المسؤولية الجنائية للعدول
تنتج المسؤولية الجنائية عن إتيان فعل أو الامتناع عن فعل
يعاقب القانون عليهما بنص صريح، وهذا الفعل أو الامتناع يسمى جريمة، والجرائم
تنقسم إلى جنايات وجنح ومخالفات.
وتعتبر الجرائم التي يرتكبها العدول في سياق
مزاولة مهنتهم مشددة العقوبة بالنظر إلى اعتبارهم –بهذا الخصوص- ضمن طائفة
الموظفين العموميين، طبقا للفصل 224 من مجموعة القانون الجنائي (ق.ج) الذي ينص على
أنه "يعد موظفا عموميا، في تطبيق أحكام التشريع الجنائي، كل شخص
كيفما كانت صفته، يعهد إليه، في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر
أو بدون أجر ويساهم بذلك في خدمة الدولة، أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية،
أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام.
وتراعى صفة الموظف في وقت ارتكاب الجريمة؛
ومع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية له بعد انتهاء خدمته، إذا كانت هي التي سهلت له
ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها".
ومما يؤكد ذلك أن المشرع ألحق بخصوص جريمة
التزوير – وهي أكثر ما يتابع العدول بسببه - بالموظفين العموميين وذلك في الفصلين
352 و353 من المجموعة الجنائية.[1]
وقد تكون المتابعة الجنائية للعدل سببا
كافيا لعرقلة نشاطه المهني إذا ما ارتأى الوكيل العام إيقافه إلى حين صدور حكم
نهائي يقضي ببراءته.[2]
كما أن المتابعات الجنائية في حق العدول
بسبب جريمة التزوير غالبا ما ينشأ عنها تعرض العدول للحيف والظلم، فلا تتم مراعاة
الأصل المتمثل في قرينة البراءة، وأحيانا يحاسب العدول بدون وقوع ضرر ولا تحقق القصد الجنائي الخاص المعبر عنه بسوء
النية، وهو ركن من أركان هذه الجريمة،[3] ومن شأن عدم توفره
افتراض انعدام المسؤولية الجنائية لدى العدلين معا _في حالات نادرة_ أو لدى العدل
العاطف خاصة _في أغلب الحالات_ (أولا)، لكن هذا الأمر لا تتم مراعاته في أغلب
المتابعات التي يتعرض إليها العدول، ولعل مرد ذلك إلى عدم الإلمام بطبيعة عمل
العدول (ثانيا).
أولا- المسؤولية الجنائية ومسألة العدل العاطف.
إذا كان بالإمكان أن يثبت
عنصر سوء النية _كعنصر رئيسي في تكوين جريمة الزور_ لدى العدل المتلقي الأصلي، فمن
النادر أن يثبت هذا العنصر في حق رفيقه العاطف عليه، حتى لو حضر الشهادة، فبالأحرى
إن لم يحضرها، ولذلك فمن الحيف اتهام العدل العاطف واعتباره مساهما أو مشاركا في
الجريمة إلى جانب العدل المتلقي الأصلي، ويمكن على الأقل أن يتم اعتبار توقيع
العاطف على الرسم قرينة بسيطة على المساهمة أو المشاركة في جريمة الزور يمكن للعدل
العاطف أن يدحضها بالبينة المعاكسة، وقد تكون هذه البينة هي إثبات عدم حضوره الإشهاد.
ولا ينبغي أن يقال بأن توقيع العدل العاطف
على الشهادة يعد قرينة قاطعة على المساهمة أو المشاركة في الزور بحيث لا تقبل هذه
القرينة إثبات ما يضادها، ذلك أن توجيه الاتهام ينبغي أن يقيد بقرينة أقوى من مجرد
التوقيع، وهي قرينة البراءة، وأن يخضع لقاعدة "درأ الحدود بالشبهات"،[4] إذ أن حرية الشخص لا
ينبغي أن تسلب منه بالسجن إلا بيقين، فلو انتفى هذا اليقين ولو بأقل شبهة، فينبغي
أن تعلن البراءة، إذ أن الخطأ في العفو أولى من الخطأ في العقوبة، ولن يخسر
المجتمع شيئا إذا ما أفلت شخص من العقاب نتيجة نقص الأدلة الساطعة القاطعة أو
غيابها.
