الطريق إلى إصلاح شهادة اللفيف
أساس الاضطراب في مسألة شهادة اللفيف –في الفقه
والقضاء- يرجع إلى عدم التوفيق بين مقتضيات الفقه المالكي وقواعد القانون الوضعي في
هذا الصدد، وإلى النظر إلى قيمتها في الإثبات من زاوية واحدة لا تعتد بالظروف
والحالات والنوازل المختلفة.
ولذلك نرى أنه ينبغي عرض
الاجتهادات القضائية والآراء الفقهية في هذه المسألة (أولا)، قصد
مناقشتها (ثانيا) وفق سياق مركب يمكننا من تقديم مقترحات تخدم نظرية إثبات
تمزج بين قواعد الفقه الإسلامي والتقنين الوضعي دون تعارض (ثالثا).
أولا- الاجتهادات القضائية والآراء الفقهية في شهادة اللفيف .
1- حجية شهادة اللفيف في القضاء المغربي.
بتتبع قرارات محكمة النقض في هذا الموضوع،[1] نجد أنها قررت في
البداية أن شهادة اللفيف هي مجرد قرينة فعلية يرجع تقديرها إلى قضاة الموضوع،
وليست شهادة شهود.[2]
ثم اعتبرتها شهادة مدونة يحق للخصم التمسك
بإخضاعها للإجراءات المسطرية اللازمة لسماع شهادة الشهود اعتمادا على الفقرة
الثالثة من الفصل 404 من ق.ل.ع.[3]
ثم قررت أنها مجرد لائحة للشهود[4] تخضع لمقتضيات
الفصل 444 من ق.ل.ع.[5]
ثم أكدت اعتبارها شهادة شهود في قرار آخر.[6]
ثم قررت محكمة النقض أن شهادة اللفيف شهادة
مضمنة في وثيقة رسميّة حيث تم التمييز بين مضمون اللفيف الذي اعتبر شهادة؛ وشكل
اللفيف الذي اعتبر ورقة رسمية.[7]
ثم تراجعت محكمة النقض عن
الموقف الذي اعتبر اللفيف مجرد لائحة شهود؛ فأثبتت بأنها شهادة كشهادة العدول التي
تثبت بها الحقوق.[8]
2- موقف الفقه المعاصر من اللفيــــف.
اختلفت مواقف الفقهاء والباحثين المعاصرين
بخصوص حجية اللفيف كما اضطربت مواقف القضاء؛ ويمكن رد هذه المواقف إلى اتجاهين.
فالاتجاه الأول يعارض شهادة اللفيف ويدعو إلى
إلغائها من ميدان الإثبات جملة وتفصيلا، إما بصفة صريحة، أو بصفة ضمنية،[9] والذين يدعون إلى
إلغائها بصراحة منهم من يدعو إلى أن يكون هذا الإلغاء دفعة واحدة،[10] ومنهم من يدعو إلى
التدرج في إلغائها حتى لا يؤثر ذلك على حقوق الأفراد.[11]
وغالبا ما يستند هؤلاء إلى أن شهادة اللفيف
لا أصل لها في الشرع وأنها تتم بدون يمين، وأنها تكتب وفق نماذج جاهزة يتم تكريرها
دون نظر إلى ما يحيط بكل شهادة من ظروف، وأن الضرورة التي دعت إليها لم تعد قائمة،
وأن الشهود لا يؤدون الشهادة أمام القاضي.
والبديل الذي يقدمونه هو الاستماع إلى
الشهود من قبل القاضي مباشرة أو بواسطة إنابة قضائية، بعد أدائهم لليمين
القانونية.
أما الذين لم تثبت عنهم دعوى صريحة إلى
إلغاء اللفيف؛ فمنهم من انتقد اعتبار شهادة اللفيف شهادة شهود من حيث الموضوع[12] وورقة رسمية من حيث
الشكل(بمفهوم الفصل 418 من ق.ل.ع)،[13] وذلك بقوله: "وإذا
طبقنا المعيار الشكلي المقرر في الفصل 418 من قانون الالتزامات
والعقود، على شهادة اللفيف المستمدة من الفقه الإسلامي، فإننا سنجعل من هذه
البينة... ورقة رسمية يجوز اعتمادها حتى فيما لا يجوز الاعتماد فيه على الشهادة
المؤداة أمام قاضي الموضوع نفسه، إذ يصبح بمقدور المتقاضي الذي رفض القضاء طلبه
الاستماع إلى شهوده لعدم جواز إثبات التصرف القانوني المراد إثباته بشهادة الشهود،
أن يحمل نفس الشهود إلى مكتب عدلين ليحررا شهادتهم في رسم يخاطب عليه قاض آخر، و
يعود نفس المتقاضي إلى نفس القاضي ليحكم في نفس النزاع استنادا على نفس
الشهود لمجرد أنهم لم يؤدوا شهادتهم شفويا أمامه، وإنما كتبها عنهم
عدلان، مع أن الأولى أن تقدم الشهادة لديه على الشهادة لدى غيره.
و إذا نظرنا إلى شهادة اللفيف من زاوية
موضوعها، و حاولنا إدراجها وفق هذا المنظور ضمن " شهادة الشهود
" المنصوص عليها في البند الثالث من الفصل 404 من قانون الالتزامات والعقود،
فإن أول إشكال سيفرض نفسه علينا هو تحديد ما إذا كان التنظيم الموضوعي للإثبات
بشهادة الشهود في قانون الالتزامات والعقود[14] مرتبطا بالمقتضيات
الإجرائية الواردة في الفرع المتعلق بالأبحاث [15] من قانون المسطرة
المدنية، إلى الحد الذي يحول دون اعتماد الشهادة كوسيلة إثبات إلا بعد استيفاء
الإجراءات الواردة في هذا القانون الأخير؟".[16]
وذكر في بيان هذا الإشكال الأخير أن
"الاستماع إلى الشهود طبقا لمقتضيات قانون المسطرة المدنية يتم من قبل القاضي
المكلف بالقضية أو المقرر فيها [17] نفسه، بعد أداء
اليمين على قول الحقيقة، وذلك بمحضر الأطراف أو في غيبتهم بعد
استدعائهم قانونا، وهي ضمانات – بغض النظر عن مدى نجاعتها - لا تتوافر
في شهادة اللفيف التي لاتصل إلى يد القضاء المختص بالبت في النزاع إلا بعد تكفل
عدلين بصياغة مضمون ما نطق به الشهود وفق نماذج معدة مسبقا، في غيبة الخصم المراد
الاحتجاج بها ضده، بعيدا عن رقابة القضاء المذكور، ودون أداء لليمين، الأمر الذي
يؤثر دون أدنى شك على قيمتها الإثباتية. وحتى إذا تجاوزنا هذا الإشكال، و لو
باستدعاء شهود اللفيف لأداء شهادتهم أمام المحكمة وفق مقتضيات قانون المسطرة
المدنية المشار إليها ، فإن اعتبار شهادة اللفيف "شهادة شهود"
يقتضي التسليم بعدم جواز اعتمادها لإثبات التصرفات القانونية التي تتجاوز قيمتها
(عشرة آلاف درهم) طبقا لمقتضيات الفصل 443 من قانون الالتزامات و
العقود، في غير الحالات الاستثنائية المحددة تشريعيا".
أما الاتجاه الثاني فيؤيد شهادة اللفيف ولا
يدعو إلى إلغائها، ومن أنصاره[18] من يرى بأن الضرورة
ما زالت تدعو إلى الأخذ بها دون أن يتعرض للمطالبة بإصلاحها؛[19] ومنهم من يطالب بإعادة
النظر في بعض قواعدها،[20] مستندا إلى "أن
شهادة اللفيف يلجأ إليها الناس أحيانا لتحصين حقوق لم يثر بشأنها نزاع بعد، وهم
يفعلون ذلك خشية وفاة الشهود الذين علموا ما لم يعلمه غيرهم من جهة؛ وتحسبا لكل
نزاع مستقبلي من جهة أخرى"؛[21] ومستندا أيضا في التعقيب
على الانتقادات التي طالتها إلى أن "العيب ظاهرة إنسانية قد يتسرب إلى كل
ناحية من نواحي المجتمع، ولكن الواجب هو إصلاح العيب وليس القضاء على المجتمع،
فهناك كثير من المؤسسات غير مؤسسة شهادة اللفيف تسرب العيب إليها، (فلا) يجوز
المناداة بالقضاء على تلك المؤسسات...بدلا من العمل على إصلاحها".[22]
ولذلك يدعو[23] إلى التأكد قبل
تلقيها من وجود عنصر الضرورة وأسبابها وتوفر شروطها الفقهية وتلك الشروط التي سنها
منشور وزارة العدل لسنة 1959 خاصة ما يتعلق بإسناد تلقيها إلى العدول المبرزين[24] ووجوب توفر الإذن
القضائي.
