بينة التوثيق والحقوق بينة التوثيق والحقوق
random

آخر الأخبار

random
random
جاري التحميل ...

بيع الصفقة ومعضلة الشياع (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوق

 

                          بيع الصفقة ومعضلة الشياع (الجزء الثالث)


 

 

3-   مقارنة بين بيع الصفقة و الأنظمة المشابهة له.

 يعتبر البعض بيع الصفقة ضربا من أضرب الشفعة، ومن الفقهاء من أدخله في بيع الفضولي، ومنهم من عده بيعا لملك الغير في صورته الممنوعة، فلم ير جوازه؛ فلدينا ثلاث مسائل نعالجها تباعا:

 أ‌- بيع الصفقة والشفعة.

 "بيع الصفقة يشبه الشفعة من حيث إن الشريك الذي لم يبع نصيبه يكون له الحق في أن يضم نصيب شريكه البائع. وبذلك يحل محل المشتري في ذلك النصيب. وهذا هو نفس الأثر الذي يترتب عن الشفعة، إذ حينما يمارسها الشريك يصبح هو المالك للنصيب الذي باعه شريكه. ولهذا يطبق الفقهاء بعض أحكام الشفعة على الصفقة. ومنها بالخصوص ما يتعلق بحق الأولوية، وعندما يكون أحد الشركاء هو المشتري.

(فبخصوص حق الأولوية)... حينما يكون المال مشتركا بين عدد من الشركاء ويبيع أحدهم نصيبه، ويريد الشركاء الآخرون جميعا أن يشفعوا ذلك النصيب، فإن الشركاء إذا كانوا جميعا من مرتبة واحدة، فإن النصيب المشفوع يوزع بينهم بنسبة ما يملكه كل واحد منهم. وإن كانوا متفاوتين في المرتبة، فإن أصحاب المرتبة الأولى هم الذين يستحقون الشفعة. ولا يمكن أصحاب المرتبة الثانية من الشفعة إلا إذا تنازل أصحاب المرتبة الأولى عن حقهم فيها، وهكذا. والمراتب في الشفعة هي التي يمكن تلخيصها في المثال التالي:

اشترى شخصان دارا ثم توفي أحدهما وترك زوجتين وثلاثة أولاد، وكان قد أوصى بثلث ماله لأربعة أشخاص. لنفرض أن إحدى الزوجتين باعت نصيبها، فإن الفقهاء يصنفون شركاءها في مراتب أربعة هي:

أ - المشارك في السهم. وهو الزوجة الأخرى. ويسمى الشريك الأخص.

ب- المشارك في الإرث. وهم الأولاد الثلاثة. ويسمى الشريك الخاص.

 ج - الموصى لهم. وهم الأشخاص الأربعة. ويسمى الشريك العام.

د- الشريك الأبعد. وهو الشريك الآخر الذي لم يبع نصيبه. ويسمى الشريك الأعم.

وهناك أحكام وقواعد متعددة تطبق على هؤلاء الشركاء بمناسبة طلبهم للشفعة ومن يستحقها منهم... (ومنها أنه)... إذا طلب جميع الشركاء، شفعة ما باعته إحدى الزوجتين. فإن الزوجة الأخرى هي التي تستحقها. فإذا تنازلت عن حقها في الشفعة فإن الأولاد الثلاثة هم الذين يستحقونها. فإن تنازلوا عنها استحقها الموصى لهم. فإن تنازلوا عنها استحقها الشريك الآخر عندئذ.

وهذا هو الحكم الذي يطبق في بيع الصفقة. بحيث لو باعت إحدى الزوجتين جميع نصيب موروثهم صفقة وطالب جميع الشركاء بضم نصيبها فإن الزوجة الأخرى أولى بذلك. ولا يكون للآخرين إلا الحق في استرداد نصيبهم فقط وتقرير عدم بيعه، فإن تنازلت الزوجة عن هذا الضم أمكن للأولاد الثلاثة أن يضموا نصيبها. فإن تنازلوا عن هذا الحق أمكن للموصى لهم أن يضموا نصيبها، فإن تنازلوا عن هذا الحق بدورهم أمكن حينئذ للشريك الآخر أن يضم نصيبها.

