع، وإن شاء فليذكر السبب الذي أدلى به الممتنع،
وإن كان الأولى – في نظرنا- هو أن لا يذكره من أجل أن ذلك قد يجعل المحرر يتضمن تعارضا
يؤدي إلى توهين العقود، وهو غير جائز، إذ الوثيقة تبنى على القوة والصلابة.
وتأسيسا على ما ذكر فإننا سندرس – فيما يلي-
التوقيع والبصمة في الوثائق العدلية، اللذين يعتبر وجودهما في هذه الوثائق واجبا
بحسب الأصل.
أ- التوقيع.
تنص الفقرة الأولى من المادة 12 من
قانون 16.03 على ما يلي: "يتقاضى العدل مباشرة من طالبـي الشهادات الأجور
المحددة حسب نوعيتها بمجرد تلقيها وتوقيع الأطراف على ملخصها
بمذكرة الحفظ".
إن "توقيع الشهادة أو إمضاؤها هما
بمعنى واحد في الجملة، ومفادهما جواز الشهادة وتأكيدها والالتزام بما فيها
وتنفيذها، وكذلك الإمضاء الذي معناه في الأصل الجواز والإنفاذ، يقال أمضى الكتاب
إمضاء إذا أجازه وأنفذه،[11] ولا يشترط فيه أن
يكون بأمر محسوس أو مكتوب، فقد يكون الإمضاء بمجرد تلفظ ينطق به المجيز أو المنفذ
لما في الوثيقة أو الصك، أي أن الإمضاء عند الإطلاق لا يعني بالضرورة خصوص الشكل
أو العلامة التي اختارها الشخص ليعلم بها على الرسوم تعبيرا عن إرادته والتزاما
بما تضمنته، غير أن العرف جار على أن المقصود بالإمضاء هو هذا الشكل...فيقال هذا
إمضاء فلان أو توقيعه، أي علامته الخاصة به وشكله المختار، وهذا هو المراد بالنص
القانوني المذكور".[12]
وهو ما تؤكده الفقرة الثانية من
الفصل 426 من ق.ل.ع[13] التي يستفاد
منها أن من خصائص الإمضاء أنه يعد دلالة خطية على التعبير الصريح عن الإرادة
بالتراضي فيما اتفق عليه في العقد، ورمز على اقتران الإيجاب بالقبول وتطابقهما.
وبالإضافة إلى ذلك يتميز التوقيع بأنه يكون بخط يد الملتزم نفسه، وأنه يقع في أسفل
الوثيقة.[14]
ونظرا لأن التوقيع قد يتم تغييره من قبل
صاحبه أو قد ينكره، من أجل التهرب من المسؤولية، فإن بعض الباحثين اقترح توفير
ضمانات لصحة التوقيع، من بينها أن يجعل توقيع كل مواطن أسفل بطاقة تعريفه الوطنية،
أو يجعل لكل مواطن بــــــطاقة خاصـــة تسمى – مثلا- بطاقة الهوية والتوقيع، يكتب
فيها اسمه الشخصي والعائلي وهويته الكاملة، ثم شكل التوقيع الذي اختاره
ليمضـــــــي به كل التصرفات التي قد يبرمها في حياته، ويمـــــــنع
عــــــــــليه – تحت طائلة المتابعة الزجرية-أن يتخذ توقيعا آخر سواه. [15]
ومن الناحية العملية يحرص
أغلب العدول على ما يسمى "بفتح التوقيع" الذي يكون بكتابة المتعاقد لاسمه
ولقبه بعد التوقيع، لأن هذه هي أبسط وسيلة تمكن الخبراء –عادة- من معرفة ما إن كان
المشهود عليه هو الموقع أم غيره.
ب- البصمة.
كل ما ذكرناه عن
التوقيع إنما يتعلق بغير الأميين، أما الأمي ومن في حكمه كالعاجز عن التوقيع
فينبغي الإشهاد عليه بالبصمة.[16]
وبالنظر إلى خصائص
التوقيع كما هي واردة في الفقرة الثانية من الفصل 426 من ق.ل.ع يتبين أن البصمة
ليست بتوقيع. وإذا دلت على أن صاحبها أمي[17] فإن معنى
هذا الكلام أن العقود المذيلة بالبصمات مردودة ما لم تحرر عند عدل أو موثق. أما
العقود العرفية فقد ألزم فيها القانون التوقيع أساسا،[18] والتوقيع لا يكون إلا من
متعلم أو قارئ بحسب الأصل.