وفي مسألة الإذن القضائي على الخصوص يرى بعض
الباحثين[25] أن طريق هذا
الإصلاح هو الرجوع إلى ما اشترطه منشور وزارة العدل من العمل بنظام الإذن في إقامة
الشهادات اللفيفية لأن من شأن هذا الإذن –بحسب ما يراه- حماية للعدول أنفسهم مما
يلاقونه من متاعب تثيرها هذه اللفيفيات، وصيانة لحقوق الناس وضمانا لسلامة الوثائق
العدلية من أي شك أو ريب، وكسبا في ذات الوقت لمزيد من ثقة المواطنين، وحدا من
تلاعبات بعض الشهود.
ثانيا- مناقشة المواقف السابقة.
لمناقشة الاجتهادات والآراء
السالفة ارتأينا أن نفرد لذلك العناوين التالية:
*اللفيف قرينة فعلية.
إن الرأي الذي يعتبر اللفيف قرينة
فعلية لا شهادة يعد صائبا في حالة ما إذا ما كان لدا المشهود له بداية
حجة كتابية فدعمها بشهادة لفيف توفرت فيها قرينة مكتوبة أو أكثر، لكن نقصت شروط
هذه الشهادة أو اختل بعضها. والقرينة هنا تعد قرينة بسيطة تقبل الدحض بالبينة
المعاكسة.[26] ولهذا الرأي
سند فقهي عند المالكية.[27]
*اللفيف شهادة شهود.
اعتبار اللفيف مجرد شهادة شهود –عند
فئة- يعني خضوع هذه الشهادة للسلطة التقديرية للقاضي بناء على قواعد المسطرة
المدنية. فيكون لهذا الرأي محل من الصواب
عندما تنعدم القرائن التي تسند شهادة اللفيف المكتملة الشروط.
ذلك
أن اللفيف الذي يجري عليه العمل حاليا إنما ظهر مع المتأخرين من الفقهاء، وهو لا
يفيد العلم القطعي الذي طريقه هو التواتر –كما كان عليه الأمر في استخدام اللفيف
عند المتقدمين-، فشهادة اللفيف على ما جرى عليه العمل لا تفيد إلا ظنا قويا قريبا من العلم؛ وهي تتطلب
لأجل ذلك أن تتوفر على جميع شروطها، وأن تحتف بها القرائن القوية المنضبطة، سواء
كانت هذه القرائن مكتوبة في شهادة اللفيف نفسها أو تم استقاؤها من جهة أخرى. فإن
وجدت الشروط وتخلفت القرائن، وجب اعتبار اللفيف مجرد شهادة شهود تطبق عليها قواعد
المسطرة المدنية.[28]
فالمسألة لا تعدو أن تكون إنزالا
لشهادة اللفيف من مرتبتها الأصلية التي لا تتوفر إلا بتحقق كل شروطها مع وجود
قرائن قوية تسندها إلى مرتبة ثانية هي مرتبة الشهادة العادية؛ ولا عبرة بعد ذلك
بالاسم الذي أعطي لها فلا مشاحة في الاصطلاح.
*اللفيف شهادة عدلية.
النظر إلى شهادة اللفيف على أساس أنها شهادة
عدلية، يقصد منه جعلها في الحجية بمنزلة الشهادة العلمية التامة أو منزلة
الشهادة الأصلية في الحجية، وهو نظر حري بالصواب في الحالة التي تتم فيها هذه
الشهادة وفق الشروط والكيفية المتطلبة فيها؛ مع احتفائها بالقرائن القوية المنضبطة
حتى توجب في ذهن القاضي ظنا قويا قريبا من الجزم فيحكم به.[29]
*اللفيف عبارة عن لائحة شهود.
إذا اختلت شروط شهادة اللفيف وانعدمت
القرائن أو ضعفت، فلم يبق حينئذ إلا اعتبارها مجرد لائحة شهود، فإن ظهرت –أثناء
سريان الدعوى- قرائن وأدلة أخرى قوية ومنضبطة، فيمكن الركون إلى لائحة الشهود تلك
من أجل تعزيز هذه القرائن والأدلة. ويختلف الأمر بحسب الحالات والنوازل المعروضة
وإجراءات البحث والتحقيق، فإذا ما أسفر الأمر –في حالة معينة- عن تجدد الأدلة
وقوتها، فيمكن بذلك أن تصعد لائحة الشهود إلى مرتبة شهادة الشهود التي تخضع للسلطة
التقديرية للقاضي. وقد يستدعي الأمر إعادة استدعاء شهود اللائحة من أجل تعميق
البحث.
*اللفيف شهادة شهود من حيث الموضوع وورقة رسمية من حيث الشكل.
الاجتهاد القضائي الذي ذهب إلى
اعتبار اللفيف ورقة رسمية من حيث الشكل وشهادة شهود من حيث
الموضوع ، قد ينسحب–في شقه الثاني المتعلق بالشهادة- على الشهادة العدلية
التي لا تخول السلطة التقديرية للقاضي –من حيث المبدأ- عند توفر الشروط والقرائن
القوية.
وعليه فيمكن توجيهه في هذا الشق الثاني بأن
القاضي له أن يتحقق من شروط الشهادة وفق ما يراه فقهاء المالكية، فإن استوفت شروط
شهادة اللفيف وأحاطت بها القرائن القوية فهو يحكم بها حتما ولا سبيل إلى إبعادها
بدون موجب.
وإن ظهر للقاضي أن القرائن غير موجودة مع أن
الشروط متوفرة، فهو يعتبر شهادة اللفيف مجرد شهادة عامة أو شهادة شهود يسري عليها
قانون المسطرة المدنية –مع التقيد بعدم الإضرار بالشهود عندما يتطلب الأمر إعادة
استدعاء الشهود وتحليفهم-،[30] وإن لم تتوفر حتى الشروط
أو اختلت أو نقصت فعندئذ تنزل الشهادة إلى مرتبة القرينة.
غير أنه إذا ما اعتبر
القاضي أن الشهادة هي فعلا شهادة لفيف –وليست شهادة شهود- فهو لا ينظر بعد ذلك إلى
أنها أنجزت في قضية يقل مبلغ الالتزام فيها عن عشرة آلاف درهم، لأن هذا الشرط غير
منظور إليه من الناحية الفقهية الشرعية. هذا مع العلم أن جل شهادات اللفيف خاصة في
الأموال لا يتصور فيها بحسب ما ندعو إليه من تنظيم في مسألة اللفيف – مما سيأتي
ذكره- أن تقل عن القيمة التي يستوجبها القانون.[31]
وتوجيه هذا الرأي من حيث
شقه الأول الذي مفاده أن شهادة اللفيف تعد رسمية من حيث الشكل، يتطلب اعتباره منسجما
مع ما ذهب إليه الفصل 418 من ق.ل.ع و35 من قانون 16.03 الذي يجعل صفة الرسمية
تنصرف إلى كل الشهادات المخاطب عليها سواء كانت أصلية أو استرعائية.
وينسجم إطلاق الرسمية من
جهة الشكل على شهادات اللفيف مع ما ذهب إليه الفصل 352 من مجموعة القانون الجنائي
الذي يعاقب العدول على جريمة الزور، وذلك باعتبار أن الورقة الرسمية لا يطعن فيها
-بحسب الأصل- إلا بالزور.
لكن التكييف بأن شهادة
اللفيف رسمية من جهة الشكل وشهادة من جهة المضمون يخشى معه أن يركن الخصوم إلى
الطعن فيها رأسا عن طريق الزور، مع أن في إمكانهم إسقاطها لدا القضاء المدني
بإنزالها إلى مرتبة الشهادة العامة العادية أو إلى مرتبة القرينة، أو حتى إلى مجرد لائحة شهود.
ومن طرق ذلك أن يقتصر الخصم على الطعن فيها بعدم
توفر شرط ستر الحال مثلا؛ ولو أننا في هذا الشرط خاصة وغيره من الشروط عامة ندعو
إلى النظر إليه كشرط نسبي يتأثر بالزمان والمكان، فنفهمه من منظور أهل زماننا لا
من منطلق السابقين.
