بيع الصفقة ومعضلة الشياع (الجزء الرابع)
المطلب الثاني: شروط وآثار بيع الصفقة
"سبق القول بأن بيع الصفقة مما جرى به العمل عندنا
بالغرب، وأن ما يجري به العمل هو استثناء يعتد به للضرورة ورفع الحرج والمشقة على
الناس، ولو انبنى على قول ضعيف، فالضرورات تبيح المحظورات، والمشقة تجلب التيسير،
لكن الاستثناء محصور ولا يوسع فهمه ولا تطبيقه، والأمر إذا ضاق اتسع إلا أنه إذا
اتسع ضاق، فكان بيع الصفقة محصورا في نطاقه، محددا في شروطه، حتى لا يتخذ ذريعة أو
مطية إلى غيره لأنه على أي حال بيع لملك الغير بالنسبة لحصص باقي الشركاء".[1]
فإذا ما تحققت هذه الشروط (أولا)، كان البيع صحيحا
وتحددت الآثار المترتبة عنه (ثانيا)، وهي تترتب بصفة مباشرة عن تخيير الشركاء بين
الإمضاء والضم، وبصفة غير مباشرة عن ما ينجم عن موقف الشركاء مما يرتبط بظروف
تمليها الوقائع أو التصرفات . ففيما دوننا بيان ذلك:
أولا - شروط بيع الصفقة.
"جملة شروط بيع الصفقة، ما
بين متفق عليه ومختلف فيه، وبين ما هو مشهور ومعمول به تسعة:[2]
الأول: أن ينقص ثمن حصة من دعا إلى البيع إذا بيعت وحدها عن ثمنها الذي ينوبها
في بيع الجملة.
الثاني: أن يكون ذلك مما يتضرر بالاشتراك فيه، لكونه متخذا للانتفاع
بعينه، كالدار، والبستان، لا في ربع الغلة، كالفرن والرحى.[3]
الثالث: أن لا يكون المشترك متخذا للتجارة.
الرابع: أن لا يلتزم الممتنع من البيع أداء النقص الحاصل لشريكه.
الخامس: أن لا يقبل المشترك القسمة.[4]
السادس: أن لا يبعض طالب البيع حصته.
السابع: أن يتحد مدخل الشركاء فيما يباع صفقة.
الثامن: أن لا يرضى البائع ببيع حصته مفردة.
التاسع: أن يكون المشتري أجنبيا غير شريك[5]".[6]
وذكر الصنهاجي[7] بأن ما عليه عمل
المتأخرين أربعة من تلك الشروط فقط وهي: اتحاد المدخل، وأن تنقص حصة مريد البيع
على انفراد، وأن لا يلتزم الشريك أداء هذا النقص، وأن لا يبعض مريد البيع حصته.[8]
ومما يمكن إلحاقه بالشرط الثاني مسألة خلافية تتعلق بما إذا كانت الصفقة تقتصر
على العقارات أم تشمل المنقولات أيضا.
ولذلك آثرنا أن نتحدث – فيما يلي- عن الشروط الأربعة التي جرى عليها العمل،[9] ثم ندرس مسألة مدى جواز
اقتصار الصفقة على العقارات.
1- شروط بيع الصفقة التي جرى عليها العمل.
ذكرنا بأن العمل استقر –عند المتأخرين- على اعتبار أربعة شروط من جملة
الشروط التسعة، وهذه الشروط الأربعة هي: اتحاد المدخل، وأن تنقص حصة مريد
البيع على انفراد، وأن لا يلتزم الشريك أداء هذا النقص، وأن لا يبعض مريد البيع
حصته. فنحن نعالجها تباعا:
أ- اتحاد المدخل.
اتفق المالكية الذين قالوا ببيع الصفقة على
أنه لا يجوز لأي شريك أن يبيع المال المشترك صفقة على شركائه إلا إذا كانوا جميعا
قد ملكوا ذلك المال كله بسبب واحد وهذا ما يعبر عنه باتحاد المدخل؛ ولم ينقل من
خلاف في ذلك إلا عن اللخمي.[10]
ويقصد باتحاد المدخل "أن يكون الشركاء جميعا قد ملكوا المال المشاع في
وقت واحد، ومن شخص واحد، وبسبب واحد، بحيث لا يحق لأي شريك أن يبيع المال صفقة إلا
إذا كان قد ملك هو وشركاؤه الذين سيصفق عليهم في وقت واحد وبسبب واحد،
وذلك كأن يشتري ثلاثة أشخاص دارا من شخص واحد وفي عقد واحد، وكأن يهب
شخص عقاره لأربعة أشخاص بمقتضى هبة صدرت منه في وقت واحد لهم جميعا. وكأن يموت شخص
ويترك ضيعته لأربعة أولاد وزوجة وأم.
