المسؤولية التأديبية للعدول
لا تختلف مسؤولية العدل _كقائم بنشاط مهني
قانوني حر_ من حيث أصلها العام عن مسؤولية أي شخص آخر داخل المجتمع. وهذه
المسؤولية قد تكون مسؤولية تأديبية[1] صرفة أو مسؤولية ذات
طابع قانوني، وهي المسؤولية التي تتفرع إلى مسؤولية جنائية[1 مكرر] ومسؤولية مدنية،[2] وسنتطرق في هذا المقال
إلى المسؤولية التأديبية للعدول عبر الحديث عن هذه المسؤولية بشكل عام (أولا) ثم
عن مسطرة تأديب العدول (ثانيا).
أولا_ المسؤولية التأديبية للعدول بشكل عام.
تتمثل المسؤولية التأديبية للعدل في
إخلاله بواجب أخلاقي تفرضه عادات وأعراف المهنة، ومن هذه الواجبات _مثلا_ التحلي
ببعض الأوصاف الخاصة التي تفرضها قواعد ملكات العدالة والمروءة والنزاهة، كالصدق
والجدية في العمل، والظهور بمظهر الوقار والاحترام، والابتعاد عن مواطن الشبهة.
وعليه فإن هذه المسؤولية تنتج _في الغالب_
عن خرق مقتضيات خطة العدالة، كاتصاف العدل بالنفاق أو الكذب أو عدم إظهار الجدية
المطلوبة في العمل، أو كشف أسرار الموكلين أو المتعاقدين.[3]
والأصل في هذا الجانب من المسؤولية أنه غير
منظم بأي نص قانوني، ذلك أن "المسؤولية الأدبية لا تدخل في دائرة
القانون ولا يترتب عليها جزاء قانوني وأمرها موكول إلى الضمير، أما المسؤولية
القانونية فتدخل في دائرة القانون ويترتب عليها جزاء قانوني".[4]
وينجم عن عدم دخول المسؤولية الأدبية
في دائرة القانون _ من حيث الأصل_ أنه لا يمكن أن تكون هذه المسؤولية محلا لدعوى
قضائية.
ونظرا لخطورة الجانب الأخلاقي والأدبي
المتعلق بالمهنة الحرة، خاصة فيما يتعلق بتأثيره على سمعة المهنة وممارسيها ككل،
فإن القانون متع بعض الهيئات الممثلة للمهن الحرة بإمكانية فرض رقابة تأديبية على
المنتمين إليها، على أن تتم تلك الرقابة تحت إشراف القضاء منعا لكل تعسف.[5]
غير أن هذه الصلاحية غير مخولة للهيئة
الممثلة للعدول، إذ التأديب في خطة العدالة هو من اختصاص القضاء وحده، وهو ما
اعترضت عليه هيئة العدول مرارا في الندوات التي شاركت فيها.[6]
ونظرا للطبيعة المعنوية والأدبية لمهنة خطة
العدالة كمهنة حرة، فهي تعتبر من المهن الحرة التي أعفيت من الخضوع لمبادئ القانون
التجاري، ذلك أن من سمات التاجر السعي نحو المضاربة والربح السريع دون اعتبار كبير
لقواعد الأخلاق؛ بينما تعتبر خطة العدالة من ضمن المهن الحرة التي تأتي نتيجة
التكوين العلمي والمجهود الفكري وسعة الاطلاع والدراسة التي تتوج بالحصول على
شهادة علمية، وتهدف إلى المساهمة في بناء المجتمع وازدهاره؛ ولذلك فما يحصل عليه
أصحابها من "أجرة" أو "أتعاب" إنما
يعد تقديرا رمزيا لا يتناسب مع ما يبذل من جهد لقضاء مصالح المتعاقدين.
وحتى تسهم خطة العدالة _كمهنة حرة_ في بناء
المجتمع وازدهاره _وفق ما سبق_ فإنها تقوم كأغلب المهن الحرة الأخرى على مبادئ
الثقة والشرف وحسن الأخلاق والكفاءة العلمية؛ فإذا ما تم الإخلال بهذه المبادئ،
فإن العدل قد يتعرض لجزاء أدبي صرف _غالبا ما يكون في شكل استنكار _.