وغالبا ما يعمد الأطراف إلى الطعن في شهادة
اللفيف بالزور الأصلي أو الفرعي قبل أن تتم محاولة إسقاطها بطرق أخرى كنقص
الشروط أو اختلالها أو إثبات الصورية أو التدليس أو استبعادها للريبة أو تجريح
الشهود وما سوى ذلك؛ فيكون الطعن بالزور مركبا للخصوم من أجل إدانة العدول ظلما.
وحتى لو قرر القضاء الزجري بعد طول الإجراءات أن
العدلين كاتبي شهادة اللفيف بريئان من تهمة الزور بعد أن اعتبر الشهادة وثيقة
رسمية، فلا يوجد بعد ذلك ما يلزم القاضي المدني بالعمل بها، ما دامت تعتبر مجرد شهادة عامة؛ وعليه فلا العدلان سلما
من التهمة التي كادت أن تودي بهما، ولا الشهادة التي كتباها كان لها اعتبار عند
القاضي المدني.
*خلاصة واستنتاج.
بعد التوفيق بين القانون الوضعي
وما جرى به العمل في شهادة اللفيف، فإن حجية هذه الشهادة تتحدد تبعا للحالات
والظروف المحيطة والأدلة المصاحبة والإجراءات. فبحسب حالة ما قد يعتبر اللفيف
شهادة عدلية تامة وتشكل بينة توجب على القاضي الحكم بمقتضاها، وذلك إذا ما توفرت
هذه الشهادة على شروطها التامة وقيدت بها القرائن القوية المنضبطة التي تدعم تلك الشروط.
ومن المفروض أن العدلين
هما اللذان ينبغي عليهما التأكد من توفر شروط اللفيف فيما يقدران على التأكد منه؛
مما يدخل في صلب عملهما؛ وإذا ما تم بناء الشهادة على بعض الوثائق – كما هو حال
أغلب شهادات اللفيف[32]-؛ فإن من شأن تلك
الوثائق أن تشكل _في أغلب الحالات_ قرائن تتعزز بها شهادة اللفيف
المكتملة الشروط.
وفي حالة أخرى قد تعتبر
شهادة اللفيف شهادة عادية أو شهادة شهود تخضع لقانون المسطرة المدنية إذا تخلفت
فيها القرائن دون الشروط. وعليه، إذا لم تكتب بالشهادة الوثائق المشكلة
للقرائن، فيمكن أن يتم تعزيزها بهذه الوثائق عند الادعاء بالمحكمة؛ فينظر لهذه
الشهادة حينئذ على أنها شهادة عادية صعدت إلى مرتبة شهادة اللفيف الحقيقية عندما
تعززت بالوثائق التي تقوم بوظيفة القرائن.
وفي حالة ثالثة قد تنزل
شهادة اللفيف من مرتبة الشهادة العادية إلى مرتبة القرينة الفعلية إذا ما اختلت
شروطها أو عدم بعضها.
فإذا انعدمت الشروط
والقرائن معا ينظر إليها على أنها مجرد لائحة شهود. فتلك حالة رابعة.
*كيفية التعامل الواقعي مع شهادة اللفيف.
تبعا لما استنتجناه من
مناقشة الآراء المختلفة في شهادة اللفيف؛ نرى بأنه لا بد أن يكون لهذه الشهادة اعتبار
في كل الأحوال، ولا ينبغي النظر إليها منذ البداية على أنها عدم، ولذلك فمن
الغرابة أن تتم الدعوة إلى إلغاء شهادة اللفيف مع ما يرافق ذلك من اختلال للنظام
الاجتماعي والاقتصادي، مع أنه في الإمكان –في أقصى المواقف-أن تكيف شهادة اللفيف من
قبل القاضي على أساس أنها شهادة عامة وعادية –في كل الأحوال-؛[33] فإن شاء القاضي استبعدها
منذ البداية ولو تحققت الشروط ووجدت القرائن التي تجعل منها شهادة لفيف حقيقية.[34]
ويضاف إلى ذلك أنه من
الناحية العملية يلاحظ بالفعل أن كثيرا من الوقائع جرى العمل على توثيقها بشهادة
اللفيف؛ وهناك شبه إجماع على قبولها والعمل بمقتضاها في هذه الوقائع؛ كما أن
العدول لا يتلقون –في الغالب- شهادات اللفيف إلا مقترنة بوثائق وقرائن تعضدها
وتعززها.
وبالنظر إلى ما ذكر فليت
الذين يدعون إلى إلغاء شهادة اللفيف يقدمون لنا بديلا معقولا غير ما ذكروه من أن
أداء الشهادة لا بد أن يحصل أمام القاضي؛ فهذا الإجراء كان معروفا من لدن الذين
أصلوا لشهادة اللفيف؛ وكان معمولا به ولا يزال؛ ومع أن العمل به في زمن المؤصلين
كان أوفق، لأن التزكية بشروطها كانت متطلبة في الشهود العاديين، وليس مجرد أداء
اليمين –على ما عليه الأمر الآن-، فمع ذلك رأى هؤلاء الفقهاء أن الضرورة توجب
إحداث نظام آخر إلى جانب نظامي الشهادة العدلية والشهادة العامة، وهذا النظام هو
شهادة اللفيف.
ولتلخيص كيفية التعامل الواقعي
المنشود مع شهادة اللفيف نستشهد بما أورده المرحوم –بكرم الله- جواد بنامغار حيث
ذكر في مقال له رائع ما يلي: "الفقه المالكي حينما أقر شهادة اللفيف
لاعتبارات ترجع إلى الضرورة وحفظ حقوق الناس بتيسير الإثبات ورفع الحرج عنهم في
هذا الباب، فإنه أقرها في منظومة متكاملة، وتصور شامل لمفهومها، وضرورتها،
وطبيعتها، والقواعد الكفيلة بحسن إعمالها، وتوفر الظن الغالب بتحقيق العدل في
الحكم بها...
ولهذا ارتبطت "شهادة اللفيف"
بأحكام "الاستفسار" و"تزكية الشاهد" و"تجريحه"
و"الرجوع في الشهادة" و"الإنكار المجرد" وقواعد "الجمع
والترجيح" بين البينات عند التعارض، والفرق بين "الشهادة بالباطل"
و"الشهادة بالزور"، وأحكام حماية الشاهد من مضارته بسبب شهادته، وأحكام
ضمانه وتغريمه، وكذا متابعته وتأديبه في منظومة متكاملة، وتصور شامل، وتنظيم دقيق
تحصينا لهذه الوسيلة الإثباتية من المبطلين والطاعنين لأهواء شخصية، وحماية لها من
الانحراف وحملا لها على جادة الصواب، قصد تحقيق العدل، وحماية مصالح الناس...
لكن مشكل "الازدواجية والتناقض"
في العمل القضائي...[35] أدى إلى العمل بشهادة
اللفيف بشكل مبتور، ففصلت عن نسقها وعمل بها باعتبارها وسيلة إثبات مع تطبيق قواعد
ومساطر وضعية بخصوصها لا تلائمها ولا تنطبق عليها،[36] فأدت إلى أحكام غريبة
ومتناقضة ومجحفة في كثير من الأحيان.
ومن الأمثلة على ذلك "دلالة"
شهادة اللفيف، فمن المقرر فقها أنها دلالة ظنية، تفيد غلبة الظن بما شهد به شهودها،[37] وليست دلالة قطعية، ومن
هنا اشترط الفقه الاستفسار،[38] ورهن إعمال اللفيف به
قطعا لما يعتريه من إجمال، ويتطرق إليه من احتمال باعتباره شهادة ممن لا تتوفر فيه
العدالة ولا يعرف ما تصح به الشهادة، ولأجل هذه الظنية كذلك قرر قواعد الجمع
والترجيح بين البينات عند التعارض، ومعلوم أن التعارض لا يكون في القطعيات وإنما
في الظنيات.[39]
وإذا رجعنا إلى العمل القضائي الزجري خاصة
نجده يخالف هذا المقرر الفقهي إذ يتعامل مع اللفيف باعتباره حجة رسمية...[40]
هكذا ومن خلال هذا التحليل نخلص[41] ونحن نتدارس إشكالية
شهادة اللفيف وسبل معالجتها إلى أن المشكلة ليست في هذه الوسيلة الإثباتية كما
تصورها الفقه المالكي وقعدها، لكن المشكلة الآن في فهم طبيعة هذه الشهادة، ومنهج
التعامل معها.
