عنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الرابع)
ب- علاقة السبب الخفي بمرض الموت.
رتب المشرع على السبب الخفي آثار
السبب الحقيقي بالنسبة لبعض التصرفات إذا اتصلت بمرض الموت. ولتطبيق الأحكام
الخاصة بمرض الموت، لابد بداية من تحقيق شرطين أساسيين لازمين لرد كل تصرف كيفما
كانت طبيعته وهما:
1- أن يبرم التصرف في مرض الموت.
2- أن يتوفى المتصرف من المرض الذي أبرم
التصرف خلاله وهو مصاب به، أي أن ينتهي المرض بالموت فعلا.[1]
فبخصوص الشرط الأول الذي يقضي بوجوب إبرام
التصرف في مرض الموت، فإن الطعن في التصرف القانوني من طرف الورثة بسبب إجرائه من
جانب مورثهم في مرض الموت، يقتضي أن يكون الموروث – حالة إجرائه للتصرف المطعون
فيه – مصابا فعلا بمرض مصنف ضمن أمراض الموت...[2]
وبخصوص هذا المرض نقول إن جمهور الفقهاء لم
تتفق كلمتهم على تعريف مرض الموت وتفسيره، ومع ذلك يمكن القول بأن هذا الجمهور يرى
بأن مرض الموت هو المرض الذي مات فيه المقر والموصي مطلقا، ولا يتعين المرض إن كان
مرض موت أو مرض شفاء إلا بعد الوفاة ولذلك تبقى عقود المريض وإقراراته صحيحة
ومعتبرة ما دام حيا فلا يجوز الاحتجاج بالمرض لإبطال تصرفاته إلا بعد وفاته.[3]
وكثيرا ما يصطلح على تسمية مرض الموت بالمرض
المخوف، انطلاقا من الآثار التي يخلفها في نفسية المريض، والتي تظهر من خلال
تصرفاته القانونية، وهو على تلك الحالة.[4]
ومن تعاريفه -عند المالكية- ما ذكره
الشيخ خليل عند قوله: "وعلى مريض حكم الطب بكثرة الموت
به".[5]
وفي بيان اصطلاح "الكثرة" قال
الدسوقي: "والحاصل أن المدار على كثرة الموت من ذلك المرض بحيث
يكون الموت منه شهيرا، لا يتعجب منه، ولا يلزم من كثرة الموت غلبة الموت به، فيقال في
الشيء أنه كثيرا إذا كان وجوده مساويا لعدمه، والعلة أخص من ذلك".[6]
ومن ذلك ما عرفه به التسولي عند قوله بأنه
"المرض المخوف الذي حكم أهل الطب بكثرة
الموت به".[7]
واصطلاح "المخوف" عليه المدار-
عند أغلب الفقهاء- في تعريف هذا المرض، إذ الخوف قرينة دالة على أن المريض مرض
الموت، صائر إلى الموت لا محالة، ويرجع تقدير ذلك – كلما أشكل
الأمر- إلى أهل الاختصاص والمعرفة.[8]
وأهل الاختصاص والمعرفة هم الأطباء الذين
تصدر عنهم – في الغالب- شواهد طبية[9] تبين المرض وطبيعته
وإن كان مرض موت أم لا؛ غير أنه قد يثار التساؤل بخصوص أساس القوة الإثباتية
للشهادة الطبية في التشريع المدني المغربي.
فلئن كان التشريع المغربي في المسائل
المدنية يأخذ بمذهب الإثبات المختلط، فإن ذلك لا يتعارض مع ما ذهب إليه من حصر
الأدلة التي يجوز استخدامها للإثبات أمام القضاء؛ ذلك أن الخصم لا يسعه أن يثبت
ادعاءه إلا بالدليل الذي يحدده القانون، كما أن القاضي يتعين عليه ألا يبني حكمه
إلا على الأدلة التي يقررها القانون،[10] وهي الكتابة وشهادة
الشهود والقرائن والإقرار واليمين والمعاينة والخبرة.[11]
والظاهر أن الشهادة الطبية لا تدخل في إطار
شهادة الشهود لأن الطبيب لا يتم الاستماع إليه أمام القضاء وفق الإجراءات المنصوص
عليها في قانون المسطرة المدنية،[12] ولا في إطار
الخبرة القضائية لأنها لا تجرى بناء على أمر من القاضي الذي يعين
الخبير ويحدد مهمته وأجل إنجازها ويقدر أجرته؛[13] ولا تعد خبرة
اتفاقية لأنها لا تنجز بناء على اتفاق الخصوم الذين يعتبر الخبير بمثابة وكيل عنهم،[14] وإنما تنجز بمبادرة خاصة
من طالبها.