فإن كلا من المشترين الثلاثة، والموهوب لهم الأربعة، والورثة، قد ملكوا العقار
في وقت واحد وبسبب واحد، وهو الشراء في المثال الأول، والهبة في المثال الثاني،
والإرث في الثالث. ففي هذه الأمثلة يتفق فقهاء المالكية على أنه يجوز لأي واحد من
المشترين أو الموهوب لهم أو الورثة أن يبيع المال المشترك كله صفقة على باقي
شركائه".[11]
وهذا يعني أن العمل يجري على أنه إذا تعدد مدخل الشركاء، بأن كانت حصة أحدهم
دخلت في ملكه بالإرث، وحصة الآخر بالاشتراء أو غيره كالهبة، فلا يبيع أحدهم على
الآخر بيع الصفقة، ولو حصل الضرر لمريد البيع ببخس ثمن حصته، لأن من دخل منفردا
كذلك يخرج منفردا.[12]
وتبعا لذلك، لابد أن يكون دخول الشركاء، أي المصفق والمصفق عليهم في الشيء المبيع
بالشراء أو الهبة في عقد واحد، أو بالإرث من موروث واحد. ولا يكفي أن يكونوا قد
دخلوا إلى الشركة عن طريق الشراء أو عن طريق الإرث، مادام لم يقع ذلك
الشراء من شخص واحد وفي عقد واحد، أو لم يكن الإرث من موروث واحد.[13]
وفي ذلك يقول الشيخ عبد القادر الفاسي: "مقصودهم باتحاد المدخل: أن يقع
ذلك في عقد واحد في وقت واحد لحصص متعددة ولو اختلف الوقت والعقد لم يكن من اتحاد
المدخل.
ومثله يجري في الميراث، فإن ورث أناس شخصا واحدا فقد اتحد مدخلهم، لانتقال ذلك
الملك إليهم من شخص واحد في وقت واحد فصفقتهم واحدة. فلو وقعت مناسخة لم يتحد مدخل
الطبقة السفلى مع العليا لاختلاف الشخص الموروث واختلاف الوقت في انتقال هذه
الحصص. وأما تنزيل الطبقة السفلى منزلة موروثهم فيتحد مدخلهم بهذا الاعتبار، فذلك
أمر تقديري وهو غير معتبر عندهم هنا".[14]
وفي تأكيد هذا المعنى ورد عن الشيخ ميارة أنه: "إذا
كانت دار بين شريكين فتوفي أحدهما عن حصة الآخر... فإن الدار تقسم نصفين على
الأشراك الأول، ولا تقسم على أقل أنصباء الورثة، فإذا تميز للشريك نصيبه، بقي نصيب
الميت بين ورثته يصيرون فيه إلى ما توجبه السنة، وليس لهم أن يضموا الشريك إلى
البيع معهم، ولا حجة لهم بأنهم حلوا محل الميت، والحجة عليهم في ذلك أنه لو باع
أحدهم نصيبه من الدار وهي مشاعة بينهم وبين شريك موروثهم لكانت الشفعة لهؤلاء خاصة
ولم يكن للشريك معهم شفعة إلا أن يتركوها، فكما لا يشاركهم في الشفعة وهو شريكهم
في الأصل فكذلك لا يقاسمهم على أنصبائهم وإن كان شريكهم..."[15]
بل إن فقهاء المالكية _ تمسكا منهم باشتراط اتحاد المدخل _ يرون أنه لو فرضنا
أن أحد الشركاء المتحدين في المدخل، باع نصيبه منفردا، وحاز المشتري ذلك النصيب،
ثم تبين أن ذلك البيع فاسد، ففسخ ورد المبيع للبائع، فأصبح شريكا من جديد، فإنه لا
يحق له أن يبيع ذلك المال صفقة على شركائه الآخرين، لأنه لم يبق مدخله متحدا مع
شركائه المذكورين، مادام قد أخرج نصيبه عن ملكه عندما باعه مفردا، حيث يعطى حكم من
تجدد ملكه،[16] حينما رجع إليه ذلك الملك بعد أن تبين أن
ذلك البيع فاسد. وبذلك يعتبر داخلا جديدا على بقية الشركاء، فلا يمكنه التصفيق
عليهم، لأنه لم يبق متحدا معهم في المدخل.[17]
ومن القواعد المترتبة على اتحاد المدخل "أن فقهاءنا يرون أنه حينما يكون
هناك شركاء بعضهم ملك قبل أن يملك الآخرون، فإن الشريك السابق _ ويسميه الفقهاء
بالشريك الأصيل _ يمكنه أن يبيع المال المشترك صفقة على شركائه الذين آل إليهم
نصيبهم بعد ملكية ذلك الأصيل. _ ويسمى هؤلاء الشركاء بالشركاء المدخلين _ لأنهم
دخلوا إلى الشركة في المال المشاع بعد الشريك الأصيل. ولا يحق لأي شريك دخيل أن
يصفق على الشريك الأصيل.
فلو فرضنا أن ثلاثة أشخاص ملكوا دارا بمقتضى عقد شراء أبرموه مع صاحبها دفعة
واحدة، ثم باع أحدهم نصيبه لأجنبيين في عقد واحد. وأسقط شريكاه الشفعة، أو مات
أحدهم وترك نصيبه لورثته. فإن الشريكين الباقيين يعتبران أصيلين. بينما يعتبر
المشتريان من الشريك البائع وورثة الشريك المتوفى شركاء دخلاء. لأنهم ملكوا ذلك
النصيب المشاع بعد ملكية الشريكين السابقين.