وينبغي أن تقرأ عبارة الاقتناع الصميم
للقاضي الزجري على أساس أنها تعني اليقين أو العلم القطعي، لا على أساس أنها تعني
مجرد التصور والاعتقاد، إذ الحكم بالظن أو العلم القريب من اليقين إنما محله في
الميدان المدني، ففي هذا الميدان فإن الشخص حتى لو ظلم فإنه لن يخسر سوى ماله أو
أرضه، أما في الميدان الزجري فإن الشخص قد يخسر حريته لسنوات طويلة، ولا يمكن
لمراجعة الحكم – لو تمت- أن تعوضه عنها.
ولذلك فلا ينبغي أن ينظر في المسؤولية
الجنائية إلى العدلين على أنهما دائما مساهمان في الجريمة، ولا أن يتم النظر
إليهما على أنهما مشاركان في الجريمة، ما لم تثبت هذه المساهمة أو المشاركة بصفة
يقينية، بل ينبغي مراعاة أكثر الحالات التي يكون فيها عدل واحد هو الذي قام بالفعل
الجرمي بينما الرفيق لم يكن على دراية بتزوير رفيقه أو تواطئه، أو لم تكن لديه النية
السيئة مثله.[5]
وعليه، فينبغي على الأقل أن يتم الافتراض
بأن العدل الذي كتب الشهادة في مذكرته هو الفاعل الحقيقي للجريمة، وأن رفيقه بريء
إلى أن يثبت ما يؤدي إلى إدانته بالدليل القاطع كأن يكون هو من كتب الشهادة بيده
في مذكرة الحفظ لرفيقه، وهذا لا يعني أن الرفيق العاطف لا يعاقب تأديبيا إن لم
تثبت مسؤوليته الجنائية، كما يمكن مطالبته بالتعويض من باب التضامن مع رفيقه في
باب المسؤولية المدنية، ويمكنه أن يرجع على رفيقه بما دفعه إن كان بريئا –من
الناحية الزجرية-.
ولا ينبغي الافتراض دائما بأن العدل العاطف
يعد مجرما بمجرد توقيعه على شهادة مزورة وقعها مع رفيقه، إذ أن سوء النية غالبا ما
يقترن بالعلم والتواطؤ والاتفاق، وهذه الأمور إن كان من الجائز أن تتحقق في
المتلقي الأصلي فمن النادر أن تتحقق في العاطف حتى لو حضر الإشهاد من أوله إلى
آخره، فبالأحرى إن لم يحضر.
فقد يتفق العدل المتلقي الأصلي مع
المتعاقدين على أشياء سابقة على مرحلة الإشهاد ثم يتم كتم هذه الأشياء عند حضور
الرفيق للإشهاد، أو يكون العدل الأصلي عالما بالأوجه التي تشكل سوء النية في شهادة
ما، بينما لا يعلم بها الآخر بحكم ضعف تكوينه فيوقع مع رفيقه من باب الثقة وحسن
النية، وأحيانا قد يوقع من باب الحياء.
فإن لم يتم إلغاء التلقي الثنائي وتعويضه بتصورنا
عن العدل الموثق الذي أثبتناه في مقال آخر، فلا أقل من أن لا نحيف على العدل
العاطف من الناحية الزجرية، إذ ينبغي أن نعتبره بريئا من المساهمة أو المشاركة حتى
تثبت مساهمته أو مشاركته الفعلية وتتحقق فيه جميع عناصر الجريمة وأهمها هو عنصر
ثبوت سوء النية لديه. هذا بالإضافة إلى أن جريمة الزور لا تتحقق ما لم يلحق الضرر
بطرف ما.