وهذا يعنى أنه عندما يتعدد الشركاء ويبيع أحدهم المال صفقة ثم يطالب الباقون بالضم، فإن الحكم يكون كما يلي:

1- إن كانوا جميعا في مرتبة واحدة، قسم بينهم نصيب البائع عل حسب ما يملكه كل واحد منهم. كما لو فرضنا أن دارا مشتركة بين أربعة أشخاص اشتروها دفعة واحدة. ثم باعها أحدهم صفقة. وقرر الثلاثة الآخرون ضم نصيب شريكهم، فإنه يوزع بينهم على ثلاثة، فيصبح كل واحد منهم مالكا لثلث الدار بعد أن كان مالكا لربعها فقط.

2- وإن كانوا مختلفين في المرتبة، بحيث كان بعضهم أولى من بعض حسب المراتب المذكورة سابقا، فإن الشريك الذي يكون في المرتبة الأولى هو الذي يكون أولى بضم  نصيب البائع، بينما لا يستحق الشركاء الآخرون إلا التمسك بنصيبهم وتقرير عدم بيعه. ولا ينتقل حق الضم إلى الشريك الذي في المرتبة الثانية إلا إذا لم يرد صاحب المرتبة الأولى أن يضم نصيب البائع، وهكذا.

ولو أن دارا مملوكة لرجل، فمات عن بنتين وأخ شقيق. فباعت إحدى البنتين الدار كلها صفقة، وطلبت كل من البنت الأخرى والأخ الضم. فإن هذا الأخ يسترد نصيبه فقط، بينما تسترد البنت  نصيبها ونصيب أختها، وتكون أحق به من عمها، لأنها تشترك مع البائعة في سهم واحد.[1]

وعلى هذا الأساس، لو فرضنا أن أحد الأولاد في مثالنا السابق قرر تسليم البيع وقبض ثمن نصيبه، فإن الزوجة التي استحقت ضم نصيب الزوجة البائعة تشترك مع الولدين الآخرين في نصيب هذا الولد البائع، طبقا للقاعدة المعروفة في باب الشفعة، والتي تقضي بأن أصحاب المرتبة العالية يدخلون مع أصحاب المرتبة السافلة دون العكس.

(وبخصوص كون المشتري أحد الشركاء،[2] فلو) فرضنا أن دارا مشتركة بين خمسة أشخاص، فعرض واحد ضم الدار كلها للبيع صفقة. فاشترى واحد من الشركاء الأربعة واجبات باقي شركائه الأربعة "أي نصيب الشريك البائع، وأنصبة الشركاء الثلاثة الآخرين"، وبما أنه لا يمكنه أن يشتري الدار بكاملها لأنه لا يتصور أن يشتري النصيب الذي يملكه هو. فإن هذا البيع لا يعتبر من بيوع الصفقة ولا تطبق عليه أحكامها...[3] (وسيأتي معنا عند الكلام عن آثار بيع الصفقة) أن أحكام هذا البيع تترتب عندما يكون المشتري شخصا أجنبيا عن المال المشترك.[4]

وما دامت لا تطبق على هذا البيع أحكام الصفقة، فإن أحكام الشفعة هي التي تطبق عليه. وهذا يعني أنه عندما يبيع أحد الشركاء المال المشترك صفقة على شركائه، ويتقدم أحد هؤلاء الشركاء لشرائه. فإن بقية الشركاء لا يخيرون بين الضم أو التسليم كما هو الحال في بيع الصفقة، وإنما يخيرون بين البيع لنصيبهم أو التمسك به.

أ – فإن اختاروا بيع نصيبهم لهذا المشتري الشريك. فإنهم  يحوزون ثمن نصيبهم من المشتري.