ولا يمكن – أيضا- أن نعتبر الشهادة الطبية
ورقة عرفية لأنه يشترط في الورقة العرفية المعدة للإثبات أن تكون مكتوبة بيد الشخص
الملتزم بها أو موقعة منه،[15] والحال أن الشهادة
الطبية تكتب بيد الطبيب الذي لا يعد طرفا في النزاع.
ولذلك فإن تحديد طبيعة الشهادة الطبية يقتضي
منا الرجوع إلى الفقه الإسلامي الذي تحدث عن أساس القوة الإثباتية للشهادة الطبية
لا بصفتها شهادة مكتوبة صادرة عن طبيب يتمتع بامتياز قانوني لممارسة المهنة، وإنما
في معرض حديثهم عن الحالات التي يمكن فيها قبول شهادة الشخص الواحد.
فلقد ذهب فقهاء المالكية إلى أن شهادة
الطبيب الواحد تكفي في العيوب والأمراض؛[16] وإذا كان المرض في
امرأة فيما لا يظهر للرجال فتقبل شهادة الطبيبة الأنثى.[17]
ولا تشترط العدالة في هذا الطبيب الواحد إلا
استحسانا، إذ يحكم بقوله وإن لم يكن عدلا، لأنه علم يؤديه وليس من طريق الشهادة؛[18] فإن كان من أهل
العدل فهو أتم، وإن لم يوجد أهل عدل قبل فيه قول غيرهم[19] للتعذر.[20]
والإسلام ليس شرطا في قبول شهادة الطبيب، [21] إذ يقبل قول المشرك،[22] كما يقبل قول الطبيب
النصراني فيما يحتاج إلى معرفته من ناحية الطب كالعيوب والجراحات؛[23] لكن الطبيب الكافر
لا يلجأ إلى قوله إلا عند عدم وجود المسلم.[24]
وإذا كان الإسلام والعدالة شرطي كمال
في الأطباء، فإن المعرفة بهذه الأمراض والبصر بحقائقها شرط وجوب،[25] بحيث لا يقبل إلا قول
الأطباء العارفين بأسرارها.[26]
وبناء على ما سبق فإن الأولى– في نظرنا- أن
ينظر إلى الشهادة الطبية على أنها من جهة الشكل دليل كتابي، لا هو رسمي ولا هو
عرفي،[27] سواء صدرت من طبيب ينتمي
إلى القطاع العام أو من طبيب ينتمي إلى القطاع الخاص، ومن جهة المضمون فهي رأي
خبير. كل ما هنالك أنه تم تهيئة هذا الدليل سلفا – كما هو الحال بالنسبة للوثائق
العدلية-.
وإذا كان القاضي لا يلزم بالأخذ برأي الخبير
المعين من لدنه، بحيث يبقى له الحق في تعيين أي خبير آخر من أجل استيضاح الجوانب
التقنية في النزاع،[28] وإذا كان
تقرير الخبرة – يعتبر في الاجتهاد القضائي-[29] عنصرا من عناصر
الإثبات التي تخضع للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع، فالأولى أن يقال – بحسب
الظاهر- بأن القاضي غير ملزم بقبول ما تضمنته الشهادة الطبية لأن منجزها - وإن كان
خبيرا في ميدانه- فهو لم يعين من قبل القاضي، والحال أن القاضي غير ملزم تشريعا
ولا قضاء بالأخذ حتى برأي الخبير الذي عينه هو.