"وعلى الرغم من ذلك، فإنه
يكون من الصعب جدا في بعض الأحيان وضع حدود فاصلة بين الأوصاف أو الأفعال التي
ترتب أثرا قانونيا صرفا وتلك التي ترتب أثرا أدبيا صرفا فقط، وبالتالي ما يرتب
مسؤولية قانونية وما يقتصر على مجرد ترتيب مسؤولية أدبية ليس إلا...[7]
ومن المؤكد جدا أنه كلما ظل الوصف الأخلاقي
مجرد صفة عالقة بسمعة الممارس المهني الحر (كالعدل)، فإننا نظل في إطار المسؤولية
الأدبية، ونتحول إلى إطار المسؤولية القانونية المدنية كلما برز ذلك الوصف في
الواقع العملي فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للزبون أو للغير. فالاتصاف بالكذب مثلا
شيء، وممارسته في واقعة معينة لها خطرها تؤدي إلى الإضرار بالزبون أو بحقوقه أو
بحقوق أو مراكز قانونية للأغيار شيء آخر، والقاعدة العامة أن كل متعاقد أضر
بالمتعاقد الآخر أو بالغير، يلتزم قانونا بإزالة الضرر أو التعويض عنه، إن كان
نتيجة لفعل صادر منه.[8]
والملاحظة في هذا الصدد أن بعض الأوصاف
والالتزامات التي نشأت أدبية قد تحولت –مع مرور الوقت واتساع نطاق المسؤولية
القانونية_ عن طبيعتها الأصلية بحيث لم يعد أحد ينازع في قانونيتها، ومن ذلك مثلا
مسألة وجــوب إرشـاد الزبون l’obligation de renseigner le client ومسألة
وجوب إسداء النصح إليه[9] l’obligation de conseiller
le client ".[10]
ثانيا_ مسطرة تأديب العدول.
بمقتضى قانون 16.03 المتعلق بخطة
العدالة فإن مسطرة تأديب العدل يبدأ سريانها في حقه بإجراء النيابة العامة لدا
محكمة الاستئناف بحثا أوليا في كل شكاية تتعلق بإخلالات مهنية ارتكبها عدل، مع
الاستئناس برأي القاضي المكلف بالتوثيق التابع لدائرة نفوذه العدل المشتكى به، ما
لم يكن هو الذي أثار المخالفة، وكذا برأي المجلس الجهوي للعدول بدائرة محكمة
الاستئناف التي ينتمي إليها العدل.[11]
ويتعرض العدل لمتابعة تأديبية كلما ثبت عند
النيابة العامة أنه ارتكب مخالفة للقواعد المقررة أو إخلالا بالواجبات المفروضة
عليه طبقا للنصوص القانونية أو التنظيمية المعمول بها،[12] وقد تسفر هذه المتابعة
عن إدانة العدل، فيعاقب تبعا لذلك بحسب درجة مخالفته إما بالإنذار أو التوبيخ
أو الإقصاء المؤقت عن العمل لمدة لا تتجاوز سنة[13] أو العزل.[14]
ولا يمكن أن يتعرض العدل إلى المتابعة
التأديبية في حالات التقادم التي تتحدد بمرور ثلاث سنوات ابتداء من تاريخ
ارتكاب المخالفة؛ أو بتقادم الدعوى العمومية إذا كان الفعل المرتكب زجريا.[15]
بينما يمكن أن يتعرض العدل إلى المتابعة
التأديبية عن الأفعال التي ارتكبها قبل تقديم استقالته التي تم قبولها.[16]
ولا يحول تعرض العدل إلى المتابعة
التأديبية_ أولا_ دون أن تتحرك في حقه الدعوى العمومية من قبل النيابة العامة أو
المتضررين، زجرا للأفعال التي تكون جنحا أو جنايات.[17]
وتتم متابعة العدل تأديبيا بأن
يحيل الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف المعين العدل بدائرة نفوذها المتابعة
التأديبية إلى محكمة الاستئناف التي تبت في غرفة المشورة وهي مكونة من خمسة أعضاء،
بعد استدعاء الأطراف المعنية لسماع ملاحظاتهم وتلقي الملتمسات الكتابية للوكيل
العام للملك، وتطبق قواعد المسطرة العادية على هذه المتابعة.[18]
ويعد قرار غرفة المشورة قابلا للطعن بالنقض
من طرف الوكيل العام للملك والعدل المحكوم عليه تأديبيا وفقا للشروط والقواعد
والآجال العادية.[19]
وإذا ما صدر قرار محكمة النقض فإن العدل
يتعين عليه إذا ما صدرت في حقه عقوبة العزل، أو الإقصاء المؤقت،[20] أو أوقف، أو أعفي من
عمله، أو أسقط من الخطة، أن يكف عن مزاولة عمله بمجرد تبليغ المقرر إليه بقصد
التنفيذ، وأن يسلم فورا مذكرة الحفظ الخاصة به إلى القاضي المكلف بالوثيق لختمها
وحفظها بكتابة الضبط لديه، على أن ترد له بعد انتهاء مدة الإقصاء المؤقت أو الإيقاف،
أو عند زوال سبب الإعفاء.[21]
لكن من الناحية العملية فإن عودة العدل إلى
مهنته بعد انتهاء العقوبة يصطدم في كثير من الأحيان بإجراءات معقدة ومساطر لا نرى
لها موجبا، ما دام العدل قد أثبت ما يفيد انقضاء عقوبته.