فإذا أراد أحد الشريكين الأصليين أن يبيع الدار كلها صفقة على شريكه الأصيل
وعلى شركائه الدخلاء فإن ذلك له، ويقبل هذا البيع. لتوفر شرط اتحاد المدخل بالنسبة
لهذا البائع وشريكه الأصيل. ولأن المشتري الجديد وورثة الشريك المتوفى يعتبرون
شركاء دخلاء. والقاعدة المشار إليها تقضي بجواز تصفيق الأصيل على الدخيل. وذلك لما
هو معروف من أن الخلف يتلقى نفس ما كان للسلف، وبما أن الشريك البائع أو المتوفى
كان يمكن لشريكه أن يصفق عليه، فإن هذا الحق لا يرتفع بقيامه ببيع نصيبه أو بموته،
كما أنه ليس من المعقول أن يكون الخلف أقوى من السلف، ومادام السلف يجوز التصفيق
عليه، فكذلك يجوز التصفيق على خلفه. لأن المشتري والورثة فرع عن المالك السابق،
ولا يمكن أن يكون الفرع أقوى من أصله.
وكذلك لو أراد الشريك الدخيل... أن يبيع نصيب الشريك الذي اشترى معه أو أنصبة
بقية الورثة الذين ورثوا معه من الشريك الأصيل صفقة عليهم، فإن ذلك له، لأن مدخلهم
واحد. ما داموا قد ملكوا المال جميعا في وقت واحد.
لكن لو أراد أحد المشترين أو أحد الورثة أن يصفق على الشريكين الأصليين، فلا
يحق له ذلك. نظرا لعدم توفر الشرط الذي هو اتحاد المدخل".[18]
ب- أن تنقص قيمة حصة مريد البيع على انفراد.
إن قيام أحد الشركاء ببيع المال صفقة على شركائه من شأنه أن يؤدي إلى
الضرر بهم، لأنهم يلزمون إما بإمضاء البيع أو بضم نصيب الشريك البائع، ولذلك يرى
الفقهاء بأنه لا يحق لأي شريك أن يصفق على الباقين إلا إذا كان بيع نصيبه فقط يؤدي
إلى بخس ونقص في ثمنه، بحيث يتبين أن الشريك إذا باع نصيبه وحده دون أنصبة الشركاء
الآخرين فإنه لن يجد مشتريا، أو لن يحصل على الثمن الذي يستوجبه بيع المال المشترك
كله. فحينئذ يمكنه أن يلجأ إلى بيع الصفقة ليتلافى بذلك ما يلحقه من بخس ونقص في
الثمن، ما دام هذا البخس مهما، ومما لا يتسامح الناس فيه عادة ولو لم يبلغ ثلث
الثمن الحقيقي للحصة.[19]
"أما إذا تبين أنه لن يحصل للشريك أي بخس في ثمن حصته إذا بيعت وحدها، أو
أن الفرق الذي سيحصل عليه ببيع المال المشترك كله صفقة ضئيل ومما يتسامح الناس في
مثله فلا يحق له حينئذ أن يصفق على شركائه".[20]
وفي ذلك يقول الإمام أبو عبد الله بن الحاج في جواب له: "إذا كان بيع
الشريك وحده يقلل الثمن في حصته ويكثر فيها إذا باعها مع سائر شركائه فله أن
يجبرهم على البيع".[21]
وقد أفتى الشيخ أبو الحسن اللخمي بأن "الشريك إذا قال: أنا أؤدي النقص
الذي ينال شريكي في بيع نصيبه مفردا، فذلك له، ولا مقال لشريكه، لأن العلة قد
ارتفعت بإزالة الضرر عنه بالنقص الذي يناله في بيع نصيبه".[22]
ويظهر من خلال قول الشيخ خليل في مختصره: "وللبيع إن نقصت حصة شريكه
مفردة"، أنه اقتصر على اشتراط أن يكون بيع الحصة مؤديا إلى بخس ثمنها من غير
أن يتطرق لما إذا التزم الشريك الآخر بتعويض البائع عن البخس الذي يحصل له ببيع
حصته وحدها؛ إلا أن الشارح الزرقاني استدرك ذلك على الشيخ خليل فقال معلقا على
قوله السابق ما نصه: "إلا أن يلتزم "الشريك" لمريده "أي لمريد
البيع" نقص حصته بعد بيعها مفردة فلا يجبر".[23]
ج- أن لا يلتزم الشريك بأداء النقص.
يشترط الفقهاء في بيع الصفقة أن لا يلتزم الشريك الذي لم يرد البيع
بأداء النقص الذي يمكن أن يطال الثمن الذي يبيع به الشريك مريد البيع فيما لو باع
حصته مفردة، فإذا التزم الشريك الذي لم يرد بيع كل المشترك بأدائه لشريكه مريد البيع
قيمة النقص الذي سيحصل له إذا باع حصته مفردة، فإن ذلك له ولا كلام لشريكه مريد
البيع، لأن علة ابتكار البيع بالصفقة، هي ضرر النقص في الثمن إذا بيعت الحصة
مفردة، وقد زالت هذه العلة بأداء الشريك لقيمة النقص، فلم يعد محل لبيع الصفقة،
لأن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما.[24]
وقد نقل عن الشيخ اللخمي في ذلك أنه كان يفتي بأن الشريك إذا قال: أنا أؤدي
النقص الذي ينال شريكي في بيع نصيبه مفردا، فذلك له، ولا مقال لشريكه، لأن العلة
قد ارتفعت بإزالة الضرر عنه بالنقص الذي يناله في بيع نصيبه.[25]
وفي اختصار نوازل البرزلي للشيخ حلولو ما نصه: "إذا دعا أحد الشريكين
شريكه للبيع فقال الآخر: بع نصيبك وما ينقص عن الثمن في حظك، فأنا أؤديه فإن الذي
عليه أكثر الأصحاب من فقهاء المالكية،أن ذلك له".[26]
وممن أخذ بهذا القيد الزرقاني في شرحه على مختصر خليل، عند قوله: "إلا أن
يلتزم لمريده أداء نقص حصته بعد بيعها مفردة فلا يجبر".[27] قال الزرقاني: "فإن
لم يلتزم شريك مريد البيع بأداء النقص المذكور أجبره مريد البيع على أن يبيع معه
صفقة كل المشترك، كما هو واضح، وإلا قام بضم حصة شريكه المبيعة".[28]
د- أن لا يبعض مريد البيع حصته.
