بينة التوثيق والحقوق بينة التوثيق والحقوق
random

آخر الأخبار

random
random
جاري التحميل ...

بطلان الشهادة العدلية - بينة التوثيق والحقوق


                                بطلان الشهادة العدلية 

 


قد تكون الشهادة العدلية تامة الأركان عند التلقي، لكن يرد عليها بعد ذلك مانع لا يفسدها في ذاتها، ولكنه يجعلها غير عاملة، وغالبا ما يتجلى هذا المانع –بحسب الحال أو المآل- في عدم الخطاب على الشهادة، بسبب امتناع القاضي عنه –مصيبا أو مخطئا-، أو بسبب آخر غير الامتناع، مثل عدم الإدلاء بالشهادة –أصلا- للخطاب لكونها ظلت عالقة بمذكرة الحفظ أو موقوفة بمصلحة التسجيل المالي.

وبعكس المانع الذي لا يفسد الشهادة العدلية في ذاتها وإنما يعطلها عن العمل مطلقا أو نسبيا، أو يجعلها تعمل باعتبار آخر غير كونها شهادة رسمية، فقد يعتري الشهادة العدلية عارض لا يتم اكتشافه –في العادة- إلا بعد صيرورة الوثيقة تامة، فيفسدها ويجعلها في حكم العدم _بحسب الأصل_. وعوارض الشهادة هي البطلان والرجوع عن الشهادة.

فأما الرجوع عن الشهادة فقد خصصنا له مقالا آخر في هذه المدونة؛ وأما البطلان فهو يرد على الأركان الموضوعية للتصرفات فتكون الشهادة المنصبة على موضوع التصرف باطلة بسبب وجود العارض وهو عدم اكتمال الأركان، ويرد البطلان على الكتابة كشكلية لازمة لإجراء بعض التصرفات خاصة ما تعلق منها بالعقار، فتكون الشهادة باطلة إذا وجد العارض، وهو عدم وجود الكتابة أو وجودها في صفة لا يقرها القانون أو إنجازها من قبل جهة غير مؤهلة تشريعيا.

غير أن الذي ينبغي أن نركز عليه هنا فهو بطلان الشهادة من جهة كونها شهادة، وليس من جانب صدورها في شكل وثيقة ولا من جانب الأركان الموضوعية التي تنصب عليها.

ذلك أن الشهادة تعد أهم ركن في الوثيقة العدلية؛ فإذا ما تخلف هذا الركن أو اختلت شروطه بطل الالتزام بقوة القانون لنقصان ركنه الأساسي،[1]  فلا يمكن بعد هذا البطلان المطلق أن ينتج أي أثر عن الشهادة،[2] إلا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا للالتزام الوارد بها.[3] 

وإذا ما ثبتت إحدى أسباب بطلان الشهادة _من الناحية التوثيقية الصرفة_ حسبما قرره الفقهاء المالكية وغيرهم؛ فينبغي لقاضي الموضوع بعد أن يتأكد من هذه الأسباب ومن شروطها أن يحكم ببطلان الشهادة العدلية؛ حتى لو لم يطلب الأطراف ذلك، لأن البطلان –بعكس الإبطال- يعتبر من النظام العام.

وهذه الأسباب منها ما يتضمن صورا أخرى غير ما نذكره في مقالنا، ومنها ما يمكن ذكره تحت سبب آخر  بسطناه هنا في هذا المقال، ومنها ما لم يعد له أثر في المجال العملي.[4] ومنها ما يتضمن صورا صالحة للتطبيق في وقتنا وصورا غير صالحة لذلك. ويمكن أن تجتمع أسباب البطلان – من الناحية الصرفة للتوثيق- في عاملين؛ يتعلق أولهما بالأسباب المرتبطة بوصف الشهود، ويتعلق الثاني بالأسباب الراجعة إلى التناقض في الشهادة . 

فأما العامل الثاني المتعلق بالتناقض، فقد نخصص له مقالا آخر –إن شاء الله-، وأما العامل الأول، وهو موضوع الدراسة في هذا المقال، فمؤدى القول فيه أن الشهادة العدلية قد تثبت بالخطاب عليها، ولكن يتم ردها بسبب يتصل بشهودها، فلا تقبل الشهادة لهذا السبب؛ إما بصفة مطلقة لوجود ما يخل بوصف العدالة والمروءة، وإما بصفة نسبية لا أثر معها للسبب في وصف العدالة والمروءة، وإنما ترجع إلى اتهام يوجه للشاهد أو الشهادة فيضعف الثقة في مضمونها والتشكيك فيها.

ولما كان رد الشهادة لعدم وجود شرط العدالة ليس له كبير أثر في ما يجري عليه العمل التوثيقي اليوم، لأن من المستبعد أن ينظر القضاء في شهادة عدلية لم يكتبها شاهداها إلا بعد أن أسقطا من خطة العدالة، فضلا عن أن شهود اللفيف لا يتم تجريحهم بالفسق،[5] وإنما ينظر فيهم لستر الحال فقط، فإننا لن نتناول سبب البطلان المتمثل في تجريح الشهود بما يخالف العدالة والمروءة .

وعليه فسنقتصر هنا على ذكر السبب النسبي الموجب للبطلان[6] من خلال شقين هما الاستبعاد والاسترابة (أولا)، ثم تجريح الشهود (ثانيا).

  

أولا- بطلان الشهادة العدلية بسبب الاستبعاد والاسترابة.

 من المقرر فقها أن الحكم بشهادة الشاهد ليس آليا، بمعنى أنه إذا شهد الشهود حكم القاضي بشهادتهم بدون بحث ولا تحقيق، بل للقاضي واسع النظر في بحث الشهود والشهادة، فإن تقوى عنده صدق الشهادة ومطابقتها للدعوى حكم بها، وإن حصل له ارتياب أو استبعاد في شهادة الشهود توقف عن الحكم بها وله أن يطلب أدلة أخرى.[7]

والأمور التي تحدث الاستبعاد في صحة وقوع ما شهد به الشاهد أو تحدث الاسترابة في نفس القاضي غير محصورة في أمور معينة، وإنما يعتمد في إدراكها على خبرة القاضي وفطنته أو على خبرة أطراف القضية.

والفقهاء تعرضوا لبعض الأمور التي يترتب عنها حصول الاستبعاد في صدق الشهادة أو حصول الاسترابة والشك للقاضي في تحقق مدلولها.