بل إن المادة 48 من القانون رقم 16.03[22] تتضمن بعض
المقتضيات التي يؤدي تطبيقها إلى الحيف في حق العدول الذين لم تثبت إدانتهم
جنائيا، إذ قد يتم إيقاف العدل عن عمله من قبل الوكيل العام للملك لمدة قد تطول أو
تقصر، لمجرد الشبهة أو لمجرد فتح المتابعة الزجرية في حقه، حتى لو كان مآل تلك
المتابعة هو براءة العدل؛ وحتى لو رجع العدل إلى عمله بعد هذا الإيقاف فإن تسوية
وضعيته بعد الإيقاف ليست أمرا سهلا؛ ذلك أن طريق هذه التسوية لم يبت فيه المشرع،
مما يفتح الباب أمام تعسف الإجراءات في حق العدول، خاصة إذا كانت التسوية ناتجة عن
متابعة زجرية لم تؤد إلى إدانة العدل.[23]
ومن الغريب أن التعسف في حق العدل الناتج عن
إيقافه وعدم تسوية وضعيته، يتم تفسيره قضائيا بأنه مجرد تدبير إداري، مع أنه من
اللازم في نظرنا أن يستعمل الوكيل العام مسألة الإيقاف المخولة له استعمالا يسير
في إطار قواعد رفع الضرر، خاصة أنه مجرد إمكانية مقيدة بإذن وزير العدل؛ وهذا
الإذن بدوره ينبغي أن لا يمس بقواعد رفع الضرر.[24]
وهذا الارتباك الذي يثيره إيقاف
العدول_ الذي ندعو إلى إلغائه_، نتج عن وجود تأويلين مختلفين، أحدهما ينطلق من
قاعدة عدم الإضرار بالشاهد والكاتب،[25] والثاني ينطلق من
الحفاظ على الإجراءات والقيود والتدابير النظامية.
وللتدليل على ذلك نسوق هنا جزءا من أحد
القرارات الإدارية.[26] وقد جاء في هذا
القرار ما يلي: "...قرار التوقيف (أي توقيف العدل) استند إلى
مجرد قيام متابعة، مع أن مجرد المتابعة لا يقوم دليلا على ثبوت الفعل، ملتمسا لأجله
الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية.
وأن القرار المطعون فيه أصدره الوكيل العام
للملك بصفته الإدارية لا القضائية، وأن توقيف عدل أو عزله ليس من مهام السلطة
القضائية.
إذ استقر الفقه والقضاء على أن كل إجراء
تباشره النيابة العامة أو أحد مأمور الضبط القضائي التابعين لها بصدد التحقيق في
جريمة من الجرائم المنصوص عليها في القانون يعتبر عملا قضائيا كالقبض على المتهمين
وحبسهم وتفتيش منازلهم وسماع الشهود وتحريك الدعوى العمومية أو حفظها إلى غير ما
هنالك من الإجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية أو بعض النصوص
الجنائية الخاصة، والتي حدد لها المشرع طرقا خاصة للطعن فيها وكذا الجهات التي
يرجع إليها البت في تلك الطعون، وبالمفهوم المخالف يعتبر عملا إداريا كل ما يصدر
من أعمال خارج هذا المجال بحيث لا تدخل في إطار تسيير مرفق القضاء ولا تتعلق
بتنفيذه، وإنما تنسلخ النيابة العامة عن صفتها القضائية عند اتخاذها.