لكننا – في ظل ما استنبطناه من أقوال فقهاء
الشريعة- نذهب إلى القول بأن الشهادة الطبية ينبغي أن تكون ملزمة للقضاء في الحالة
التي لا يوجد فيها لدى الخصم دليل يفندها أو يعارضها.
ووجه الدليل فيما قلناه من لزوم الأخذ
بالشهادة الطبية إن كانت هي الدليل الوحيد، ما سبق أن قلناه – وسنفصل فيه لاحقا-
بأن رأي الخبير يعتبر عند بعض الفقهاء خبرا وعند البعض الآخر شهادة؛ ولما كان يجب
عند الفريقين العمل بالشهادة ولزوم الحكم بها إن ثبتت بشروطها، ولما كان الفريق
الذي يعتبرها خبرا يدعو إلى الأخذ بها مع ذلك مطلقا – من باب التعذر- أو بعد
تعزيزها بدليل آخر كاليمين، فلا أقل من التوسط والجمع بين الرأيين والقول بأن
الشهادة الطبية – وكل خبرة- تعتبر شهادة لا كالشهادة، فيلزم الأخذ بها إن وجدت
كدليل منفرد في القضية، ويلزم أن تخضع فيما سوى ذلك للسلطة التقديرية للقضاة.
وإذا كانت الشهادة الطبية ورقة مكتوبة من
حيث الشكل، فلا ينبغي أن يلزم من ذلك القول بأنها تخضع لقواعد الكتابة كوسيلة
إثبات، إلا فيما يخص وجوب تحريرها من مختص وأن تتضمن البيانات الفنية اللازمة، ذلك
لأن موضوعها ينصب على واقعة مادية تتعلق بالمرض ولا ينصب على تصرف قانوني، فلا
يعقل مثلا أن نقدر قيمة المرض فنقول بأنه يقل عن مبلغ عشرة آلاف درهم أو يتجاوزه.
ولولا ذلك لقلنا ببساطة إن الشهادة الطبية
تعتبر شهادة رسمية لأنها منشأة من مهني مختص عينته الدولة للقيام بهذه المهنة سواء
في القطاع العام أو في القطاع الخاص. فالكتابة في الشهادة الطبية – في نظرنا- إنما
هي مجرد وعاء وشكل يحتضن رأي خبير.
ويمكن القول بعدما ذكرناه في شأن مرض الموت
ووسيلة إثباته أن:"المهم هو أن من يطعن في التصرف لكونه أجري في مرض الموت،
لابد له أن يثبت بداية أن هذا التصرف قد أجري فعلا، والمعني بالأمر مصاب بمرض
مهلك...
ولكي يأخذ المرض صفة مرض الموت، من المفروض
أن يخلق لدى المريض حالة نفسية جد مضطربة تتمثل في شعوره العميق بأنه مشرف لا
محالة على الهلاك، وقد أكد فقهاء الشريعة الإسلامية على هذه الحالة عندما ميزوا
بين الأمراض التي تثير الهلع من الموت والأمراض الأخرى التي لا تخلق لدى المريض
مثل هذا الشعور، حيث اعتبروا الأولى وحدها أمراض موت، دون الثانية التي لا تأخذ
هذا الوصف".[30]
"والحقيقة أن الإحساس بدنو الأجل هو
الذي يجعل المريض مضطرب الأفكار، قليل الإدراك أحيانا، وهو وضع يجعله يقدم على
تصرفات قانونية تضر بورثته وبدائنيه، أو يحابي بعض الورثة أو الدائنين على حساب
البعض الآخر، بل هو وضع يسهل التأثير على تصرفاته أو توجيهها في الكثير من الأحيان،
وخاصة من جانب الأشخاص المحيطين به، وفي مقدمتهم زوجته وأبناؤه، وجهة ما كان
يرضاها غالبا لو كان في حالة الصحة والعافية...