 ومن أمثلة ما يقع به الاستبعاد؛ شهادة البدوي على القروي،[8] فلقد ورد فيها النص عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث روي عنه أنه قال: "لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية".[9] 

والبدوي: هو الذي يسكن البادية في المضارب والخيام، ولا يقيم في موضع خاص، بل يرحل من مكان إلى مكان، وصاحب القرية هو الذي يسكن القرى، وهي المصر الجامع؛[10] وهذا التفسير لا ينطبق إلا على سكان الصحراء في القديم، أما اليوم فان السكان قد استقروا وتجمعوا إما في المدن وإما في المراكز والمداشر.[11]

وذهب الجمهور إلى العمل بهذا الحديث منهم مالك وأحمد، وحملوا هذا الحديث على من لم تعرف عدالته من أهل البدو لتفرقهم منفردين في الخيام.[12]

 وهذا التوجيه من الجمهور لمصطلح البدوي رجحه الفقيه الشوكاني بقوله: "وهذا حمل مناسب، لأن البدوي إذا كان معروف العدالة كان رد شهادته لعلة كونه بدويا غير مناسب لقواعد الشريعة، لأن المساكن لا تأثير لها في الرد والقبول، لعدم صحة جعل ذلك مناطا شرعيا، ولعدم انضباطه، فالمناط:[13] هو العدالة الشرعية، إن وجد للشرع اصطلاح في العدالة، وإلا توجه الحمل على العدالة اللغوية، فعند وجود العدالة يوجد القبول، وعند عدمها يعدم، ولم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم المنع من شهادة البدوي إلا لكونه مظنة لعدم القيام بما تحتاج إليه العدالة، وإلا فقد قبل صلى الله عليه وسلم في الهلال شهادة البدوي".[14]

كما علل الإمام أحمد عدم قبول شهادة البدوي على القروي، بأن البدوي فيه جفاء في الدين وجهالة بأحكام الشرع، ولأنه في الغالب لا يضبط  الشهادة على وجهها، ولا يقيمها على حقها.[15]

وأول الإمام مالك الحديث المذكور على أن المراد به الشهادة في الحقوق والأموال، ولم يرد الشهادة في الدماء وما في معناها، مما يطلب فيه الخلوات، يعني أن رد شهادة  البدوي على القروي ، إنما تكون في العقود والالتزامات، لا في الوقائع، لأن إنشاء العقود والالتزامات، يكون في الغالب اختياريا، وبعد استعداد واتفاق، يمكن إحضار الشهود لها، أما الوقائع فتكون اضطرارية، وتحدث في أماكن قد لا يوجد فيها الشهود مطلقا، فضلا عن الشهود الحضريين.[16] 

 ويعتبر الفقهاء المالكية أن ذكر البدوي والقروي هو مجرد تمثيل للاستبعاد والغرابة، فلا يقتصر الحكم عليه، بل يمكن تعديته لكل حالة فيها استبعاد وغرابة، ولو لم تكن بين البدوي والقروي، ولذلك أضافوا للمثال المضروب في الحديث قيودا تجعله يفيد الاستبعاد فلا فرق بين البدوي والحضري إذا لم يكن هناك استبعاد وغرابة؛[17] والقيود التي أضافوها هي أن يكون كل من المشهود له والمشهود عليه حضريا وأن يتحمل البدوي هذه الشهادة في الحضر وأن يكون موضوع الشهادة مالا؛[18] أي أن يكون ضمن التصرفات لا ضمن الوقائع.

ورأى المالكية أن "الإخلال بهذه القيود، بأن يشهد البدوي على حضريين في الحاضرة وفي موضوع يتعلق بالعقود والأموال[19] فيه استبعاد، لأنه كيف يترك إشهاد أهل الحاضرة في مثل هذا الموضوع وهم متوفرون بكثرة وعالمون بكيفية تحمل الشهادة وأدائها وتجاوزهم إلي إشهاد أهل البادية وهم قليلون في القرى والمدن، بل قد يكونون غير متواجدين فيهما، فهذا أمر غريب وبعيد.

ولكن إذا كان المشهود له والمشهود عليه بدويان، أو مكان الإشهاد في البادية، أو موضوع الشهادة واقعة مادية، فهنا لا غرابة ولا استبعاد في إشهاد البدوي، لأنهم متواجدون بكثرة هناك، ويصعب إحضار القروي للإشهاد".[20]

وقد أصبح من النادر في وقتنا أن نجد البدو على الصفة التي ذكرها الفقهاء، ومع ذلك فإن القضاء عندنا قام بالقياس _ أحيانا_ على هذه الحالة ومنع قبول شهادة اللفيف كلما ثبت له أن الشهود يسكنون في مدينة ما والمشهود له أو عليه يسكن في مدينة أخرى، أو أن الشهود شهدوا في واقعة يرى القضاء –في جانب منه- أن تلك الواقعة لا يصلح لها شهادة اللفيف؛ أو أن اللفيف شهدوا فيما لا يصح فيه إلا إشهاد العدول المنتصبين كالشهادات الأصلية في التصرفات العقارية. 

ومن ذلك أن محكمة النقض نقضت بموجب قرار[21] لها قرارا استئنافيا استبعد شهادة اللفيف المدلى بها من قبل الطاعنين لدحض رسم صدقة طعن فيه الطالبون بصدوره من شخص فاقد الأهلية بسبب اختلاله العقلي بعلة أن حالة الاختلال العقلي يمكن إثباتها بطرق طبية وعلمية حديثة دون اللجوء إلى اللفيف. كما أكدت أن شهادة اللفيف لا يلجأ إليها فيما يخص المعاملات إلا عندما تدعو إليها الضرورة التي يجب بيانها. [22]  والملاحظ أنه غالبا ما يتم الخلط بين الاسترابة والاستبعاد في العمل القضائي، وذلك بسبب التداخل بين مفهومي هذين اللفظين؛ إذ أن الأثر المترتب عن الريبة هو الاستبعاد .

وقد حصل نفس الخلط لبعض الفقه[23] المعاصر عندما ذكر بأن "تهمة الريبة في الشهادات العدلية...يمكن تصورها اليوم في عدة حالات، أهمها ترك المشهود له العدول ذوي الاختصاص المكاني وإشهاد آخرين ليسوا مختصين محليا وخاصة في المجال العقاري؛ أو تنقل هؤلاء إلى دوائر قضائية غير الدوائر المعينين فيها...". 

لكن الفقهاء جعلوا بين المصطلحين فرقا دقيقا؛ ذلك أنه "إذا كان الاستبعاد يترتب عن أمور غريبة مخالفة للمعتاد كإشهاد البدوي على الحضري في الحضر وترك الحضري وكإشهاد السؤال أو المتسولين[24] وترك غيرهم، فإن الاسترابة أعم من الاستبعاد، لأنها قد تترتب عن أمور غير مستبعدة ولكنها تثير الريبة والشك في نفس القاضي".[25]

ومن أوجه الاسترابة أن تتضمن الوثيقة محوا أو بشرا أو تنبهم بها بعض الأسماء لحد لا يمكن معه قراءة مواضيعها. وبصفة عامة كل ما يحدث في نفس القاضي شكا وتوهما يعد استرابة تسقط الشهادة وتبطلها.