وحيث بالرجوع إلى الإجراء المطعون فيه في
النازلة، يتضح أن الأمر لا يخرج عن كونه مجرد تدبير إداري صادر في حق أحد العدول
على إثر المتابعة التأديبية الجارية ضده أعطى المشرع للوكيل العام للملك لدى محكمة
الاستئناف المعين العدل بدائرة نفوذها صلاحية اتخاذه اعتبارا لأن هذه الأخيرة هي
التي تبت في المتابعة المذكورة وليس بصفته القضائية، وذلك إلى حين البت في
المتابعة بدليل ما نصت عليه المادة 48 من القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة،
من أن اتخاذ ذلك الإجراء لا يكون إلا بعد الحصول على إذن من وزير العدل، كما ينقضي
مفعوله عند انتهاء أجل ثلاثة أشهر من تاريخ العمل بالإيقاف دون تسوية وضعية العدل
نهائيا، أو أربعة أشهر في حالة متابعته من أجل جنحة تمس بشرف المهنة، أو سنة في
حالة وجود متابعة جنائية، حيث يستأنف العدل مهامه تلقائيا وبقوة القانون بعد
إدلائه بشهادة موقعة من قبل رئيس كتابة الضبط تفيد ذلك، وهو ما يتنافى مع طبيعة
الإجراءات القضائية الصادرة عن النيابة العامة في حالة المتابعات الزجرية، الأمر
الذي لا يمكن معه اعتبار الإجراء المطعون فيه صادرا عن هذه الأخيرة في إطار
المتابعة الجنائية الجارية في حق الطاعن، بالإضافة إلى أنه ليس هناك أي إمكانية
للطعن فيه.
وحيث إنه تبعا لذلك، يكون الدفع المثار في
هذا الصدد غير مبني على أساس ويتعين عدم الالتفات إليه.
وحيث إنه من جهة أخرى، فإن إجراء التوقيف
المؤقت عن العمل المتخذ في حق الطاعن وإن كان يعتبر عملا إداريا، إلا أنه مع ذلك
لا يخرج عن كونه تدبير احتياطي فقط في انتظار البت النهائي في المتابعة التأديبية
أو انصرام الأجل المحدد لذلك، وبالتالي لا يعتبر قرارا نهائيا ومؤثرا بذاته في
مركزه القانوني كأحد المقومات الأساسية التي تضفي على نشاط الإدارة صفة القرار
الإداري القابل للطعن بطريق دعوى الإلغاء، مما يتعين معه تبعا لذلك التصريح بعدم
قبول الطلب لهذه العلة.
لهذه الأسباب: حكمت المحكمة الإدارية علنيا
ابتدائيا وحضوريا:
في الشكل: بعدم قبول الطلب".
ويستفاد من القرار أعلاه أنه بني على ثلاث
قواعد مترابطة.
تتمثل أولى هذه القواعد في أن قرار
الوكيل العام للملك بإيقاف العدل مؤقتا عن العمل تطبيقا لمقتضيات المادة 48 من
القانون 16.03 المتعلق بخطة العدالة يعد عملا إداريا لا قضائيا.
وتتمثل الثانية في أن قرار الإيقاف
_باعتباره قرارا إداريا_ يعد تدبيرا احتياطيا في انتظار التسوية النهائية لوضعية
العدل على إثر المسطرة التأديبية الجارية ضده أو انصرام الأجل المحدد لتلك
التسوية.
وتكمن الثالثة في عدم قابليته للطعن بطريق
دعوى الإلغاء لأنه لا يعتبر قرارا نهائيا ومؤثرا بذاته في المركز القانوني للأطراف
كأحد المقومات الأساسية التي تضفي على نشاط الإدارة صفة القرار الإداري القابل
للطعن بطريق دعوى الإلغاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]-يطلق عليها أيضا اصطلاح : "المسؤولية
الأدبية".
[1م] سبق التطرق إليها في مقال آخر .
[2] - تطرقنا إلى المسؤولية المدنية للعدول في مقال آخر من هذه المدونة.
[3] - وغالبا ما تؤثر
مثل هذه التصرفات على سمعة مهنة العدول بصفة عامة.
[4] - عبد الرازق
السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، طبعة
2000، ج 1، ص 613.
[5] - انظر على سبيل
المثال ما تتضمنه المسطرة التأديبية للمحامين في المادة 67 وما بعدها من القانون
رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة.