وعنصر الشعور بدنو الأجل مسألة نفسية لا
يمكن ضبطها والتعويل عليها، إذا لم تتبلور من خلال علامات مادية ظاهرة يستخلص منها
أن المريض، وهو يتصرف، كان في حالة نفسية تشعره بدنو أجله، فيفسر تصرفه الضار
بالورثة والدائنين في ضوء هذه الحالة الظاهرة،[31] وبذلك ننتقل بمرض الموت
من معيار شخصي ونفسي إلى معيار موضوعي، يسهل ضبطه من الناحية العملية
والقضائية...".[32]
ولذلك فجمهور الفقهاء – ولصعوبة الاستيثاق
من هذا العنصر الشخصي النفسي- ربط مرض الموت بعلامات متنوعة – تختلف أحيانا من
مذهب لآخر[33]- تدل عليه، وتعتبر _بحسب
بعض الفقه[34] عن حق_ قرائن بسيطة
يمكن دحضها بالدليل المعاكس.
وبخصوص الشرط الثاني المتعلق بانتهاء المرض
بالموت فعلا، فإن الإجماع الفقهي منعقد على أن المرض لا يعتبر مرتبا لأحكام مرض
الموت من الناحية الشرعية، إلا إذا انتهى فعلا وحقيقة بالموت، إذ العبرة بنتيجة
المرض لا بوقت التصرف، وهكذا فإذا أصيب شخص ما بمرض أقعده عن قضاء مصالحه خارج
وداخل بيته حتى أشرف على الهلاك، وغلب عليه خلاله خوفه الشديد جدا من الموت، فأبرم
العديد من التصرفات القانونية المشبوهة، لكنه شفي بعد ذلك من هذا المرض، فإن جميع
التصرفات التي أجراها أثناء مرضه – وكيفما كانت طبيعتها وضررها بالنسبة لورثته
المحتملين- تعتبر في حكم التصرفات التي يجريها الأصحاء عادة بحيث لا يجوز للورثة
مطلقا وللدائنين الاعتراض عليها بوجه من الوجوه.[35]
وما دام المشرع المغربي – في تقريره
لآثار السبب الخفي- قد ركز على عقد البيع كنوع من أنواع التصرفات التي يمكن أن
تتصل بمرض الموت، فيستنبط مما ذكره المشرع بخصوص ذلك – مستندا إلى الفقه الإسلامي-
أنه ينبغي إضافة شرط خاص إلى الشرطين العامين السابقين، ويتعلق الأمر بأن يظهر في
البيع قصد المحاباة.
فالمشرع المغربي لم يعتبر البيع الواقع في
مرض الموت بقصد المحاباة بيعا وإنما إبراء أو هبة في مرض الموت؛[36] والهبة في مرض
الموت تجري عليها أحكام الوصية التي تقضي بأن الموصى له لا يستحق غير الثلث إذا
كان غير وارث،[37] وأنه إذا كان وارثا لا يستحق شيئا ولا تصح
الوصية له إلا بإجازة باقي الورثة الرشداء.[38]
وهذه القواعد ترجع إلى ما
يعرف في المذهب المالكي بالتوليج أو التبرع المغلف، وفي الفقه الوضعي
بالبيع الساتر للهبة. ولولا وجود المحاباة في هذا النوع من البيوع لصح ولما أخذ
تسمية الهبة[39] وأحكامها حتى لو تم في مرض الموت – ما
دام البائع تام العقل- وقد تنقلب الآية – أحيانا- فتكون الهبة هي الساترة للبيع،
بهدف التهرب من أداء الضرائب ورسوم التسجيل كاملة،[40] أو التحايل على الشريك
حتى لا يقوم بالشفعة.[41]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- محمد الكشبور، بيع
المريض مرض الموت: قراءة في قرار للمجلس الأعلى،سلسلة الدراسات القانونية المعاصرة
4، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، الطبعة الأولى 2002، ص 48-49.
[2]- الكشبور، بيع
المريض...، م س، ص 49.
[3]- انظر في ذلك: حسين
المؤمن، نظرية الإثبات بالمحررات أو الأدلة الكتابية، مكتبة النهضة، بيروت، 1975،
ج3، ص 148.
[4]-انظر: محمد الكشبور،
بيع المريض مرض الموت، م س، ص 29-30.
[5]- خليل بن
إسحاق الجندي، المختصر في المذهب المالكي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة
الأولى 1995، ص 180.
