بينة التوثيق والحقوق بينة التوثيق والحقوق
random

آخر الأخبار

تفسير صيغ الوثائق العدلية (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوقتفسير صيغ الوثائق العدلية (الجزء الثاني) - بينة التوثيق والحقوقتفسير صيغ الوثائق العدلية (الجزء الأول) - بينة التوثيق والحقوقعنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الخامس) - بينة التوثيق والحقوقعنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الرابع) - بينة التوثيق والحقوقعنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوقعنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الثاني) - بينة التوثيق والحقوقعنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الأول) - بينة التوثيق والحقوقركن الرضا في الوثائق العدلية (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوقركن الرضا في الوثائق العدلية (الجزء الثاني) - بينة التوثيق والحقوقركن الرضا في الوثائق العدلية (الجزء الأول) - بينة التوثيق والحقوقمقتضيات تحرير الشهادة العدلية (الجزء الرابع) - بينة التوثيق والحقوقمقتضيات تحرير الشهادة العدلية (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوقمقتضيات تحرير الشهادة العدلية (الجزء الثاني) - بينة التوثيق والحقوقمقتضيات تحرير الشهادة العدلية (الجزء الأول) - بينة التوثيق والحقوقالالتزام بالتعاقد (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوق الالتزام بالتعاقد (الجزء الثاني) - بينة التوثيق والحقوقالالتزام بالتعاقد (الجزء الأول) - بينة التوثيق والحقوقإحصاء التركة كأصل للتملك (الجزء الثاني) - بينة التوثيق والحقوقإحصاء التركة كأصل للتملك (الجزء الأول) - بينة التوثيق والحقوق
تفسير صيغ الوثائق العدلية (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوقتفسير صيغ الوثائق العدلية (الجزء الثاني) - بينة التوثيق والحقوقتفسير صيغ الوثائق العدلية (الجزء الأول) - بينة التوثيق والحقوقعنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الخامس) - بينة التوثيق والحقوقعنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الرابع) - بينة التوثيق والحقوقعنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوقعنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الثاني) - بينة التوثيق والحقوقعنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الأول) - بينة التوثيق والحقوقركن الرضا في الوثائق العدلية (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوقركن الرضا في الوثائق العدلية (الجزء الثاني) - بينة التوثيق والحقوقركن الرضا في الوثائق العدلية (الجزء الأول) - بينة التوثيق والحقوقمقتضيات تحرير الشهادة العدلية (الجزء الرابع) - بينة التوثيق والحقوقمقتضيات تحرير الشهادة العدلية (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوقمقتضيات تحرير الشهادة العدلية (الجزء الثاني) - بينة التوثيق والحقوقمقتضيات تحرير الشهادة العدلية (الجزء الأول) - بينة التوثيق والحقوقالالتزام بالتعاقد (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوق الالتزام بالتعاقد (الجزء الثاني) - بينة التوثيق والحقوقالالتزام بالتعاقد (الجزء الأول) - بينة التوثيق والحقوقإحصاء التركة كأصل للتملك (الجزء الثاني) - بينة التوثيق والحقوقإحصاء التركة كأصل للتملك (الجزء الأول) - بينة التوثيق والحقوق
random
جاري التحميل ...

الترجيح بين الشهادات العدلية - بينة التوثيق والحقوق


                                       الترجيح بين الشهادات العدلية 

    
 

قد يختصم لدا المحكمة شخصان فيدلي كل واحد منهما بشهادة عدلية، وقد تثبت الشهادتان معا عند القضاء، فلا تتضمن أي واحدة منهما ما يوجب بطلانها، غير أنه قد يحصل بينهما تعارض؛ فإذا كان هذا التعارض من النوع الذي لا يتم معه إسقاط الشهادتين معا، أو مما لا يمكن معه الجمع والتوفيق بينهما إن لم تتساقطا، فإن القاضي يلجأ إلى الترجيح بين الشهادتين  بأن يحكم بمقتضى إحداهما دون الأخرى.

فإذا ما صير إلى  الترجيح  فإن ذلك يتم بإحدى المرجحات العشرة المشهورة وهي:[1] سبب الملك، والملك على الحوز، وزيادة العدالة، والنقل على الاستصحاب، والإثبات على النفي، والأصالة على خلافها، وتعدد الشاهدين على الواحد، والمؤرخة على غيرها، وقدم التاريخ، والتفصيل على الإجمال.[2]

ففيما دوننا بيان موجز لهذه المرجحات. [3]

 

أولا- الترجيح بذكر سبب الملك.

وهو ما يسمى أيضا بالترجيح ببيان وجه المدخل،[4] وبموجبه إذا شهدت بينة بأن هذه الدار مثلا لزيد "المدعي" وشهدت بينة المدعى عليه بأنها لعمرو، فإننا نقارن بينهما، فإن وجدنا أن إحداهما ذكرت سبب الملك، كما إذا قالت بينة المدعي: إن هذه الدار لزيد، وهو الذي بناها أو ورثها من أبيه، وقالت بينة المدعى عليه إنها لعمرو، ولم تزد على ذلك، بحيث لم تذكر سبب تملكه لها، فإن البينة الأولى تقدم على الثانية ويعمل بمقتضاها، وتلغى الثانية.[5]

وهذا هو ما ذكرته المادة الثالثة من مدونة الحقوق العينية في فقرتها الثالثة التي حددت بعض وسائل الترجيح ومن بينها أن "ذكر سبب الملك مقدم على عدم بيانه".

ويتم تقديم البينة التي ذكرت سبب الملك على البينة المقابلة لها، ولو كانت هذه أعدل أو كان الملك " في حوز المشهود له؛ وهذا إذا لم تؤرخا، أو كانت الشهادة بالسبب أقدم تاريخا؛ فلو كانت الشهادة بالملك وحده (دون ذكر سببه) أبعد (تاريخا) كأن تقول كان يملكها منذ ثلاث سنين، وتقول الأخرى بناها منذ سنتين، كان تهاترا (أو تساقطا) ويقضى بالأعدل... ولو شهدت إحداهما أنها ملك لزيد، والأخرى أنه بناها عمرو، فقيل بتقديم بينة الملك... وقيل بتقديم بينة السبب... وهو الأشبه (الراجح)، لكن تقديم ذات السبب مشروط بشرطين: الأول أن يقولوا بناها لنفسه، والثاني أن لا يكون منتصبا للناس،[6] فإن انتصب لهم لم ينتفع بالشهادة، وإنما يقضى له على من شهد له بالملك بقيمة عمله، بعد حلفه أنه ما عمله باطلا (مجانا)، وليس حلفه المذكور مكذبا لما ادعاه أولا".[7]

"ويكفي في البينة سبب واحد، لأن القاعدة أن الأسباب إذا تساوت موجباتها اكتفي منها بواحدة ".[8]

ولعل سبب رجحان بينة السبب أنه وإن كانت البينة ذكرت السبب فقط فإن الملك مستفاد بدلالة التضمن، فمن بنا دارا لنفسه فمن المرجح أنه يملكها.[9]

وتظهر أهمية السبب عند وجود الحيازة بشروطها أو عدم وجودها كذلك، فلو ادعى شخصان حيازة عقار طيلة المدة المعتبرة، فإن الذي يذكر سبب الحيازة ترجح ملكيته على من لم يذكر السبب، كما أن "من حاز شيئا مدة تكون الحيازة فيه معتبرة والمدعي حاضر ساكت، وليس له عذر في سكوته، ثم يقوم على الحائز ويدعي عليه، فادعى الحائز الشراء كان القول قوله مع يمينه".[10]

"وبالطبع فإن ترجيح البينة المتضمنة للسبب، لا يكون إلا إذا كانت مستوفية (لجميع) شروط الملك المعتبرة شرعا، فإذا اقتصرت على بيان السبب ووجه المدخل ولم تنص على شروط الملك الخمسة ونصت الأخرى على هذه الشروط ولم تذكر السبب ووجه المدخل فصاحبة الشروط مقدمة، إلا إذا كانت بينة السبب ناقلة فتقدم".[11]

والمثال على أهمية ذكر السبب عند عدم وجود الحيازة، أنه لو شهدت بينة بأن هذا العقار ملك لشخص، وشهدت أخرى بأنه ملك لشخص آخر، وزادت إحداهما أنه تملكه بالشراء أو بالهبة أو بالصدقة، ولم يكن أحدهما حائزا للعقار، أو كان حائزا له حيازة لم تستوف مدتها ولم تكتمل شروطها، فإن البينة التي ذكرت سبب التملك من بيع أو صدقة أو هبة تقدم على البينة التي جاءت مجردة عن سبب التملك.