نعم، ينبغي – كما ألمحنا إلى ذلك سابقا- أن
تتقرر المسؤولية الأدبية والمسؤولية المدنية في حق العدلين معا بمجرد ثبوت
التوقيع، وللعاطف منهما أن يرجع على الآخر بالتعويض، ولكن لا يسعنا أن نقرر
التضامن أو المتابعة الثنائية للعدلين في الميدان الزجري لأن المتابعة في الجرائم
تتعلق بأشخاص أصحابها؛ كما أنه لا يوجد أي نص صريح في القانون الجنائي يلزم
بمتابعة العدلين معا في القضايا الجنائية.
ثانيا- جريمة الزور وطبيعة عمل العدول.
يلاحظ في الميدان العملي
أنه غالبا ما تتم متابعة العدلين بجريمة الزور دون قيام عناصرها على الحقيقة؛ كما
أنه تجري في الغالب متابعتهم زجريا في أمور توثيقية صرفة تستوجب في أقصى الأحوال
متابعة أدبية أو مدنية.
بل إن العدول كانوا يحالون مباشرة إلى ضباط الشرطة القضائية من أجل التحقيق معهم،
مع أنه كان يوجد منشور لوزارة العدل يحث على عدم الاستماع إلى العدول من قبل ضباط
الشرطة القضائية، بل ينبغي أن يتم ذلك الاستماع من النيابة العامة مباشرة، وهذا
المنشور لم يتم تفعيله إلا في السنوات القليلة الماضية.[6]
والنيابة العامة _في بعض القضايا_ قد تتابع
العدول من أجل التزوير وتتابع في نفس الوقت شهود اللفيف من أجل جريمة الإدلاء
ببيانات كاذبة؛[7] بالرغم من أن النيابة العامة لو ثبتت عندها
إدانة العدول بالتزوير فلا محل بعد ذلك لإدانة الشهود بجريمة الإدلاء بالبيان
الكاذب، وذلك لأنه لا يستقيم أن يكون الأمران معا ثابتان لدى النيابة العامة،
لأنها لا تقرر المتابعة إلا وقد غلب على يقينها بأن الجريمة ثابتة على الفاعل بالأدلة،
وعليه فإما أن العدلين هما اللذان قاما بالتزوير، وبمقتضاه يكون الشهود أبرياء،
وإما أن الشهود هم الذين كذبوا فيكون العدلان بريئين، ولا يستقيم أن يجتمع الأمران
معا.[8]
ومن شأن تطبيق أحكام الرجوع عن الشهادة
وإنكارها أن يغني عن الارتباك الحاصل في متابعات العدول بسبب عدم الإحاطة بالأمور
التوثيقية الصرفة، وذلك لأن الرجوع عن الشهادة يؤدي إلى بطلان شهادة المتراجع، أو
بطلان الوثيقة كلها إن تراجع كل الشهود. فلو تم تطبيق أحكام الرجوع لما كان هناك
سبيل إلى الإضرار بالعدول ولا بالأطراف ولا بالشهود.[9]
وكثيرا ما يتم تطبيق أحكام الرجوع عند
متابعة العدول زجريا، لكن بكيفية قد تضر بالعدول؛ ذلك أنه إذا تراجع أحد الشهود أو
أنكر الشهادة ولو عند بداية التحقيق معه وبعد حصول الضرر للمشهود عليه فإنه يتم
تمتيعه –مع ذلك- بعذر معف ويصبح هو نفسه دليل إدانة في مواجهة العدول.[10]
ومن ناحية أخرى فإن الضرر يحصل للعدول
–كثيرا- من جهة أن القاضي يحكم في الأمور الزجرية طبقا لاقتناعه الصميم؛ ذلك
أن "التفرقة بين المسائل المدنية... وبين المسائل الجنائية،
الجاري بها العمل في القانون الوضعي... والتي تطبق حاليا على حالة التعارض بين
شهادة العدول وشهادة اللفيف، وعلى غيرهما من وسائل الإثبات الرسمية الأخرى، وذلك
بتخويل القاضي الجنائي مطلق الصلاحية في اعتبار ما ظهر له مقنعا من الحجج والوثائق
ولو كانت غير رسمية أو غير عرفية، وإبعاد ما بدا له عكس ذلك ولو كانت محاضر وحججا
رسمية أو عرفية، بل وبترجيحه أي قرينة أو دليل آخر يطمئن إليه ويقتنع به، دون أن
يكون مقيدا في ذلك بأية وسيلة إثبات، على عكس القاضي المدني المأمور قانونا باتباع
الحجج والوثائق المدلى بها أمامه، وبالمقارنة والترجيح بينها في حالة تعارضها.