  وقد وجه سؤال للشيخ محمد بن أبي القاسم السجلماسي حول استرابة القاضي في شهادة الشهود؛ فأجاب: إن استرابة القاضي في شهادة الشاهد توجب له ردها وتمنع من الحكم بها، والمرجع في ذلك إلى ما في نفسه، واستدل بما ورد عن ابن عرفة أنه قال: كنت عند الشيخ ابن عبد السلام فدخل عليه عدل من عدول تونس رفع له على خط فقال له: هل أدركت صاحبه، فقال: لا، ولم يعمل برفعه، فلما خرج العدل، قال القاضي : يصح للإنسان أن يشهد على خط من لم يدركه بسنه إذا تكرر له إخباره به، وإنما لم نجز شهادة  هذا العدل على الخط، لأني توهمت أنه لا يميز الخطوط.

وعلق السجلماسي على هذا فقال: انظر كيف رد شهادة الشاهد العدل لأجل الريبة التي حصلت له فيها بما توهمه فيه، فمجرد الاسترابة كاف في رد الشهادة.[26]

ولضبط هذا التداخل بين اللفظين نرى أن الاستبعاد يتعلق بكل أمر خارجي يثير الغرابة، وأن الريبة تتعلق بكل أمر داخلي –بالنفس- يثير الشك والتوهم، وينبغي النظر إلى هذين اللفظين دائما مجتمعين حتى لا يتم إسقاط الشهادات بسهولة؛ ولا عبرة بعد ذلك بمسألة البدوي أو السائل، فكل أمر يثير الغرابة – من الناحية الخارجية- والوهم والشك- من الناحية النفسية- يصلح لأن يسقط الشهادة، فلا بد من النظر لهذين المصطلحين كوجهين لعملة واحدة؛ فمثلا قد يشهد شهود اللفيف على واقعة حصلت في مدينة غير التي يسكنون فيها، فلا ينبغي المسارعة إلى إسقاط شهادتهم بمجرد الاعتماد على عنصر الاستبعاد، بل لا بد أن تتحقق شروط إعمال هذا الاستبعاد أولا وأن تحدث ريبة وشك ووهم في نفس القاضي، ويكون ذلك عبر إعمال القرائن كأن يكتشف القاضي بأنه لا توجد معرفة سابقة بين المشهود له والشهود، أو أن يثبت له أن الشهادة تتضمن إجمالا فيما لا يصح فيه إلا التفصيل وهكذا؛ فالعبرة باجتماع القرائن والأدلة التي تقوي عنصر الريبة أو عنصر الاستبعاد.

وقد يدخل في الاستبعاد جملة من الأمور الآلية التي تسقط الشهادة مباشرة دون انتظار اجتماع الاستبعاد مع الريبة والقرائن، ومن ذلك أن تكتب الشهادة من عدلين لا ينعقد لهما الاختصاص، أو أن تكتب في شأن تصرف لا يدخل في دائرة المعاملات، أو بدون استحضار وثيقة يرتب القانون البطلان على عدم الإدلاء بها، وغير هذه الأمور. لكننا هنا إنما تكلمنا عن الاستبعاد بمعنى خاص لا يتحقق إلا بأمور معينة أو ما يمكن أن يقاس عليها مما هو قريب منها.

ومما يستدعي الريبة في الشهادة – بطريقة آلية- ويسهل الاعتماد عليها كسبب لإسقاط الشهادة ، أن يكذب الشهادة الحس والتواتر؛ إذ يجب أن تكون بيانات الشاهد غير متعارضة مع ما هو محسوس، فإن كذبها الحس فلا تقبل، ولا يجوز أن يبنى عليها القضاء، وذلك لأن الحس يفيد علما قطعيا، والشهادة تفيد خبرا ظنيا، والظني لا يعارض القطعي، ومثل المحسوس التواتر، فتكذيب الحس والتواتر يؤدي إلى اتهام الشاهد في شهادته بعدم تأكده وعلمه الصحيح بالمشهود به.

والسبب في أن البينة لا تقبل إذا كان مضمونها يخالف المحسوس، أن البينة هي عبارة عن الخبر الصادق، وإذا كانت مخالفة للمحسوس فتعتبر خبرا كاذبا، والأمر المحسوس هو الذي يدرك بالحواس الخمس.

 وعليه إذا أقيمت البينة على موت شخص وحياته مشاهدة وعلى خراب دار وهي قائمة يشهد العيان بعمارتها، فلا تقبل ولا تعتبر.[27] 

وقد ورد في القضاء المصري ما يدل على ذلك، حيث جاء في أحد القرارات أن "الشهادة كطريق من طرق الإثبات في فقه الحنفية تعد تعبيرا عن الواقع وتأكيدا لثبوته دون أن تقلب الحق باطلا، أو تحيل الباطل حقا، فإن شرطها أن تكون مطابقة للوقائع المادية، فلا تكذبها الأمور المحسوسة أو تخرج عن تلك الحقائق الثابتة، فإن كذبها الحس فلا تقبل ولا يجوز أن يبنى عليها قضاء، اعتبارا بأن الحس يفيد علما قطعيا، والشهادة تفيد خبرا ظنيا والظني لا يعارض القطعي".[28] 

وكذلك لا تقبل البينة التي أقيمت على خلاف التواتر؛ لأن التواتر يفيد علم اليقين، فالبينة التي تقام على خلافه، تستوجب رد الشيء الثابت بالضرورة واليقين، وبما أن الضروريات اليقينيات لا ترد، ولا تقبل الشك ،فتكون هذه البينة كذبا محضا كالبينة التي تقام على خلاف المحسوس.[29]

 

 ثانيا- بطلان الشهادة العدلية بسبب تجريح الشهود.

 قال الصنهاجي: "اعلم أن العدل يجرح إما بفعله القبيح كشرب الخمر أو ترك الصلاة وكل ما يخل بالمروءة، وإما بالعداوة الدنيوية التي بينه وبين المشهود عليه، وإما بالملاطفة التي بينه وبين المشهود له أو بالقرابة الأكيدة الثابتة بينهما. وأما الواحد من لفيف الناس فيجرح بالعداوة أو بالقرابة أو الملاطفة، ولا يجرح بمسقط العدالة لأن اللفيف مدخول فيهم على عدم العدالة، نعم لا بد فيهم من ستر الحال، فيجرحون بالكذب والمجاهرة بالمعصية إلا إذا عمت أهل البلد".[30] 

وقد نص الفصل 79 من قانون المسطرة المدنية في فقرته الثانية على أنه "يمكن تجريح الشهود لعدم أهليتهم لأداء الشهادة أو للقرابة القريبة أو لأي سبب خطير آخر".