وقد تم التنصيص على شرعية
البصمة بموجب المادة 19 من المرسوم التطبيقي التي ورد من ضمن مقتضياتها أن الشهادة
التي تليت على الأطراف "توقع من طرفهم بإمضائهم أو بصمتهم إن تعذر
الإمضاء".
ومع ذلك فإن القضاء
المغربي يرفض البصمة في المجال المدني والتجاري، فقد جاء في اجتهاد لمحكمة النقض
أنه "لا تعتبر بصمات الأصابع دليلا في المعاملات المدنية والتجارية.
وعدم التعويل على الإمضاء
بالبصمة في الإثبات المدني والتجاري – بحسب بعض الباحثين[19]-
ليس بسبب الشك في نسبتها للشخص، ولكن للشك في صحة إرادة صاحب البصمة لمضمون ما في
المحرر، لأنها يمكن أن توضع سهوا أو تؤخذ دون إعلامه، أو تؤخذ منه في حالة مرض أو
غيبوبة أو موت، وعندئذ لا تكون بصمة إبهامه على السند كافية للتأكد من موافقته على
الالتزام ".
ونحن لسنا مع هذا
الرأي نظرا لوجود النص الصريح على مشروعية البصمة –المتمثل في المادة 19 من
المرسوم التطبيقي-، ونوجه هذا الرأي بأنه بتعلق بالمعاملات المدنية والتجارية التي
تبرم عند جهة غير العدول، وللتوسط بينه وبين النص الصريح نعتبر البصمة دليلا على
صحة الإرادة ما لم يثبت العكس، فهي قرينة بسيطة يمكن دحضها بالبينة المعاكسة. وقد
تكون تلك البينة أمرا مما ذكر أعلاه كأن توضع البصمة سهوا أو تؤخذ دون إعلام
صاحبها، أو في حالة مرضه أو غيبوبته أو موته.[20]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] - الفقرة الأولى من
الفصل 19 من ق.ل.ع.
[2] - الفقرة
الثانية من الفصل 19 من ق.ل.ع، والملاحظ على هذه الفقرة -
عند مقارنتها بالنص الفرنسي، أنه سقطت من الترجمة
العربية عبارة "عقدا جديدا وإنما"؛
فقد وردت الفقرة في النص
العربي كما يلي:" والتعديلات التي يجريها الطرفان بإرادتهما على الاتفاق فور
إبرامه لا تعتبر جزءا من الاتفاق الأصلي وذلك ما لم يصرح بخلافه.
بينما وردت الفقرة في
النص الفرنسي كما يلي:
Les modifications que les parties apportent d'un commun accord à la
convention, aussitôt après sa conclusion, ne constituent pas un nouveau
contrat, mais sont censés faire partie de la convention primitive, si
le contraire n'est exprimé.
ولذلك أوردنا بالمتن
أعلاه صياغة الفقرة الثانية من الفصل 19 وفق التعديل المذكور.
والعمل
في التوثيق العدلي يتم وفق ما ذكرناه من تعديل. إذ أن كل اتفاق لاحق يعد جزءا من
العقد الأصلي إلا أن يتفق الأطراف على خلاف ذلك بأن يصرحوا بأن الاتفاق
اللاحق يعد عقدا جديدا مستقلا عن الاتفاق الأول.
ولولا اعتبار صحة هذه
القاعدة من قبل المشرع، لما وجدناه يورد استثناءات عليـــها، ومن ذلك
ما رأيناه – في مقالة سابقة - بخصوص المادة 49
من مدونة الأسرة التي تقضي بأن الاتفاق على تدبير الأموال بين الزوجين ينبغي أن
يرد في عقد مستقل عن عقد الزواج.
[3] - هذا الحديث أخرجه
البخاري في "باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" عن حكيم بن حزام – رضي
الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا،
فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما".
[4] - قال ابن رشد
(الحفيد) في ذكر هذا الاختلاف: "واختلفوا متى يكون اللزوم؟ فقال مالك وأبو
حنيفة وأصحابهما وطائفة من أهل المدينة: إن البيع يلزم في المجلس بالقول وإن لم
يفترقا، وقال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وابن عمر من الصحابة رضي الله
عنهم: البيع لازم بالافتراق من المجلس وأنهما مهما لم يفترقا، فليس يلزم البيــــع
ولا ينعقد..."
انظر هذا الاختلاف
وأسبابه عند:
- محمد ابن رشد (الحفيد)،
بداية المجتهد ونهاية المقتصد، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، م.ت.ط.غ.م. ج
2، ص 128-129.
[5] - إن
فساد الذمم وسوء الأخلاق في الناس بما فيهم العدول، وادعاء
المتعاقدين أنهم كانوا عرضة للزور، وما قد يرافق ذلك من
مشاكل ومتابعات للعدول، كل ذلك دعا إلى سن إلزامية التوقيع بمذكرة
الحفظ.