وإذا لم يرد ذكر السبب في أي من البينتين والحال أنه لم يحز الملك أي واحد منهما فإن البينتين تتساقطان. وفي ذلك يقول ابن فرحون: "وإذا تنازعا دارا ليست في أيديهما قسمت بينهما بعد أيمانهما".[12]

وتنبغي الإشارة إلى أن فقهاء الشريعة يقولون في الحيازة بأنها قرينة على التملك، وليست سببا في هذا التملك، لأن المفروض أن هذه الحيازة تستند هي نفسها على سبب حقيقي للتملك، وأسباب التملك الحقيقية هي العقود، وأن العقود المجردة عن أسبابها لا تفيد هي الأخرى التملك. وهو ما قررته الفقرة الثانية من المادة الثالثة من مدونة الحقوق العينية التي جاء فيها :"لا تفيد عقود التفويت ملكية العقارات غير المحفظة إلا إذا استندت على أصل التملك وحاز المفوت له العقار حيازة متوفرة على الشروط القانونية".

وقد وردت هذه القاعدة في قرار للمجلس الأعلى سابقا جاء فيه: "من الثابت أن رسوم الأشرية المجردة من تملك البائع لا تفيد الملك لقول صاحب العمل: "لا توجب الملك رسوم الأشرية" ويكون اعتبار المحكمة لرسم شراء المدعي حجة على الملك في غير محله".[13]

غير أن الفقرة الثانية من مدونة الحقوق العينية تضمنت خطأ عندما ذكرت عبارة "وحاز المفوت له العقار"، فقد عبرت بذكر حرف الواو بدل ذكر حرف "أو" لأن الحيازة القانونية المتوفرة على شروطها تغني عن الإدلاء بسبب الملك غير المجرد لأنها تصبح هي نفسها أصلا للتملك، وهي لا تكون كذلك إلا إذا استندت على سبب، فإن اعتمد المشتري على هذا السبب نفسه فيجوز له أن يتصرف في العقار بموجبه دون أن ينتظر مرور مدة الحيازة. فالمدار على أن المتصرف يملك العقار، فإن كان سبب ملكه موجودا بيده فذاك، وإن ضاع منه السبب فإنه يستدل على ملكه الذي ضاع سببه بالحيازة المتوفرة على شروطها.

 

ثانيا- ترجيح الملك على الحوز.

فإذا شهدت إحدى البينتين بالملك، والأخرى بالحوز قدمت الشاهدة بالملك ولو كان تاريخ الحوز سابقا لأن الحوز أعم من الملك، لأنه قد يكون الحوز بالملك وبالكراء، وبالرهن، وبغير ذلك، والأعم لا يعارض الأخص.[14]

قال ابن فرحون: "ولو شهدت إحداهما بالملك وشهدت الأخرى بالحوز، قدمت بينة الملك؛ لأن الملك أقوى، والحوز قد يكون لغير مالك فيقضى ببينة الملك، وإن كان تاريخ الحوز متقدما".[15]

كما أن "بينة الملك تشمل الحوز أيضا باعتباره شرطا من شروطها".[16]

 فالتعارض هنا ليس بكلي فيمكن الجمع من بعض الوجوه، ولا نحتاج إلى البحث عن المرجح، حيث لم يكن التعارض كليا.[17]

وقد ذهبت مدونة الحقوق العينية في المادة الثالثة إلى إقرار هذه القاعدة التي تقضي ب: "تقديم بينة الملك على بينة الحوز".

وأكد ذلك المجلس الأعلى سابقا بقرار جاء فيه أن "حيازة الطاعنين غير عاملة، ففي اختصار الرهوني كلما علم الأصل لأحد لا تنفع الحائز فيه طول المدة؛ وقال في الارتفاق عن القاضي عبد الوهاب أن المدعي إذا أقام بينة كان أولى من اليد لرجحانها، لأن البينة (أي بينة الملك) تشهد بما لا تشهد به اليد (أي الحيازة)، حيث أن اليد مبهمة والبينة مفسرة، وإنما يحكم لقوله صلى الله عليه وسلم: "البينة على المدعي"، وفائدة ذلك أنه إذا أقامها حكم له بها، وقال ابن رشد مجرد الحيازة لا ينقل الملك عن المحوز اتفاقا...".[18] 

 

ثالثا- الترجيح بزيادة العدالة.

بحسب المشهور في المذهب المالكي، فإنه يرجح بمزيد العدالة في الشهود،[19] "بحيث يكون شهود إحدى البينتين أكثر عدالة من شهود البينة الأخرى، كأن يكونوا أكثر منهم شهرة بالخير والصلاح، أو بالضبط وكونهم لا تنطوي عليهم الحيل.

أما زيادة عدد الشهود، بأن يكون عدد شهود إحدى البينتين أكثر من شهود الأخرى فليس مرجحا، فلو شهد اثنان في مال أنه لبكر، وشهد ثلاثة أنه لخالد، فإن الثلاثة لا يرجحون على الاثنين بمجرد عددهم وكونهم ثلاثة، وإنما ينظر إلى المرجحات الأخرى، ومنها مزيد العدالة؛ ولهذا إذا وجدنا أن الشاهدين أو أحدهما أكثر عدالة من الشهود الثلاثة قضي بشهادتهما؛ وإن كان الثلاثة أو أحدهم أعدل قضي بقولهم".[20]

وهذا ما ذكرته المادة الثالثة من مدونة الحقوق العينية عندما صرحت بأن من أسباب الترجيح "زيادة العدالة" ثم أتبعته مباشرة بذكر عبارة : "والعبرة ليست بالعدد".

وعدم الترجيح بكثرة العدد هو القول المشهور في المذهب المالكي، بينما روي عن "مطرف وابن الماجشون (من المالكية أيضا) أنه يرجح بكثرة العدد عند التكافؤ في العدالة...".[21]

إلا أن أشهب قيد هذا القول الثاني بأن "من رجح بزيادة العدد لم يقل به كيفما اتفق، وإنما اعتبره مع قيد العدالة الثاني: قوة الحجة، فيقدم الشاهدان على الشاهد واليمين،[22] وعلى الشاهد والمرأتين[23] إذا استووا في العدالة .