لا تطبق أحكام بيع الصفقة إلا عندما يقوم الشريك ببيع جميع الحصص
المشتركة التي اتحد فيها مدخل الشركاء؛ أي أنه يتعين أن يبيع المصفق حصته كلها
وحصص شركائه المتحدين معه في المدخل. فإن باع جزءا من حصته، وكل حصص شركائه، أو
باع كل حصته وجزءا من حصص شركائه، أو حصص بعض شركائه دون بعض، أو قال إنني أبيع
ثلاثة أرباع هذه الدار دون الربع الآخر فإني أستثنيه. فإن هذا البيع لا يعتبر من
قبيل بيع الصفقة ولا تطبق عليه أحكام هذا البيع.[29]
ولا يعني ذلك أنه ينبغي أن يبيع المصفق المال المشاع كله؛ وإنما يعني أنه
يتعين أن يقوم المصفق ببيع كل الأنصبة التي يكون مدخل أصحابها جميعا متحدا، سواء
كانت هذه الأنصبة تستوعب المال المشترك كله، أو كانت الحصص المشتركة في المدخل لا
تستوعب المال كله. فلو فرضنا أن ثلاثة أشخاص اشتروا دارا في عقد واحد، فيمكن لأي
واحد منهم أن يبيع العقار المشترك كله صفقة واحدة، ولا يمكنه أن يبيع حصته كلها
وحصة أحد شريكيه. أو أن يبيع نصف حصته ونصف حصتي شريكيه مثلا. ولو فرضنا أن دارا
مملوكة لثلاثة أشخاص توفي أحدهم عن ثلاثة أبناء، فيمكن لأي واحد من هؤلاء الأبناء
أن يبيع نصيبه ونصيب أخويه صفقة، ولا يحق له أن يبيع بعض حصته مع حصتي أخويه أو مع
حصة أحدهما.
ولو فرضنا أن أربعة أشخاص يملكون مالا مشتركا ومدخلهم فيه واحد، فقام أحدهم
ببيع جزء من حصته للغير وتنازل الشركاء عن الشفعة. فلا يحق لهذا الشريك الذي باع
بعض حصته أن يبيع المال المشترك كله صفقة، لأنه لا يمكنه أن يصفق على من اشترى منه
بعض حصته. مادام قد جزأ حصته وتنازل بذلك عن حقه في التصفيق على شركائه، وإذا كان
لا يمكنه أن يصفق على من اشترى منه لم يكن له أن يصفق على باقي شركائه، لأنه لا
يمكنه أن يبيع جميع الحصص حينئذ.[30]
وفي هذا الصدد يتساءل بعض الفقه [31] عما "إذا تبين للشريك الراغب في بيع حصته
أنه يكفيه أن يصفق على بعض شركائه دون بعض ليرتفع عنه (ضرر بخس الثمن)... كما إذا
وجد من يرغب في شراء حصته وحصة أحد شركائه الآخرين بالثمن الحقيقي، فهل يحق له أن
يصفق على هذا الشريك وحده دون بقية الشركاء أو لا يحق له ذلك؟
فيرى هذا الفقه أنه يحق له ذلك، حيث يمكنه أن يصفق على هذا الشريك دون غيره
ليرتفع عنه بخس ثمن حصته، وليرتفع عن الشركاء الآخرين الضرر الذي يلحقهم من بيع
الصفقة".[32]
ويستشهد لرأيه بما ورد عن ابن رشد وابن الحاج أنهما سئلا عن عقار بعضه محبس
على قوم وبعضه يملكه شركاء فهل يحق لأحد هؤلاء الشركاء أن يصفق على باقي شركائه.
فأجاب ابن رشد بعدم جواز ذلك لما فيه من التبعيض نظرا إلى أنه لا يمكن أن يباع
المال المشترك كله مادام جزء منه محبسا.[33]
أما ابن الحاج فأجاب بأنه يمكن للشريك أن يجبر شركاءه في الجزء المملوك على
الشياع أن يبيعوا معه، لأن ذلك يسبب كثرة الثمن في حصة مريد البيع، بخلاف ما إذا
باع حصته وحدها فإن الثمن يقل وهو ضرر عليه.
وقد وافق الونشريسي ابن الحاج على ذلك.[34]
ويخلص ابن معجوز إلى أن "التبعيض المانع من بيع الصفقة يتصور في الحالتين
التاليتين:
1- أن يبيع أحد الشركاء بعض حصته ثم يريد بعد ذلك أن يبيع باقي حقه مع حقوق
شركائه صفقة واحدة.