وتعريف الشيخ خليل الوارد
في المتن أعلاه يعد بحسب بعض الفقه أفضل تعريف يمكن الوقوف عليه لأنه يعتمد معيارا
موضوعيا يصلح لكل زمان ومكان.
- انظر: محمد الكشبور،
بيع المريض، م س، ص 35-36.
[6]- محمد ابن عرفة الدسوقي،
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير لأبي البركات أحمد الدردير، دار إحياء الكتب
العربية، ت.ط.غ.م، ج 3، ص 306.
[7]- علي بن عبد السلام
التسولي، البهجة في شرح التحفة، حققه وضبطه وصححه:محمد عبد القادر شاهين، دار
الكتب العلمية، بيروت،الطبعة الأولى 1418 هـ - 1998م، ج 2، ص 226.
[8]- ذكر ابن قدامة – من
الحنابلة- أنواع المرض، وبين ما هو المخوف وما هو ليس كذلك، حيث قال:"والأمراض
على أربعة أقسام:
أ- غير مخوف مثل وجع
العين ونحوه فهذا حكم صاحبه حكم الصحيح لأنه لا يخاف منه في العادة.
ب- الأمراض الممتدة
كالجذام وحمى الربع والفالج في انتهائه والسل في ابتدائه...فهذا الضرب إذا أضنى
صاحبها على فراشه فهي مخوفة، وإن لم يكن صاحب فراش، بل كان يذهب ويجيء فعطاياه من
جميع المال.
ج- من تحقق تعجيل موت
ينظر فيه فإن كان عقله قد اختل مثل من ذبح، أو بنيت حشوته فهذا لا حكم لكلامه، ولا
لعطيته ولا يبقى له عقل ثابت، وإن كان ثابت العقل صح تصرفه وتبرعه.
د-مـرض مخـوف لا يـتعجل
مـوت صـاحبه يقـينا لكنه يخاف ذكره كالبرسام...وذات الجنب...ومرض
القلب...والقولنج...فهذه كلها مخوفة...وما أشكل أمره من الأمراض رجع فيه إلى أهل
المعرفة...".
- عبد الله بن أحمد ابن
قدامة المقدسي، المغني على مختصر الخرقي، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، ت.ط.غ.م،
الجــــــــــزء السادس، ص 84-85.
[9]- وقد يتم الإثبات – وهذا
هو الغالب- لا بواسطة الشهادة الطبية، وإنما بواسطة خبرة طبية متخصصة، وإن كانت
مسألة المرض مسألة ترتبط بواقعة مادية تخضع من حيث الأصل لمختلف وسائل الإثبات.
وهذا هو السر في أن الفقهاء صنفوا الأمراض – المشهورة في أزمنتهم- وذكروا ما يعد
مرض موت وما لا يعد، وما أشكل عليهم أوجبوا فيه الخبرة الطبية.
[10] - إدريس
العلوي العبدلاوي ، وسائل الإثبات في التشريع المدني المغربي،
مطبعة النـجاح الجديدة،الدار البيضاء، طبعة 1990، ص 54.
[11] - يتجه
الرأي الغالب إلى أن الخبرة وسيلة إثبات تهدف إلى التعرف على وقائع مجهولة من خلال
الواقع المعلوم ويستند أنصاره إلى أن الخبرة وسيلة إثبات خاصة تنقل إلى حيز الدعوى
دليلا، ويتطلب هذا الإثبات معرفة ودراية لا تتوافر لدى عضو السلطة المختص نظرا إلى
طبيعة ثقافته وخبراته العملية، كما قد يتطلب الأمر إجراء أبحاث خاصة أو تجارب
عملية تستلزم وقتا لا يتسع له عمل القاضي أو المحقق. بينما ذهب بعض الفقهاء إلى أن
الخبرة ليست وسيلة إثبات في حد ذاتها لأنها لا تهدف لإثبات وجود أو نفي واقعة أو
حالة ما ولكنها وسيلة لتقدير عنصر إثبات في الدعوى.