وقال ابن القاسم: لا يقدمان، ثم رجع ابن القاسم لقول أشهب، قال ابن القاسم: ولو كان الشاهد أعدل من كل واحد منهما حكم به مع اليمين وقدم على الشاهدين. وقال ابن الماجشون ومطرف لا يقدم، ولو كان أعدل أهل زمانه، وهو أقيس (وأرجح عند ابن فرحون)؛ لأن بعض أهل المذهب لا يرى اليمين مع الشاهد (بينما الشاهدان العدلان مجمع على قبولهما في كل شيء باستثناء الزنى الذي يشترط فيه أربعة شهود عدول)".[24]

والسبب في ترجيح مزيد العدالة على مزيد العدد، أن مزيد العدالة أقوى في التعذر من زيادة العدد؛ إذ في استطاعة كل من الخصمين أن يزيد في عدد شهوده، بخلاف زيادة العدالة، فقد يتعذر على أحد الخصمين إشهاد من هو أكثر عدالة من غيره؛ ووجود من هو أكثر عدالة في إحدى البينتين يبعث في النفس طمأنينة بشهادتهما أكثر مما تبعثه شهادة البينة الأخرى، لكن هذا مقيد بما إذا لم تبلغ الكثرة إلى حد التواتر، أما إذا بلغت هذا الحد فإنها تقدم حينئذ على الشاهدين ولو كانا أكثر عدالة، لأن التواتر يفيد العلم، وشهادة العدلين تفيد الظن فقط.[25]

غير أنه سبق لنا –في مقال اللفيف من هذه المدونة- أن قلنا بأن التواتر على المعنى المقصود عند المتقدمين، الذي يقدم حتى على شهادة العدلين، لأنه لم يكن يدخل في باب الشهادة أصلا إلا من باب المجاز، ليس هو التواتر الذي قصده المتأخرون عندما اشترطوا في اللفيف أن يكون شهوده اثني عشر شاهدا؛ فقد قلنا أن الذي ألجأهم إلى ذلك هو الضرورة.

وعليه فإن عدد شهود اللفيف -وإن كثر- لا يعتد به في مواجهة الشهادة العلمية التي يشهد فيها العدلان المنتصبان، ولذلك فإن الشهادة العلمية تقدم دائما على الشهادة اللفيفية. ومن ذلك ما قضى به المجلس الأعلى سابقا عندما نقض قرارا لمحكمة الاستئناف بالرباط الذي قضى بترجيح إراثة لفيفية على إراثة عدلية بناء على زيادة علم من شهود اللفيف الذين علموا ما لم يعلمه شهود الإراثة العدلية أو العلمية.[26]

وقد نسب الشيخ أحمد الرهوني للشيخ التسولي أنه قال: فإن كانت إحداهما أعدل، وأرخت الأخرى، رجحت المؤرخة على الراجح من أقوال ثلاثة.[27]

 

رابعا- ترجيح النقل على الاستصحاب.

ترجح الشهادة بالنقل عن الأصل،[28] على الشهادة المستصحبة لذلك الأصل. وقد ورد ذكر هذه القاعدة في المادة الثالثة من م.ح.ع التي أقرت "تقديم بينة النقل على بينة الاستصحاب".

ومن التطبيقات القضائية لهذه القاعدة ما جاء في قرار للمجلس الأعلى سابقا(محكمة النقض حاليا) من أن  "الحجة الكتابية التي يعتمدها الخصم هي حجة مستصحبة ولفيف الشراء حجة ناقلة، ومن المقرر فقها عند تعارض الحجتين المذكورتين تقديم الناقلة على المستصحبة، الأمر الذي كان معه الحكم المطعون فيه مرتكزا على أساس ومعللا تعليلا وافيا وبالتالي كان ما بهذا السبب لا يرتكز على أساس".[29]

فإذا شهدت بينة أن هذه الدار مثلا لزيد أنشأها من ماله، لا يعلمون أنها خرجت من ملكه بناقل شرعي؛ وشهدت أخرى أنها لعمرو اشتراها من زيد أو وهبها له وحازها قبل المانع فإنه يعمل بالبينة الناقلة، لأن من علم شيئا مقدم على من لم يعلمه.[30]

 وقد عبر ابن فرحون عن هذه القاعدة بقوله: "وتقدم البينة الناقلة على المستصحبة ومثالها أن تشهد بينة أن هذه الدار لزيد بناها منذ مدة، ولا يعلمونها خرجت عن ملكه إلى الآن، وتشهد البينة الأخرى أن هذا اشتراها منه بعد ذلك فالبينة الناقلة علمت والمستصحبة لم تعلم، فلا تعارض بين الشهادتين".[31]

ومعنى قوله "فلا تعارض بين الشهادتين" هو ما حققه الزرقاني[32] في هذه المسألة عندما قال بأن "الظاهر عدم التعارض بين هاتين البينتين، فليس هذا من باب الترجيح... لأن قول إحداهما: لا يعلمونها خرجت عن ملكه، لا يقتضي عدم الخروج، لأنه يفيد نفي العلم بالخروج، لا نفي الخروج.

 فإذا شهدت الأخرى أنها خرجت عن ملكه بناقل شرعي، لم تكن الأولى مكذبة لها، حتى يلزم التعارض، لأنه لا يلزم من عدم العلم عدم الخروج".

 وهو ما أكده التسولي[33] بقوله: "بينتا الملك والحوز والنقل والاستصحاب ليستا من التعارض في شيء، لأن المستصحبة شهدت بنفي العلم بالخروج عن ملكه، وذلك لا يقتضي عدم الخروج. فنفي الخروج أعم، والأعم لا إشعار له بأخص معين...

نعم، إذا قالت هذه: وقع النقل بالبيع... في كذا، وقالت الأخرى لم يقع بينهما بيع... مثلا في ذلك الوقت أصلا، فيتعارضان حينئذ، وتقدم بينة النقل".[34]

 

خامسا- ترجيح الإثبات على النفي.      

ترجح بينة الإثبات على بينة النفي، وهو ما ورد في المادة الثالثة من م.ح.ع التي جاء فيها " تقديم بينة الإثبات على بينة النفي".

وقد اختلف في معنى الإثبات والنفي هنا، ويؤول هذا الاختلاف إلى اتجاهين : اتجاه[35] يرى أن الشهادة المثبتة هي التي أثبتت الشيء المتنازع فيه، والشهادة النافية هي التي شهدت بعدم ثبوته، فإذا تنازعت بينتان "في حوز العطية فالشاهدة به مثبتة، والبينة الشاهدة بعدمه نافية، وإذا تنازعا في أنه أوصى وهو تام العقل، فالتي شهدت بالتمام مثبتة فتقدم".[36]

أما الاتجاه الآخر،[37] فيرى بأن الشهادة المثبتة هي التي تكون مقتضية لصحة عقد، والنافية هي التي تكون مقتضية لبطلان عقد.

 ومثال ذلك إذا اختلف الشهود في هبة فبعضهم شهد بالحوز، وبعضهم شهد بأنها لم تحز، فالشهادة بصحة الحوز أعمل؛ لأن الشهادة بالحيازة أثبتت الهبة  لصحتها، فكانت أولى من التي  شهدت ببطلانها. وأيضا لو شهد شاهدان بحوز الرهن، وشهد آخران بعدم الحيازة، لكان شهود الحيازة أعمل.[38]

ووجه ترجيح الإثبات على النفي أن في الإثبات علما جديدا زائدا على النفي، فيكون تأسيسا، وهو خير من التأكيد.[39]

 وقد أبدى الشيخ التسولي إشكالات حول تحديد المقصود بالإثبات والنفي في التطبيق العملي، فأورد أمثلة اختلطت فيها الأمور، وذكر أن أمثلة ترجيح الإثبات على النفي يمكن أن تندرج تحت سبب آخر للترجيح، وهو النقل على الاستصحاب[40] – السابق بيانه-  فقال: "انظر كيف ينضبط النفي والإثبات ها هنا، إذ كل نفي يمكن أن يكون في معنى الإثبات، والعكس (صحيح)، فإن كان المراد أن النافية تلفظت بحرف النفي لم يصح، لأنه يقتضي أنه إذا شهدت إحداهما أنها أوصت وهي مختلطة العقل، والأخرى أنها غير مختلطة العقل، تقدم بينة الاختلاط، وذلك خلاف الواقع؛ وكذا في الهبة إذا  شهدت إحداهما أنها بقيت بيده، والأخرى أنها لم تبق بيده بل حازها (الموهوب له)، تقدم بينة البقاء، وذلك خلاف النقل.[41]

والتعليل بأن المثبتة أثبتت حكما لا يفيد، لأنها في الأمثلة المذكورة أثبتت حكما أيضا.[42]

وعليه، فإما أن يقال:  تقديم الإثبات إنما هو في شيء خاص، وهو ما إذا قيدت المثبتة بوقت، وأطلقت النافية، كما إذا شهدت إحداهما بأنه... باع وقت كذا، وشهدت الأخرى بأنه لم يبع... في علمنا.