2- أن يريد أحد الشركاء بيع بعض حصته وحصص شركائه أو بعض حصصهم أو
حصة أحدهم صفقة من غير أن يكون الدافع إلى ذلك هو رفع الضرر الحاصل له من بيع حصته
وحدها، بأن كان يريد محاباة بعض شركائه مثلا أو الإضرار بأحدهم عن طريق إلزامه إما
ببيع نصيبه معه أو بضم النصيب الذي يريد هذا الشريك بيعه. ومن غير أن يكون الدافع
الذي دفعه إلى ذلك هو الحصول على الثمن الحقيقي".[35]
أما نحن فنؤثر أن نتوسط بين رأي ابن رشد ورأي ابن الحاج الذي تابعه عليه
الونشريسي وابن معجوز فنقول –وبالله التوفيق- بأن الشريك يجوز له أن يصفق على بعض
الشركاء دون بعض إذا ما كان ذلك كفيلا بتلافي الضرر المتمثل في نقص الثمن؛ غير أن
الأمر مرتبط بالأثر المترتب عن هذا البيع، فإذا ضم الشركاء المصفق عليهم النصيب
المبيع فلا إشكال؛ أما إذا قرروا الإمضاء بدل الضم، فمعنى ذلك أن شخصا أجنبيا
سيصبح شريكا للأقرباء الشركاء غير المصفق عليهم، فهم إن تلافوا ضرر التصفيق عليهم
الذي يلزمهم بالاختيار بين الضم أو الإمضاء، فإنه سيدخل عليهم ضرر آخر من جهة
الأجنبي الذي سيشاركهم في العقار، وقد يكون طريقهم إلى الشفعة محفوفا بالعقبات.
ولذلك فينبغي إشعار الشركاء غير المصفق عليهم لأخذ موافقتهم قبل الإقدام على
العقد أو خلاله، حتى يقدروا الأضرار المحتملة ويعملوا على الموازنة بينها واختيار
الأخف منها؛ وإلا فينبغي أن يعيد الشريك التصفيق فيصفق هذه المرة على الكل بدل
البعض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] - بلعكيد، م.س، ص
391.
[2] - القدوري، م.س، ص
437-438.
[3] - العمل
الفاسي، م.س، ص 187.
وتندرج تحت هذا الشرط
مسألة خلافية تتعلق بمدى جواز الصفقة في العقارات المتخذة للغلة لا لمجرد
الاستعمال؛ فقد " كان الفقهاء قديما يرون أن المال المشترك إذا كان متخذا
للاستغلال. كما هو الشأن في الحمام مثلا أو الدكان أو دور الكراء كالفنادق أو
المطاعم، حيث يكون غرض الشركاء فيها هو استغلالها واقتسام غلتها عن طريق الإدارة
والكراء. فإن الشريك كما لا يحق له أن يطلب قسمتها... لأنه دخل على الشركة من أول
الأمر. لا يحق له أيضا أن يبيع المال كله صفقة واحدة على بقية شركائه. لأنه لا ضرر
عليه في بيع نصيبه وحده، لأنه من المعروف أن المال المتخذ للتجارة والاستغلال يرغب
في شرائه وفي شراء حصة منه. كما أن بيع حصة منه فقط لا يؤدي إلى نقص ثمنها عما إذا
بيعت مع غيرها من الحصص.
وهذا يعنى أن العلة التي
من أجلها أجاز الفقهاء للشريك بيع المال كله صفقة تنتفي فيما إذا كان ذلك المال
متخذا للغلة، حيث لا ضرر على الشريك من قيامه ببيع نصيبه وحده، إذ أنه غالبا ما
سيجد مشتريا لذلك النصيب، كما أنه سيجد في الغالب من يشتري النصيب المعروض للبيع
بالثمن الحقيقي له من غير بخس ولا نقص نظرا لرغبة الناس في تلك العقارات المتخذة
للغلة...
لكن العمل جرى في العصور
المتأخرة بجواز بيع الصفقة في كل مال مشترك ولو اتخذ للغلة كالحمام والرحى. وذلك
لأن العادة تقضي بأن بيع المال المشترك كله يؤدي إلى الحصول على ثمن أعلى من بيع
حصة مشاعة منه".
- ابن معجوز، م.س، ص
255-256.
[4] - بخصوص هذا الشرط،
كان الفقهاء الأقدمون يرون أنه "إذا كان المال المشترك مما لا يقبل القسمة،
ورغب أحد الشركاء في بيع نصيبه ولم يجد مشتريا يبذل فيه ثمنه الحقيقي، فإنه يمكنه
أن يرغم شركاءه _ عن طريق القضاء_ على بيع ذلك المال كله للخروج من الشركة.
وقد يفهم من هذا أن بيع
الصفقة لا يجوز إلا إذا كان المال المشترك مما لا يقبل القسمة. لأنه إذا كان مما
يقبلها فلا معنى لإجبار الشركاء على البيع ما دام يمكن للشريك الراغب في الخروج من
الشركة أن يطلب قسمة ذلك المال ليرتفع عنه ضرر الشركة. لكن العمل جرى على عدم
اشتراط أن يكون المال المشترك غير قابل للقسمة ليجوز للشريك بيعه كله صفقة على
الشركاء. ولذلك فإن كل مال مشترك يمكن لأي شريك فيه أن يبيعه صفقة على باقي شركائه،
سواء كان يقبل القسمة أو لا يقبلها.