للاطلاع على ذلك يرجى
النظر في: - مامون الكزبري وإدريس العلوي العبدلاوي، شرح المسطرة المدنية في ضوء
القانون المغربي، مطابع دار القلم، بيروت 1973، الجزء الثاني، ص265 وما يليها.
[12] - الفصول من
71 إلى 84 من ق.م.م.
[13] - والخبير
ملزم باتباع الإجراءات المنصوص عليها في الفصول من 59 إلى 66 من ق.م.م، وفق
التعديلات التي دخلت عليها.
[14] - محمد
المجدوبي الإدريسي: إجراءات التحقيق في الدعوى في
قانون المسطرة المدنيــة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون
الخاص، مطبعة الكاتب العربي، دمشق، الطبعة الأولى 1996، ص 83.
[15] - الفصل 426
من ق.ل.ع.
[16] - محمد ابن
معجوز، وسائل الإثبات في الفقه الإسلامي، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة من دار
الحديث الحسنية بالرباط،مطبعة النجاح الجديدة، 1995، ص 212 وما بعدها.
غير أن المالكية – بخلاف
ابن القيم- لم يسموا هذا النوع شهادة، وإنما سموه خبرا، لأن أكثر المواضع التي
تقبل فيها هذه الشهادة عندهم هي الأشياء التي يستند فيها الشاهد إلى خبرته وتجربته،
ويقتصر في شهادته على إبداء رأيه، والإخبار بما تبين له في موضوع الشهادة.
- انظر: ابن معجوز، وسائل
الإثبات، م س، ص 211 وما يليها.
[17]- التسولي، البهجة، م س،
ج 1، ص 181.
[18]- محمد
ميارة الفاسي، الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام، مع حاشية أبي علي
الحسن بن رحال المعداني، دار الفكر، بيروت، ت.ط.غ.م، ج 1، ص 72.
[19] - محمد بن
يوسف العبدري الشهير بالمواق، "التاج والإكليل" على هامش "مواهب الجليل
في شرح مختصر خليل للحطاب"، مطبعة السعادة بمصر، الطبعة الأولى سنة 1329هـ،
الجزء الرابع، ص 462.
[20] -
التسولي، م.س، ج 1، ص 182.
[21] -
المواق، م.س، ج 4، ص 462.
[22] - التسولي، م.س،
ج 1، ص 182.
[23] -
ميارة، م.س، ج 1، ص 72.
[24] - المعداني،
حاشيته على شرح ميارة، م س، ج 1، ص 314.
[25] -
ميارة، م.س، ج 1، ص 72.
[26] -
ميارة، م.س، ج 2، ص 34.
[27]- ينص الفصل 417 من
ق.ل.ع على ما يلي: "الدليل الكتابي ينتج من ورقة رسمية أو عرفية.
ويمكن أن ينتج كذلك عن
المراسلات والبرقيات ودفاتر الطرفين وكذلك قوائم السماسرة الموقع عليها من الطرفين
على الوجه المطلوب والفواتير المقبولة والمذكرات والوثائق الخاصة أو عن أي إشارات
أو رموز أخرى ذات دلالة واضحة، كيفما كانت دعامتها وطريقة إرسالها.
إذا لم يحدد القانون
قواعد أخرى ولم تكن هناك اتفاقية صحيحة بين الأطراف، قامت المحكمة بالبت في
المنازعات المتعلقة بالدليل الكتابي بجميع الوسائل وكيفما كانت الدعامة
المستعملة".
[28]- الفقرة الأخيرة من
الفصل 66 من قانون المسطرة المدنية.
[29]- قرار رقم 1179 صادر بتاريخ
10 مارس 1999 في الملف المدني عدد 4000/93، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى العدد
55، يناير 2000، الإصدار الرقمي دجنبر 2004، ص 66 وما بعدها.
[30]- الكشبور، بيع المريض، م
س، ص 38-39.
[31]- وليس من شرط هذا التصرف
أن يصدر عند فقدان الوعي، جاء في قرار للمجلس الأعلى (سابقا): "لا يشترط
لإبطال عقد الصدقة الصادرة عن المريض مرض الموت أن يكون الشخص فاقد الوعي، بل يكفي
أن تكون إرادته معيبة بسبب المرض".