وبذلك يتبين أن أسباب التجريح متعددة وأنها ترتد إلى كل ما يشكل تهمة للشاهد تمنع من قبول شهادته . ولذلك سنركز على أهم سببين في التجريح يجري بهما العمل حاليا هما التجريح بالعداوة والتجريح بالقرابة .

  1-التجريح بالعداوة.

اختلف الفقهاء في عنصر العداوة هل يعد سببا يمنع من قبول الشهادة أم لا؟ فذهب مالك والشافعي والجمهور إلى أن شهادة العدو على عدوه لا تقبل، أما الشهادة لصالح العدو فتقبل لعدم التهمة.

واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: ‌"لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمر على أخيه، ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت".[31]

ومحل الدليل في هذا الحديث هو قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا ذي غمر على أخيه". والغمر هو الشحناء والحقد والعداوة.[32]

وخالف الجمهور أبو حنيفة وذهب إلى أن العداوة لا تمنع الشهادة، لأنها لا تخل بالعدالة، وانتصر الشوكاني لمذهب الجمهور قائلا: "الحق عدم قبول شهادة العدو على عدوه لقيام الدليل على ذلك، والأدلة لا تعارض بمحض الرأي".[33] 

غير أن العداوة المانعة من قبول الشهادة هنا هي تلك العداوة التي تكون لسبب من أسباب الدنيا كالمنازعة في مال وجاه، أو ما في معنى ذلك، وهي التي تظهر التعصب وتحمل على الفرح عند إذاية العدو؛ أما العداوة الدينية فلا تمنع من قبول الشهادة، لأن الدين لا يدفع صاحبه إلى شهادة الزور على المخالف في الدين.[34]

وفي المذهب المالكي أن الإفراط في العداوة الدينية إلى درجة الرغبة في إضرار العدو الديني توجب التوقف عن قبول الشهادة، لأن العداوة هنا خرجت عن العداوة الدينية إلى العداوة الدنيوية؛ وكذلك العداوة بسبب الفسق التي تؤدي إلى رغبة الفاسق في الإضرار بمن هجره لفسقه.[35]

واختلف الفقه المالكي، هل يجب على الشاهد أن يخبر القاضي بعداوته للمشهود عليه إذا طلب للشهادة؟

ففي رواية عيسى عن ابن القاسم أنه يجب على الشاهد أن يخبر القاضي بعداوته للمشهود عليه، ويبين نوع العداوة لاحتمال أن لا تكون قادحة إذا فسرت ولتسلم من التدليس؛[36] ويؤيده ما روي عن سحنون في هذه المسألة أنه قال: "وكل من يعلم أن الإمام لا يقبل شهادته، لجرحة فيه أو لعداوة بينه وبين المشهود عليه أو لغير ذلك مما ترد به شهادته، فلا يلزمه أن يشهد، فإن شهد فليخبر الحاكم أنه عدو للمشهود عليه، أو قريب للمشهود له".[37]

وروي عن ابن رشد أنه قال: "أصح القولين ترك الإخبار بالعداوة ليلا يبطل حقا يعلم صحته".[38] 

واختلف فيمن كانت عنده شهادة وكان يذكرها، ثم عاداه المشهود عليه فاحتيج إلى القيام بالشهادة؛ فذكر اللخمي أن "قبولها هنا أخف، إذا كانت قد قيدت".[39]

وهذا الرأي مبني على أن التهمة إذا حدثت بعد كتابة الشاهد لشهادته أو أدائها، وما زال القاضي لم يحكم بها، فإن التهمة غير مؤثرة، كما لو شهد رجل لامرأة أجنبية عنه بحق، ولم يحكم بشهادته حتى تزوجها، فلا تبطل شهادته، إلا أن يثبت أنه كان خطبها قبل ذلك.[40]

وإذا شهد العدو ضد عدوه ولصالحه معا، فإن أدى الشهادتين معا في مجلس واحد سقطتا معا، لأنه يتهم أنه إنما شهد لصالح عدوه لكي تقبل شهادته ضده، أما إذا شهد العدو ضد عدوه في وقت، وشهد لصالحه في وقت آخر، فإن الشهادة لصالحه تقبل، أما التي ضده فلا تقبل.[41]

والذي نراه بخصوص العداوة فيما يرتبط بتوثيق التصرفات يرجع إلى نقطتين تتعلق إحداهما بمدى جواز تحري العدلين عن هذا العنصر قبل تقييد شهادة الشهود، وتتعلق الثانية بمدى إمكانية إثبات العداوة عن طريق شهادة الاسترعاء.

فبخصوص النقطة الأولى المتعلقة بتحري العدلين عن وجود عنصر العداوة، فمن المفروض في نظرنا – حسبما ذكرنا في مقال اللفيف ومقال الاستفسار بهذه المدونة- أن لا تتضمن الشهادة العدلية أي بيان عن المشهود عليه أو ضده؛ ولذلك إذا كان أحد الشهود عدوا لمن يتوقع أن يكون خصما للمشهود له، وأخبر العدلين بذلك، فإن العدلين ليس واجبا عليهما أن يتوقفا عن تقييد شهادة هذا الشخص، ما دام أن المستفاد منها في مجلس الشهادة أنها ليست ضد أحد.

كما أنه لا ينبغي الاعتداد بما ذكره أحد الشهود من عداوته للمشهود عليه المتوقع لأن العدلين يبنيان على الأصل الذي يقضي بأن المسلم محرم عليه أن يعادي المسلم، وأنه لا ينبغي عليهما أن يتهاجرا فوق ثلاثة أيام.[42] ثم إن العداوة التي ذكرها الشاهد بمحضر العدلين قد لا تكون قادحة.

 ومع ذلك ينبغي للعدلين أن يبينا للمشهود له أضرار الاعتماد على شهادة شاهد يعادي خصمه، فقد ترد هذه الشهادة من قبل القضاء؛ وأن ينصحانه بإحضار شاهد آخر .

ولا ينبغي أن تختلط العداوة بالخصومة، فقد يكون بين شخصين خصومة دون أن يكونا عدوين، ولذلك فالشاهد إذا شهد لفائدة شخص وضد خصمه، فينبغي أن ينظر إليه على أنه شخص محايد يقول ما رآه أو سمعه دون أن يعني ذلك أنه يعادي خصم المشهود له؛ ولذلك فإن ضبط مسألة العداوة يحتاج إلى تدقيق كبير؛ وهذا الأمر لا يتعلق بعمل العدول، إلا من باب النصح؛ فهو عمل المحكمة؛ وهو سبب آخر ينبغي أن يكون من موجبات استفسار  الشهود.