ب - وإن اختاروا التمسك بنصيبهم كان ذلك من حقهم، ويبقى لهم حينئذ أن يختاروا بين أن يسلموا لشريكهم المشتري هذا الشراء، فيستقر له ملك النصيب الذي اشتراه من الشريك البائع، وبين أن يستعملوا حق الشفعة التي تخول لكل شريك. وحينئذ نلجأ إلى تطبيق مبدأ الأولوية. بحيث إذا تبين أن المشتري أولى منهم بالشفعة بقي له ذلك النصيب، وإن تبين أن الشركاء كلهم أو بعضهم أولى من المشتري بالشفعة أخذ ذلك النصيب من المشتري عن طريق الشفعة. وإن كانوا جميعا في مرتبة واحدة اقتسموا الجزء المبيع بينهم بنسبة ما يملك كل واحد منهم".[5]

ولنا أن نلخص ما سبق ذاكرين أن بيع الصفقة "يشبه الشفعة من حيث إن الشركاء يكونون مخيرين بين تسليم المبيع للمشتري وبين ضم الصفقة من يده وبذلك يصبحون مالكين لحصة شريكهم البائع مقابل أدائهم ثمنها وما خرج من يد المشتري بمناسبة شرائه لها، وهذا هو نفس الحكم الذي يطبق في الشفعة،  حيث يكون للشريك الذي لم يبع حصته الخيار بين أن يسلم للمشتري حصة شريكه الذي باعها له فيصبح شريكا جديدا، وبين أن يشفع تلك الحصة من يد المشتري فيصبح مالكا لها مقابل ثمنها وما صرفه المشتري في سبيل الحصول عليها، ولذلك طبق الفقهاء كثيرا من أحكام الشفعة على بيع الصفقة...

ولكن الصفقة تختلف عن الشفعة اختلافا جوهريا يتجلى في أن المشتري في بيع الصفقة لا يملك ما وقع عليه العقد إلا بعد تسليم جميع الشركاء لهذا البيع، بخلاف الشفعة فإن المشتري يصبح مالكا للحصة المشفوعة ملكية تامة بمجرد الشراء.

ويترتب على ذلك نتائج عديدة منها:

1- أن الصفقة لا يحق فيها للمشتري أن يتصرف أو يستغل الشيء الذي اشتراه بالصفقة إلا إذا سلم له الشركاء جميعا هذا البيع، بخلاف الشفعة فإن المشتري يحق له أن يتصرف ويستغل ما اشتراه بمجرد العقد.

2- أن الصفقة لا يؤدي فيها المشتري الثمن إلا إذا سلم له الشركاء البيع. بخلاف الشفعة فإن المشتري ملزم بأداء الثمن لبائع الحصة المشاعة عند البيع أو عند حلول الأجل المتفق عليه لأداء الثمن.

3-       في بيع الصفقة إذا ضم الشركاء المبيع فإن المشتري يخرج من العقد ولا يبقى متحملا لأي ضمان تجاه الشركاء الذين ضموا، بخلاف الشفعة فإن المشتري المشفوع منه يعتبر طرفا في الشفعة ويبقى متحملا تجاه الشفيع بدرك العيب أو الاستحقاق".[6]

 ب‌- بيع الصفقة وبيع الفضولي.

 ذكر بعض الفقهاء بأن بيع الصفقة لا يعدو أن يكون من أصناف بيع الفضولي، غير أن بينهما عموما وخصوصا، ومنهم العلامة أحمد الرهوني، حين شرحه لبيت الزقاق في اللامية الوارد فيه:

نعم كالذي يجري من البيع صفقة   بلا حاكم بيع الفضولي أشملا

حيث قال: "نعم، جواب سؤال مقدر، تقديره: هل بقي شيء من المسائل التي جرى بها العمل؟ فأجاب بقوله: نعم بقي، وذلك كبيع الصفقة الذي يجري مجرى يبع الفضولي، من غير رفع لحاكم حال كونه أشمل لبيع الفضولي، أي مشتملا عليه من حيث أن بائع الصفقة يبيع متاع نفسه ومتاع غيره، فبيع الفضولي جزء من يبع الصفقة مشتمل عليه اشتمال الكل على بعضه، أو حال كون بيع الفضولي أشمل، أي أعم له، أي من بيع الصفقة، لأن يبع الفضولي يكون ببيع متاع الغير وحده وفي شركة متاعه، بخلاف بيع الصفقة فلا يكون إلا في المشترك".[7]

 وتبعه الصنهاجي عند شرحه لبيت الزقاق المذكور حيث قال: 