إلا أنه عندما يكون المال
المشترك غير قابل للقسمة ويبيعه أحد الشركاء صفقة، لا يكون لباقي شركائه إلا
الخيار بين إمضاء ذلك البيع أو ضمه... أما إذا كان ذلك المال المباع صفقة مما يقبل
القسمة فيكون لباقي الشركاء الحق بين إمضاء البيع أو ضم الصفقة أو رد البيع من
أساسه وطلب القسمة ليخرج لكل واحد نصيبه مفرزا".
- ابن معجوز، م.س، ص
256-257.
[5] - فصلنا في هذا الشرط
التاسع عند الحديث عن الفرق بين الشفعة والصفقة.
[6] - قال الشيخ أحمد
الرهوني في الحديث عن هذه الشروط التسعة إجمالا: "فأما الشرط الأول، وهو أن تنقص حصة مريد
البيع مفردة عن ثمنها مجموعة، فقد صرح ابن عبد السلام بناني بأنه معتبر فيما جرى
به العمل، ووافقه التسولي... والشيخ المهدي الوزاني... والشيخ الهواري وصوبه، خلاف
ما في التاودي... تبعا لميارة وناظم العمل الفاسي من عدم اعتباره.
وأما الشرط الثاني (ويلحق
به ما ذكرناه في مسألة مدى جواز الصفقة في غير العقارات)؛ وهو أن يكون ذلك فيما
يتضرر بالاشتراك فيه لكونه متخذا للانتفاع بعينه كالدار والبستان لا في ربع الغلة
كالفرن والرحى (حاليا الطاحونة)، فقال التاودي: لا عمل عليه، بل الصفقة جارية في
رباع الغلة وغيرها.
ووجه القول باشتراطه، أن
رباع الغلة (أي العقارات التي هي بطبيعتها تدر النفع والغلة عن طريق أموال
تتقاضاها عن الخدمات، مثل الحمامات والأفران) لا ينحط ثمن بعضها عن جملتها، فمن
باع نصيبه من حمام مشترك فقد يبيعه بثمن أعلى مما لو بيع الحمام كله، بل ربما كانت
الرغبة في البعض أكثر، قاله عياض عن ابن رشد، قال ابن عرفة: والمعروف أن شراء
الجملة، أكثر ثمنا في رباع الغلة وغيرها، إلا أن يكون عندهم في بلدهم، وإن كان فهو
نادر ولا حكم له.
وأما الثالث، وهو أن لا
يكون المشترك متخذا للتجارة، فمقتضى كلام التاودي اعتباره، ومقتضى قول ناظم العمل
الفاسي:
في
قابل القسم وما لم
يقبل لا
تشترط إلا اتحاد المدخل
عدم اعتباره، وهو موافق
لميارة في ذلك حيث قال في نظمه:
هذا
الذي نص عليه
العلماء والعمل
اليوم بخلفه اعلـما
لكونه
بلا تـــوقف
على شرط
سوى اتحاد مدخل فلا
وأما الرابع، وهو أن لا
يلتزم الممتنع من البيع أداء النقص الحاصل لشريكه، فقد نص ابن عبد السلام بناني
على اعتباره، وتبعه التسولي في البهجة،... خلافا... للتاودي وميارة وناظم العمل
الفاسي.
وأما الخامس، وهو أن لا
يقبل المشترك القسمة، فالصواب إلغاؤه، كما لميارة وناظم العمل الفاسي والتاودي،
وانفصل عليه... التسولي هنا خلاف ما له في البهجة من اعتباره.
وأما السادس، وهو أن لا
يبعض طالب المبيع حصته، فقد صرح ابن عبد السلام بناني في شرحه باعتباره وتبعه
التسولي هنا وفي البهجة... وكلام التاودي يفيد اعتباره أيضا.
وأما السابع، وهو اتحاد
المدخل، فقد نص الجماعة على اعتباره، كميارة وناظم العمل وغيرهم ؛ فكأنه متفق عليه
عند المتأخرين، تبعا لعياض، خلافا للخمي.
وأما الثامن، وهو أن لا
يرضى البائع ببيع حصته مفردة، فهو شبيه بتحصيل الحاصل، لأنه إذا رضي ببيع حصته
مفردة لم تتوقف على شرط ولا على غيره كما لا يخفى.
وأما التاسع، وهو أن يكون
المشتري أجنبيا غير شريك، فقد ذكره ميارة في الشروط، واعترضه التاودي بأنه لا فرق
بين كون المشتري أجنبيا أو شريكا.
– القدوري،م.س، ص
438-439.
[7] - الصنهاجي، مواهب
الخلاق، ج 2، ص 279.
[8] - قال الشيخ المهدي
الوزاني فيما ذكره عنه الشيخ أحمد الرهوني: "وقد نص على هذه الأربعة صاحب
العمل الفاسي. فنص على الأول في قوله "لا تشترط إلا اتحاد المدخل". وعلى
الثاني في قوله:
وشرط
السراج في فتواه
أن يكون
في التبعيض بخس في الثمن
واستنتج منه شارحه
استلزامه للثالث حين قال: لعل الناظم استغنى بهذا الشرط عن شرط أن لا يلتزم من لم
يرد أداء النقص الحاصل لشريكه ببيع حصته مفردة، ورأى فقد هذا الشرط بالالتزام
المذكور يستلزم فقد الذي قبله الموجب للبيع صفقة، وهو دخول النقص على الشريك في
حصته، ولم يذكر هذا الشرط في المختصر، واستدركه الزرقاني...