وبخصوص النقطة الثانية المتعلقة بإمكانية إثبات العداوة بواسطة شهود اللفيف، فنحن لا نرى ذلك لما سبق أن ذكرناه مرارا من أن الشهادة لا ينبغي أن يرد فيها ذكر المشهود عليه؛ لكن يمكن أن يتم ذلك من باب شهادة التلقية التي لا تصل إلى رتبة اللفيف، على أن يكون الشهود عالمين بما ينتظرهم من إعادة الاستماع إليهم أمام المحكمة واستفسارهم، لأن التلقية ينبغي أن يتعامل معها كشهادة شهود عادية تجري عليها قواعد المسطرة المدنية، وإن كنا نرى أنه لا ينبغي الإضرار بالشاهد في كل الأحوال.

وإن قيل ما الهدف من كتابة التلقية والحال أنه يمكن للشهود أن يتم استحضارهم –رأسا- إلى المحكمة للشهادة؟ فنقول بأن الهدف من التلقية هو حصر الشهود ومعرفتهم إلى أن يتم استدعاؤهم للاستفسار. فقط عليهم أن يكونوا على بينة من أن شهادتهم هي شهادة تلقية وليست شهادة لفيف، حتى لو كان نصاب الشهود يساوي النصاب المطلوب لشهادة اللفيف.[43]  

ومن باب الاستئناس بما كان يكتبه الموثقون في إثبات العداوة بواسطة الشهادة العلمية أو اللفيفية، فإننا سنذكر ما نقله عنهم أحد الفقهاء[44] عن الشيخ بناني المسمى بفرعون الوثائق المتوفى سنة 1261 هـ حيث نجده يذكر في التجريح بالعداوة : "الحمد لله يعرف كاتبه الواضع شكله إثر تاريخه فلان بن فلان الفلاني وفلان بن فلان الفلاني الشاهدين في الرسم أعلاه، المعرفة التامة الكافية شرعا بها ومعها يشهد بأن بينهما وبين المشهود عليه عداوة دنيوية على شأن أحكام الدنيا الدنية، قديمة أقدم من تاريخ شهادة الرسم المشار له، واتصل حالهم على ذلك ولم يرجعوا عن عداوتهم، ولا اصطلحوا حتى الآن، كل ذلك في علمه وصحة يقينه، وبه قيد شهادته مسؤولة منه لسائلها في كذا".

2- التجريح بالقرابة.

تتكون الأسرة عموما من أشخاص متعددين، يضمهم وثاق يصطلح على تسميته عادة برابطة القرابة. وهذه القرابة إما قرابة نسب أو دم، وإما قرابة مصاهرة؛ وتتحقق قرابة النسب أو الدم عادة بين الأشخاص الذين ينحدرون من أصل مشترك، فإن كانت بين الأصول والفروع كقرابة الإنسان بأبيه وبجده وإن علا، وقرابته بأولاده وبأحفاده مهما نزلوا، فهي قرابة مباشرة، مبنية على عمود النسب. وإن كانت بين أشخاص ينتمون إلى أصل مشترك بينهم، دون أن تقوم بينهم علاقة الأصل بالفرع، فهي قرابة حواشي أو قرابة غير مباشرة، ومن ذلك مثلا قرابة الشخص بأخيه أو بأخته أو بعمه أو بعمته، أو بأولاد وأحفاد هؤلاء جميعا.[45]

وتنشأ قرابة المصاهرة بين كل واحد من الزوجين وباقي أقارب الزوج الآخر من جهة النسب أو الدم، مع العلم أن الصلة التي تشد الزوجين لبعضهما هي رابطة زوجية يؤسس لها عقد الزواج، لا رابطة مصاهرة. وتجري القاعدة على أن أقارب كل من الزوجين من جهة النسب يعتبرون أقرباء بالمصاهرة من نفس الدرجة بالنسبة إلى الزوج الآخر، فأبوا الزوجة مثلا يعتبران قريبين للزوج قرابة مصاهرة من الدرجة الأولى، وابن خال الزوج وبنت عمته يعدان قريبين للزوجة بالمصاهرة، من الدرجة الرابعة، وهكذا.[46]

ومن حيث صلة القرابة بالشهادة ، فقد كان من مضى من السلف الصالح يجيزون شهادة الوالد والأخ لأخيه، ويتأولون في ذلك قول الله سبحانه وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين"،[47] فلم يكن أحد يتهم في ذلك من السلف الصالح؛ ثم ظهرت من الناس أمور حملت الولاة على اتهامهم، فتركت شهادة من يتهم، وصار ذلك لا يجوز في الولد والوالد والأخ والزوج والمرأة؛ وهو مذهب الحسن والنخعي وشريح ومالك والثوري والشافعي وأحمد بن حنبل، أنه لا تجوز شهادة الوالد للولد، وقد أجاز قوم شهادة بعضهم لبعض إذا كانوا عدولا".[48]

وعليه فقد أصبح الراجح في شهادة الوالد لولده أو العكس أن لا تقبل، وذلك لأن القرابة القريبة إذا ما نظر فيها إلى المآل فهي غالبا ما تجر نفعا للشاهد أو تدفع عنه ضررا؛ ومعلوم أنه يشترط في الشاهد ألا يجر إلى نفسه مغنما أو يدفع عنها مغرما، ومن ذلك أن يشهد الضامن للمضمون عنه بالأداء أو الإبراء،  لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا شهادة لجار المغنم ولا لدافع المغرم".[49]

أما شهادة الأخ لأخيه، فقد ذهب فقهاء المالكية إلى عدم قبولها إلا إذا كان الشاهد عدلا مبرزا وكانت التهمة ضعيفة على القول المشهور، فقد "حكى المازري اتفاق المذهب (المالكي) على رد شهادة الأخ لأخيه مع قوة التهمة كأن يشهد له بما يكتسب به شرفا أو يدفع به معرة أو تقتضيه الحمية والعصبية... وكذلك رأى غيره أنه يتفق على رد شهادته له بالمال الكثير الذي يحصل له به الشرف...". [50]

وقد ذهب المشرع المغربي إلى رد شهادة القريب لقريبه وفق التفصيل الذي سطره في الفصل 75 من قانون المسطرة المدنية (ق.م.م) حيث نص على أنه "لا تقبل شهادة من كانت بينهم وبين الأطراف أو أزواجهم رابطة مباشرة من قرابة أو مصاهرة من الأصول، أو الفروع أو الحواشي إلى الدرجة الثالثة[51] بإدخال الغاية عدا إذا قرر القانون خلاف ذلك".

ومن الناحية العملية، يجري في ميدان التوثيق العدلي عدم الاعتداد بمسألة القرابة – إلا نادرا- وذلك على خلاف ما يجري به العمل في ميدان التوثيق(العصري).[52] 

‏ولذلك نرى أنه ينبغي أن تطبق مسألة القرابة في التوثيق العدلي فيما يتعلق بالشهادات الأصلية، وكذا في كل الشهادات العلمية التي يثور بشأنها نزاع في المحكمة، فيمكن الطعن في هذه الشهادات العلمية بواسطة التجريح بالقرابة.