       "ومعناه أن بيع الصفقة مشتمل على بيع الفضولي بمعنى أن بيع الفضولي جزء من مفهومه وماهيته لأن بيع الفضولي هو بيع ملك الغير فقط وبيع الصفقة فيه بيع ملكه وملك غيره فهو مشتمل عليه اشتمال الكل على جزئه. ويحتمل أن بيع الفضولي أعم وأشمل من بيع الصفقة لأن بيع الفضولي يشمل بيع الصفقة لأن البائع فيه فضولي بالنظر لحصة شريكه ويشمل من باع ملك غيره لا شركة له فيه، وهذا هو بيع الفضولي المعروف، فكل بيع من بيوع الصفقة يصدق عليه أنه بيع الفضولي وليس كل بيع من بيوع الفضولي بيع صفقة، لصدقه على بيع من باع ما لا ملك له فيه وليس بيع صفقة. وعليه فقوله "أشملا" من الشمول بمعنى العموم".[8]

 لكن الصنهاجي رجع إلى القول بخلاف ذلك عندما ذكر أن" الصواب أن بيع الصفقة ليس من بيع الفضولي لأن بائعها مأذون له شرعا فيما مثل الأب يبيع متاع محجوره".[9] 

وإجمالا، فإن بيع الصفقة يشبه بيع الفضولي من حيث أن الشريك الذي يقدم على بيع المال المشترك صفقة، يبيع أنصبة شركائه بدون إذنهم. وهذا ما يقوم به الفضولي الذي يقوم ببيع مال غيره بدون إذن مالكه.

لكن بيع الصفقة يختلف عن بيع الفضولي فيما يلي:

1- أن بيع الصفقة أقوى من بيع الفضولي، لأن البائع في الصفقة يبيع نصيبه ونصيب شركائه، بخلاف الفضولي فإنه إنما يبيع مال غيره.

2 -  أن بيع الصفقة جرى العمل على جوازه وعلى الإقدام عليه من طرف الشريك، لأن له فيه مصلحة، بخلاف بيع الفضولي، فإن هناك من الفقهاء من يرى أنه لا يجوز الإقدام عليه لما فيه من بيع ملك الغير بدون إذنه. وفي ذلك افتيات على صاحب ذلك المال. ولا مصلحة فيه لذلك الفضولي.

3 - أن بيع الصفقة لا يتم فيه العقد للمشتري إلا بعد تسليم الشركاء له. أما قبل ذلك فتبقى حصص الشركاء المصفق عليهم على ملكهم، ولذلك لا يمكن لذلك المشتري أن يتصرف في ذلك المال المشترك قبل تسليم الشركاء ذلك البيع له. ويعتبر تصرفه فيه قبل ذلك _ إن وقع _ بمثابة التصرف في ملك الغير، يترتب عنه وجوب رد ما استهلك وكراء ما سكن، وإن نشأ عن تصرفه هلاك ضمن الأكثر من القيمة والثمن...[10]

"أما في بيع الفضولي، فإن تصرف المشتري يكون حكمه كما يلي:

أ _ إذا علم المشتري أن البائع فضولي يبيع ما لا يملكه وبدون إذن مالكه. فيعتبر متعديا بذلك، ويطبق عليه نفس الحكم... فيما إذا تصرف في الشيء المبيع قبل موافقة المالك على ذلك البيع.

ب _ أما إذا لم يكن يعلم أن البائع متعد وفضولي بأن كان حسن النية كما إذا كان يعتقد أن ذلك البائع يبيع ما يملك أو أن له وكالة أو نيابة عن مالك ذلك المبيع فإنه يعامل معاملة الحائز حسن النية، بحيث تكون الغلة له، وإذا تلف المال أو تعيب _ بسبب لا يد له فيه _ فلا عهدة عليه".[11]

  ج- بيع الصفقة وبيع ملك الغير.

 لا اختلاف بين الفقهاء في أن بيع الصفقة بيع لملك الغير، أي لحصص باقي الشركاء التي جرى البيع عليها دون توكيل، ولا اختلاف أيضا أنه إذا ما انتهى البيع إلى الضم أو الإمضاء عن طريق التراضي، فالبيع عند ذاك بيع بالتراضي ليس غير، سواء تم تسميته بيع صفقة أم لا، فلا مشاحة في الاصطلاح.