وعليه فإن معالجة كثير من المشاكل التي
يتخبط فيها التوثيق والقضاء، ومن ورائهما حقوق الناس ومصالحهم، من جراء شهادة
اللفيف رهين في رأينا بتنظيم هذه الوسيلة الإثباتية وتقنين أحكامها وقواعدها
المقررة فقها، وتوحيد العمل بها توثيقا وقضاء، والقضاء على كل أشكال الازدواجية
والتناقض في العمل القضائي المغربي في هذا المجال".[42]
.
ثالثا- بعض المقترحات لإصلاح شهادة اللفيف.
انطلاقا من تأصيل
شهادة اللفيف في ما جرى به العمل عند المالكية المتأخرين، ومن التوفيق بين ذلك
وبين المقتضيات المسطرية الحالية في الإثبات، ومن ما
يستوجبه التعامل الواقعي مع شهادة اللفيف حسبما بسطناه أعلاه، فإننا نحاول –هنا-
وضع تصور لنظرية اللفيف يقوم على جملة من المقترحات، من بينها ما يلي:
فنقترح أن لا يتم إعمال شهادة اللفيف إلا في
نوازل الأموال أو الأحوال العينية؛ وبعض قضايا الأحوال الشخصية التي جرى العمل على
إثباتها باللفيف.[43]
ولا نرى أن يذكر في الشهادة ما يمت إلى
المشهود ضده أو عليه بصلة؛ إذ ينبغي أن تنجز الشهادة خالية مما يفيد أنها ضد شخص
ما؛[44] ولا عبرة بعد ذلك
بما إذا تم استعمالها فعلا كدليل ضد هذا الشخص.
كما ينبغي إعمال هذه الشهادة في الوقائع
المادية المطردة المستمرة، وليست في تلك الوقائع التي تحدث مرة واحدة في وقت وجيز
ثم تنقضي؛[45] ولكن يمكن إعمال اللفيف
في بعض التصرفات القانونية التي ثبت أنه أنجزت بشأنها شهادات أصلية لم تكتمل
إجراءاتها، كأن يفقد السجل الذي ضمنت فيه الشهادة الأصلية أو تبقى هذه الشهادة محصورة
بمذكرة الحفظ دون وجود ما يفيد إلغاءها أو الرجوع عنها؛ وعندئذ يمكن الاعتماد على
الصورة الشمسية للشهادة أو صورتها بمذكرة الحفظ أو التوصيل العدلي كوثائق تشكل
بداية حجة بالكتابة تعززها شهادة اللفيف.[46]
وبالنسبة لعدد شهود اللفيف فإننا نقترح أن
يقتصر على ستة شهود،[47] وذلك لأجل تيسير
ضبط مستند علم كل شاهد، ولأن الستة يعد أقل عدد[48] يحصل به التواتر؛[49] ومن شأن عدد الشهود إذا
نقص أن يقلل من حالات استناد[50] بعضهم على بعض في
الشهادة، وأن يمكن من استفسارهم بسهولة في الحالات التي تدعو إلى ذلك.
وقد عرضنا في هذه المدونة–في المقال المتعلق بالتلقي- تصورنا في مسألة الموثق
العدل مع الشاهدين؛ ومما نضيفه على ذلك هنا أننا ندعو إلى أن يتلقى الشهادة
الاسترعائية من اللفيف موثق عدل واحد وذلك بصفته كاتبا نائبا عن القاضي في الأداء،
وأن يتم الإبقاء على رسم التسجيل على القاضي الذي يوقعه العدلان، مع لزوم الخطاب
على رسم التسجيل.[51]
وبخصوص ما قد يشترطه البعض من وجوب توفر إذن
قضاء التوثيق في إنجاز الشهادة اللفيفية، فنحن نعرف أن الإذن لا يتم وفق الكيفية
المطلوبة من حيث التمحيص والتحري عن الظروف والشروط؛ وحتى لو حصل ذلك فإنه سيجعل
شهادة اللفيف من باب العبث ما دام أن شروطها قد تم التأكد منها مسبقا وتم ذكرها في
الإذن؛ هذا إلى جانب ما في سن الإذن من إرهاق للقضاء وشغله بما لا يلزمه مع قلة
الإمكانيات المتوفرة.
ولو قيل بأنه ينبغي سن الإذن ولو كان شكليا، فإن ذلك، لا سيما في بعض الدوائر والمراكز التي لا يطبق فيها التناوب بين العدول[52] في تلقي الشهادات المبنية على الأذون كالزواج والطلاق والتكفل، يفتح الباب مشرعا للسماسرة داخل أقسام التوثيق وخارجها.
وتعد فكرة إسناد الكتابة في اللفيف إلى العدول المبرزين فكرة وجيهة
لولا أن تطبيقها على الصفة التي ذكرها الفقه القائل بها[53]سيفضي حتما–في ظل العمل التوثيقي الحالي- إلى إثارة الحساسيات.ويقوم تصورنا عن العدل المبرز على أن
الشواهد الدراسية العلمية[54] والأقدمية في
المهنة [55] ينبغي اعتبارها فقط قرائن بسيطة على
وجود الكفاءة، ولذلك ينبغي اكتشاف العدول المبرزين بطريقة عملية تقوم على أن يعمل
قضاة الموضوع الذين يحكمون في نوازل اللفيف على استدعاء العدول أو مراسلتهم كتابة
أو إلكترونيا، في شأن اللفيف الذي كتبوه، فيقوم العدول بشرح الألفاظ والمصطلحات
وإعطاء فكرة عن الشهادة من الناحية الفقهية والقانونية، مع إمكانية تضمين الشرح
ظروف كتابة الشهادة،[56] فمن خلال كثرة الشهادات
وإجابات العدول على مراسلات قضاة الموضوع، سيتبين ما إن كان العدل ذا كفاءة علمية
أم لا.
وجزاء العدل الذي يتم الشهادة له بالتبريز
ليس هو قصر كتابة شهادات اللفيف عليه، بل ينبغي التنويه به من قبل قضاة الموضوع
عند قضاة التوثيق ووزارة العدل، فيمكن أن تخصص له الهيئة الوطنية للعدول راتبا أو
تعويضا لأجل أن يتفرغ للبحث في التوثيق، أو يكون مستشارا للقضاة في التوثيق، أو
يرشح هو نفسه ليكون قاضي توثيق أو قاضيا للموضوع في مجال قريب من التوثيق.
ويمكن أن تعمل وزارة العدل بالتنسيق مع
الجامعات على أن يسهر هذا العدل على تكوين الطلبة في مجال التوثيق أو يكلف
بالإشراف على البحوث في هذا المجال.
كما يمكن أن تيسر له عملية طبع كتبه
وأبحاثه، وأن يعهد له بتكوين العدول تكوينا مستمرا، وأن يستفاد من نظرياته بخصوص
ما يتعلق بإصلاح ميدان التوثيق. ويمكن لقضاة التوثيق أن يطلعوا العدول الآخرين على
وثائق هذا العدل ليتعرفوا من خلالها على كيفيات صياغة هذا العدل لوثائقه.[57]
وبخصوص الكشف عن الجانب الأخلاقي فهو لا
يتأتى إلا بالمعاشرة والمخالطة والتقصي عن النزاهة والمروءة،[58] بما يتناسب مع عصرنا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] - نقصد به موضوع
حجية اللفيف خصوصا؛ وإلا فإن للقضاء اجتهادات أخرى بخصوص شروط اللفيف وكيفية
توثيقه وهل يتلقاه عدل واحد أو اثنان؟ وما هي المواضيع والمواطن التي يتلقى فيها؟
ومن تلك الاجتهادات ما
تضمنه أحد القرارات من أن العدل الواحد يجوز له أن يتلقى شهادة اللفيف.
-
انظر: القرار الشرعي عدد 354 بتاريخ 21 مارس 1987 في الملف العقاري عدد
4218/84، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى (م.ق.م.أ) عدد: 40، سنة 1987، ص 149.
[2] - جاء ذلك في
قرار ورد فيه: "إن الشهادة اللفيفية تعتبر قرينة فعلية تخضع في تقدير قيمتها
كوسيلة للإثبات لقضاة الموضوع في نطاق سلطتهم التقديرية ".
- قرار عدد: 224 (ملف
اجتماعي)، صادر بتاريخ: 11 يونيو 1974، منشور بمجلة القضاء والقانون، عدد 128 سنة
1987، ص 103.