أما إذا لم يثر نزاع بالمحكمة، فإن معظم الشهادات العلمية التي لا يزال العدول يتلقونها إنما يشهد فيها أحد العدلين بمستند القرابة للمشهود لهم –خاصة في شهادات الإراثة-، فلا مانع من ذلك _في نظرنا_ ما دام أنه يشهد بوصف العدالة الذي تقل به التهمة، كما أنه لن يشهد بمستند القرابة إلا وهو يعلم أن الشهادة لا تكون ضد شخص آخر لأنه يعلم أنه لو فعل ذلك فستلغى الشهادة في المحكمة.

أما في شهادات اللفيف فنحن نرى أنه لا مانع يمنع العدول من تلقي الشهادات التي يكون فيها مستند الشهود هو القرابة، لأن الشهود الأقرباء غالبا ما يكون لهم مستند آخر غير القرابة، وذلك كالمجاورة والمخالطة، فإذا ما تبين من خلال صيغة الوثيقة أو ظروف النازلة أن أحد الشهود لم يشهد إلا بمستند القرابة لوحده، فمن شأن ذلك أن يجعل الشهادة مجرحا فيها بالقرابة من قبل الخصم إن وجدت خصومة، ولكن لا بد أن يطلب هو استفسار الشهود أمام القاضي، أو يلجأ القاضي إلى ذلك تلقائيا؛ فإذا ما تم الاستفسار فمن شأنه أن يكشف فعلا عن درجة هذه القرابة وإن كانت هذه القرابة قادحة ومؤثرة، ومما تقوى معه التهمة أم لا.

وكل ذلك نقوله في شهادة اللفيف التي اعتبرنا أن شروطها تحققت وأن القرائن دعمتها، بينما إذا تبين للقاضي أو المحكمة أن ينزل شهادة اللفيف إلى مرتبة الشهادة العادية، فإنه يجري عليها قواعد المسطرة المدنية، وفق التفصيل الذي ذكرناه في مقال اللفيف بهذه المدونة.

‏وقد يثور النزاع حول وجود القرابة بين المشهود له والشاهد أو عدم وجودها، فنحن نرى في ذلك أنه يمكن أن يصار إلى إثبات القرابة بمختلف وسائل الإثبات،[53]  ومنها اللفيف. ‏ويمكن أن يتم تأسيس وثيقة اللفيف على المعلومات المقيدة بالوثائق المستخرجة من الحالة المدنية، على اعتبار أن ما ذكر بهذه السجلات يعد قرينة بسيطة على الصحة يمكن دحضها بالبينة المعاكسة.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 [1] - الفقرة الثانية من الفصل 306 من ق.ل.ع.

[2] - أما البطلان النسبي الذي يكون لمصلحة الأطراف ويسمى الإبطال، فيمكن تصحيحه بالإجازة أو التصديق عليه بشروط محددة حسب الفصل 317 من ق.ل.ع ، بينما لا يمكن  ذلك في البطلان المطلق حسب الفصل 310 من ق.ل.ع.

[3] - الفقرة الأولى من الفصل 306 من ق.ل.ع.

[4] - مثل ثبوت استرعاء معروف السبب فيما انعقد بعوض؛ وهذا الاسترعاء بمعنى الاستحفاظ لم يعد عليه العمل اليوم. وقد كان ثبوت الشيء الذي تم الاسترعاء من أجله موجبا لبطلان العقد، فقد يثبت أن شخصا باع عقاره بثمن بخس فقط لأجل الخوف من سطوة المشتري، فإذا ما ثبت ذلك وحدثت ظروف من شأنها أن تمنع سطوة المشتري وتسلطه على البائع، فإن عقد الشراء يبطل وتعود الحالة إلى ما كانت عليه.

[5] - ولم يعد محل لتزكية الشهود، وإنما تم الاستعاضة عنها بحسب بعض الآراء باليمين والاستفسار.

[6] - مما يدخل في هذا السبب النسبي الحرص على الشهادة، وهي غير متصورة في النظام الحالي للتوثيق العدلي لأن العدل لا يشهد إلا بعد إشهاده، ومن الصعب الكشف عن هذا العنصر في شهود اللفيف.

[7] - انظر : محمد المهدي الوزاني ، النوازل الكبرى أو "المعيار الجديد" مطبعة فضالة، المحمدية ، الطبعة الأولى 1999،  ج 9 ، ص 181.

[8] - في شرحه لقول خليل: "ولا إن استبعد"، قال الشيخ أحمد الدردير: "(ولا إن استبعد)، ولا إن استبعد الإشهاد (كبدوي) يستشهد في الحضر (لحضري) على حضري بدين أو بيع أو شراء ونحوها مما يستبعد حضور البدوي فيه دون الحضري (بخلاف إن سمعه) يقر بشيء لحضري أو رآه يفعل بحضري أمرا كغصب وضرب فلا يستبعد فيقبل وكذا إن ادعى أنه عامل المشهود عليه بالدين في سفره فلا يستبعد شهادة البدوي للحضري على حضري كما أشار له بقوله (أو مر به) بالبناء للمفعول أي مر الحضريان بالبدوي في سفر وكذا إذا مر بهما فتحصل أن مدار المنع على الاستبعاد عادة (ولا سائل) لنفسه صدقة غير زكاة لا تقبل شهادته إن شهد (في) مال (كثير) وهو ما لم تجر العادة باستشهاده فيه مع ترك غيره وعلة المنع الاستبعاد كالذي قبله ليجري فيه قوله بخلاف إن سمعه أو مر به ولذا إذا شهد بنحو ضرب أو قذف فتقبل لعدم الاستبعاد...".

- أحمد الدردير ، الشرح الكبير ، مع تقريرات للعلامة المحقق محمد عليش مطبعة دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاؤه ، ت.ط.غ.م ، ج 4 ، ص 175-176.

[9] - أخرجه أبو داود (حديث 3602) وابن ماجة (حديث 2367).

- انظر: أحمد ابن حجر العسقلاني، بلوغ المرام من أدلة الأحكام ، خرج أحاديثه محمد الفاضلي، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت ، الطبعة الأولى 1999، ص 288.

 وقال النسائي في هذا الحديث إنه ليس بالقوي .

- انظر : محمد العزيز جعيط ، الطريقة المرضية في الإجراءات الشرعية على مذهب المالكية ، مكتبة الاستقامة ، تونس، الطبعة الثانية، ص 146.

[10] - محمد الشوكاني ، نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، مطبعة الحلبي بمصر ، ت.ط.غ.م، ج 8، ص303.

[11] - العسري ، شهادة الشهود ، م.س، ج 2 ، ص450.

[12] - الشوكاني ، نيل الأوطار ، م.س، ج 8 ، ص303 .