- قرار عدد
112/90 بتاريخ 09 مارس 1999 في الملف العقاري عدد 550/96، منشور بمجلة قضاء المجلس
الأعلى عدد 55 لسنة 2000، الإصدار الرقمي دجنبر 2004، ص 84 وما يليها.
[32]- الكشبور، بيع المريض، م
س، ص 50-51.
[33]- ومن هذه العلامات
المختلف فيها بين المذاهب – حسبما يظهر من تعاريفهم لمرض الموت- أن "هناك من
اعتد بالعجز عن قضاء المصالح خارج البيت بالنسبة للذكور، وداخله بالنسبة للإناث.
وهناك من اعتد بعدم قدرة المريض على الصلاة قائما، وهناك من قرر أن من علامات
المرض ألا يستطيع المريض أن يخطو أكثر من ثلاث خطوات دون أن يستعين بالغير، وهكذا،
بل وهنالك من أضاف شرط المدة وهي أن يمتد المرض لسنة، فإن تجاوزها بدون انتكاس
خرجنا من إطار مرض الموت.
ويبقى أن مرض الموت مسألة
واقع، تختلف من مريض لآخر، وبالتالي من قضية لأخرى، وهو يتطور بتطور الحضارة
الإنسانية ذاتها وتقدم الطب، بحيث كثيرة هي الأمراض التي كانت مهلكة فتغلب الطب
الحديث عليها ، ومن ذلك الجذام والطاعون والسل وبعض أمراض السرطان، وهناك
أمراض أخرى حديثة ما زال الطب الحديث في صراع مستمر وجاد معها، وفي مقدمتها داء
فقدان المناعة وبعض أمراض الكبد والدم وبعض أمراض السرطان، وهكذا".
- الكشبور، بيع المريض، م
س، ص 37-38.
[34]- الكشبور، بيع المريض...،
م.س،ص 51.
[35]- انظر: عبد الرازق
السنهوري، الوسيط، م س، ج 4: البيع، ص 275-276.
[36]- وذلك في الفصل 479
الذي ينص على ما يلي: "البيع المعقود من المريض في مرض موته تطبق عليه أحكام
الفصل 344، إذا أجري لأحد ورثته بقصد محاباته، كما إذا بيع له شيء بثمن يقل كثيرا عن
قيمته الحقيقية، أو اشتري منه شيء بثمن يجاوز قيمته.
أما البيع المعقود من
المريض لغير وارث فتطبق عليه أحكام الفصل 345".
[37]- ينص الفصل 345 من ق.ل.ع على ما يلي: "الإبراء الذي يمنحه المريض
في مرض موته لغير وارث يصح في حدود ثلث ما يبقى في تركته بعد سداد ديونه ومصروفات
جنازته".
[38]- ينص الفصل 344 من ق.ل.ع على ما يلي: "الإبراء الحاصل من المريض في
مرض موته لأحد ورثته من كل أو بعض ما هو مستحق عليه لا يصح إلا إذا أقره باقي
الورثة".
[39]- يقول التسولي
رحمه الله: "التوليج والمحاباة متباينان، لأن التوليج هو العطية في صورة
البيع ، والمحاباة هي البيع بأقل من القيمة أو
بأكثر".
- التسولي، البهجة، م س،
ج 2، ص 323.
فالمحاباة
إذن، تهمة على البائع، إذا باع بأقل من القيمة الحقيقية
للشيء بكثير قصد نفع المشتري، أو على المشتري
إن اشترى بأكثر من قيمة الشيء بكثير قصد نفع البائع. وهي إن وجدت
لوحدها وثبتت كانت كافية لإبطال التصرفات ولو في حال الصحة لأنه يمكن إلحاقها
بالحالات التي تشبه المرض حسب الفصل 54 من ق.ل.ع، وهي أيضا تؤدي إلى الإبطال في
الفقه الإسلامي إذا قصد منها الإضرار. بينما وجود المحاباة في البيع يصيره توليجا،
والتوليج لا يؤدي إن اقترن بمرض الموت إلى الإبطال، بل يصير البيع هبة في مرض
الموت تؤدي إلى تطبيق أحكام الوصية.