[3] - قرار
عدد 717 بتاريخ 08 دجنبر1976 صادر عن الغرفة المدنية لمحكمة النقض، منشور ب:
م.ق.م.أ، عدد 25 ، سنة 1980، الإصدار الرقمي دجنبر 2000، ص 13 وما يليها، مع
تعليق للأستاذ أحمد عاصم.
[4] - قرار عدد
529 صادر بتاريخ 21/9/1977 في الملف المدني عدد 15425 منشور بمجلة المحاماة عدد:
12 سنة 1978، ص 80.
[5] - ينص الفصل
444 من ق.ل.ع حسب تعديل ظهير 6 يوليوز 1954 على ما يلي: "لا تقبل في النزاع
بين المتعاقدين، شهادة الشهود لإثبات ما يخالف أو يجاوز ما جاء في الحجج، ولو كان
المبلغ والقيمة يقل عن القدر المنصوص عليه في الفصل 443 (أي مبلغ أو
قيمة عشرة آلاف درهم حاليا).
وتستثنى من هذه القاعدة
الحالة التي يراد فيها إثبات وقائع من شأنها أن تبين مدلول شروط العقد الغامضة أو
المبهمة، أو تحدد مداها، أو تقيم الدليل على تنفيذها".
[6] - جاء في هذا
القرار أن: "المحكمة تخرق القانون لاعتمادها في إثبات البيع على شهادة شهود
اللفيف التي دعمتها بقرينتين، في حين أن الفصل 489 من قانون الالتزامات والعقود
يوجب لإثبات بيع عقار محفظ الدليل الكتابي، وأن القرائن القضائية مثلها مثل
الشهادة لا يجوز الاستدلال بها لإثبات التزام يوجب فيه القانون الدليل
الكتابي".
- قرار عدد 600 بتاريخ 19
أكتوبر 1977، منشور في المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد، العدد 4،
السنة 1978 ص 123.
[7] - القرار عدد
809 بتاريخ 25 دجنبر 1982 - ملف مدني عدد 47497، م ق م أ عدد 31، سنة 1983،
الإصدار الرقمي دجنبر 2000، ص 45.
[8] - نجد ذلك في القرار عدد 354 بتاريخ 21 مارس
1987 في الملف العقاري عدد 4218/84 . وهذا القرار سبقت الإشارة إليه، لأنه
هو نفسه الذي ذكر أن العدل الواحد يجوز له أن يتلقى شهادة اللفيف؛ ولعل هذا القرار
يعد الأقرب من حيث فهم طبيعة شهادة اللفيف لأنه صدر عن الغرفة الشرعية.
[9] - عادل العشابي،
تأملات في قضاء المجلس الأعلى بشأن إثبات عقد كراء الأماكن المعدة للسكنى أو
للاستعمال المهني، بحث مقدم لليومين الدراسيين المنظمين بمناسبة الذكرى الخمسينية
لتأسيس المجلس الأعلى في موضوع الكراء السكني و المهني والتجاري؛ فاس 22-23 فبراير
2007، منشور في المجلة الإلكترونية لندوات محاكم فاس، العدد الخامس، أكتوبر 2007،
ص 93 وما يليها.
[10] - أحمد الخمليشي،
التعليق على قانون الأحوال الشخصية ، مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط ، الطبعة
الأولى ، 1994، ج 1، ص 174 وما يليها.
- صلاح الدين زكي، أحكام
قانون الأسرة في الفقه الإسلامي والتشريع المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة
الأولى 1985، ص 147 وما يليها.
- احمد عاصم، في تعليقه
على قرار المجلس الأعلى عدد 717 المنشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 25 وقد سبق
ذكره.
- عبد المجيد عمور،
اللفيف ووسائل الإثبات، مقال بمجلة المحاماة، عدد 15 ، 1979، ص 51 وما
بعدها.
[11] - محمد الربيعي ،
محررات الموثقين وحجيتها في الإثبات في التشريع المغربي ، رسالة لنيل دبلوم
الدراسات العليا في القانون الخاص ، كلية الحقوق بالدار البيضاء ، السنة الجامعية
1987-1988 ، ص 320.
[12] - وعليه فمن حيث
الموضوع يمكن إثبات عكس شهادة اللفيف بحجة أقوى دون حاجة لاتباع طريق الطعن
بالزور.
[13] - وهو الفهم الذي
يسنده الفصل 35 من قانون خطة العدالة، وكذا قرار لمحكمة النقض سبقت الإشارة إليه.
[14] - الفرع الثالث من
القسم السابع من الكتاب الأول ( الفصول من 443 إلى 448).
[15] -الفرع
الرابع من الباب الثالث من القسم الثالث (الفصول من 71 إلى 84).
[16] - عادل العشابي، م
س.
[17] - مع مراعاة الحالة
الاستثنائية التي يمكن فيها الاستماع إلى الشاهد بواسطة إنابة قضائية
إذا كان يقيم خارج دائرة اختصاص المحكمة ( الفقرة الثانية من الفصل 78 من قانون
المسطرة المدنية ).
[18] - عمر الجيدي،
العرف والعمل في المذهب المالكي ومفهومهما لدى علماء المغرب، أطروحة
دكتوراه دولة من دار الحديث الحسنية، مطبعة فضالة بالمحمدية، 1984،ص
503.
- عبد الكبير العلوي
المدغري، المرأة بين أحكام الفقه والدعوة إلى التغيير، مطبعة فضالة بالمحمدية،
الطبعة الأولى، 1999، ص 160 وما بعدها.
- محمد الحبيب التجكاني،
النظرية العامة للقضاء والإثبات في الشريعة الإسلامية مع مقارنات بالقانون الوضعي، دار
النشر المغربية، الدار البيضاء، 1985، ص 264.
- محمد ابن معجوز، وسائل
الإثبات في الفقه الإسلامي، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة من دار الحديث الحسنية
بالرباط ،مطبعة النجاح الجديدة، 1995، ص 234 وما يليها.
ومعارضة ابن معجوز
الشديدة لمن يطالب بإلغائها ظهرت في الندوة الشهيرة المنظمة من وزارة العدل
بالمعهد العالي للقضاء بالرباط تحت عنوان "شهادة اللفيف وآفاقها
المستقبلية" بتاريخ 10/05/2002.
[19] - هذا من خلال ما
ظهر لنا مما اطلعنا عليه من كتاباتهم؛ وإلا فمن الصعب أن تجد باحثا لا يطالب
بإصلاح اللفيف، ولو جزئيا.
[20] - أحمد أمغار ،
شهادة اللفيف واعتمادها كحجة ، مقال منشور بمجلة رابطة القضاة ، العدد المزدوج
16-17 مارس 1986 ، ص 24.
- عبد السلام العسري، شهادة
الشهود في القضاء الإسلامي ، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه من دار الحديث الحسنية
بالرباط ، دار القلم ، الرباط ، الطبعة الأولى 2007، ج 2، ص764.
- جواد بنامغار، المشاكل
العملية لشهادة اللفيف بين الفقه والقانون ، مقال منشور بمجلة المناهج ، العدد
المزدوج 3-4 ، ص 79 وما يليها ؛ وهو في أصله عبارة عن عرض شارك به في الندوة المشار
إليها سابقا.
- العلمي الحراق، التوثيق
العدلي بين الفقه المالكي والتقنين المغربي وتطـبيقاته فـي مدونـة الأسرة ،مكتبة
دار السلام، الرباط ،طبعة 2009، ج 1،ص 544.
وقد ذكر في نفس الموضع ما
يلي:" لا نرى من حل سوى إعادة النظر في بعض أحكامها وقواعدها الجوهرية
والتوثيقية، وأن يصدر بذلك تقنين خاص يحافظ لها على خصوصياتها ومميزاتها، ويلزم
الجميع ويرفع الخلاف الحاصل بشأنها، وقد تقدمنا بمقترحات في ثنايا هذا
البحث (يقصد كتابه التوثيق العدلي) نعتبرها جديرة بالاهتمام، وحرية بأن تؤخذ بعين
الاعتبار.
وفي هذا الإطار وبناء على
طلب النقيب الوطني للهيئة الوطنية للعدول، كنت في سنة 1999 قد سودت مجموعة من
النصوص القانونية في شهادة اللفيف؛ حاولت فيها جمع الأحكام الفقهية المتعلقة بها
بقصد التقدم بها كمطالب للوزارة الوصية من أجل أن تخرجها في مشروع قانون بتنظيم
شهادة اللفيف".
[21] - احمد امغار، م س.
[22] - عبد السلام
العسري، شهادة الشهود، م س، ج 2 ص 763.