هذه التفرقة لا تبدو سليمة ولا منطقية في
شيء، لأنه لا يعقل منطقيا أن يضع القانون ثقته في أشخاص معينين ويضفي الصفة
الرسمية على حججهم ووثائقهم ومحاضرهم، ثم لا يؤخذ بها أمام القاضي الجنائي، بعلة
أن هذا الأخير ملزم باتخاذ مزيد من الحذر والتثبت والتريث لكيلا يصدر الحكم
الجنائي، إلا بعد أن يقتنع اقتناعا جازما بما سوف يحكم به أنه الحق المبين، وذلك
حتى لا يظلم أحدا بحكمه وقراره".[11]
ونحن لا نعارض الغاية التي من أجلها كرس
المشرع التفرقة السابقة، إلا أننا نرى مع بعض الباحثين [12] أن " الحزم
واليقين يفرضان- خاصة في المسائل الجنائية التي لها خطورة كبرى على حياة الإنسان-
أن يلزم القاضي الجنائي بأن لا يبني حكمه الشديد والغليظ على مجرد اعتقاد يعتقده
أو تخمين يختمنه،[13] بل إن ذلك يفرض عليه أن
يتبع وسائل الإثبات المتوفرة لديه،[14] لأن القاضي الجنائي
–فردا كان أو هيئة- مهما تحرى ودقق وتأنى، فإنه يبقى إنسانا كسائر الناس يصيب ويخطئ
ويصدق ويتهم، ويجري عليه ما يجري على سائر البشر، وقاضي القضاة بدون منازع، سيد
الأنبياء والمرسلين محمد عليه الصلاة والسلام يقرر قاعدة كبرى في النظام القضائي
الإسلامي... مفادها أنه لا حكم إلا ببينة ولو مع قوة الدليل المبني على مجرد
استنتاج القاضي، ففي الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما
أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو
ما أسمع منه "[15]".
لأجل ذلك، نرى –كما يرى هذا الباحث-[16] أنه لا مجال
لمتابعة "العدول بتهمة التزوير في محرر رسمي لمجرد اقتناع القاضي
الجنائي واطمئنانه واعتقاده".
وغالبا ما يقع الخلط بين شهادة الزور،
والتزوير في الوثائق المكتوبة، والحال أن شهادة الزور يمكن كسرها عن طريق القواعد
المتعلقة بالرجوع في الشهادة والإنكار والاستفسار، وهي قواعد من شأنها أن تبطل
الشهادة وتجعل العدول يغرمون أو يعزلون من المهنة، دون أن تكون العقوبة هي السجن
المؤبد،[17] كما أن التزوير بالكتابة
ليس من السهل وقوعه ما دام أن الأطراف يوقعون على الوثيقة، ثم إن الطرف الذي قد
يتضرر غالبا ما يكون من الأغيار فيمكنه هدم الوثيقة بطريق مدني ما دام هدفه هو
إبطالها، كما يمكنه -من حيث المبدأ- مقاضاة العدل في إطار قواعد المسؤولية
المدنية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] - ينص الفصل
352 من مجموعة القانون الجنائي (ق.ج) على ما يلي: "يعاقب بالسجن من عشر إلى
عشرين سنة وغرامة من 100.000 إلى 200.000 درهم، كل قاض أو موظف عمومي وكل
موثق أو عدل ارتكب، أثناء قيامه بوظيفته، تزويرا بإحدى الوسائل الآتية:
1- وضع توقيعات مزورة؛
2- تغيير المحرر أو الكتابة أو
التوقيع؛
3-وضع أشخاص وهميين أو استبدال أشخاص
بآخرين؛
4- كتابة إضافية أو مقحمة في السجلات
أو المحررات العمومية، بعد تمام تحريرها أو اختتامها".