[6] - جاء ضمن مداخلات
العدول في إحدى الندوات أنهم يطالبون ب:"إسناد تأديب السادة العدول
للهيئة الوطنية للعدول، على غرار ما هو معمول به في هيئات أخرى، التي يخولها القانون
هذه السلطة وهذا الحق، وهذا يدخل في صلب الإصلاح، حيث ستقل عدد الملفات المعروضة
على المحاكم المتعلقة بالعدول، ولأن أهل مكة أدرى بشعابها، والمواطن المشتكي لا
يريد من خلال شكاياته إلا الوصول إلى حقه وليس شيئا آخر، وحتى تتمكن الهيأة عبر
مجالسها الجهوية من الحفاظ على السلوك المهني، وأعراف وأخلاق وتقاليد المهنة
وأصالتهـا؛ ومنح هذه المجالس دورا فعالا بهذا الخصوص، ومنح العدل الضمانات الكافية
في ممارسة حقه في الطعن".
- انظر: محمد ساسيوي، "إصلاح العدالة بين المنهجية والمضمون"، نص
المداخلة التي ألقاها بالنيابة عن رئيس الهيئة الوطنية للعدول في إطار الندوة
المسماة "التوثيق العدلي واصلاح منظومة العدالة" المنعقدة بكلية الحقوق
السويسي بالرباط بتاريخ 16/05/2013.
[7]- فيما يتعلق بالطعن
بالنقض، يرى بعض الفقه – عن حق- أن هذه المسألة هي مسألة قانون وليست مسألة
واقع لأن الأمر يتعلق بتكييف قانوني يتصل بمدى توافر شروط تطبيق أحكام المسؤولية
المدنية من عدمه.
- محمد الكشبور، المهن القانونية الحرة، انطباعات حول المسؤولية والتأمين،
مداخلة في ندوة "المهن القانونية الحرة" المنعقدة
بكلية الحقوق بالدار البيضاء يومي 23 و24 نونبر 1990، منشورة في: المجلة المغربية
لقانون واقتصاد التنمية، عدد 25 سنة 1991، ص 123 وما يليها. صفحة النص المقتبس:
133.
[8] - في أكثر الأحيان
بالنسبة للمهن الحرة، يتولد عن نفس الفعل مسؤولية قانونية ترتب مسؤولية
أدبية، والعكس صحيح، إذ قد تتولد عن نفس الفعل مسؤولية أدبية تعقبها مسؤولية
قانونية. يقول بعض الفقه الغربي في ذلك:
« Les
responsabilités pénales ou civiles sont des responsabilités au regard des
règles de droit. Elles sont à première vue étrangère à la responsabilité
morale. C'est-à-dire l’obligation de rendre compte de sa conduite au regard de
la morale admise, c'est-à-dire des règles de conduite pratiquées dans une
société ou une profession. D’une manière générale, la responsabilité morale peut
être engagée sans que soient réunies les conditions juridique strictes
conditionnant la responsabilité pénale ou la responsabilité civile. Et le
contraire peut-être également vrai...».
- Henri ANRYS - La responsabilité
civile médiale - Maison Ferdinand Lacier - Bruxelles - 1974 – p 32.
[9] - تحدثنا عن واجب النصح في المقال المسمى: " التوثيق وتحري قيود الرسوم العقارية ".
[10] - محمد الكشبور، م س، ص 133.
[11] - المادة 41 من قانون 16.03 المتعلق بخطة
العدالة.
[12] - المادة 42 من قانون 16.03 المتعلق بخطة
العدالة
[13] - بخصوص الإشكالات
التي يطرحها تداخل مدد الإقصاءات المؤقتة في حالة تعدد العقوبات، انظر:
_العلمي الحراق، التوثيق العدلي بين الفقه المالكي والتقنين المغربي وتطبيقاته
فـي مدونة الأسرة، مكتبة دار السلام، الرباط، طبعة 2009، ج 1، ص 325.
[14] - المادة 43 من قانون
16.03 المتعلق بخطة العدالة.
[15] - الفقرة الأولى من
المادة 44 من قانون 16.03.
[16] - المادة 45. قانون 16.03.
[17] - المادة 46. قانون 16.03.
[18] - المادة 47. قانون 16.03.
[19] - الفقرة الأولى من
المادة 49. قانون 16.03.