[23] - عبد السلام
العسري، شهادة الشهود، م س، ج 2 ص 764 وما يليها.
[24] - وقد دافع الأستاذ
الفاضل الدكتور العلمي الحراق عن مسألة وجوب إسناد توثيق شهادات اللفيف إلى العدول
المبرزين قائلا: "ولا يقال...إنه لا وجود اليوم للعدول المبرزين، لأن العدل
المبرز – بالكسر- لا يعدو أن يكون مجرد شخص فاق أقرانه وأهل عصره من العدول في
صفات الصدق والأمانة والورع والعدالة؛ وهي شمائل موجودة في عدول كل زمان ومكان
بحسبهما، ولا يخلو عصر أو بلد من أن يكون فيه من له تقدم من العدول على غيره في
تلك الشمائل... وبالتالي إذا كان لكل زمان ومكان عدولهما، فإن من عدول كل زمان أو
مكان مبرزين وعارفين.
وفي هذا الإطار فإنني إذ
أقترح أن يقصر سماع شهادات اللفيف على المبرزين والعارفين من العدول، أدعو إلى
العودة إلى نظام التصنيف الذي كان معمولا به طيلة القرون الماضية وإلى عهد قريب،
خاصة وأن هذا النظام اليوم أصبح معتمدا لدى كثير من الفئات والهيئات... (كالأطباء
الأساتذة، والقضاة والمحامين)...لأجل هذا نقترح أن يجعل العدول على ثلاث درجات؛
الأولى درجة العدول المبرزين والثانية درجة العدول العارفين، والثالثة درجة العدول
المقبولين، ولا يتم الانتقال من درجة إلى أخرى إلا بعد أن يثبت العدل أنه أهل لها
بعلمه وعمله في فن التوثيق، وأن يبرهن على أحقيته بها من خلال سلوكه وسيرته الحسنة
في حياته العامة والخاصة، ومن خلال تعامله ومعاملاته مع المتعاقدين والناس كافة،
على أن يؤخذ وجوبا بعين الاعتبار في هذه الدرجات ابتداء وانتهاء؛ الشهادات العلمية
المحصل عليها والأقدمية في المهنة؛ ولهذه الغاية تحدث لجنة مشتركة تضم أعضاء من
ممثلي العدول وممثلي الإدارة للبت في طلبات الترقي والانتقال من درجة إلى
أخرى".
[25] - ابراهيم
بحماني، القوة الإثباتية لشهادة اللفيف أمام القضاء المدني وآفاقها المستقبلية، منشور
بمجلة القضاء والقانون، عدد 146، سنة 2002، - ص41 وما يليها.
[26] - ففي الحيازة
مثلا، الراجح حسب فقهاء الشريعة أن الحيازة تعتبر إذا ما تمت وفق شروطها قرينة
قاطعة على نسبة الملك لصاحبه؛ فلا يجوز دحضها بالبينة المعاكسة؛ ولكن ذلك ينصرف
إلى الحيازة من حيث هي؛ لا إلى شهادة اللفيف التي تثبت الحيازة –حسبما جرى به
العمل-.
[27] - فقد كان اللفيف يعد مجرد لوث في باب الدماء، أي
قرينة ينشأ عنها غلبة الظن بصدق المدعي.
- انظر: - عبد السلام العسري، شهادة الشهود في القضاء الإسلامي، أطروحة
لنيل شهادة الدكتوراه من دار الحديث الحسنية بالرباط، دار القلم، الرباط، الطبعة
الأولى 2007، ص 710.
[28] - ولا يعني ذلك
أننا ندعو إلى إعادة استدعاء شهود اللفيف من أجل أداء اليمين والقيام باستجوابهم
أمام القاضي؛ فذلك يدخل في باب المضارة لهم؛ غير أنه يمكن أن يتم ذلك في باب
التلقية، وهي الشهادة التي يقل فيها عدد الشهود عن النصاب المعتبر.
[29] - ليس المقصود
بالعلم هنا حكم القاضي بعلمه، لأن حكم القاضي بعلمه المراد منه الحكم
بمجرد التصور والاعتقاد والتوسم وما يسمى بالاقتناع الصميم؛ وإنما المقصود العلم
الظني القريب من اليقين بسبب تعزيزه بالقرائن.
[30] - وحتى الاجتهادات
القضائية التي جعلت اللفيف مجرد شهادة شهود، لم يرد فيها – بحسب علمنا- ما يوجب
إعادة استدعاء الشهود.
[31] - ذلك أننا ندعو
إلى أن تقتصر شهادة اللفيف على الأموال أو الأحوال العينية، وبعض مسائل الأحوال
الشخصية مما جرى به العمل، دون أن تشمل الجانب الزجري؛ ومعلوم أن الأحوال الشخصية
لا تهتم أساسا بالقيمة المالية، وأن مسائل الأموال منها ما يندرج في ما لا تهم فيه
القيمة كالوقائع في مجال العقار، ومنها ما ينبغي أن يخرج – بحسب الأصل- من مجال
اللفيف لأنه تنجز فيه وثائق أصلية لا استرعائية، والوثائق الأصلية يصلح فيها
الحديث عن القيمة. ومنها ما يندرج في وقائع غير مضطردة أي حدثت مرة واحدة فهذه
الوقائع لا نرى أن ينجز بشأنها اللفيف، وإن أنجز _خطأ_ فهو مجرد شهادة شهود لا
حجية لها فيما دون مبلغ العشرة آلاف درهم.
[32] - ففي الإراثة يطلب
كناش الحالة المدنية وشهادة الوفاة، وفي الحيازة تطلب شهادة إدارية ووثائق أخرى
كالتصميم الهندسي، وفي موجب الخلل تطلب شهادة أو تقرير طبي من لدن مختص، وفي موجب
التكفل تطلب شهادة التحمل العائلي، وهكذا.
[33] - فيعمل فيها قواعد
المسطرة المدنية حتى فيما يخص إعادة استدعاء الشهود وتحليفهم؛ ولو أن في ذلك مضارة
لهم، لكن ذلك أهون من الاستغناء عن اللفيف وما يرافق ذلك من ضرر مادي يلحق بالعدول
وضرر اجتماعي يلحق بحقوق الناس.
[34] - إذا لم تتم
الدعوة إلى إلغاء الشهادة العامة –على ما هو معمول حاليا- في الميدان الجنائي
والأمر فيه أفدح، فكيف تتم الدعوة إلى إلغاء شهادة اللفيف في الميدان المدني
والأمر فيه أقل خطورة؟ لأن الظن يكفي فيه والقطع فيه غير مطلوب .
[35] - وكذا الفراغ
التشريعي وما رافقه من تضارب في الآراء الفقهية الحديثة.
[36] - وذلك غير ممنوع
إذا لم تتوفر شهادة اللفيف على شروطها الكاملة المحفوفة بالقرائن؛ فيتم إنزالها
إلى مرتبة الشهادة العادية فتطبق عليها قواعد المسطرة المدنية.
[37] - هذا ينطبق على
اللفيف المعروف عند المتأخرين الذي أجازته الضرورة؛ أما المعروف عند
المتقدمين فقد كان من باب التواتر المؤدي للعلم القطعي إن توفرت شروطه. لكن حتى
اللفيف التواتري وجد بشأنه من الفقهاء –كالقرافي- من يقول بأنه هو الآخر لا يفيد
العلم القطعي إلا إذا أحاطته قرائن قوية.
- انظر: العسري، شهادة الشهود، م س، 2/713.
[38] - ليس كل الفقه
اشترط الاستفسار، والذين اشترطوه فمنهم من لم يشترطه في كل القضايا، وقد عرضنا ذلك
في مقال الاستفسار بهذه المدونة.
[39] - أفردنا
لمسألة الترجيح مقالا آخر بهذه
المدونة.
[40] - من الغريب أنه
يجري التعامل مع شهادة اللفيف في الميدان الزجري خاصة على أنها وثيقة رسمية، وذلك
منذ بداية العمل بالقانون الجنائي إلى الآن، ولم يتم الاختلاف في ذلك ولو مرة
واحدة، بينما هي في الميدان المدني لا يدري المرء في أي خانة يصنفها القضاء والفقه.
[41] - الكلام للباحث
المقتبس منه، ونحن نؤيده.
[42] - جواد
بنامغار، المشاكل العملية لشهادة اللفيف بين الفقه والقانون، م.س.
