بينة التوثيق والحقوق بينة التوثيق والحقوق
random

آخر الأخبار

random
random
جاري التحميل ...

عنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوق

 

                      عنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الثالث)

 



المطلب الثاني: شروط السبب في القانون المغربي

 

باستقراء شروط السبب في الفصول من 62 إلى 65 من قانون الالتزامات والعقود[1] قد يبدو أن المشرع أخذ بالنظرية التقليدية في السبب، وانصرف عن النظرية الحديثة التي تقوم على أن السبب هو الباعث الدافع إلى التعاقد.

ذلك أن النظرية التقليدية هي التي تشترط الشروط الثلاثة التي أقرها المشرع، فهو لم يختلف عنها إلا بصفة جزئية في الشرط الثاني، فالنظرية التقليدية توسعت واشترطت الصحة، والمشرع ضيق واشترط التحقيق فقط.

أما النظرية الحديثة في السبب فقد اشترطت شرطا واحدا فحسب، مما يجعلنا نركن إلى القول بأن ق.ل.ع. لم يتبن النظرية الحديثة في السبب.

ومن خلال الرأي الذي رأيناه نختلف مع ما ذهب إليه بعض الفقه[2] من أن المشرع إنما أخذ بالنظرية الحديثة، ومهما يكن فإن العبرة في مجال التصرفات والوثائق التي تفرغ فيها ليست بانتصار المشرع لهذا المذهب أو ذاك، فقد لا يكون لسرد الشروط الثلاثة كبير أثر، ما دام يمكن توجيهها بما يخدم ما ذهبت إليه النظرية الحديثة، التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية التي اشترطت النية في العبادات والمعاملات.  لكن العبرة هي بمدى فهم غايات التنصيص على ركن السبب ومدى التصلب أو المرونة في التعامل مع شروطه لاسيما مع شرط المشروعية المتفق عليه بين النظريتين من حيث المبدأ.

ونحن سنقوم باستعراض هذه الشروط – التي تطلبها المشرع على كل حال- لكي تتبين لنا غايات إيرادها وما يستوجبه ذلك من التطرق لبعض القضايا التي تطرح – من الناحية العملية- على مستوى العقود والوثائق، مثل الصورية ومرض الموت والتوليج والمحاباة وقيمة الشهادة الطبية في الإثبات.

وبما أن شرطي الوجود والتحقق (ثانيا) [3] يمكن الاستغناء عنهما فسنفرد لهما فقرة تضمهما معا، أما  شرط المشروعية المتفق عليه بين النظريتين فنخصص له فقرة مستقلة.

 

أولا- وجود  وتحقق السبب.

 أخذ المشرع المغربي بشرط الوجود من خلال نصه في الفصل 62 من ق.ل.ع على أن "الالتزام الذي لا سبب له... يعد كأن لم يكن".

وقد رأينا أن شرط الوجود يمكن– بحسب النظرية الحديثة- الاستغناء عنه بالركون إلى إحدى الأسس الأخرى التي تؤدي إلى نفس نتائجه مثل فكرة الارتباط التي أتى بها بلانيول.

كما اشترط المشرع المغربي في السبب أن يكون حقيقيا،[4] وقرر أن السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتى يثبت العكس.[5]

ومعنى كون السبب حقيقيا أنه ليس سببا صوريا.

 أ‌-       صورية السبب.

 بالنسبة لصورية السبب، فقد اعتد المشرع المغربي بهذا الأمر في إثبات عدم تحقيق السبب، من خلال النص على أنه "إذا ثبت أن السبب المذكور غير حقيقي... كان على من يدعي أن للالــــــــــــتزام سببا آخر... أن يقيم الدليل عليه".[6]

ومهما يكن فقد أجاز المشرع المغربي الدفع بالصورية[7] لإثبات السبب الحقيقي الخفي ونفي السبب غير الحقيقي الظاهر[8] الذي قد يقصد منه التدليس[9] والخداع، وسهل إثبات الصورية بأن جعلها تثبت بمختلف الوسائل لأنها مجرد واقعة مادية.[10]

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


[1]- تنص هذه الفصول على التوالي على ما يلي:

ينص الفصل 62 من ق.ل.ع على ما يلي: "الالتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع يعد كأن لم يكن.

يكون السبب غير مشروع إذا كان مخالفا للأخلاق الحميدة أو للنظام العام أو للقانون".

والفصل 63 منه على ما يلي: "يفترض في كل التزام أن له سببا حقيقيا ومشروعا ولو لم يذكر".

والفصل 64 على ما يلي: "يفترض أن السبب المذكور هو السبب الحقيقي حتى يثبت العكس".

والفصل 65 على ما يلي: "إذا ثبت أن السبب المذكور غير حقيقي أو غير مشروع، كان على من يدعي أن للالتزام سببا آخر مشروعا أن يقيم الدليل عليه".