وينص الفصل 353 من ق.ج
على ما يلي:" يعاقب بالسجن من عشر إلى عشرين سنة وغرامة من 100.000 إلى
200.000 درهم، كل قاض أو موظف عمومي أو موثق أو عدل ارتكب، بسوء نية، أثناء
تحريره ورقة متعلقة بوظيفته، تغييرا في جوهرها أو في ظروف تحريرها، وذلك إما
بكتابة اتفاقات تخالف ما رسمه أو أملاه الأطراف المعنيون، وإما بإثبات صحة وقائع
يعلم أنها غير صحيحة، وإما بإثبات وقائع على أنها اعترف بها لديه، أو حدثت أمامه
بالرغم من عدم حصول ذلك، وإما بحذف أو تغيير عمدي في التصريحات التي
يتلقاها".
ملاحظة: أصبح الفصلان 352 و353
ينصان على المقتضيات أعلاه بعد أن تم تغييرهما وتتميمهما بمقتضى المادة الأولى من
القانون رقم 33.18 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.19.44 بتاريخ 4 رجب 1440
(11 مارس 2019)؛ الجريدة الرسمية عدد 6763 بتاريخ 18 رجب 1440 (25 مارس 2019)، ص
1612.
[2] - يرجى النظر في
مقالتنا بهذه المدونة: المسؤولية التأديبية للعدول.
[3] – "سوء النية" و"تحقق الضرر" يدخلان في العناصر المشكلة
لأركان جريمة الزور ، وهما ثابتان من خلال تعريف المجموعة الجنائية لجريمة الزور،
حيث ورد في الفصل 351 من ق.ج ما يلي: "تزوير الأوراق هو تغيير الحقيقة فيها
بسوء نية، تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا متى وقع في محرر بإحدى الوسائل المنصوص
عليها في القانون".
[4] - ترادفه في القانون
الوضعي قاعدة: "تبرئة مائة مجرم خير من إدانة بريء واحد".
[5] - الغالب في الزور
–مثلا- أن العدل المتلقي هو الذي يزور ويتواطأ، بينما يكون العدل العاطف في الغالب
– حسن النية- حتى لو جرت أطوار الشهادة أمامه لأن المتلقي قد يعرف من الظروف
المحيطة بالشهادة المتلقاة ما لا يعرفه العاطف. فالمتلقي الأصلي هو الذي يفاوض
المتعاقدين غالبا، أما العاطف فلا يتلقى إلا بعد أن تكون الشهادة مهيأة.
[6] - جاء في تدخل
ممثل الهيئة الوطنية للعدول بإحدى الندوات:" ونعلن رفضنا إحالة
السادة العدول على الضابطة القضائية بسبب شؤون مهنية، وتعرضهم للمعاملات المهينة
الضيقة، وهو ما ذهبت إليه وزارة العدل سابقا وأكدته حسب المنشور المؤرخ
بتاريخ: 20/08/1980، الذي تم تحيينه سنة 2002 ".
- محمد ساسيوي، " إصلاح العدالة بين المنهجية
والمضمون "، نص المداخلة التي ألقاها بالنيابة عن رئيس الهيئة
الوطنية للعدول في إطار الندوة المسماة " التوثيق العدلي
واصلاح منظومة العدالة" المنعقدة بكلية الحقوق السويسي بالرباط
بتاريخ 16/05/2013.
[7] - ينص
الفصل 355 من ق.ج - بعد تغييره وتتميمه بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم 33.18
السالف الذكر - على ما يلي: "يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وغرامة من
مائتين إلى خمسمائة درهم كل شخص ليس طرفا في المحرر، أدلى أمام العدل
بتصريحات يعلم أنها مخالفة للحقيقة.