والملاحظ أن قرارات محكمة
النقض (المجلس الأعلى سابقا) المتعلقة بالمحاباة قامت بتعليلها بقواعد
التوليج .
فقد اعتبر قرار للمجلس
الأعلى سابقا أن المحاباة للوارث غير كافية طبقا للفصل 479 من ق.ل.ع،
بل يجب أن تكون مقرونة بمرض الموت .
- قرار رقم 809 أشار إليه:
أحمد ادريوش، أثر المرض على عقد البيع، تأملات حول تطبيق القضاء للفصلين 54 و479
من ظ.ل.ع، سلسلة المعرفة القانونية 2، مطبعة الأمنية، الرباط، الطبعة
الأولى 1996، ص 138.
وذهب المجلس
الأعلى في قرار آخر إلى أن " تعليل المحكمة من كون عقد البيع الذي أدلت به
المشترية، ينص على أن البائع كان وقت البيع صحيح العقل ثابت الميز
والإدراك، وله الأتمية والأهلية ، لهو تعليل فاسد،
لكون القواعد والأحكام الفقهية المعمول بها في بيع
الأب أملاكه لبعض أولاده، وإشهاده على نفسه بأنه
قبض ثمن ذلك البيع بالاعتراف،...(يعتبر) ميلا لبعض الورثة دون
غيرهم".
- قرار عدد
1157 في الملف العقاري عدد 4033/85 مذكور عند: أحمد ادريوش – أثر المرض، م س، ص
150.
ومما ساهم في الخلط بين
المحاباة والتوليج في القرار الثاني –خاصة- اعتماده على أن المفاضلة بين الأولاد
في العطية محرمة، بعكس ما ذهب إليه المالكية والجمهور من أن المفاضلة بين الأولاد
ليست ممنوعة إلا إذا قصد الواهب الإضرار بعطيته. ويرجع ذلك
إلى ما رواه الإمام مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن حميد بن عبد
الرحمان بن عوف وعن محمد بن النعمان بن بشير أنهما حدثاه عن
النعمان بن بشير: أنه قال إن أباه بشيرا أتى به إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إني
نحلت ابني هذا غلاما كان لي"، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "أكل ولدك نحلته مثل هذا ؟
"، فقال لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، "فارتجعه".
-يوسف
ابن عبد البر، "التمهيد لما في الموطأ من المعاني
والأسانيد" ، بتحقيق عبد الله بن الصديق نشر وزارة الأوقاف والشؤون
الإسلامية بالمغرب ، 1979، ج7، ص223.
-أحمد بن علي العسقلاني
الشهير بابن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، تحقيق محب الدين الخطيب، المطبعة
السلفية بالقاهرة، الطبعة الثالثة، 1385 هجرية، ص 138-139.
فالإجماع انعقد عند
الفقهاء على جواز العطية للأولاد، لكن الخلاف وقع في شأن التفضيل، فلفظ "أكل
ولدك نحلته مثل هذا ؟" حمله الجمهور ومنهم مالك على الندب، وإن
كانت التسوية أحب.
وعمدتهم أنه إن كان يجوز
للرجل أن يهب للغير كل ماله، فأحد الأولاد أولى
وأحرى، والمشهور عند الجمهور أن المحاباة المتعلقة بتفضيل أحد الأبناء دون الآخرين
ليست محرمة، وإن كانت مكروهة لأنها تؤدي إلى عدم
العدل بين الأولاد، ولكونها ليست من المعروف. وليست المفاضلة بين
الأولاد في المذهب المالكي ممنوعة ومحرمة إلا إذا قصد الواهب الإضرار بعطيته، تبعا
للقاعدة الفقهية "الضرر يزال".
- ابن عبد
البر، التمهيد، م س، ص 225 وما يليها.
[40]- ولذلك نجد المشرع
نظم بعض قواعد الصورية في المدونة العامة للضرائب وذلك في المواد من 217 إلى 221
بالإضافة إلى المادتين 142 و143.
[41]- لأن الشفعة تصح في
المعاوضات دون التبرعات.