[2]- بلعكيد، الهبة، م س، ص 204.

وذلك عند قوله:" وبالنظر إلى سياق هذه الفصول (أي الفصول من 62 إلى 65)، نلاحظ أن حملها على السبب الباعث أولى من أن تحمل على السبب الموضوعي... فالقول بأن الالتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب مشروع يعد كأن لم يكن إشارة واضحة من واضعيه إلى السبب الباعث ؛ فلا وجود... لأي التزام دون سبب وراءه ؛ كما أن مشروعية السبب تدور وجودا وعدما مع الباعث عليه ؛ والأمثلة كثيرة: فمالك العقار يبيع عقاره إما بهدف شراء عقار آخر أفضل منه أو المضاربة فيه أو الاتجار أو القمار والفساد. والمشتري بدوره يشتري العقار، إما للسكنى أو المهنة أو لغرض ذميم وطمع دنئ. وفي الهبة، يقصد الواهب إما الإحسان والتشجيع وإيقاظ الهمم، أو الأجر أو وجه الله العظيم ؛ وقد يهدف إلى غرض غير مشروع كالبغاء وإفساد الشباب ومحاربة الدين والرشوة وطلب الجاه بلا حق ولا عدل...".

- والملاحظ أن الأمثلة التي ذكرها الفقيه الفاضل إنما تنطبق على الباعث – كما أتت به النظرية الحديثة- ولا تنطبق على السبب بالمفهوم التقليدي.

 [3]- أو الصحة بحسب اصطلاح النظرية التقليدية، والصحة أوسع من التحقق على ما رأينا.

[4]- وذلك عندما نص في الفصل 63 على أنه "يفترض في كل التزام أن له سببا حقيقيا... ولو لم يذكر".

[5]- الفصل 64 من ق.ل.ع.

[6]- الفصل 65 من ق.ل.ع.

[7]- عرف بعض الفقه الصورية بأنها " اصطناع مظهر مخالف للحقيقة عن طريق تعبير ظاهر عن تصرف قانوني غير مقصود كليا أو جزئيا، يخالفه في الوقت نفسه تعبير مخفي عن الحقيقة المقصودة، سواء أكانت هذه الحقيقة هي عدم وجود تصرف، أم وجود تصرف بشروط أو طبيعة مختلفة عن الشروط أو الطبيعة المعلنة".

- جميل الشرقاوي، النظرية العامة للالتزام، أحكام الالتزام، دار النهضة العربية – القاهرة 1992، ص 98.

ويطلق الفقه الإسلامي على الصورية مصطلح "التلجئة" أي "ما يلجأ إليه الإنسان بغير اختياره، كأن يلجئ الخوف من سلطان أو عدو، إنسانا إلى القيام بعمل باطنه بخلاف ظاهره".

- أحمد ابن تيمية، الفتاوى الكبرى، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، بدون تاريخ، ج3، ص 194.

[8]- جاء في الفصل 22 من ق.ل.ع: "الاتفاقات السرية المعارضة أو غيرها من التصريحات المكتوبة لا يكون لها أثر إلا فيما بين المتعاقدين ومن يرثهما، فلا يحتج بها على الغير، إذا لم يكن له علم بها. ويعتبر الخلف الخاص غيرا بالنسبة لأحكام هذا الفصل".

وتجدر الإشارة إلى أن: "الصورية تقتضي وجود عقدين أحدهما ظاهر والآخر مستتر".

-  قرار محكمة النقض عدد 4742 بتاريخ 6/12/2000 في الملف عدد 1879/98 منشور بمجلة المناهج، العدد المزدوج 7– 8، السنة 2005، ص 175 وما يليها.

وبالنسبة لآثار الصورية فالذي  يعتد به في العلاقة بين المتعاقدين وورثتهم هو العقد الحقيقي أي العقد المستتر...

- أسامة عبد الرحمان، النظرية العامة للالتزامات، الجزء الأول:المصادر الإرادية، م.ط.غ.م، طبعة 2001،ص 260.

أما بالنسبة للغير، فاصطلاح الغير الوارد في الفصل 22 يتسع ليشمل كل ذي مصلحة ولو لم تكن بينه وبين المتعاقدين رابطة عقدية، فالغير هو الذي اطمأن إلى الوضع الظاهر وتعامل على أساسه بحسن نية مع المتواضعين على الصورية، وذلك يجعل الغير يشمل الخلف الخاص الذي يعرف بأنه "هو من تلقى من سلفه حقا معينا كان قائما في ذمة هذا السلف، سواء كان هذا الحق عينيا كما في الحق الذي ينتقل إلى المشتري أو الموهوب له أو الموصى له بعين معينة، أم كان حقا شخصيا كما في الحق الذي ينتقل من المحيل إلى المحال إليه، فصفة الخلفية في الخلف الخاص مقصورة على الحق العيني أو الشخص الذي انتقل إليه من السلف".