[43] - "تطورت
شهادة اللفيف تطورا منقطع النظير قبل أن تستقر على وضعها الحالي؛ ففي بعض الفترات
لم يعمل بشهادة اللفيف إلا في حقل الأموال وحده قبل أن تنتقل إلى غيره من المجالات
غير المالية الأخرى...
وفي الوقت الراهن، فإن الإثبات في مجال العقارات غير المحفظة (إثبات الحيازة)
مثلا وفي مجال الأحوال الشخصية (إثبات الوفاة وعدة الورثة والنسب والتكفل وغيبة
الزوج) قد استقر العرف القضائي المغربي على أنه لا يتم إلا بواسطة اللفيف.
والقاعدة أن القضاء المغربي لا يعترض على اللفيف متى استخدم في مجالات قانونية
أخرى، ومن ذلك مثلا إثبات أن الشخص لا يملك مسكنا آخر غير المسكن الذي يريد
استرجاعه من المكتري".
- محمد الكشبور، رقابة المجلس الأعلى على محاكم الموضوع في المواد
المدنية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2001، ص 278.
[44] - رأينا هذا بنيناه
على التوسط بين ما ذهب إليه مشروع اللفيف في مادته الخامسة وما عارضه به العدول ،
فقد نص المشروع على أنه: "لا تجوز إقامة شهادة اللفيف أمام العدلين في القضايا
المعروضة أمام القضاء إلا إذ أذنت المحكمة بذلك.
يتعين على الطالب أن يدلي بتصريح بالشرف بعدم وجود مسطرة أمام القضاء".
واعترض عليه العدول بأن من شأنه أن يؤدي إلى قطع أرزاقهم التي يأتي
أكثرها من شهادات اللفيف التي ما وجدت أساسا إلا لكي تكون صالحة للإثبات أمام
المحاكم إذا ما احتيج إليها.
وأيضا فإنه لو أجزنا أن يشهد شهود
اللفيف ضد شخص، فقد يتطلب الأمر –في الجانب الزجري- إعادة استدعائهم مرارا من أجل
التحقيق معهم، وقد تنسب إليهم تهمة الإدلاء بأقوال كاذبة؛ وقد كان يحصل ذلك كثيرا
فيما كان يعرف بموجب ضرر الزوج بزوجته قبل أن تلغيه مسطرة التطليق للشقاق –عمليا-
فلو أن الشهود أرادوا فعلا تحمل تبعة التحقيق معهم، فليشهدوا منذ البداية في
المحكمة الزجرية. فهذا مما دعانا إلى أن نطالب بعدم ذكر المشهود عليه في الوثيقة؛
وهو أمر نجده مثلا في وثائق الحيازة الحالية التي تأتي خالية من ذكر المشهود عليه
القائم بدعوى الاستحقاق ليعترض بها على الحيازة.
ولكن في باب الأحوال الشخصية قد يجري ذكر المشهود عليه (أو ضده) للضرورة،
والمثال على ذلك هو موجب غيبة الزوج عن زوجته لأجل تطليقها منه ؛ ولكي ينسجم هذا
الموجب مع رأينا، لا تنبغي الإشارة فيه إلى ما يفيد أن الزوج ترك زوجته بدون نفقة،
لأن ذكر ذلك مظنة منازعة الزوج الغائب فيه، فينبغي أن تكون الشهادة به رأسا في
المحكمة لا عند العدلين، أما التطليق فهو يحصل –دائما- حتى لو نازع الزوج في موجبه
الذي هو الغيبة وادعى أنه كان حاضرا، لأن التطليق قد يحصل لمجرد وجود الشقاق الذي
يتحقق برفع الدعوى والإصرار على التطليق.
[45] - كأن يرى الشهود
شخصا يسلم لآخر مالا يقل عن عشرة آلاف درهم على أساس أنه استلفه منه؛ فذلك لا يجوز
فيه اللفيف في نظرنا لأنه حصل مرة واحدة ثم انتهى؛ لكن يجوز أن ينجز بشأنه تلقية
بالشهادة ؛ وذلك من أجل توثقة الشهادة قبل أن ينساها الشهود ؛ غير أنه في التلقية
ينبغي أن يتعامل معها القضاء على أنها مجرد لائحة شهود، حتى لو تم تسميتها –بطريق
الغلط- شهادة لفيفية، وعليه فينبغي للشهود أن يكونوا مستعدين لإعادة استفسارهم
أمام القضاء إن رأى ذلك، وهو ما لا يجوز للقضاء في الشهادة اللفيفية الحقة التي
تضمنت جميع الشروط وتعززت بالقرائن، إلا في أحوال مخصوصة أثبتناها في مقال الاستفسار.
[46] - لكن هذه الحالة
يتوقف الأمر فيها على درجة اقتناع القاضي – من خلال قيامه بالأبحاث والنظر إلى
القرائن- بالشروط التي تجعل شهود اللفيف يشكلون شهادة تعزز بداية الحجة، أي أنه
يتأكد من أن الوثائق المدلى بها تشكل بداية حجة، بأن تكون الشهادة الأصلية في
موضوع التصرف قد كتبت فعلا ولم يتراجع الأطراف عنها، وإنما فقط لم تكمل إجراءاتها
أو كملت وضاعت وثيقتها الأصلية وليس في الإمكان إعادة إحيائها لسبب ما، فلم يبق
إلا أن ينجز بها لفيف استرعائي يعتمد على ما يوجد من صور أو تواصيل تدل على أن
الشهادة الأصلية كتبت فعلا.
فهذا أسلوب لإحياء الوثيقة الضائعة فيما لو تعذر التعريف بأشكال العدول كأن لا
يوجد سجل التضمين ولا مذكرة الحفظ أو كناش الجيب.
[47] - عدد الاثني عشر
المعتمد حاليا مجرد اجتهاد من القضاة؛ "وأساس الاجتهاد في اعتماد عدد اثني
عشر هو أنه لما تعذر الشهود العدول وتعذر العدد المتوفر على شروط التواتر، اضطر
القضاة لما سوى ذلك وهو مطلق الجماعة، ثم نظر في أقل عدد يكفي في هذه الجماعة
فروجعت الأقوال المقول بها في العدد الذي يحصل به التواتر المحصل للعلم، فوجد أن
أقل عدد قيل به قولا معتبرا في التواتر الستة ويليه الثمانية، ثم العشرة ثم الاثني
عشر، ثم الأربعة عشر، ثم العشرون، ثم كذا وكذا... إلى القول بعدم اعتبار عدد معين
فوجدوا الاثني عشر وسط الأعداد التي قيل بها، مع كونه ضعف أقل عدد قيل به في
التواتر... فانتزعوه من تلك الأقوال واعتبروه في عدد اللفيف الذي لا يحصل العلم
واصطلحوا عليه، اجتهادا بهذا الطريق المتسلسل مع مراعاة الضرورة القاضية بعدم وجود
العدد الذي يحصل العلم بسبب القرائن المحتفة به، أو الشهود العدول".
- احمد الرهوني التطواني، حادي الرفاق إلى فهم لامية الزقاق، مطبعة تطوان،
1346 هـ، ج2، ص 57.
حسبما أشار إليه : - العسري، شهادة الشهود، م س، ج 2، ص
720.
[48] - وذهب مشروع قانون
اللفيف في المادة 9 إلى أن أقل عدد الشهود هو خمسة. وهذا يعني إمكانية شهادة ما
فوق الخمسة.
[49] - التواتر عند من
اشترط العدد من المتقدمين لم يكن يدل على أنه كلما تم العدد المطلوب حصل التواتر
وحصل معه العلم القطعي، بل كان يعني أن العدد المطلوب هو مظنة لحصول التواتر، أي
صالح لحصول العلم، فإن حصل العلم فذاك، وإن لم يحصل فلا تواتر مهما بلغ العدد.
فالمدار في التواتر على حصول العلم.
-انظر : محمد العربي الفاسي، شهادة اللفيف، مركز إحياء التراث المغربي،
الرباط، ت.ط.غ.م، ص 8.
[50] - وهو التساند في
الشهادة بأن يركن بعضهم إلى قول ما قالته أغلبيتهم دون تقص، وقريب منه التسالف،
وهو أن يشهد هذا لذاك من أجل أن يشهد له هو مستقبلا.