[20] - من تطبيقات عقوبة
الإقصاء المؤقت نذكر قرارا جاء فيه: "بتاريخ 7 ربيع الثاني 1411
موافق 26 أكتوبر1990 أصدرت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء وهي تنظر في المادة
التأديبية بغرفة المشورة القرار الآتي بيانه:...
بين:السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء....
وبين: السيدين (العدلين)...
حيث تقدم السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بمقال
مؤرخ في 13 مارس 1990 يعرض فيه أن المسمى...تقدم بشكاية للشرطة
القضائية يعرض فيها أنه متزوج بالسيدة...منذ سنة 1973 وعاشت معه بفرنسا حيث يعمل
هناك وقد تركها ببيت والديه بالدار البيضاء، ولما رجع من فرنسا وجدها
غادرت البيت؛ ولما بحث عنها اكتشف أنها تعيش مع المسمى...، وأنها
كانت سلمت صورة من بطاقة تعريفه الوطنية للمسمى...واتفقت معه على انتحال اسمه والحضور
معها عند عدلين ليطلقهما، وبالفعل حضرا معا عند العدلين...وأشهدتهما الزوجة
باختلاعها من زوجها الحاضر معها المنتحل صفة زوجها الحقيقي والذي رضي
بذلك حسب رسم الطلاق المؤرخ في...موافق...عدد... صحيفة...كناش...وبما أن الزوج
الحقيقي لم يحضر في الواقع لدى العدلين وأن الإشهاد عليه بتطليقه لها هو
محضر زور وتدليس؛ ومن ثم فإن العدلين ارتكبا مخالفات مهنية خطيرة أدت
إلى التزوير فيما تضمنه الإشهاد المذكور، استنادا إلى أن منتحل صفة
الزوج الحقيقي لم يدل لهما سوى بصورة من بطاقة التعريف الوطنية، كما أن
العدلين تهاونا تهاونا خطيرا بعدم مقارنتهما ملامح وجه (الزوج
المزيف)...و(الزوج الحقيقي)...المثبتة صورته ببطاقة التعريف
الوطنية، كما أنهما لم يذكرا في الإشهاد الهوية الكاملة للشخص الذي انتحل صفة
الزوج، ملتمسا السيد الوكيل العام للملك معاقبتهما من أجل الأفعال المقترفة
من طرفهما بالعزل من ممارسة خطة العدالة.
وحيث أجاب السيد (العدل الأول) بمذكرة جوابية يعرض فيها أن المخالفة
الأولى غير مرتكزة على أساس قانوني استنادا للفصل 21 من مرسوم 18 ابريل 1983
(الملغى) في فقرته الثانية على اعتبار عدم إلزامية شمول الوثيقة أو
الإشهاد لرقم بطاقة التعريف الوطنية وتاريخها ومصدرها وذلك باستعمال
عبارة (إن وجدت) وبالتالي فإنها مجرد علة زائدة، وأن الوثيقة لم يلحق
بها أي خلل شكلي وفقا لما ذكر أعلاه، وتبعا له فإن العدل قام بما يفرضه عليه
التحري من صفة الأطراف المشهود عليها مما يجعل المخالفة الثانية غير
ثابتة، كما أن المخالفة الثالثة غير قائمة ما دام رسم الطلاق وثيقة
مرتبطة ارتباطا وثيقا برسم الزواج الذي يتضمن جميع المعلومات، وخصوصا
أن المخاطبة على الإشهاد من طرف السيد قاضي التوثيق تطهره
من كل نقص كيفما كانت نوعيته ملتمسا الحكم برفض الطلب.
وحيث أجاب السيد(العدل الثاني)...بمذكرة جوابية ضمنها نفس دفوع
زميله ملتمسا الحكم برفض الطلب.
وحيث أدرجت القضية بغرفة المشورة ليوم 12 أكتوبر1990
فحضرها العدلان كما حضر إلى جانبهما...(المحاميان) وبعد إعفاء المستشار
المقرر من تلاوة تقريره، أكد السيد الوكيل العام للملك ملتمسه،
كما أكد الأستاذان مذكرتيهما الجوابيتين. وبعد اعتبار القضية جاهزة حجزت
للمداولة للنطق بالقرار في جلسة 26 أكتوبر1990.