فلو قالت: لم يبع... أصلا بطلت، لأنها لا يمكنها أن تصحبه في كل الأوقات، حتى تقطع بالنفي المذكور... ولو قال: لم يبع... في ذلك الوقت، بل كان في بلد أخرى أو تلفظ بغير... البيع، سقطتا.

فإن كان مرادهم الوجه الأول،[43] فليس من التعارض في شيء... ولا يصح أن يكون مرادهم الوجه الثاني[44] ولا الثالث،[45] لأن التقديم يقتضي أن النافية صحيحة، لولا وجود ما يقدم عليها.[46]

وحينئذ فقد يقال:... فلعل مرادهم بالإثبات النقل، لأنه راجع إليه... فالشهادة بالحيازة أثبتت شرطا يصحح عقد الهبة، وكذا الشهادة بصحة العقد، إذ الأصل في العقود الصحة، وذلك راجع لتقديم الناقلة على المستصحبة...

وبالجملة، فمرادهم بالإثبات أنها أثبتت حقا لم يكن، وذلك راجع إلى النقل والاستصحاب، فمهما أطلقت إحداهما وقيدت الأخرى بوقت معين، فلا تعارض، ومهما قيدتا بوقت واحد كانتا متهاترتين (أي ساقطتين).  

وعليه، فإذا شهدت بينة بأن الواهب استمر حوزه للهبة إلى حصول المانع، وشهدت الأخرى أنها حيزت عنه وأطلقت، فإن بينة عدم الحوز وأنها استمرت بيد الواهب إلى (حصول) المانع تقدم،  لأن الأخرى أطلقت، فيحتمل أن تكون الهبة رجعت إلى الواهب بعد حوزها بالفور قبل تمام السنة،  فهذا مما يمكن فيه الجمع حينئذ.

وإن شهدت إحداهما باستمرارها بيد الواهب إلى المانع، والأخرى بأنه حازها عنه سنة (أي عن الموهوب له) فهما متعارضتان في السنة حينئذ، فبينة الحيازة أعمل، لأنها شهدت بمقتضى الأصل أي النقل في العقود، وهكذا".[47]

والخلاصة أن التسولي ختم إشكالاته بأن قاعدة الترجيح بالنقل على الاستصحاب تغني عن قاعدة الإثبات على النفي.

واعترض الهواري على ذلك[48] بأن ذكر بأن الشهادة المثبتة تقدم على النافية، وأن هذا مرجح منفرد بخصوصياته، وهو يتحقق في ثلاث صور؛ إحداها أن الشهادة المثبتة هي التي يكون متعلقها نسبة ثبوتية، كأن تشهد إحداهما بأنه باع، وتشهد الأخرى بأنه لم يبع، فتقدم المثبتة للبيع.

والثانية أن المثبتة هي التي تكون مقتضية لإثبات حكم،  والنافية غير ذلك، كأن تشهد بينة بقتل زيد عمرا في يوم كذا، وبينة بأنه كان ذلك اليوم ببلد بعيد عن موضع القتل، فإن بينة القتل  تقدم على المشهور، لأنها أثبتت حكما وهو القصاص.[49]

والثالثة أن المثبتة هي التي أثبتت صحة عقد،  والنافية بخلافها، ومثاله أن تشهد بينة بحوز الهبة أو الرهن، وتشهد الأخرى بأنه لم يحز، سواء عبرت بالنفي أو قالت مثلا استمر بيد الواهب إلخ. [50]

وانطلاقا من هذه الصور، نفى الهواري ما توهمه التسولي – حسب زعم الهواري- من أن "المثبتة هي التي أتت بكلام مثبت، والنافية هي التي أتت بكلام منف".[51] وتعقبه أحمد الرهوني بأنه "تجاوز الحد مع التسولي، مع أن كلام التسولي عند التأمل الصادق له وجه وجيه من النظر، لا اختلال فيه، ولا إفساد لكلام الأئمة،[52] بل فيه التحقيق التام، إلا أن من جملة محتملاته بعض الصور التي يصدق عليها حد الإثبات وحد الأصل وحد النقل، فيجاب بأن المثال الواحد قد يمثل به لعدة قواعد، باعتبارات مختلفة".[53]

وقد ضبط القرافي شهادة النفي التي تقبل، والتي لا تقبل فقال:[54] "اشتهر على ألسنة الفقهاء أن الشهادة على النفي غير مقبولة، وفيه تفصيل: فإن النفي قد يكون معلوما بالضرورة أو بالظن الغالب الناشئ عن الفحص، وقد يعرى عنهما[55] فهذه ثلاثة أقسام: أما القسم الأول، فتجوز الشهادة به اتفاقا، كما لو شهد أنه ليس في هذه البقعة التي بين يديه فرس ونحوه، فإنه يقطع بذلك... فهذه شهادة صحيحة بالنفي.

الثاني: تجوز الشهادة به، أعني بالنفي مستندا إلى الظن الغالب وذلك في صور منها التفليس، فإن الحاصل فيه إنما هو الظن الغالب؛ لأنه يجوز عقلا حصول المال للمفلس وهو يكتمه، ومنها الشهادة على حصر الورثة، وأنه ليس له وارث غير هذا، فمستند الشاهد الظن وقد يكون له وارث لم يطلع عليه، فهي شهادة على النفي مقبولة. ومنها الشهادة في الاستحقاق أنه ملكه، ولم يفوته بنوع من أنواع الفوت ولم يخرج عن ملكه بوجه... وكذلك الشهادة على انتقال الملك للورثة عن مورثه لا تجوز الشهادة فيه حتى يقولوا لا نعلم المشهود له به فوت شيئا منه، إلى آخر إيقاعهم لشهادتهم، هذا مذهب ابن القاسم، وقال ابن الماجشون لا بد من الشهادة على القطع والشهادة بالعلم (الذي يفيد الظن القريب من العلم) ساقطة، وبالأول القضاء.[56]

والقسم الثالث: ما عري عنهما مثل أن يشهد أن زيدا لم يوف الدين عليه أو باع سلعته ونحو ذلك، فهذا نفي غير منضبط وإنما تجوز الشهادة على النفي المنضبط قطعا أو ظنا".

وقريب من هذا الرأي –في نظرنا- ما ذكره الحنفية في مسألة النفي والإثبات من أن القاعدة العامة في ذلك أن البينات شرعت للإثبات، لذا تقدم إحدى البينتين على الأخرى إذا كانت أكثر إثباتا، غير أنه يستثنى من هذه القاعدة بعض الحالات التي تقدم فيها أحيانا بينة النفي، كما إذا توفرت على شروط التواتر والشهرة لأن الأمر المتواتر المشهور يجعل القاضي عالما بكذب البينة المقابلة المثبتة. [57]

 

سادسا- ترجيح الأصالة على ضدها.

ذكرت م.ح.ع هذا المرجح في المادة الثالثة التي أقرت " تقديم بينة الأصالة على خلافها أو ضدها"، ومثال ذلك تقديم الصغر على البلوغ، والصحة على المرض، والجرحة على العدالة، وصحة العقل على اختلاله، والصحة على البطلان أو الفساد إلا أن يغلب الفساد، والسفه على الرشد، والإكراه على الطوع، والعسر على اليسر، وذكر  الزرقاني أن اليسر يقدم  على العسر، كما ذكر  أن هذه الأمور ليست كلها من قبيل تقديم الأصل على غيره.[58]

فبينات الإكراه والصحة والسفه واليسر والجرحة والبلوغ تعد بينات ناقلة فتقدم على أضدادها وإن كانت هذه الأضداد أصولا، ففي هذه الحالات يقدم الفرع على الأصل.