[13] - المقصود بالمناط هنا العلة.

[14] -نيل الأوطار ، م س ، 8/304.

[15] -م.س ، 8/303.

[16] - عبد السلام العسري ، شهادة الشهود في القضاء الإسلامي ، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه من دار الحديث الحسنية بالرباط ، دار القلم ، الرباط ، الطبعة الأولى 2007 ، ج2 ، ص 450.

[17] - العسري ، شهادة الشهود ، م س ، 2/450.

[18] - محمد ابن معجوز، وسائل الإثبات في الفقه الإسلامي، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة من دار الحديث الحسنية بالرباط ، مطبعة النجاح الجديدة، 1995، ص 141.

[19] - قال ابن معجوز :"وأما تفرقة المالكية بين الشهادة بالمال والشهادة بغيره ، فقد بنوها على شدة التهمة في شهادة البدوي لحضري بالمال ، وانعدامها في شهادته له بما عدا ذلك".

- وسائل الإثبات ، م س ، ص 143.

[20] - العسري ، شهادة الشهود ، م س ، 2/451.

[21] - القرار عدد 5313 المؤرخ بتاريخ 23/11/99 في الملف المدني عدد 95/1/1/5387 ، منشور في مجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد المزدوج 57-58 ، السنة 2001 ، ص 10 (الإصدار الرقمي دجنبر 2004).

[22] - انظر : قرار عدد 2950 صادر بتاريخ 4/12/1991 ملف مدني عدد 1320-85 منشور في مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 46 ، السنة 92 ، ص 30 (الإصدار الرقمي دجنبر 2000).

[23] - العلمي الحراق، التوثيق العدلي بين الفقه المالكي والتقنين المغربي وتطبيقاته فـي مدونة الأسرة ،مكتبة دار السلام، الرباط ، طبعة 2009، ج 1 ، ص 219.

[24] - شهادة السؤال (بتشديد الهمزة) في المال الكثير ذكرها بعض الفقهاء مثالا للاستبعاد أيضا، ورد بعض الفقهاء شهادة السؤال في المال الكثير لأسباب أخرى غير الاستبعاد، وقد ورد في المدونة الكبرى لسحنون أنه لا يجوز شهادة السؤال في الشيء الكثير، أما الشيء اليسير فهي جائزة إذا كان عدلا ؛ وعلق ابن ناجي على هذا النص: أن صاحبه يقصد رد شهادة السؤال إذا كان يسأل لنفسه، أما إن كان سأل لغيره فإن شهادته تقبل، وتعبيره بلفظ السؤال يقتضي التكرار بحيث يصير عادتهم، وأما من فعل ذلك لعارض، فلا يقدح ذلك في شهادته.

- انظر : عبد السلام العسري ، شهادة الشهود ، م س ، ج 2 ، ص 453 وما بعدها.

[25] - العسري ، شهادة الشهود ، م س ، 2/254.

[26] - المهدي الوزاني ، النوازل الكبرى ، 9/182 ؛ حسبما أشار إليه العسري ، شهادة الشهود ، م س ، 2/255.

[27] - انظر : عبد السلام العسري ، شهادة الشهود ، م س ، ج2 ، ص454-455.

[28] - قرار لمحكمة النقض المصرية ، طعن رقم 27 سنة 47 ق أحـوال شخـصية ، جلسة 29/11/1978.

 نـشر في: - أحمد إبراهيم وواصل علاء الدين أحمد إبراهيم ، طرق الإثبات الشرعية مع بيان اختلاف المذاهب الفقهية ، المكتبة الأزهرية للتراث ، القاهرة ، الطبعة الرابعة ، 2003 ، ص 201.

[29] - عبد السلام العسري ، شهادة الشهود ، م س ، 2/455.

[30] -أبو الشتاء الغازي الحسيني الصنهاجي ، التدريب على تحرير الوثائق العدلية ، مطبعة ومكتبة الأمنية، الرباط ، الطبعة الثانية 1995 ، ج1 ، ص 108.

[31] - رواه أبو داود في السنن (حديث رقم 3600) وأحمد في المسند (2/181) .

"قال ابن حجر : وسنده قوي". – انظر العسري ، شهادة الشهود ، م س ، ج 2 ، بهامش الصفحة 443.

[32] - الشوكاني ، نيل الأوطار ، م س ، ج8 ، ص302.

[33] - نيل الأوطار ، م س ، 8/303.

[34] - انظر : محمد ابن معجوز ، وسائل الإثبات ، م س ، ص 136- 137.

[35] - قال ابن فرحون : "ولا تقبل شهادة العدو على عدوه وتقبل له ، وشرطها أن تكون العداوة في أمر دنيوي من مال أو جاه أو منصب أو خصام أو ما في معنى ذلك ، بخلاف الدينية إلا أن يؤدي إلى إفراط الأذى من الفاسق المعادى لفسقه لمن غضب عليه وهجره لله تعالى ؛ لأن ذلك ربما أورث الشحناء" .

- إبراهيم ابن فرحون ، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى 1995 ، ج1 ، ص 192.

[36] - العسري ، شهادة الشهود ، م س ، 2/243.

[37] - التبصرة ، م س ، 1/177.

[38] - المهدي الوزاني ، النوازل الكبرى أو المعيار الجديد ، م س 9/251 .

[39] - تبصرة الحكام ، م س ، ج1 ، ص192.

[40] - جعيط ، الطريقة المرضية في الإجراءات الشرعية على مذهب المالكية ، م.س ، ص 140.

[41] - انظر: محمد ابن معجوز ، وسائل الإثبات ، م س ، ص 137 .

[42] - حديث مروي في موطأ مالك تحت رقم 807 برواية محمد بن الحسن الشيباني أخبرنا مالك ، أخبرنا ابن شهاب ، عن عطاء بن يزيد ، عن أبي أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، يلتقيان ، فيعرض هذا ، ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" . قال محمد : وبهذا نأخذ ، لا ينبغي الهجرة بين المسلمين .

[43] - وتظهر فائدة العدد ، في أن بعض الشهود قد يحصل البيان بتوضيحاتهم للمحكمة ، وإن كان الأكثر منهم مضطربا في شهادته أو غير عالم بمقتضيات ما شهد به ، وما دام لا يمكن -قبل التوجه إلى المحكمة- إيجاد من يستطيع التوضيح ومن يكون له إلمام بالشهادة ، فينبغي –في التلقية- أخذ شهادة كل من تيسر إحضارهم ولو كان عددهم أكثر من عدد شهود اللفيف.

[44] - الصنهاجي ، التدريب ، م س ،  ج1 ، ص108-109.

[45] - انظر: - صلاح الدين زكي ، أحكام قانون الأسرة في الفقه الإسلامي وفي القانون المغربي ، مطبعة النجاح الجديدة بالبيضاء ، 1985 ، ص 5.