في الشكل: حيث أن العدلين المتابعين معينين بدائرة نفوذ هذه المحكمة،
وأن المقال قدم من طرف من له الصلاحية لتحريك المتابعة وأحيل على
المحكمة المختصة، ومن ثم جاء مستوفيا لجميع صيغه الشكلية وأوضاعه القانونية فهو
مقبول.
في الموضوع: حيث يستفاد من أوراق الملف أن المسماة...زوجة
المسمى...اتفقت مع المسمى...على انتحال اسم زوجها والحضور معها عند عدلين
ليطلقها بعد أن مدته بصورة شمسية من البطاقة الوطنية لزوجها وبالفعل حضر لدى
العدلين المتابعين السيدان...وأشهدتهما الزوجة باختلاعها من زوجها المزيف الحاضر
معها والذي رضي بذلك حسب رسم الطلاق المدرج بالملف.
وحيث أنه مما لا مراء فيه أن العدلين اعتمدا في تلقي الإشهاد على
صورة شمسية لبطاقة التعريف الوطنية للزوج دون التأكد من
هوية الحاضر بصفة جدية، خصوصا أنهما موثقان يتلقيان الإشهاد مباشرة من الطرفين
ويشهدان على المشهود عليه بما التزم به من تصرف لتوثيق حقوقه وتحصينها في وثائق
للاحتجاج بها في وقتها، ولخطورة مهنتهما ولصميم عملهما كموثقين كان عليهما تحري
الحقيقة ما أمكن ومطالبة المشهود عليه بأصل البطاقة الوطنية، ولا
يعملا على توثيق الرسم إلا بعد التأكد من هوية الحاضر ومطابقة الصورة
على المشهود عليه، خصوصا وأن الرسم سيدون بسجل عام يعد خارج مجلس
القضاء ويحتفظ به للرجوع إليه عند الحاجة، وبما أنهما لم يفعلا ما يفرضه
عليهما علم التوثيق فإن المخالفتين الأولى والثانية ثابتة في
حقهما، وأن التأويل الذي أعطياه للفصل 21 من المرسوم في
فقرته الثانية لا يستقيم والفصل المذكور، إذ أنه ما دام
واقع الحال يفيد وجود البطاقة الوطنية فكان عليهما عدم
الانصراف لقبول صورة شمسية منها والانسياق تبعا لذلك
لتدليس المشهود عليه وأن التجدي (هكذا وردت) بعدم إلزامية البطاقة الوطنية لا
يطابق وجاهة الفصل المذكور وواقع الأمور، إذ أنه لا يصار إلى التنصيص
على المعرفة أو التعريف مع الوصف الكافي المميز إلا في حالة عدم وجودها حسب
المفهوم المخالف للنص.
وحيث أنه بالرجوع للرسم موضوع التدليس نعاين أن العدلين
خالفا المقتضيات الآمرة للفصل 27 من القانون المنظم لخطة العدالة
(الملغى) والفصل 21 من المرسوم لعدم تنصيصهما على الهوية الكاملة للمشهود عليه،
وأن تجديهما (هكذا وردت) بكون رسم الطلاق وثيقة مرتبطة
ارتباطا وثيقا برسم الزواج الذي يتضمن جميع المعلومات عن المشهود والمذكور
برسم الطلاق بعبارة "المذكور معها برسم النكاح أعلاه لصقا به" لا
يلتفت إليه ما دام أن كل رسم حسب القواعد المعمول بها في
علم التوثيق يجب أن يكون قائما بذاته ومتوفرا على جميع شكلياته لإنتاج آثاره
القانونية، ومن ثم فالمخالفة الثالثة تبقى هي الأخرى قائمة.
وحيث يتحتم تفريعا على التعليل المومأ إليه طليعته التصريح بمؤاخذة المتابعين
من أجل ما نسب إليهما والحكم بإقصائهما المؤقت عن العمل لمدة ستة
أشهر.
لهذه الأسباب:
حكمت محكمة الاستئناف بغرفة المشورة سريا حضوريا ونهائيا وهي متركبة من نفس
الهيئة التي ناقشت القضية وجعلتها في المداولة:
بمؤاخذة العدلين...من أجل ما نسب إليهما ومعاقبتهما بالإقصاء المؤقت عن
العمل لمدة ستة أشهر وتحميلهما الصائر...".
- قرار غرفة المشورة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء تحت عدد 2166 بتاريخ26/10/1990،
ملف عدد 395/90، منشور بمجلة
المحاكم المغربية عدد 85، نونبر– دجنبر 2000، ص
144 .