وتقدم بينة اليسر لأن الغالب على الناس التكسب، وإن كان الأصل فيهم الفقر، ولأن بينة العسر تشهد بنفي العلم وتعتمد على قرائن ظنية بخلاف بينة اليسر.

وقيل بتقديم المرض على الصحة، وقيل العكس، وقيل ترجح الأعدل؛ هذا في الزواج، أما في التبرع فتقدم بينة الصحة،[59] ويكون التبرع نافذا بالحوز.[60]

"وليس من هذا إذا شهدت بينة بأن المرأة ما زالت على عقلها إلى الآن، وشهدت أخرى أنه طرأ اختلال عقلها نحو عشرة أشهر، فإن بينة الاختلال تقدم، لأنها مثبتة وناقلة، والأخرى نافية ومستصحبة، فلا يلزم ما عقدته من بيع أو غيره في هذه المدة".[61]

 

سابعا- تقديم الشاهدين على الشاهد واليمين.

وهو ما ذكرته م.ح.ع في المادة الثالثة التي أقرت " تقديم تعدد الشهادة على شهادة الواحد"، وقد ذكرنا هذا المرجح في معرض حديثنا عن الترجيح بزيادة العدالة.[62]

 

ثامنا- الترجيح بذكر التاريخ.

وهذا المرجح ورد في المادة الثالثة في م.ح.ع التي جاء فيها أنه "تقدم البينة المؤرخة على البينة غير المؤرخة"؛ فإذا شهدت بينة بأن هذه الدار هي على ملك فلان منذ خمس سنوات وشهدت البينة  الأخرى بأن الدار في ملك شخص آخر دون أن تذكر تاريخا، فالمعتمد عند المالكية هو تقديم المؤرخة على التي لم تؤرخ.[63]

 

 تاسعا- قدم التاريخ على حدوثه.

وهو المرجح الذي أشارت إليه م.ح.ع في المادة الثالثة بقولها: "‏تقديم البينة السابقة على البينة اللاحقة تاريخا"؛ فإذا قالت إحداهما يملكه عامين، والأخرى عاما، قدمت ذات العامين، لأن الملك ثبت للأقدم، والأصل الاستصحاب وبقاء ما كان على ما كان، وما أثبتته البينة الأخرى محتمل، لمعارضة هذه البينة له، فتساقطتا فيما تعارضتا فيه، ويبقى استصحاب الأصل خاليا عن المعارض. وسواء كانت الأخرى أعدل أم لا، كان بيد أحدهما، أو تحت يديهما، أو تحت يد ثالث، أو لا يد عليه. ولا يقال: إن الحادثة ناقلة، وهي مقدمة كما مر، لأن شرط الترجيح بالنقل أن تكون شهادته مشتملة على ذكر سبب النقل، وهنا إنما شهدتا بالملك واختلفتا في قدم التاريخ.[64]

 ومحل الترجيح بقدم التاريخ يكون فيما يمكن استمرار الملك لصاحبه: لا فيما لا استمرار فيه، كما إذا قالت البينة لم يخرج عن ملكه إلى الآن في عام خمسة وألفين، وقالت الأخرى ملكه في عام عشرة وألفين، فإن ذات العشرة والألفين تقدم، لأن الأخرى لم تعارضها لكونها انتهى أمرها في عام خمسة وألفين مثلا.[65]

وتجدر الإشارة إلى أن قدم التاريخ الذي يقع به الترجيح بين البينات يعني قدم تاريخ الشيء المشهود به لا تاريخ  تحرير البينات، فإذا  ما شهدت بينة – مثلا- بأن فلانا تصرف منذ أربع وأربعين سنة، وشهدت أخرى بأن خصمه تصرف منذ  أربعين سنة فإن الأولى مرجحة بقدمها؛ وفي هذا الصدد جاء في قرار للمجلس الأعلى سابقا ما يلي: "بمقارنة تاريخي الحجتين بعضهما ومدة التصرف فيهما نجد أن حجة طالبي التحفيظ أقدم من حجة... كما أن مدة تصرف الأولين استمر... سنة إلى تاريخ تحرير الحجة الأولى و هو أطول من تصرف... الأمر الذي يجعل حجة طالبي التحفيظ طبقا للقواعد الفقهية أقدم من حجة المتعرض مما يجعل قرار المحكمة الذي عكس ذلك غير مرتكز على أساس ويتعين نقضه".[66]

 

عاشرا- التفصيل على الإجمال.

ذكرت مدونة الحقوق العينية " تقديم بينة التفصيل على بينة الإجمال" كمرجح ضمن مادتها الثالثة؛ ونسب القرافي[67] إلى ابن أبي زيد القيرواني في النوادر أنه قال: "وترجح البينة المفصلة على المجملة، والنظر في التفصيل والإجمال مقدم على النظر في الأعدلية،[68] فإن استووا في التفصيل والإجمال نظر في الأعدلية، ومنها شهادة أحدهما بحوز الصدقة قبل الموت وشهدت الأخرى برؤيته يخدمه في مرض الموت فتقدم بينة عدم الحوز إذ لم تتعرض الأخرى لرد هذا القول".

 وتجدر الإشارة إلى أن بعض الشهادات لا تقبل إلا مفصلة، فلا محل للإجمال فيها، ومن ذلك الشهادات المتعلقة بالغبن والترشيد والتسفيه والتوليج والإعسار،[69] وقد رأينا في مقال الاستفسار ذكر الشهادات التي من شرطها الاستفسار أو الاستفصال، والشهادات التي ليس من شرطها ذلك، وعليه فإن الشهادة المفصلة تقدم على الشهادة المجملة فيما ليس الاستفسار شرطا فيه، أما لو كان الاستفسار شرطا ولم تتضمنه الشهادة فإنها تسقط من الاعتبار، فلا يكون هناك محل للترجيح بينها وبين شهادة أخرى.

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 [1] -يوجد من الفقهاء المالكية من ينفرد بذكر مرجحات أخرى، غير أن معظم تلك المرجحات يمكن ردها إلى العشرة التي ذكرناها، أما الشافعية والحنفية فلم يستعملوا في الترجيح أسلوب المعايير والأصول والقواعد العامة، بل انساقوا مع الجزئيات والتفاريع التي لا تنضبط، كما استعملوا تعابير واصطلاحات غير متداولة عند مالكية المغرب، كقول الشافعية بأن بينة الداخل ترجح على بينة الخارج، ويقصدون بالداخل الحائز وبالخارج غير الحائز، أما الحنفية فقد بالغوا في عرض الجزئيات فذكروا من الصور ما يبلغ سبعة آلاف وستمائة وسبعين مسألة.

- انظر : عبد السلام العسري، شهادة الشهود في القضاء الإسلامي، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه من دار الحديث الحسنية بالرباط، دار القلم، الرباط، الطبعة الأولى 2007، ج 2، ص 522-524.

[2] - محمد القدوري، موسوعة قواعد الفقه والتوثيق، مستخرجة من حادي الرفاق إلى  فهم لامية الزقاق (لأحمد الرهوني)، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، الطبعة الأولى 2004، ص 255.