- مامون الكزبري، نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي ، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ت.ط.غ.م. ج 1: مصادر الالتزام، ص 251 – 252.

ويشمل (اصطلاح الغير)الدائنين العاديين لطرفي الصورية، فدائن المشتري في البيع الصوري يعتبر من الغير لأنه اطمأن إلى أن الشيء محل التصرف الصوري قد انتقل إلى المشتري، فدخل في ضمانه العام، وكذلك دائن البائع في البيع الصوري يعتبر من الغير لأن الشيء محل التصرف الصوري لم يخرج في الحقيقة من ملك البائع، أي لم يخرج من الضمان العام للدائن، فللدائن في هذه الحالة أن يتمسك بالعقد الحقيقي.

ويتم التفريق في آثار الصورية بالنسبة للغير بين الغير حسن النية والغير سيء النية، فالغير حسن النية يحق له التمسك بالعقد الحقيقي ويطالب بما ينتج عنه من الحقوق كما لو كان العقد الصوري غير موجود، كما أنه من حق الغير إذا كانت له مصلحة في ذلك، أن يثبت الصورية ويستفيد من العقد المستتر...فللغير حسن النية، عند تحقق الصورية، الخيار إذن بين التمسك بالعقد الظاهر وبين إثبات الصورية والتمسك بالعقد المستتر...

- انظر: مامون الكزبري، نظرية الالتزامات، م.س. ص 297 – 298.

والغير سيئ النية، إذا كان قد تعاقد مع أحد طرفي العقد الصوري مع علمه بالصورية فأحكام العقد الخفي هي التي تسري عليه...

- انظر:عبد الكريم شهبون، الشافي في شرح قانون الالتزامات والعقود، الكتاب الأول الالتزام بوجه عام،  ج 1: مصادر الالتزام، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1999، ص 137.

 [9]- تتشابه الصورية والتدليس- في النية والتضليل، وتتميز الصورية عن التدليس في الأحوال التالية:

*التدليس يقع عند تكوين العقد من أحد المتعاقدين بطريقة الخديعة، فيجعل العقد قابلا للإبطال، في حين أن الصورية يتعاقد المتعاقدان وهما على علم بما يضمرانه للغير. فلا يغش أحدهما الآخر، وإنما يريدان غش الغير وإخفاء أمر معين.

*القصد من التدليس هو الحصول على قبول أحد المتعاقدين بطريقة الخديعة فيجعل العقد قابلا للبطلان، في حين أن الصورية يتعاقد المتعاقدان وهما على علم بما يضمرانه للغير فلا يغش أحدهما الآخر، وإنما يريدان معا غش الغير أو إخفاء أمر معين.

*يعتبر التدليس دائما عملا غير مشروع، إذ يقصد به دائما غش الغير، في حين الصورية قد تكون في بعض الحالات لغرض مشروع، ولا يقصد منها ضرر الغير.

-انظر: عز الدين الدناصوري وعبد الحميد الشواربي: الصورية في ضوء الفقه والقضاء، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، الطبعة الثامنة، 2005، ص 81.

[10]- جاء في الفصل 419 (فقرة 2) من ق.ل.ع: "إلا أنه إذا وقع الطعن في الورقة بسبب إكراه أو احتيال أو تدليس أو صورية أو خطأ مادي فإنه يمكن إثبات ذلك بواسطة الشهود وحتى بواسطة القرائن القوية المنضبطة المتلائمة دون احتياج إلى القيام بدعوى الزور".

والأصل في الإثبات بالنسبة لطرفي العقد يجعل من كل طرف في عقد ما ادعى صورية ذلك العقد وطعن فيه بأنه مجرد عقد ظاهر يخفي عقدا مستتر، ملزما بإقامة الحجة على ذلك، والإثبات في هذه الحالة يتأثر بقيمة الالتزام وبما إذا كان هناك غش أو احتيال على القانون ضد مصلحة أحد طرفي العقد أو ضد مصلحة جهة أخرى.

-انظر: قرار محكمة النقض عدد 1869 بتاريخ 22/12/1999 في الملف عدد 982/98 منشور بالتقرير السنوي للمجلس الأعلى لسنة 1999 ص 95.

أما الغير الذي يكون من مصلحته أن يطعن في العقد الظاهر، فإنه يتأتى له أن يثبت الصورية بجميع الوسائل، ومن بينها شهادة الشهود والقرائن...

- انظر: قـرار المجلس الأعلى عدد 315 بتاريخ 19/02/2003 في الملف عدد 781/99 منشـور بمجلة المـلف عدد 6، السنة 2005  ص 278 وما يليها. 

عن الكاتب

محمد الكويط

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

تابع المدونة من هنا

جميع الحقوق محفوظة

بينة التوثيق والحقوق

2025