ولم يكن التوقيع منصوصا
عليه لدى العدول عند العمل بكناش الجيب، أي في الفترة ما قبل المرسوم التنظيمي
لخطة العدالة السابق الصادر سنة 1983، وقد كان هذا المنــــــحى من
المشــــــــــــرع يرجع إلى أن "الشـــــــهادات في أصلها لا يتطلب فيها –
شرعا وقانونا – رضا المشهود عليهم بما تضمنته واحتوته ولا إمضاؤهم لها، بل تقع
صحيحة سواء أجازوها وقبلوا ما فيها، أو رفضوا مؤداها، لأن الوثيقة العدلية بقدر ما
هي توثيق وكتابة، بقدر ما هي بينة وشهادة، وفقهاء الشريعة إنما يرجحون فيها جانب
الشهادة على جانب الكتابة، أخذا بالغاية والهدف بدلا من الأخذ بالوسيلة
والسبب...".
- العلمي الحراق،الوجيز
في شرح القانون المتعلق بخطة العــــــــــدالة،مطبعــــــة كانا برينت، الرباط،الطبعة
الأولى 2009، ص 40.
[6] - العلمي
الحراق،التوثيق العدلي بين الفقه المالكي والتقنين المغربي وتطـبيقاته فـي مدونـة
الأسرة،مكتبة دار السلام، الرباط،طبعة 2009، ج 1، ص 350-351.
" وتجدر الإشارة إلى
أنه ليس في هذا الاتجاه أي امتياز للعدول أو صلاحية مفرطة كما قد يعتقد، إذ
بالإضافة إلى أن الاستغناء عن توقيع المشهود عليه هو الأصل في الشهادة العدلية،
وأنه مجرد إجراء شكلي لا يؤثر في جوهر العقود والتصرفات، فإن هناك وثائق ومحاضر
ومحررات هي من الخطورة بمكان على حياة الإنسان وحقوقه وعرضه وماله؛ ومع ذلك أعطى
التقنين المغربي الصلاحية التامة لمحرريها إمكانية صرف النظر عن توقيع من تحرر ضده
أو من صرح بها، وذلك مثل محاضر الشرطة القضائية ومحاضر الدرك الملكي ومحاضر
الجمارك ونحوها.
ومثل ذلك أيضا تلقي
العقود والشهادات من طرف الأعوان الديبلوماسيين والقناصل العاملين
بالخارج المخولين صفة عدول...ومن ذلك أيضا تلقي التصريحات بالولادة من
طرف ضابط الحالة المدنية...ولا يقال في هذا الشأن أن عدالة محرري هذه
المحاضر والعقود والشهادات والرسوم وأخلاقهم واستقامتهم، تفوق عدالة العدول
واستقامتهم ونزاهتهم، فواقعنا وزماننا وأحوالنا واحدة لا فرق بين هذا
وذاك...".
- العلمي الحراق، م س، ج
1، ص 251-352.
[7] - انظر خلاف هذا
الرأي عند:
- محمد الربيعي، محررات
الموثقين وحجيتها في الإثبات في التشريع المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات
العليا في القانون الخاص، كلية الحقوق بالدار البيضاء، السنة الجامعية 1987-1988،
ص 273.
[8] - تنص على ذلك
الفقرة 8 من المادة 19 من المرسوم التطبيقي لخطة العدالة التي جاء فيها:"يقوم
العدلان بتلاوة مضمون الشهادة فور الانتهاء من إدراجها بمذكرة الحفظ على
المتعاقدين والشهود والترجمان عند الاقتضاء مع الإشارة في الشهادة إلى ذلك... ".
[9] - تنص على ذلك
الفقرة 3 من المادة 19 من المرسوم التي ورد فيها: "يضمن العدلان في الشهادة
فصولها الجوهرية التي ينتفى معها كل غموض أو إبهام، ويثبتان بها كل المعلومات
والمستندات التي يتعين استيفاؤها دون بياض أو بشر أو إصلاح أو إقحام أو إلحاق أو
تشطيب إلا ما اعتذر عنه بالنسبة لغير البشر، أما البشر فلا يقبل الاعتذار
فيه".
والبشر الذي لا يقبل
الاعتذار عنه بمذكرة الحفظ هو محو الكتابة بآلة حادة.
[10] - تنص الفقرة
الأخيرة من المادة 19 من المرسوم على ما يلي: "يتعين أن يكون الاعتذار في
الشهادة بمذكرة الحفظ قبل التوقيعات؛ فإن وقع ما يدعو إلى الاعتذار بعدها؛ وجب أن
يكون قبل انتهاء مجلس الإشهاد وتعاد التوقيعات".
