تفسير صيغ الوثائق العدلية (الجزء الثاني)
ثانيا _ التعبير الغامض.
إذا ظهر لقاضي الموضوع أن
عبارات العقد غير واضحة، أي يشوبها اللبس والغموض، وجب عليه تفسيرها. جاء في الفصل
462 من ق.ل.ع ما يلي: "يكون التأويل في الحالات الآتية:...
2 - إذا كانت الألفاظ المستعملة غير واضحة
بنفسها، أو كانت لا تعبر تعبيرا كاملا عن قصد صاحبها.
3 - إذا كان الغموض ناشئا عن مقارنة بنود
العقد المختلفة بحيث تثير المقارنة الشك حول مدلول تلك البنود.
وعندما يكون للتأويل موجب، يلزم البحث عن
قصد المتعاقدين، دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ، ولا عند تركيب
الجمل".
يتبين من هذا النص أنه كلما كان التعبير
غامضا إلا ويجب تفسيره بالبحث عن النية المشتركة للمتعاقدين.
وكما تفرض قاعدة العقد شريعة المتعاقدين على
قاضي الموضوع تطبيق بنود العقد في حالة وضوحها، فإن القاعدة نفسها تفرض عليه كذلك
تفسير هذه البنود في حالة غموضها.[1] جاء في قرار للمجلس
الأعلى سابقا: "يتعرض للنقض الحكم الصادر عن قضاة الاستئناف الذين لم يكن في
وسعهم أن يرتبوا أي مفعول على الاتفاق المبرم بين الخصوم...".[2]
ويرجع سبب الغموض عادة إلى الحالتين
اللتين أوردهما المشرع في الفصل 462 من ق.ل.ع.[3] وهما: حالة الغموض
في اللفظ الوارد في ذاته ثم حالة الاضطراب بين بنود الوثيقة.
أ-حالة الغموض في اللفظ الوارد في ذاته.
ترجع هذه الحالة إلى الغموض في ذات
اللفظ. واللفظ الغامض هو اللفظ غير الواضح الدلالة. وسبب الغموض من أوجه أربعة:
التشابه والإجمال والإشكال والخفاء. فاللفظ المتشابه هو: "الذي يحتاج في فهم
المراد به إلى تفكر وتأمل. ومعنى وصفنا له بأنه متشابه أن يحتمل معاني مختلفة
يتشابه تعلقها باللفظ. ولذلك احتاج تمييز المراد منها باللفظ إلى فكر وتأمل يتميز
به المراد من غيره".[4]
والمجمل هو "مالا يفهم المراد به من
لفظه، ويفتقر في بيانه إلى غيره. ومعنى المجمل أن يكون اللفظ يتناول جملة المعنى
دون تفصيله، وورد على صفة تقع تحتها صفات وأجناس متغايرة..".[5]
والمشكل "هو ما خفيت دلالته على معناه لذاته ، ويمكن إزالة خفائه بالبحث والتأمل...".[6] والخفي "هو ما كان في ذاته ظاهر الدلالة على معناه، ولكن عرض له شيء من الخفاء بسبب غير لفظه، كأن يكون لبعض أفراده اسم خاص أو وصف يميزه عن غيره، فيوقع ذلك شبهة في دخول هذا البعض في عموم معنى اللفظ، ويتوقف زوال الشبهة على شيء آخر".[7]
ب-حالة الاضطراب بين بنود الوثيقة.
يقع الاضطراب بين بنود الوثيقة حين
يعبر بند من بنودها على معنى من المعاني ويعبر بند آخر على معنى مخالف له أو مثير
للإشكال فيه. ففي هذه الحالة يجب التوفيق بين بنود الوثيقة في ضوء النية المشتركة
للمتعاقدين والأحكام الخاصة للعقد المبرم ثم الأحكام العامة لنظرية العقد. وإذا
تعذر ذلك وجب العمل بآخر بنود العقد رتبة في تحرير الوثيقة ، وكل ذلك هو حسبما جاء
في الفصل 464 من ق.ل.ع الذي ينص على ما يلي: "بنود العقد يؤول
بعضها البعض بأن يعطى لكل منها المدلول الذي يظهر من مجموع العقد. وإذا تعذر
التوفيق بين هذه البنود لزم الأخذ بآخرها رتبة في كتابة العقد".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- جمع المشرع
المصري هذه المبادئ في المادة 150 من القانون المدني والتي جاء فيها :
"1
- إذا كانت عبارات العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على
إرادة المتعاقدين.
2 _ أما إذا كان هناك محل
لتفسير العقد فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى
الحرفي للألفاظ ، مع الاستهداء في ذلك
بطبيعة التعامل وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين، وفقا للعرف
الجاري في المعاملات".
[2]- قرار المجلس
الأعلى–سابقا- الصادر بتاريخ 20 أبريل 1966، منشور بمجلة القضاء والقانون، ع 85-87
، السنة 196، ص 289.
[3]- أما الحالة المبينة في
الفقرة الأولى من هذا الفصل فقد سبق أن بينا أنها لا تعتبر ضمن أنواع الغموض بحسب
الرأي الراجح.
[4]- الباجي. م س. ص
47.
[5]- الباجي. م س. ص
45 .
[6]- علي حسب الله ، م
س ، ص 263 .
[7]- علي حسب الله ، م
س ، ص 263 - 264.