[3] - جاء في الفقرة الثالثة من المادة الثالثة من مدونة الحقوق العينية ذكر هذه المرجحات وفق ما يلي: "إذا تعارضت البينات المدلى بها لإثبات ملكية عقار أو حق عيني على عقار، وكان الجمع بينها غير ممكن، فإنه يعمل بقواعد الترجيح بين الأدلة ومن بينها:

- ‏ذكر سبب الملك مقدم على عدم بيانه؛

- تقديم بينة الملك على بينة الحوز؛

- زيادة العدالة والعبرة ليست بالعدد؛

‏- تقديم بينة النقل على بينة الاستصحاب؛

- تقديم بينة الإثبات على بينة النفي؛

‏- تقديم بينة الأصالة على خلافها أو ضدها؛

‏- تقديم تعدد الشهادة على شهادة الواحد؛

- تقدم البينة المؤرخة على البينة غير المؤرخة؛

-‏ تقديم البينة السابقة على البينة اللاحقة تاريخا؛

- تقديم بينة التفصيل على بينة الإجمال".

[4] - امحمد برادة اغزيول وآخرون، الدليل العملي للعقار غير المحفظ، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الدراسات والأبحاث، العدد 2، الطبعة الثانية، أبريل 2007، ص 71.

[5] - انظر:  محمد ابن معجوز، وسائل الإثبات في الفقه الإسلامي، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة من دار الحديث الحسنية بالرباط، مطبعة النجاح الجديدة، 1995، ص 162.

[6] - أي أنه إذا كان النزاع في دار ادعى أحدهما أنه بناها لنفسه فينبغي أن لا يكون هذا الشخص ممن يشتغل في بناء الدور.

 [7] - محمد العزيز جعيط، الطريقة المرضية في الإجراءات الشرعية على مذهب المالكية، مكتبة الاستقامة، تونس، الطبعة الثانية، ص 68-69.

[8] - اغزيول، الدليل العملي، م.س، ص 72.

[9] - انظر:  العسري، شهادة الشهود، م.س، ج 2، ص 509.

[10] - إبراهيم ابن فرحون، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1995، ج1، ص267.

- اختلف فقهاء الشريعة الإسلامية في اليمين التي يؤديها الحائز، ولا يعود هذا الاختلاف إلى اعتبار الحيازة سببا للملك أو قرينة عليه، لأن جميع فقهاء الشريعة يعتبرون الحيازة قرينة على الملك، وهي ما سموه بالشاهد العرفي، ومحل اختلافهم في اليمين إنما يرجع إلى اختلافهم حول مسألة الشاهد الواحد في الأموال هل يحلف معها صاحب الحق أم لا يحلف؟

[11] - اغزيول، م.س، ص 72.

[12] - التبصرة، م.س، ج 1 ص 263.

[13] - قرار عدد 1341 بتاريخ 15 نونبر 1988، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد المزدوج 42-43، السنة 1989، ص 29 وما يليها.

[14]  انظر:- أبو الشتاء الغازي الحسيني الصنهاجي، مواهب الخلاق، مطبعة الأمنـية بالــــــــرباط، الطبعــــــة الثانية، 1955، ج 1، ص 348 وما يليها.

[15] - التبصرة، م.س، ج 1، ص 265.

[16] - اغزيول، م.س، ص 72.

[17] - العسري، شهادة الشهود، م س، ج 2، ص 509.

[18] - قرار عدد 466 بتاريخ 25 مارس 1986، ملف شرعي عدد 5304/85، منشور في:  مجموعة قرارات المجلس الأعلى في مادة الأحوال الشخصية،  ج 2، من 1983 إلى 1995، ص 17 وما بعدها.

[19] - ذكر ابن فرحون أن من أسباب الترجيح "الزيادة في العدالة، والمشهور الترجيح... وروي عن مالك أنه لا يرجح بها وعلى (القول) الأول فلا بد من حلف من زادت عدالة بينته. وفي الموازية لا يحلف بناء على أن زيادة العدالة هل هي بشاهد واحد أو بشاهدين...".

- التبصرة، م.س،  ج 1، ص 264.

[20] - ابن معجوز، وسائل الإثبات، م س، ص 163.

[21] -  التبصرة، م.س،  ج 1، ص 264.

[22] - "إذا شهد اثنان بمال لزيد، وشهد آخر به لعمرو، وحلف عمرو المذكور مع شاهده. فإن بينة زيد ترجح على بينة عمرو، ولو كان شاهد عمرو أعدل أهل زمانه، وإنما قدمت بينة زيد المكونة من شاهدين على البينة المكونة من شاهد ويمين، لأن البينة الأولى مجمع على قبولها في كل شيء عدا الزنا؛ بخلاف البينة الثانية فقد وقع فيها خلاف كبير... ولم يقبلها من قبلها إلا في الأموال".

- ابن معجوز، وسائل الإثبات، م.س، ص 163.

[23] - "إذا تعارضت بينتان، إحداهما مكونة من شاهدين ذكرين، والثانية مكونة من رجل وامرأتين، وتساوى الرجل الذي مع المرأتين في العدالة مع الشاهدين، فإن الأولى تقدم على الثانية ولو كانت المرأتان أكثر عدالة من الرجلين؛ لأن الله تعالى يقول: "فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان". فجعل في الآية مرتبة الشاهد والمرأتين في المرتبة الثانية بعد مرتبة الشاهدين".

- ابن معجوز، م.س، ص 164.

"ولا شك أنه إذا كان الشاهدان أعدل من الشاهد (الذي مع المرأتين) فإنما يقدمان قطعا بالأولى والأحرى. وإذا كان الشاهد الذي مع المرأتين أعدل من الشاهدين قدمت هذه البينة حينئذ، لاسيما إذا كانت المرأتان تشاركانه في مزيد العدالة".

- ابن معجوز، م.س، ص 164، هامش رقم 164.

[24] - التبصرة، م.س،  ج 1، ص 264.

[25] - ابن معجوز، وسائل الإثبات، م.س، ص 163.

[26] - قرار عدد 73 بتاريخ 21 مارس 1985، في الملفات الإدارية المضمومة عدد 7295 وعدد 7296 وعدد 7297.

 ذكره: - محمد القدوري، موسوعة قواعد الفقه والتوثيق، م س،ص 261 هامش 1.

- مع الإشارة إلى أن الإراثة التي رجحها القرار الاستئنافي المنقوض تتضمن وارثا  زائدا عن عدد الورثة المذكورين في الإراثة العلمية، وهذا من المرجحات أيضا ، مع أن قرار المجلس الأعلى الذي نحن بصدده لم يتعرض له.

- م.س، بنفس الموضع.

[27]-انظر:  - محمد  القدوري، موسوعة قواعد الفقه والتوثيق، م.س، ص 261.

[28] - ولا نعني بالنقل هنا شهادة النقل التي تسمى بالشهادة على الشهادة.

[29] - قرار عدد 416  صادر بتاريخ 11 ماي 1982 عن الغرفة الشرعية في الملف المدني العقاري عدد 34446، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 31 السنة 1983، ص 67.

[30]  -انظر : الصنهاجي، مواهب الخلاق، م س، ج 1، ص 350.

[31] - التبصرة، م.س،  ج 1، ص 265.

[32]  - فيما نسبه إليه أحمد الرهوني في كتابه حادي الرفاق إلى فهم لامية الزقاق، الذي أعاد إخراجه محمد القدوري تحت اسم موسوعة قواعد الفقه والتوثيق، انظر : محمد القدوري، م.س، 261-262. 

[33] - حسبما ذكره عنه أحمد الرهوني، انظر : القدوري، م.س، ص 262.

[34] - عبد السلام العسري، شهادة الشهود، م.س، ج 2، ص511 وما بعدها،

[35] - جعيط، الطريقة المرضية، م س، ص 70.

- المهدي الوزاني، حسبما نقل عنه من كتبه في : موسوعة قواعد الفقه للقدوري، م س، ص 265.