فالحاصل أن كلام ناظم
العمل الفاسي شامل للشرطين المذكورين، أحدهما صراحة، والآخر التزاما.
وأما الرابع فهو قوله:
فإنما
الصفقة بيع
المشترك من
كل أو بعض جميع ما ملك
قال شارحه: صواب العبارة
جميعا من ملك، والتقدير: فإنما الصفقة بيع المالك الشيء المشترك بينه وبين غيره
جميعا، من كل أو بعض، فأخذ منه أن بيع بعض المملوك لا يكون صفقة، أي لا يجري فيه
بيع الصفقة، والله أعلم.
(وقد) ذكر التسولي في
البهجة، أنه لابد من اعتبار الشروط الأربعة، مع زيادة عدم قبول القسمة ؛ وذكر هنا
أنه لا يعتبر إلا اتحاد المدخل وعدم التبعيض.
واعترض ذلك الشيخ الهواري
بأن الصواب ما له في البهجة، مع إسقاط شرط عدم قبول القسمة. وسلم ما له في البهجة
الشيخ المهدي الوزاني أيضا.
واعترض ما له هنا وعارضه
بعض المعاصرين في ذلك؛ فرد عليه معارضته بما يعلم من حاشيته هنا.
وما له هو الصواب، خلاف
ما لذلك المعاصر، إلا أنه أغفل عن اعتراض ما للتسولي في شرط عدم القسمة، وبالله
التوفيق".
- القدوري، م.س، ص
439-440.
[9] - وباقي الشروط ذكرنا
حولها شيئا من التفصيل في الهوامش، أو في المتن بمناسبة التطرق لمسائل أخرى في هذا
المقال.
[10] - ذكر ذلك عبد
الصمد كنون، ونقله عنه بلعكيد، م.س، ص 392.
إذا لم يتحد مدخل الشركاء
جميعا. كما إذا اشترى شخص نصف دار من مالكها ثم اشترى شخص آخر النصف الآخر من تلك
الدار. وكما إذا كانت دار مملوكة لشخصين فاشترى شخص نصفها من مالكه واشترى آخر
النصف الباقي من مالكه أيضا. وكما لو باع شخص نصف داره لشخص ووهب نصفها الآخر لشخص
آخر في نفس الوقت. فهل يحق لأحد المشتريين في المثال الأول والثاني. ولكل من
المشتري والموهوب له في المثال الثالث أن يصفق على شريكه أو لا يحق له ذلك.
فإن اللخمي من المالكية
ينفرد بالقول بجواز التصفيق في هذه الأمثلة بالرغم من عدم اتحاد مدخل الشركاء.
وهذا يعني أن الإمام اللخمي لا يشترط اتحاد المدخل في بيع الصفقة،
بينما يرى باقي فقهاء المالكية عدم جواز التصفيق في هذه الأمثلة وفي
غيرها مما لم يتوفر فيه اتحاد المدخل الذي يعتبر شرطا أساسيا في بيع الصفقة. وممن
قال بهذا القول القاضي عياض، وبه يجري العمل، وذكر خليل أنه هو المعتمد في المذهب.
قال القاضي عياض في
تنبيهاته: "ويجب أن يكون هذا الجبر فيما ورث أو اشتراه الأشراك جملة وفي
صفقة، وأما لو اشترى كل واحد منهم جزءا منفردا، أو بعضهم بعد بعض لم يجبر أحد منهم
على إجمال البيع مع صاحبه إذا دعا إليه، لأنه كذلك اشترى، فلا يطلب الربح فيما
اشترى بإخراج شريكه من ماله".
- العمل الفاسي، م.س،ص
121.
[11] - ابن معجوز، م.س،ص
246.
[12] - انظر: العمل
الفاسي، م.س، ص 171.
[13] - وقد عرضت على المحاكم
قضية تتعلق باتحاد المدخل في بيع الصفقة، ذكر فيها المجلس الأعلى (سابقا) ما مضمنه
أنه تبين من الحكاية التي تضمنتها وثيقة البيع المؤسسة عليها الدعوى أن الدار
موضوع الدعوى كانت مملوكة لثلاثة أشخاص دون بيان سبب تملكهم. وأن هؤلاء الثلاثة
ماتوا تدريجيا وآلت واجباتهم بالإرث لورثتهم المذكورين في الوثيقة المذكورة. ثم
باع أحد ورثة الشريك الأول جميع الدار صفقة على جميع شركائه لطالب النقض ولشريكه
الذي هو ابن الشريك الثالث مناصفة بينهما. واستخلص المجلس الأعلى أن هذا البيع لا
يعتبر من قبيل بيع الصفقة. وإنما هو من بيع التبعيض. لأن الوارث البائع لم يتحد
مدخله مع مدخل بقية الشركاء، على اعتبار أن كل فريق من ورثة الشركاء الثلاثة
الأولين ملك من جهة خاصة. مع العلم أنه يشترط في اتحاد المدخل أن يكون بالشخص لا
بالجنس.
- قرار عدد 502
بتاريخ 12 أبريل 1983، وقد سبقت الإشارة إليه.