لكن إذا ما رفض الشركاء الإعراب عن موقفهم بالإمضاء أو الضم، فإن الشريك البائع بالصفقة، يعمل على مراجعة القضاء، لحمل الشركاء المصفق عليهم على الإعراب عن موقفهم، وفق خيارين لا ثالث لهما: الضم أو الإمضاء، فمن هنا يبدأ الاختلاف، حول شرعية هذا البيع الذي ليس إلا صورة من صور البيع لملك الغير، ومحل الاختلاف يكمن في مدى كونه من صور البيع لملك الغير الجائزة أو الممنوعة.

والصور الجائزة لملك الغير هي التي تم التعبير عنها في الفصل 485 من ق.ل.ع الذي نص على أن: "بيع ملك الغير يقع صحيحا:

 1- إذا أقره المالك.

 2- إذا كسب البائع فيما بعد ملكية الشيء.

وإذا رفض المالك الإقرار، كان للمشتري أن يطلب فسخ البيع ؛ وزيادة على ذلك، يلتزم البائع بالتعويض، إذا كان المشتري يجهل عند البيع، أن الشيء مملوك للغير. ولا يجوز إطلاقا للبائع أن يتمسك ببطلان البيع بحجة أن الشيء مملوك للغير".

 وعليه فكل ما ورد مخالفا للصورتين المذكورتين في الفصل 485 يعد من صور البيع لملك الغير التي لا تجوز، فهذا ما فهمه جانب من الفقه[12] فحرم بيع الصفقة معتبرا أن الفصل 485 فصل عام يطبق على سائر الأموال، وأن قانون الالتزامات والعقود هو أيضا تشريع عام.[13]

وأيضا لاستشهاده بالفصل 972 من ق.ل.ع الذي ينص صراحة على أن قرارات الأغلبية لا تلزم الأقلية، فكيف بقرار واحد من الشركاء؟  إذ جاء في هذا الفصل: "قرارات الأغلبية لا تلزم الأقلية: أ- فيما يتعلق بأعمال التصرف، وحتى أعمال الإدارة التي تمس الملكية مباشرة.

 ب_فيما يتعلق بإجراء تغيير في الاشتراك أو في الشيء المشاع نفسه.

ج_في حالة التعاقد على إنشاء التزامات جديدة...".

 كما استدل بالفصل 973 من هذا القانون، الذي نص صراحة على النطاق الذي يحق فيه للشريك أن يتصرف، دون أن يمس حقوق باقي الشركاء، أي نطاق حصته المشاعة ليس غير، وأبدى ملاحظة مفادها أن الفصل 973  ورد بعد الفصل 972 مباشرة لحصر حرية التصرف في الحصة المشاعة، ولتأكيد المنع في التصرف بالنسبة لحقوق باقي الشركاء، فقد جاء في هذا الفصل: "لكل مالك على الشياع حصة شائعة في ملكية الشيء المشاع وفي غلته وله أن يبيع هذه الحصة، وأن يتنازل عنها وأن يرهنها وأن يحل غيره محلها في الانتفاع بها، وأن يتصرف فيها بأي وجه آخر، سواء أكان تصرفه هذا بمقابل أو تبرعا، وذلك كله ما لم يكن الحق متعلقا بشخصه فقط".

والأشد من ذلك، - يرى هذا الفقيه- أن القانون حدد المسطرة في قسمة الأشياء التي لا تقبل القسمة العينية، حين أوجب فيها القسمة بالتصفية بالبيع بالمزاد، إذ جاء في الفصل 259 من قانون المسطرة المدنية (ق.م.م) وهو نص عام: "يمكن للمحكمة أن تأمر بالقسمة البتية إذا كان المطلوب قسمه قابلا لها وينتفع كل بحصته بمدرك أو بدونه ولو كان هناك قاصرون.

تأمر المحكمة إذا كان موضوع القسمة غير قابل لها ولا لانتفاع كل بحصته ببيعه جملة أو تفصيلا بالمزاد العلني مع تحديد الثمن الأساسي للبيع".

والفصل 260 من نفس القانون بين طريقة البيع، حيث جاء فيه: "يجري البيع وفقا لمقتضيات الفصول المتعلقة ببيع عقار القاصرين".