وسيعترض برأيه على ما أورده التسولي في نفيه – الظاهر- لمسألة الإثبات والنفي وإرجاعها إلى الاستصحاب والنقل. وسنورده لاحقا.

[36] - م س، بنفس الموضع.

[37] - منه الشيخ  التاودي والشيخ ابن سهل،  حسبما نسبه إليهما أحمد الرهوني، انظر : القدوري، موسوعة قواعد الفقه، م س، ص 262-263.

[38] - انظر :- القدوري، موسوعة قواعد الفقه، م س، ص 262.

- عبد السلام العسري، شهادة الشهود، م س، ج 2، ص 513.

[39] - التأكيد والتأسيس مصطلحان لغويان وأصوليان؛ فالتأكيد هو تقوية مدلول لفظ بآخر مستقل بالإفادة؛ وقد يكون بنفس اللفظ كالتوكيد اللفظي عند النحويين؛ وقد يكون بالحروف الزوائد كما عند البلاغيين، قال ابن جني : كل لفظ زيد في كلام العرب فهو للتوكيد.

والتأسيس عكس التوكيد، أي عدم تقوية لفظ بأي طريق من طرق التأكيد؛ والقاعدة عند الأصوليين أنه "إذا دار الأمر بين التأكيد والتأسيس، فالتأسيس أولى".

- انظر : عبد السلام العسري، شهادة الشهود، م س، ج 2، ص 513، هامش رقم 387.

[40] - عبد السلام العسري، م س، 2/513.

[41] - أي يعارض ما تقرر من أن بينة النقل تقدم على بينة الاستصحاب.

[42] - فالشهادة بالحوز أثبتت حكما للهبة وهو الصحة، والشهادة بنفي بقاء الموهوب بيد الواهب تثبت هي الأخرى حكم صحة الهبة، وهو ما لا يستقيم عند التسولي، ما دام أن النفي هو عكس الثبوت.

[43] - وهو ما إذا قيدت المثبتة بوقت، وأطلقت النافية، كما إذا شهدت إحداهما بأنه باع وقت كذا، وشهدت الأخرى بأنه لم يبع في علمنا، أي في علم شهود البينة.

[44] - المقصود بهذا الوجه قول البينة النافية:  لم يبع أصلا، فهذه البينة باطلة.

[45] - المقصود بهذا الوجه قول البينة النافية: لم يبع في ذلك الوقت، بل كان في بلد أخرى أو تلفظ بغير البيع، فإن هذا القول يسقط الشهادتين معا البينة والنافية.

[46] - يقصد التسولي أنه في الوجه الثاني تبطل الشهادة النافية، وفي الوجه الثالث تتساقط هي والشهادة المثبتة، فلا معنى للترجيح بعد أن لم تعد الشهادة معتبرة أصلا إما لبطلانها أو لسقوطها.

[47] - القدوري، موسوعة قواعد الفقه، م.س، ص 262-263.

[48] - وذكر بأن ما طول به في هذا المحل هو إفساد لكلام الأئمة بلا موجب.

- انظر : عبد السلام العسري، شهادة الشهود، م س، ج 2، ص 515.

[49] - هذا المثال الذي استشهد به الهواري ذكره سحنون في نوازله، وصرح ابن رشد بأنه مشهور المذهب المالكي، بينما اعترض عليه القاضي إسماعيل ورجح تقديم البينة التي تحققت عدالة شهودها، وإن استويتا في العدالة طرحتا معا وسقطتا. وعلل ابن عبد البر هذا الرأي ورجحه بأنه في مسألة الدماء لا ينبغي أن يقدم عليها إلا بيقين. وهذا الأمر معروف في القوانين الجنائية الحديثة من أن العقوبات ينبغي أن يحتاط فيها وأن يفسر الشك لصالح المتهم.

- انظر : العسري، م.س، ج 2، ص 512-513.

[50]   - انظر : محمد القدوري، م.س،  ص 264.

[51] - القدوري، م.س، ص 264.

[52] - الذين أقروا قاعدة تقديم الإثبات على النفي وأصلوا لها، وذكر منهم الهواري عددا كبيرا ممن شرحوا مختصر خليل والتحفة لابن عاصم.

[53] - القدوري، م.س، ص 264.

[54] - انظر : - أحمد بن إدريس القرافي، كتاب الفروق المسمى: أنوار البروق في أنواء الفروق، دراسة وتحقيق مركز الدراسات الفقهية والاقتصادية، دار السلام، القاهرة، الطبعة الأولى 2001، ص 1193.  في الفرق رقم 227.

- ابن فرحون، التبصرة، م.س، ج 2، ص 15.

[55] - أي لا يكون النفي لا معلوما بالضرورة ولا بالظن القريب منها.

[56] - أي جرى العمل على قول ابن القاسم المستفاد منه أن شهادة النفي قد تكون فيما طريقه الظن الغالب.

[57] - للاطلاع على ذلك، انظر : العسري، م س، ج 2، ص 516-519.

[58] - انظر : القدوري، م س،ص 264.

[59] - في هذا السياق يذكر اختلاف الفقه والقضاء حول ترجيح الشهادة الطبية على لفظ الأتمية أو العكس.

[60] - انظر : العسري، م س، 2/520.

[61] - جعيط، الطريقة المرضية، م س، ص 71/72.

[62] - ومن الفقهاء من يجعل هذا المرجح تحت اسم "ترجيح البينة الكاملة على الناقصة"، فيدرج فيه تقديم الشاهدين على الشاهد واليمين، وتقديم شهادة العدلين على شهادة العدل مع المرأتين. وقد سبق أن رأينا ذلك في المرجح المتعلق بزيادة العدالة.

- انظر : العسري، م.س، ج 2، ص 520-521.

[63] - انظر : العسري، م.س، ج 2، ص 521.

[64] - عبد السلام العسري، م س، ج 2، ص 521-522.

[65] - انظر : العسري، م س، ص 522.

[66] -  قرار عدد 84 بتاريخ 4 يناير 1985  في الملف المدني عدد 97348، منشور بمجلة  قضاء المجلس الأعلى، عدد 41  السنة 1988، ص 45.

وقد أكد المجلس الأعلى سابقا هذه القاعدة التي تقضي بأن العبرة في قدم التاريخ هي بالمدة المشهود بها للحائز وليس تاريخ تحرير الشهادة، في قراره عدد 4934 بتاريخ 20/12/2000 في الملف المدني عدد 540/1/1/98، انظر : - اغزيول وآخرون، الدليل العملي للعقار غير المحفظ، م س، ص 74.

[67] - في الفروق، م س، ج 4، ص 1194. الفرق 228 : بين قاعدة ما يقع به الترجيح بين البينات عند التعارض وقاعدة ما لا يقع به الترجيح.

[68] - أي زيادة العدالة.

[69] - انظر : أحمد الونشريسي، المنهج الفائق والمنهل الرائق والمعنى اللائق بآداب الموثق وأحكام الوثائق، دراسة وتحقيق لطيفة الحسني، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، 1997، ص 433.