[14] - العمل
الفاسي، م.س، ص 197.
[15] - ميارة، تحفة الأصحاب،م.س،
ص 45 -46.
ويقول الدكتور عبد
الرحمان بلعكيد في تقرير غرابة ما ذهب إليه المالكية وخروجه عن القواعد: "لكن
من غرائب بيع الصفقة أنه لو توفي أحد الشركاء عن أرض مشاعة بينهم، لا تقبل القسمة
بطبيعتها أو بسبب كثرة عددهم، فإن ورثة الشريك المتوفى ليس لهم الحق في التصفيق
على بقية الشركاء، باعتبار أن مدخلهم بالإرث غير متحد مع مدخل الشركاء، وأن
ملكيتهم لاحقة وملكية الآخرين سابقة، والحال أن الوارث يحل محل الموروث ويخلفه
خلافة عامة، والإرث ينتقل بجميع حقوقه ومنافعه وآجاله إلى الوارث، وأنه مثلما يورث
المال، يورث الحق الوارد عليه، ثم كيف يصفق الموروث لو بقي حيا ولا يصفق
وارثه؟".
-
تصفية التركة، م.س،ص 393.
وبالرغم
من وجاهة هذا الرأي من حيث اعتبار القواعد، فالذي نراه –والله أعلم- أن الفقهاء
محقون فيما ذهبوا إليه من عدم أحقية الورثة في التصفيق على شركاء المورث لعدم اتحاد
المدخل، وذلك لأن بيع الصفقة استثناء فينبغي عدم التوسع فيه ما أمكن، وبديهي أن ما
يميز الاستثناء أن قواعده تكون شاذة عن الأصل. نعم، إذا كان المورث قد بدأ في
حياته إجراءات التصفيق ثم توفي قبل إتمامها، فإننا نرى أن الحق ينتقل إلى الورثة
إن اجتمع الرشداء عليه.
[16] - رأى
المالكية أن يعتبروا هذا الشخص الذي رجع إليه النصيب الذي باعه بيعا فاسدا كأنه
تجدد ملكه للنصيب بعد أن باعه ليمنعوه من بيع الصفقة، بالرغم من أن المالكية يرون
أن البيع الفاسد لا يترتب عنه خروج المال المبيع عن ملك بائعه ولو قبضه المشتري.
وإنما يترتب على القبض في البيع الفاسد أن يصبح المشترى ضامنا لذلك المال. ولا
ينتقل الملك في البيع الفاسد إلى المشتري إلا إذا فات المبيع بعد أن قبضه المشتري.
- انظر: العمل الفاسي،
م.س، ص 198.
[17] - العمل الفاسي، م.س،
ص 198.
[18] - ابن معجوز،م.س، ص
249-250.
[19] - انظر:
الصنهاجي، مواهب الخلاق، م.س، 2/331.
[20] - ابن معجوز، م.س، ص 251.
[21] - العمل الفاسي،
م.س، ص 173.
[22] - العمل الفاسي، م.س، ص
174.
[23] - انظر: الزرقاني،
شرح الزرقاني على مختصر خليل، دار الفكر، بيروت، ت.ط.غ.م، ج 6، ص207.
[24] - انظر: سليمان
الحمزاوي، أحكام الصفقة والشفعة،مطبعة ومكتبة الأمنية، منشورات جمعية تنمية البحوث
والدراسات القضائية،سلسلة دروس المعهد العالي للقضاء،1983، ص 201.
[25] - انظر: العمل
الفاسي، م.س، ص 173.
[26] - انظر: العمل
الفاسي، م.س، ص 173.
[27] - الزرقاني، م.س، ج6،
ص 207.
[28] - الحمزاوي، م.س، ص
201.
[29] - انظر: العمل
الفاسي، م.س، ص 171.
[30] - انظر: العمل
الفاسي، م.س، ص 186.
[31] - ابن معجوز،م.س، ص
253.
[32] - يقول ابن معجوز: "وبهذا
نكون قد طبقنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. وهذا هو الحديث
الذي استند إليه القائلون ببيع الصفقة. كما أننا نكون قد طبقنا القاعدة التي تقول:
إذا اجتمع ضرران ارتكب أخفهما. ولا شك في أن التصفيق على بعض الشركاء أخف من
التصفيق على جميعهم".
- الحقوق العينية، م.س، ص
253.
[33] - يظهر من هذا
أن ابن رشد يرى أن بيع الصفقة لابد فيه من بيع المال المشترك كله. وإذا لم يتأت
ذلك لم يجز، لما في ذلك من التبعيض. ولكن ابن معجوز يرى أن المراد بالتبعيض
الممنوع هو أن لا تباع كل حصص الشركاء المشتركين في المدخل.
[34] - المهدي الوزاني،
م.س ، ج 5 ، ص149.
وقد نقل السجلماسي
عن الإمام ابن عبد الله القوري أن الشيوخ جرت عادتهم بتقديم قول ابن رشد (الجد)
على غيره لرسوخه في العلم ودرايته في الروايات وتحقيقه لها وتقدمه للقضاء والفتوى
بإجماع من جل معاصريه.
- انظر: العمل الفاسي،
م.س، ص 183.
إلا أن ابن معجوز يرجح
قول ابن الحاج. خصوصا أن العلامتين الونشريسي والمهدي الوزاني مالا إليه أيضا.