الرضائية والشكلية في التصرفات العقارية (الجزء الرابع)
المطلب الثاني: موقف القضاء من مسألة الرضائية والشكلية في التصرفات العقارية
قبل دخول مدونة الحقوق العينية حيز التطبيق[1] اختلف القضاء في
البيوع العقارية خاصة بين من يرى أنها تقوم على الرضائية ومن يرى أنه لا بد فيها
من شكلية الكتابة .
وفيما يأتي سنعرض الموقفين ثم نتبعهما
برأينا في المسألة مع ربط ذلك بمسألتي الإثبات والشكلية.
أولا- الاتجاه الذي يقرر رضائية البيوع العقارية.
ذهبت بعض القرارات القضائية إلى أن عقد
البيع في العقارات غير المحفظة لا تشترط فيه الكتابة.
ومن
هذه القرارات ما تم الاستناد فيه إلى أنه لا يمكن تأويل الفصل 489 من ق.ل.ع بمعزل
عن الفصل 488 من ق.ل.ع الذي يقر رضائية عقد البيع؛ كما يستفاد من الجمع بين
الفصلين أن عدم احترام الشكليات المنصوص عليها في الفصل 489 من ق.ل.ع لا يؤدي حتما
إلى بطلان عقد البيع.
ومما جاء في قرار يسير في هذا الاتجاه أن"المحكمة
عندما اشترطت أن يكون البيع محررا في وثيقة رسمية تكون قد خرقت صراحة مقتضيات
الفصل 488 من ظهير العقود والالتزامات التي تنص على أن البيع يتم بمجرد توافق
إرادة طرفيه أحدهما بالبيع والآخر بالشراء وعلى المبيع والثمن وشروط العقد الأخرى.
كما أنه لا يترتب عن مخالفة الفصل 489 من الظهير المذكور إبطال البيع بين البائع
والمشتري وإنما يترتب عنه عدم مواجهة الغير الأجنبي عن العقد بالبيع والذي يمكنه
وحده التمسك بمقتضيات الفصل المذكور وبعدم الاحتجاج عليه بالبيع المبرم بين
المتعاقدين إذا لم يرد في محرر ثابت التاريخ وبذلك يكون القرار
المطعون فيه قد أساء فهم النصوص الآنفة الذكر وطبقها تطبيقا غير
صائب".[2]
واعتبر بعض القرارات أن تحرير البيع ليس شرطا
لصحته، بل إنه يدخل ضمن آثار عقد البيع بعد قيامه ويصبح إحدى التزامات البائع
بضمان نقل المبيع وباتخاذ الإجراءات القانونية الضرورية لذلك وبالأخص التقييد في
الرسم العقاري من أجل الإشهار.
فمما جاء في حيثيات أحد القرارات: "وحيث
أن امتناع البائع من اتخاذ الإجراءات الضرورية لتقييد البيع في الرسم العقاري يكون
إخلالا بالالتزام بضمان نقل الحق المبيع ويوجب على المحاكم أن تجبر البائع على
القيام بما يلزم به سواء على إثر دعوى أصلية قام بها المشتري أو على إثر طلب إدخال
البائع في دعوى بصفته ضامنا في نطاق الفصل 117 من ظهير المسطرة المدنية".[3]
وذهب قرار آخر إلى جواز إثبات بيع العقار
باللفيف معللا ذلك بأن "شهادة اللفيف قد جرى العمل بقبولها في مثل هذا
الموضوع لقول الزقاق في لاميته: "وكثرن بدون عدول" ؛ وقول صاحب العمل
الفاسي: "وقدره في الغالب اثنا عشر"".[4]
وسند هذا القرار هو الفقه المالكي الذي يتم
تطبيقه حسب اتجاه قضائي كلما تعلق الأمر بعقار غير محفظ. ومما يدعم هذا التوجه
نذكر قرارا جاء فيه: "حيث أن العقار غير المحفظ يخضع بيعه لقواعد الفقه
الإسلامي وأن القضايا الشرعية المتعلقة بالبيوعات والأشرية والمبادلات والمخارجات
والمقاسمات وغيرها تخضع للقواعد الشرعية والنصوص الفقهية ولا يطبق عليها قانون
الالتزامات والعقود إذ جل السكان بالبوادي يتعاملون فيما بينهم على مقتضى
الثقة".[5]
وهذا التوجه مدعوم بقرار حديث –نسبيا- جاء
في حيثياته: "حيث لئن كان من المقرر في المذهب المالكي جواز إثبات البيع
بالبينة، ومن الدعاوى المالية التي يجوز إثباتها بشاهد عدل ويمين، فإنه يجب أن
تكون هذه البينة صحيحة متنا وسندا من حيث توفرها على النصاب المقرر لها وأن يستند
الشاهد في علمه على المستند الخاص المبني على حضوره مجلس العقد ومعرفته بالثمن
المعجل والمؤجل ولا يقبل في ذلك الإجمال في الشهادة...".[6]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- ولا نتوقع أن تنهي
م.ح.ع هذا الاختلاف، نظرا لاختلاف أساس الاجتهادات القضائية تبعا للحالات والنوازل،
خاصة في ظل التعددية العقارية، وازدواجية النظر إلى الشهادة العدلية وخاصة شهادة
اللفيف.
[2]- القرار عدد 488 الصادر
بتاريخ 2/4/1986 في الملف المدني عدد 4172 ، ذكره : نور الدين الجزولي ، عقد بيع
العقار المحفظ بين الشكلية والرضائية (الفصل 489 من ق.ل.ع) ، مقال منشور بمجلة
المحامي ، العدد 17 ، السنة 1990 ص 7 وما يليها.
[3]- قرار المجلس
الأعلى عدد 265 صادر في 12/6/1968 منشور بمجلة "القضاء والقانون"، عدد
95 السنة 10 يناير 1969 ص257.
[4]- القرار الشرعي عدد
416 الصادر بتاريخ 11 مايو 1982 ، في الملف العقاري عدد 34446 منشور
بمجلة "قضاء المجلس الأعلى" عدد 31 ، سنة 1986 ص68.
[5]- القرار الصادر بتاريخ 4
دجنبر 1985 في الملف عدد 98092 ، منشور ب:
- مجلة رسالة المحاماة ،
العدد 5 ، السنة 1988 ، ص 212 .
- المجلة المغربية
للقانون والسياسية والقانون والاقتصاد ، العدد 4 ، السنة 1978 ، ص 123.
[6]- قرار عدد 1809 المؤرخ
في 19/04/2011 ملف مدني عدد 4678/1/7/2009 ، منشور بمجلة القضاء المدني ، العدد 8
، سنة 2013 ، ص 196.