[11] - العلمي الحراق،
الوجيز، م س، ص 39.
[12] - الحراق، الوجيز،
م س، ص 39-40.
[13] - تنص الفقرة
الثانية من الفصل 426 من ق ل ع على ما يلي:" ويلزم أن يكون التوقيع بيد
الملتزم نفسه وأن يرد في أسفل الوثيقة ولا يقوم الطابع أو الختم مقام التوقيع،
ويعتبر وجوده كعدمه".
[14] - يتم التوقيع
في أسفل الوثيقة عند نهاية بنودها. على ما جرى به العمل، وعليه فإنه لا يلزم أن
توقع جميع أوراق الوثيقة فيما لو كانت متعددة، بينما خالف بعض الفقه في ذلك إذ ذهب
إلى القول: "وإذا تكون المحرر من عدة أوراق، تعين التوقيع على كل ورقة منه،
ولا يكفي توقيع الورقة الأخيرة وحدها".
انظر: - سليمان مرقس،
الوافي في شرح القانون المدني، مطبعة السلام، شبرا، مصر، الطبعة الخامــــسة 1990،
ج 5، م 1، ص 232.
[15] - العلمي الحراق،
الوجيز، م س، ص 47.
وقد اقترح هذا الباحث
أيضا إيداع نسخة من البطاقة المذكورة في ملف خاص بالموقع لدى جهة مختصة، وأن يكون
التوقيع بهذه البطاقة مفتوحا بكتابة اسمه الشخصي والعائلي بخط يده (اليمنى أو
اليسرى ) التي يكتب بها عادة، وأن ينص فيها على ذلك. واقترح على العدلين إذا تبين
لهما أن الإمضاء الذي وقع به المشهود عليه ليس مطابقا للإمضاء الموجود ببطاقة
توقيعه، أن يطلبا منه إعادة توقيعه بالمذكرة وفقا للذي ببطاقته، فإن أبى أو جاء
توقيعه مخالفا للمرة الثالثة أو أكثر نبها على ذلك بالتنصيص عليه في صلب الشهادة.
[16] - هذا إن لم تكن
البصمة متعذرة هي الأخرى في حقه – كمن قطع إبهامه- وإلا فإن العدلين
يشهدان عليه إذا فهما منه الرضا دون توقيع ولا بصمة.
[17] - ليس معنى هذا
الكلام أن الأمي هو الذي لا يجيد التوقيع، بل نرى أن البصمة تعد قرينة بسيطة على
الأمية يمكن دحضها بالبينة المعاكسة.
[18] - لكن ما
الحكم فيما لو كانت هذه العقود محل تصحيح بالبصمة من طرف السلطات المحلية ؟ يذهب
بعض الفقه إلى القول بأنه يمنع على هذه السلطات تصحيح العقود المذيلة بالبصمات
لسببين: أولهما أن البصمة ليست بتوقيع، وظهير 25 يوليوز 1915 يتعلق
بتصحيح التوقيعات لا البصمات. وثانيهما أن البصمة تدل مبدئيا على الأمية،
والتزامات الأميين وضع لها القانون نظاما خاصا في الإثبات. ومن ثم فإن هذه العقود
تظل كبداية حجة بالنسبة لمن ليس بأمي يلزم أن تكتمل بالشهادة أو القرائن. ولا مانع
يمنع من أن يشهد حتى الموظف الذي قام بالتصحيح. وإذا ما تظاهر المبصم بالأمية وهو
على خلافها فإن المسألة مسألة إثبات ليس غير. وعبء الإثبات على الطرف
الآخر لأن الأصل في الإنسان الأمية إلى أن يثبت خلافها. والإثبات حر بمختلف
الوسائل لأنه يتعلق بواقعة مادية.
- انظر: - عبد الرحمان بلعكيد،وثيقة البيع النظر والعمل، مطبعة النجاح الجديدة،
الطبعة الثالثة 2001، ص 285.
[19] - أحمد
يوسف عبد الله الزعابي،إثبات الدعاوى في الفقه المالكي مقارنا بقانوني الإثبات
بالمغرب والإمارات،أطروحة دكتوراه من دار الحديث الحسنية للدراسات الإسلامية
العليا، نوقشت سنة 2005.، ص 472.
[20] - هذا مع ما يتضمنه
الأمر من مبالغة، لا سيما وأن حسن النية مفترض في الشخص العادي، فبالأحرى إذا كان
موظفا رسميا مؤتمنا أو عدلا محلفا.