عن الكاتب

محمد الكويط

التعليقات

  1. مقال فخم عميق التحليل
    فقط استفسار استاذي بخصوص السبب السادس للترجيح حبذا لو يتم توضيحه أكثر.. لم أتمكن من استيعابه و شكرا

    ردحذف
  2. السلام عليكم . أشكرك على ما تقدمت به من تقدير لهذا المقال. وأدعو الله أن يوصلك إلى مبلغ طموحك على مسارات العلم والبحث والدراسة والمهنة. وأنا سعيد جدا بالملاحظات التي تأتيني من السيدات العدلات والسادة العدول. وبخصوص وصفك للمقال بأنه فخم وعميق التحليل فأنا أعتبر ذلك من حلاوة شمائلكم وكريم طبعكم ، وأن المقصود به هو التشجيع لشخص خامل مثلي ، وإلا فإن الفخامة وعمق التحليل يحتلان مرتبة لست –حاليا- في مستوى الوصول إليها. وفي كل الأحوال فإني أتمنى أن أكون دائما عند حسن ظنكم.
    أما الجواب على تساؤلكم بخصوص المرجح السادس ، فأقول بخصوصه - راجيا من الله التوفيق- بأن معنى الأصالة التي ترجح على ضدها ، هو ما يتم ذكره عادة عندما نقول : "الأصل في كذا هو كذا وكذا" ، ومثاله ما نقول من أن "الأصل في الماء الطهارة" ، "الأصل في العدل أنه صادق في حديثه" ، "الأصل في الإنسان أنه رشيد" ، "الأصل في الإنسان أنه عاقل" ، فنحن نبني مبدئيا على الأصل ونرجحه في الأحوال العادية على ضده (الذي يسمى بالفرع) . والاستثناء يرد على هذه القاعدة عندما يحدث دليل يجعلنا نعرض عن الأصل ونرجح عليه الفرع . وهذا سبب وجود ما يعرف بالاستحسان في أصول الفقه ، فهو مصدر يجعلنا نعرض عن اتباع الأصل ونذهب إلى الفرع لوجود دليل وقرائن وأمارات قوية ترجح هذا الفرع. مثلا رجل وامرأة متزوجان ولهما ابن ، فمن المفروض أن الابن ابنه ما دام قد ولد بين ستة أشهر وسنة من تاريخ العقد ، ومهما ادعى الأب غير ذلك فإنه لا يصدق ، لأنه يدعي أمرا فرعيا ولا يمكن إعدام الأصل بالفرع. نعم ، لو ثبت هذا الفرع بالدليل فإنه هو نفسه في هذه الحالة يصبح أصلا ينبغي الركون إليه ، وما كان أصلا يصبح فرعا . ففي مثل هذه الحالة قد يكون الدليل الذي يوجب العدول عن الأصل (ثبوت النسب لصاحب الفراش) إلى الفرع (أو ضد الأصالة) (عدم ثبوت النسب لصاحب الفراش) قلت قد يكون الدليل هو كون الأب مسافرا خلال مدة الحمل ، أو وجود تقرير طبي مؤكد يثبت عدم قدرته على الإنجاب.

    ردحذف
  3. ووسائل الإثبات في القانون تبنى على هذه القاعدة ، ويمكن أن نشبه الأمر في هذا السياق بلعبة المضرب ، إذ أن كل لاعب يحاول أن يبعد الكرة عنه في اتجاه خصمه ، ولذلك فإن الأصل في الإنسان هو البراءة ، فالبراءة تعد قرينة في صالح المدعى عليه ، فهي نفسها أصل ودليل ولا يحتاج معه إلى دليل آخر ، ولذلك لا يكلف المدعى عليه بالإثبات ، فيكفيه أن يتمسك بالأصل (أي القرينة التي تصاحب هذا المدعى عليه ) ، ولو استطاع المدعي (المكلف أصلا بالإثبات لأنه يدعي خلاف الأصل) أن يثبت خلاف هذا الأصل فإن القرينة في هذه الحالة تصبح في جانب المدعي الأصلي فلا يبقى مكلفا بالإثبات لأن الإثبات ينتقل إلى خصمه الذي يأخذ وضعية جديدة (وضعية مدعي لا مدعى عليه) فيصبح هو نفسه مكلفا بالإثبات ، وعندما يثبت ما يدحض به حجة خصمه ينتقل عبء الإثبات مرة أخرى إلى المدعي الأصلي ، وهكذا ، كل واحد منهما يحاول أن يبقي الأصل (القرينة) إلى جانبه وينقل عبء الإثبات إلى خصمه. فالأمر يشبه كرة المضرب (التنس) كما قلنا.
    وعندما يأتي أي دليل يجعلنا نعرض عن الأصل ونذهب إلى الفرع ، فمعنى ذلك أننا ننتقل من الحالة المصاحبة (أي حالة الأصالة) إلى ضدها (حالة الانتقال عن الأصل) وبذلك ننتقل إلى تطبيق قاعدة أخرى هي "ترجيح النقل على الاستصحاب" .
    لكن هذه القواعد عرفت سجالات كبيرة بين فقهاء الشريعة والقانون ، ولا توجد قاعدة ثابتة جامدة ، بل لا بد من التعامل مع هذه القواعد بنوع من المرونة (أقول المرونة وليس الميوعة) ، فقط ينبغي مراعاة الأحوال والظروف والأدلة والقرائن التي تجعلنا إما نعتبر الشيء أصلا فنقدمه على ضده (الفرع) أو تجعلنا ننظر إليه على أنه ناقل فنرجحه على الحالة المصاحبة (ترجيح النقل على الاستصحاب). لنختم بمثال يوضح التقاء القاعدتين معا:
    لدينا شخص مسلم ، الأصل فيه هو الجرحة وليست العدالة. (هنا إن ادعى هذا الشخص حقا على آخر فإننا نطالبه بالدليل لأن الأصل فيه هو الجرحة (ليس عدلا ، فقد يكذب أو يدعي ما ليس له ) . (هنا طبقنا في حقه قاعدة الأصالة مقدمة على ضدها). ومن جهة أخرى فهو يدعي حقا ضد شخص آخر من المفروض أنه برئ (قرينة البراءة / البراءة هي الأصل) (هنا أيضا طبقنا نفس القاعدة).
    لكن ماذا لو أن هذا الشخص توفرت فيه ملكة العدالة ؟ ماذا لو كان عدلا؟ هنا ننظر إلى هذا الشخص منفصلا عن الأشخاص العاديين، فهذا العدل انتقل من الحالة المصاحبة (الجرحة) إلى العدالة (تطبيق قاعدة ترجيح النقل على الاستصحاب) ،وهذا الانتقال لم يكن إلا لوجود أدلة وقرائن . وهذا الشخص يصبح الأصل فيه هو الصدق والعدالة (خلافا للباقين) فإذا ما شهد ضد شخص فإننا نعتبر الأصل فيه هو الصدق (تطبيق قاعدة ترجيح الأصالة) ونعتبر أن قرينة البراءة لم تعد مصاحبة للمشهود ضده (تطبيق قاعدة ترجيح النقل على الاستصحاب).
    المسألة ليست خاضعة لقواعد صارمة لا تتغير ، بل هي تشبه ما يفعله الأصوليون وفقهاء القانون ، فأحيانا تجد أن أحدهم ينكر دليلا معينا لكنه يتبنى دليلا آخر يصل به إلى نفس النتيجة التي يصل إليها مخالفه بواسطة دليل آخر.
    أرجو أن يكون في هذا الجواب ما يوضح المقصود ، وإن كانت هذه المسألة شائكة تحتاج إلى أبحاث مستفيضة .
    وأعتذر عن الإطالة . وأنا في الخدمة . وشكرا. والسلام.

    ردحذف
  4. انا التي علي الإعتذار فقد كبدتك عناء الكتابة و أخذت من وقتك الكثير.
    شكرا استاذي الشرح واضح جدا و إضافة أخرى قيمة ..أحييك على سعة صدرك و على روحك الطيبة و سعيك المبارك الى نشر العلم ..مودتي و تقديري بارك الله فيك

    ردحذف
  5. شكرا على الكلام الطيب . بارك الله فيك.

    ردحذف
  6. ماشاءالله ..
    هذا المقال يعتبر ورقة بحثية أستوعبت شتات المسألة
    نفع الله بكم

    ردحذف


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

آخر مشاركة

الصبغة الرسمية للوثائق العدلية (الجزء السابع) - بينة التوثيق والحقوق

تابع المدونة من هنا

جميع الحقوق محفوظة

بينة التوثيق والحقوق

2025