[46] - انظر : صلاح الدين زكي ،م س ، ص 5-6.

[47] - سورة النساء ، من الآية 134.

[48] - محمد ابن العربي المعافري، أحكام القرآن ، دار الجيل والمعرفة ، بيروت ، 1987 ، ج 1، ص 507.

[49] - الحديث ذكره : عبد الله بن أبي شيبة ، المصنف ، تحقيق عبد الخالق الأفغاني ، الدار السلفية ، بومباي ،ج 4 ، ص 530 ، حديث رقم 22855.

[50] - علي بن عبد السلام التسولي، البهجة في شرح التحفة، حققه وضبطه وصححه: محمد عبد القادر شاهين، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى 1418 هـ - 1998م ، ج 1 ، ص 152.

[51] - قال الأستاذ محمد القدوري في ذكر أنواع القرابة وكيفية تعيين درجاتها:

‏"القرابة إما قرابة نسب ‏أو قرابة مصاهرة ؛ وهي درجات يفوق بعضها بعضا في القوة ، ولذلك اصطلح على تعيين قوتها بعدد ترتيب درجة القرابة ، فيقال: قريب من الدرجة الأولى أو الثانية أو الثالثة، ويقال كذلك: صهر من الدرجة الأولى أو من الثانية أو من الثالثة.

ولتعيين د‏رجة القرابة ينظر إلى عدد البطون الفاصلة بين الشخص وقريبه المعني ، حسبما يكون ذلك الشخص من الأصول أو الفروع أو الحواشي .

‏فمن أجل احتساب درجة قرابة الشخص من أحد أصوله أو فروعه، يحسب كل أب أو ابن درجة، من غير احتساب المعني بالأمر : ‏فالأب قريب لابنه من الدرجة الأولى، والجد قريب لحفيده من الدرجة الثانية، وجد الوالد قريب لحفيد ابنه من الدرجة الثالثة، وهكذا...؛ والعكس صحيح : الابن قريب لوالده من الدرجة الأولى، ‏وابن الأب قريب لجده من الدرجة الثانية، وحفيد الابن قريب لجد والده من الدرجة الثالثة ، وهكذا...؛ يحتسب كل فرع أو أصل درجة، صعودا من الفرع إلى الأصل الأعلى المراد معرفة درجة قرابته، دون احتساب الشخص الأول المعني بتعيين درجة قرابته؛ أو هبوطا من الأصل المرغوب في معرفة درجة قرابته إلى الفرع المعني، دون احتساب الشخص المعني بتعيين درجة قرابته معه كذلك.

‏ومن أجل احتساب درجة القرابة بين شخص وأحد أقاربه من الحواشي، مثل عمه أو عم أبيه، يعتبر كل أصل درجة، صعودا من الشخص المعني، دون احتسابه هو، إلى غاية الجد المشترك (وهو الذي يسميه الفقهاء القعدد‏) ثم يحسب كل فرع درجة، نزولا من "القعدد" إلى الشخص المطلوب معرفة درجة قرابته معه : فلتحديد درجة قرابة الرجل مع عمه، يلاحظ أن "القعدد" المشترك بينهما هو جد المعني بالأمر، والد والده، فيبدأ أولا بحساب درجة قرابة المعني بالأمر مع جده صعودا، باعتبار كل أصل درجة، بالطريقة السابقة، فنجد أن الجد قريب لحفيده من الدرجة الثانية، ثم نعد الدرجات نز‏ولا من الجد إل العم المرغوب في معرفة د‏رجة القرابة معه، فنجد بين العم والجد الذي هو أبوه درجة واحدة، ونضم الدرجات فنجد العم قريبا لابن أخيه من الدرجة الثالثة، ولو تعلق الأمر بابن العم لكان من الدرجة الرابعة ، وهكذا.

‏ولتعيين درجة قرابة المصاهرة ينزل الزوج المرغوب في معرفة درجة قرابته من قريب زوجه، منزلة الزوج ، ثم تحسب درجة القرابة بينه وبين قريب زوجته المعني بالأمر؛ وهكذا فإن الزوج قريب بالمصاهرة لوالد زوجته من الدرجة الأولى، ولأخيها من الدرجة الثانية، ولعمها من الدرجة الثالثة؛ وهكذا".

‏- محمد القدوري، حيازة العقار وحيازة المنافع وأحكام المياه ودعاوى حماية الحيازة ، دار الأمان للنشر والتوزيع ، الرباط،الطبعة الأولى 2005، ص 126 – 128.

[52] - من خلال ما تنص عليه المواد 30 و 31 و32 على التوالي من قانون التوثيق (العصري)، وفق ما يلي:

 المادة 30: "يمنع على الموثق أن يتلقى عقدا في الحالتين التاليتين:

- إذا كانت له أو لزوجه أو لأصوله أو لفروعه مصلحة شخصية مباشرة أو غير مباشرة في العقد؛

- إذا وجدت قرابة أو مصاهرة بينه أو بين زوجه أو لأصوله أو لفروعه مع أحد الأطراف إلى الدرجة الرابعة بإدخال الغاية".

المادة 31: "يمنع على الموثقين المتشاركين الذين يزاولون مهامهم في مكتب واحد تلقي العقود التي يكون أحدهم أو زوجه أو أحد أقاربهم أو أصهارهم إلى الدرجة المحظورة المشار إليها في المادة السابقة طرفا فيها أو معنيا بها".

المادة 32: "لا يجوز أن يكون شاهدا في العقود التي يتلقاها الموثق، زوجه، أو أقاربه، أو زوج أو أقارب شريكه، أو زوج أو أقارب أطراف العقود إلى الدرجة المحظورة في المادة 30 أعلاه، وكذا المتمرنون بمكتبه وأجراؤه".

[53] - وذلك ما قررته محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) بشأن طلب تعويض عن ضرر ناجم عن حادثة سير وقع فيها الدفع بإنكار القرابة ، حيث جاء في قرارها أن" إثبات علاقة القرابة يتم بجميع الوسائل".

- قرار عدد 729/11 ، بتاريخ 12/06/2002 ، ملف جنحي عدد 1730/02 ، منشور ب: مجلة الإشعاع، عدد 28 سنة 2004، ص 196.

عن الكاتب

محمد الكويط

التعليقات

  1. تحية عالية تليق بقامتكم السامقة
    انا التي كنت لا أهتم بالهوامش و اذا بي أتحرق شوقا لمطالعتها بعد إتمام كل مقال .بارك الله فيكم و في علمكم استاذي

    ردحذف
  2. شكرا جزيلا. أرجو أن يبارك الله مسارك العلمي والمهني.

    ردحذف


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

تابع المدونة من هنا

جميع الحقوق محفوظة

بينة التوثيق والحقوق

2025