[51] - بحسب ما يجري
العمل التوثيقي عليه حاليا، يعد رسم التسجيل مجرد إجراء شكلي ؛ لكن من شأن سن
الخطاب عليه أن يجعله يدعم وثيقة الاسترعاء ويقويها. ونحن نعتبر أن حذفه أو
الإبقاء عليه مع تركه بدون خطاب يعد توهينا للشهادة. ولا ندعو إلى إلغاء رسم
التسجيل ولو بقي شكليا، لأنه يعد بدلا عن عدم الأداء مباشرة عند القاضي، فلو ألغي
لتم اعتبار العدلين متحملين للشهادة ومؤديين لها عند القاضي، وذلك غير صحيح في
الشهادات اللفيفية إلا على القول بفرضية النقل أو الشهادة على الشهادة، ولا يمكن
ذلك لأن شروط النقل لا تتحقق مطلقا في الشهادات اللفيفية. فرسم التسجيل- ولو
شكليا- يعد تكملة لما تم إغفاله بحكم الضرورة، وإذا ما تعزز بالخطاب فهو يعد تقوية
للشهادة.
[52] - العدول الذين
يعارضون مسألة التناوب غالبا ما يستندون إلى أن ذلك سيحرم كل عدل من الزبائن الذين
تعودوا التعامل مع عدل ما دون غيره، وهو أمر صحيح لولا التعامل مع السماسرة الذي
يحرم باقي العدول من موكليهم.
[53] - من هذا الرأي الدكتور العلمي الحراق، حيث دافع عن مسألة وجوب
إسناد توثيق شهادات اللفيف إلى العدول المبرزين قائلا: "ولا يقال... إنه لا
وجود اليوم للعدول المبرزين، لأن العدل المبرز – بالكسر- لا يعدو أن يكون مجرد شخص
فاق أقرانه وأهل عصره من العدول في صفات الصدق والأمانة والورع والعدالة؛ وهي
شمائل موجودة في عدول كل زمان ومكان بحسبهما، ولا يخلو عصر أو بلد من أن يكون فيه
من له تقدم من العدول على غيره في تلك الشمائل... وبالتالي إذا كان لكل زمان ومكان
عدولهما، فإن من عدول كل زمان أو مكان مبرزين وعارفين.
وفي هذا الإطار فإنني إذ أقترح أن يقصر سماع شهادات اللفيف على المبرزين
والعارفين من العدول، أدعو إلى العودة إلى نظام التصنيف الذي كان معمولا به طيلة
القرون الماضية وإلى عهد قريب، خاصة وأن هذا النظام اليوم أصبح معتمدا لدى كثير من
الفئات والهيئات... (كالأطباء الأساتذة، والقضاة والمحامين)... لأجل هذا نقترح أن
يجعل العدول على ثلاث درجات؛ الأولى درجة العدول المبرزين والثانية درجة العدول
العارفين، والثالثة درجة العدول المقبولين، ولا يتم الانتقال من درجة إلى أخرى إلا
بعد أن يثبت العدل أنه أهل لها بعلمه وعمله في فن التوثيق، وأن يبرهن على أحقيته
بها من خلال سلوكه وسيرته الحسنة في حياته العامة والخاصة، ومن خلال تعامله
ومعاملاته مع المتعاقدين والناس كافة، على أن يؤخذ وجوبا بعين الاعتبار في هذه
الدرجات ابتداء وانتهاء؛ الشهادات العلمية المحصل عليها والأقدمية في المهنة ؛
ولهذه الغاية تحدث لجنة مشتركة تضم أعضاء من ممثلي العدول وممثلي الإدارة للبت في
طلبات الترقي والانتقال من درجة إلى أخرى".
- التوثيق العدلي بين الفقه المالكي والتقنين المغربي وتطـبيقاته فـي
مدونـة الأسرة، مكتبة دار السلام، الرباط، طبعة 2009، ج 1، ص 492-493.
- وقد نص مشروع اللفيف على أنه لا يتلقى الشهادة اللفيفية إلا من استكمل خمس
سنوات من العمل بخطة العدالة؛ مع وجوب أن يكون العدل مقيدا في لائحة سنوية تصدر عن
وزارة العدل وتحفظ عند قضاة التوثيق.
[54] - كثير من الحائزين
على الشهادات العليا ينقطع اشتغالهم بالبحث العلمي بمجرد حصولهم على المهنة.
[55] - يجري العمل
بمعيار الأقدمية في مهنة المحاماة، لكن ليس كل محام مقبول للترافع أمام
محكمة النقض بحكم أقدميته يعتبر أكثر كفاءة ممن ليست له أقدمية. ومع ذلك يمكن
الاعتداد بالأقدمية كصفة تكميلية فيمن حاز الكفاءة الفعلية _بحسب التصور
الذي أثبتناه في المتن_.
[56] - ينبغي –مثلا- أن
يتوفر العدل في ملف الشهادة – الذي يحتفظ به في أرشيفه-على ورقة يكتب فيها ما يحيط
بها من ظروف، تكون كالمذكرة التوضيحية.
[57] - وليس معنى ذلك
أننا نساير انتقاد الشهادات العدلية بأنها تجري على نماذج موحدة، فتلك النماذج هي
التي حفظت الوثائق من الضياع، ولذلك نحن نشجع وجود عدة نماذج في الوثيقة الواحدة
تسلم للمتعاقدين كي يختاروا منها ما يناسبهم ويضيفون إليه ما يشاؤون من اتفاقات
مما يجوز قانونا فهذه طريقة حضارية تضمن التحقق من أن الأطراف على بينة مما أشهدوا
به العدول، بل هي طريقة أحسن من مجرد تلاوة الشهادة عليهم؛ ومع ذلك فالعدل المبرز
من شأنه أن يكيف الصياغة بحسب ما يحيط بموضوع الشهادة من ظروف؛ ونحن نرى أنه لو
تمكن عدل من صياغة وثيقة أبدع فيها بشكل لم يسبق إليه وقرأ كثيرا في الفقه
والقانون والواقع من أجل أن يصل إلى صياغتها وتمكن بها من حل مشكل عويص صعب حله
لسنوات طويلة، فيمكن مجازاته بأن يملك على تلك الوثيقة حقا أدبيا معنويا وحقا
ماليا ولو لمدة يسيرة قد لا تتجاوز السنة فينوبه نصيب من كل شهادة كتبت في تلك
الفترة نسجت على منوال ما أبدعه.
[58] - في مسألة المعاملات المالية، التي قد تتأثر –كثيرا أو قليلا- بالعنصر الأخلاقي، يجري العمل في بعض الدول الغربية ببعض المساطر التي من شأنها أن تبين سمعة كل مواطن أو مقيم؛ ذلك أنه يعين لكل شخص رقم يرافقه من تاريخ ميلاده –إن كان مواطنا أصليا- أو من تاريخ دخوله إلى الدولة إن كان شخصا مقيما أو متجنسا، وعلى أساس هذا الرقم يمنح له حيز في سجل يدعى بالسجل الاجتماعي، وهو سجل تودع فيه الوثائق التي تبين طبيعة تعاملاته المالية. ومن أراد التعامل معه لاحقا فإنه يطلع على هذا السجل بواسطة الرقم المخصص للشخص، فيجد هناك ملخصا للمعلومات المتعلقة به من حيث كيفية تعامله المالي والأخلاقي، وما إذا كان يسدد ما عليه من ديون، فإن وجد من أراد التعامل معه –بواسطة الأدلة والوثائق- أن سمعته سيئة، فإنه إما أن يعرض عن هذا التعامل معه أو يطالبه بتوفير ضمان شخصي من قبل شخص آخر حسن السمعة. وتتوفر لكل سجل اجتماعي مراكز جهوية، ومواقع على الإنترنت. وهذه الفكرة شبيهة إلى حد ما بما سار عليه علماء الجرح والتعديل، وما اتبعه الفقهاء من طرق تزكية الشهود. ولذلك ندعو إلى تبنيها، لأن الكشف عن طبيعة المعاملات المالية لشخص ما يؤدي –في الغالب-ولو نسبيا- إلى استنباط الجانب الأخلاقي لهذا الشخص.
هذا الموضوع يحتاج إلى تحديث سنسعى إلى القيام به عبر ما يلي:
ردحذف-تغيير ما ينبغي بخسب المستجدات.
- كتابة مقالة أخرى متممة.
- الإحالة بواسطة روابط تشعبية إلى مواقع ومدونات أخرى تناولته.
وبالله التوفيق.
هذا الموضوع يحتاج إلى تحديث سنسعى إلى القيام به عبر ما يلي:
ردحذف-تغيير ما ينبغي بخسب المستجدات.
- كتابة مقالة أخرى متممة.
- الإحالة بواسطة روابط تشعبية إلى مواقع ومدونات أخرى تناولته.
وبالله التوفيق.