ولذلك، وحسب هذا الفقيه "لا يصح الدفع بالضرورة ورفع الحرج والمشقة وضرر الشركة ونقصان حظ الشريك لو باع منفردا، لتبرير القول ببيع الصفقة، لأن الأموال لا تنزع من يد أصحابها إلا بحق، وحتى في نزع الملكية للمنفعة العامة، ألا ترى كيف قيد القانون مسطرة النزع بحكم قضائي على شرط ثبوت المنفعة العامة.[14] وفي حق المرور على ملك الغير، كيف أوجب القانون أخذ الممر من الجهة الأقصر مسافة والأقل ضررا[15]. ومسطرة التصفية بالبيع بالمزاد... تضمن الحقوق لجميع الشركاء، وترفع عنهم الضرر والحرج والمشقة وتصون حقهم في المشاركة في المزاد، وهو جوهر المسطرة في بيع ما لا ينقسم عندنا في المذهب، في اختياراتها الثلاث: المزايدة بين الشركاء، أو التقويم ولمن أبى البيع أن يأخذه، وإلا البيع بالمزاد وقسمة ثمنه أحبوا أم كرهوا، وهو منطق العدل المطلوب في القسمة عموما، لا منطق القول الضعيف في بيع الصفقة الذي يفتقر لمعيار العدل بين الشركاء.

كما لا يصح القول بالضم "الشفعة" من وجهين: الأول: أن فيه نوعا من الإجبار، والأصل في المعاملات التراضي. الثاني: أن الشركاء قد لا يرغبون فيه، وهذا حقهم، أو أنهم لا يتوفرون على المال لتسديد ثمن الضم، فكيف يجبرون على الإمضاء إذا لم يتمكنوا من الضم؟ وكيف ينقلون من الضم إلى إمضاء البيع للأجنبي في جميع المشترك؟ وعلى أي وجه من الحق؟ وكيف يتحمل العقل قول ميارة: "اعلم أن الجاري على النصوص المتقدمة أن من أراد البيع من الشركاء ولم يوافقه من شاركه فإنه يرفع الأمر إلى القاضي فيجبر له الممتنع ويبيعان دفعة واحدة..."،[16] ولا ما قاله عبد الصمد كنون في شرحه لنظم العمل الفاسي: "وإذا تشاح الشريكان في عين من أعيان ما لا ينقسم كالثوب والدابة ولم يتراضيا... وأراد أحدهما البيع فإن أجابه الآخر وإلا أجبر على البيع معه إلا أن يختار الشريك بيع حصته مشاعة فلا يلزم الآخر بيع حصته معه. وأما ما تنقسم أعيانه فإنه يقسم ما لم يعد بالضرر وإتلاف حصة أحد الشركاء".[17]

والإمضاء للأجنبي لا يضمن العدل بين الشركاء، فلأي شريك أن يختار أي أجنبي يبيع له بالصفقة، كما أنه لا يرعى مصالحهم، والثمن فيه محدد سابقا، خلاف المزايدة، حيث إن الثمن يتزايد بتزايد المتزايدين، بما فيهم الشركاء، إلى أن يرسو على من يقدم العرض الأعلى، ففي بيع المنقول بالمزاد، ورد في الفقرة الثالثة من الفصل 202 من ق.م.م: "ويرسو المزاد على من قدم أعلى عرض في التاريخ والمكان المعينين"، وكذا في بيع العقار، جاء في الفصل 210 ق.م.م: "يرسو المزاد على من قدم العرض الأعلى ويؤدى الثمن خلال ثلاثة أيام من وقوع السمسرة، وإلا لم يسلم له العقار...". وضمن القانون مصالح الأطراف، إذا كانت الأشياء المعروضة للبيع، عرضة للتلف وتقلب الأسعار، حيث أجاز للقاضي تقصير الأجل للمزاد حتى من ساعة إلى أخرى، جاء في الفقرة الرابعة من الفصل 202 ق.م.م: "يجرى المزاد بعد انتهاء أجل ثمانية أيام من يوم إشهار إعلان البيع إلا إذا كان المنقول عرضة للتلف أو لتقلب الأسعار حيث يمكن للقاضي في هذه الحالة تقصير الأجل من يوم إلى آخر ومن ساعة إلى أخرى"".[18]

ومن الفقهاء[19] من يرجع بيع الصفقة إلى بيع ملك الغير، ولكنه لا يمنعه –إن توفرت شروطه- إلا في العقارات المحفظة – على ما سيأتي معنا-.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

[1] - انظر: العمل الفاسي، م.س، ص 194.