ومع ذلك يتمتع بعذر معف من العقوبة، بالشروط المشار إليها في الفصول 143 إلى
145، من كان قد أدلى، بصفته شاهدا، أمام العدل، بتصريح مخالف للحقيقة، ثم عدل عنه
قبل أن يترتب على استعمال المحرر أي ضرر للغير وقبل أية متابعة ضده"
[8] - للدفاع عن العدلين
قد ينتصب المحامي نفسه الذي يدافع عن الشهود مع أن كل طرف منهما خصم
للآخر.
[9] - لا ينبغي _في
نظرنا_ أن تتضمن الوثيقة العدلية اللفيفية ما يفيد أن الشهود شهدوا ضد شخص معين.
ومن ناحية أخرى فلا محل لمعاقبة الشهود المتراجعين بالعقوبة السالبة للحرية ما دام
تراجعهم لم يكن نتيجة ادعائهم أنهم شهدوا زورا في الشهادة الأولى المتراجع عنها.
[10] - هذه الأمور كانت
تحدث كثيرا خاصة في إطار ما كان يعرف بموجب ضرر الزوج بزوجته، ومن الناحية العملية
الآن لم يعد العدول ينجزون هذه الشهادة لأن مسطرة الشقاق – المؤدية إلى التطليق
بسهولة – حلت محلها. كما أن قانون التوثيق العدلي (الجديد) وفر بعض الحماية للعدول
خاصة عندما أصبح يتم اعتبار إمضاء الشهود قرينة على صدق العدول وصحة الشهادة، هذا
من الناحية النظرية على الأقل، كما أن الإفراج عن المنشور الذي كان يحرم على
الشرطة القضائية الاستماع للعدول وتفعيله أديا إلى توفير بعض الحماية للعدول.
[11] - العلمي
الحراق، التوثيق العدلي بين الفقه المالكي والتقنين المغربي وتطـبيقاته فـي
مدونـة الأسرة، مكتبة دار السلام، الرباط، طبعة 2009، ج 1، ص 533-534.
[12] - الحراق، التوثيق،
م س،ص 534.
[13] - فالقاضي يحكم
بالعلم اليقيني الذي تفيده الحجج القاطعة والقرائن المؤيدة لها، ولا يحكم بمجرد
اعتقاده أو قناعته أو تصوره.
[14] - بل إن القاضي
الجنائي خاصة، عليه أن لا يحكم – ولو توفرت وسائل الإثبات- بالإدانة كلما وجدت
شبهة، لأن الشبهة تدرأ الحد، ولأن تبرئة مائة مجرم خير من إدانة بريء واحد. والسبب
في أن الحكم الجنائي ينبغي أن يبنى على اليقين القاطع أنه قد تزهق بسببه نفوس
وتضيع أعراض، وهذه الأمور إن فقدت لا سبيل إلى إرجاعها، بينما الحكم المدني، يمكن
بعد وجود وسائل الإثبات أن يبنى على الظن القريب من اليقين، لأن منتهى ما يؤدي
إليه - في حال مجانبته للصواب- هو أن يضيع على الإنسان مال
أو حق مالي لم يستطع إثباته، وهو أمر قد يمكن تعويضه، أو على الأقل لا يترتب عليه
من النتائج الوخيمة ما يترتب على الحكم الجنائي.
[15] - جزء من حديث متفق
عليه: البخاري (7158)، مسلم (1717).
- انظر: أحمد ابن حجر العسقلاني، بلوغ المرام من أدلة الأحكام، خرج
أحاديثه محمد الفاضلي، المكتبة العصرية، صيدا بيروت، الطبعة الأولى 1999، ص 286.
[16] - الحراق، م س، ص
537.
[17] - غالبا ما يتم تطبيق ظروف التخفيف في حق العدول فيعاقبون بمدة عشر سنوات.