[21] - المادة 51. قانون 16.03.
[22] - تنص المادة
48 من قانون 16.03 على ما يلي: "يمكن للوكيل العام للملك - كلما
فتحت متابعة تأديبية، أو جنحية أو جنائية، ضد عدل - أن يوقفه عن عمله بإذن من وزير
العدل.
يتعين على غرفة المشورة بمحكمة الاستئناف المحالة عليها المتابعة التأديبية،
البت في أقرب أجل ممكن كي تسوى وضعية العدل الموقف.
إذا لم يصدر قرار في المتابعة التأديبية عند انتهاء مدة ثلاثة أشهر ابتداء من
تاريخ الإيقاف يستأنف العدل مهامه تلقائيا وبقوة القانون، بعد إدلائه بشهادة موقعة
من قبل رئيس كتابة الضبط تفيد ذلك.
إذا صدر قرار عن غرفة المشورة بعقوبة العزل أو الإقصاء المؤقت قبل انقضاء فترة
ثلاثة أشهر من تاريخ الإيقاف المؤقت، فإن الإيقاف يستمر مفعوله في حدود المدة
المحكوم بها بالنسبة للإقصاء المؤقت، على أن تحتسب عند الاقتضاء مدة الإيقاف
السابقة عن صدور قرار غرفة المشورة وإلى حين تنفيذ العقوبة بالنسبة للعزل.
في حالة متابعة العدل الموقف مؤقتا عن عمله من أجل جنحة تمس شرف المهنة، فإنه
يستأنف مهامه تلقائيا وبقوة القانون بعد مضي أربعة أشهر من تاريخ إيقافه وإدلائه
بالشهادة المشار إليها أعلاه، ما لم تبت المحكمة ببراءته قبل ذلك، فيستأنف عمله
فورا، أو بإدانته فيستمر إيقافه إلى أن يبت في متابعته التأديبية.
وفي حالة متابعته جنائيا، فإن إيقافه عن العمل يستمر إلى حين صدور أمر نهائي
بعدم المتابعة، أو حكم ببراءته في الموضوع، وفي كلتا الحالتين لا تتعدى مدة
الإيقاف سنة، وفي حالة الحكم بإدانته من طرف غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بعد
استئنافه عمله يمكن للوكيل العام للملك أو يوقفه عن عمله من جديد، ويستمر إيقافه
إلى أن تبت غرفة المشورة في متابعته التأديبية.
إذا صدر حكم بإدانته قبل مرور سنة على إيقافه، فإن إيقافه يستمر إلى أن تبت
غرفة المشورة في متابعته التأديبية.
يتعين على الوكيل العام للملك - عند صدور حكم نهائي بالإدانة في الموضوع -
إحالة المتابعة التأديبية على غرفة المشورة داخل أجل ثلاثة أشهر".
[23] - للاطلاع على
الإشكالات المتعلقة بإيقاف العدل عن عمله بسبب تحريك المتابعة ضده –مهما كانت
طبيعتها- يرجى الاطلاع على:
- العلمي الحراق، التوثيق، م.س، ج 1، ص 315 وما يليها.
[24] - نرى أن لا داعي
لإيقاف العدول مهما كانت المتابعة لأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته؛ وإلا فإن
قاعدة الغنم بالغرم تستوجب أن يحصل العدل الذي ثبتت براءته على تعويض عن الضرر
المعنوي والمادي من جراء المدة التي ظل فيها موقوفا عن العمل.
[25] - وهذا التدليل
يصدق على جميع المهن؛ فالأطباء مثلا، مهما كانت الأخطاء الطبية القاتلة التي
يرتكبونها، فلا أحد يلومهم خشية أن ينصرف الناس عن الاشتغال بمهنة الطب. والقضاة محميون
–ولو جاروا- خشية أن لا يبقى هناك من يزاول القضاء. ويرجع ذلك إلى أن مبدأ
العدل ينبغي أن يبقى قائما، وفضيلة التداوي ينبغي أن تستمر. وبهذا
المنطق نقول بأنه ينبغي الحفاظ على التوثيق من الضياع بالحفاظ على أهله وعدم
الإضرار بهم بدون دليل قاطع على جرمهم.
[26] - حكـم إداري
صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط تحت عدد 58 بتاريخ 20 ذي الحجة 1427
موافق 10/1/2007، ملف رقم: 406-06.