[2] - وسيأتي معنا ضمن الشروط أن الفقهاء يشترطون أن لا يكون المشتري في الصفقة من الشركاء، فهذا الشرط نفصل فيه بالمتن أعلاه، فلا نعيد التفصيل فيه.

[3] - وإن كان الشيخ التاودي بنسودة حاول في فتوى له أن يثبت أن أحكام بيع الصفقة كما تنطبق عندما يكون البيع للأجنبي، لا مانع من أن تطبق عندما يقع البيع لأحد الشركاء أيضا، ولكن العلماء ردوا عليه وأكدوا أن أحكام بيع الصفقة لا تطبق إلا عندما يباع الملك لأجنبي.

- انظر: محمد المهدي الوزاني، النوازل الكبرى أو "المعيار الجديد" مطبعة فضالة، المحمدية، الطبعة الأولى 1999، ج 5، ص 153.

 [4] - ورد في أحد القرارات الصادرة عن محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) ما يلي: "كما أن وجود مشتر شريك يجعل البيع الصادر له بيع تبعيض لا بيع صفقة".

- قرار عدد 502 بتاريخ  12  أبريل 1983، في الملف العقاري عدد 78513، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد: 33 - 34 صفحة 75 وما يليها، مع تعليق للمستشار امحمد الصقلي.

 [5] - ابن معجوز، م.س،ص 268-271.

[6] - ابن معجوز، م.س، ص 278.

[7] - انظر: محمد القدوري، موسوعة قواعد الفقه والتوثيق، مستخرجة من حادي الرفاق إلى  فهم لامية الزقاق (لأحمد الرهوني)، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، الطبعة الأولى 2004، ص  436.

 [8] - أبو الشتاء الغازي الحسيني الصنهاجي، مواهب الخلاق، مطبعة الأمنية بالرباط، الطبعة الثانية، 1955، ج 2، ص 278.

 [9] - الصنهاجي، مواهب الخلاق، م.س، ج 2 ، ص 278.

[10] - انظر: العمل الفاسي، م.س، ص 177 و ص 194.

[11] - ابن معجوز، م.س، ص 277.

[12] - بلعكيد، م.س، ص 394 وما يليها.

 [13] - بلعكيد، م.س، ص 394.

ويستشهد بقوله:" وعندنا في المذهب، لا يعتد ببيع الفضولي في حق الغائب، إذا قام على الفور قبل مضي السنة. جاء في التحفة:

                وغائب يبلغه ما عمله          وقام بعد مدة لا شيء له".

 [14] - الفصلان 1 و2 من قانون 7.81 المتعلق بنزع الملكية للمنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت.

[15] - الفصل 143 من التشريع المطبق على العقارات المحفظة "2 يونيه 1915" (المسمى اختصارا بظهير 19 رجب الذي نسخته م.ح.ع).

[16] - ميارة، تحفة الأصحاب،م.س، ص 60.

- عبد الصمد كنون، م.س، عند قول الناظم:"ولا رجوع الغبن في ذي الصورة"، نقلا عن بلعكيد،م.س، ص396.

 [17] عبد الصمد كنون، م.س، عند قول الناظم:"النص إن لم تقبل القسمة بان"، نقلا عن: بلعكيد، م.س، ص 396.

 [18] - بلعكيد، م.س،ص 395-396.

   

[19] - Un acte de vente safqa, concernant un immeuble immatriculé, s'il n'est pas valable comme vente safqa,  vaut toutefois comme vente des droits du vendeur; pour les droits des autres copropriétaires, l’acte s'analyse en une vente  de biens d'autrui, qui sera valable. Si elle vient à être ratifiée expressément par les intéressés, puisqu’aux termes de l'article 485 du D.O.C, la vente de la chose d'autrui est valable, si notamment le maître la ratifie, cf. jugement précité du 22 décembre 1947 du tribunal de Casablanca.                                           

      -Paul DECROUX, Droit Foncier Marocain, Edition la porte, Rabat 1972, p 29


عن الكاتب

محمد الكويط

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

تابع المدونة من هنا

جميع الحقوق محفوظة

بينة التوثيق والحقوق