الرضائية والشكلية في التصرفات العقارية (الجزء الخامس)
ثانيا- الاتجاه الذي يقرر شكلية البيوع العقارية.
ذهبت بعض
القرارات الصادرة عن محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) إلى القول بشكلية عقد
البيع العقاري، معتمدة على عبارات الفصل 489 من ق.ل.ع التي تتطلب لصحة البيع
شكليات خاصة تتجلى في الكتابة: "أن يجري البيع كتابة"؛ وثبوت التاريخ: "في
محرر ثابت التاريخ": والتسجيل: "إلا إذا سجل في الشكل المحدد بمقتضى
القانون".
وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه الاجتهادات
القضائية ارتكزت فيما ذهبت إليه على بعض مقتضيات قانون التحفيظ العقاري خاصة
الفصلين 66 و67 منه. ويستفاد من تلك القرارات أنها أجمعت على تطلب الشكلية في
العقارات المحفظة.
وهكذا جاء في أحد هذه القرارات: "إن
قواعد الفقه الإسلامي لا تطبق على العقارات المحفظة إلا في حالة عدم وجود نص في
قانون الالتزامات والعقود".[1]
ولذلك استبعدت هذه القرارات من مجال الإثبات
الإقرار ولو كان قضائيا؛ ومما جاء في ذلك: "المحكمة لما اعتمدت مجرد إقرار
قضائي أمام المحكمة الجنحية لإثبات بيع عقار محفظ تكون قد خرقت الفصل 489 من ق.ل.ع
وعرضت قرارها للنقض".[2]
وصدر في نفس الأمر قرار حديث لمحكمة النقض
جاء فيه : "لكن حيث إنه لئن كانت قاعدة الجنائي يعقل المدني المقررة في الفصل
العاشر من قانون المسطرة الجنائية المحتج به تقضي بأن توقف المحكمة المدنية البت
في القضية إلى حين صدور حكم نهائي في القضية الزجرية، فإن ذلك منوط بأن يكون للحكم
الزجري تأثير على ما هو معروض أمام القضاء المدني، ولما كان موضوع الدعوى يتعلق
بإتمام البيع الواقع على عقار محفظ الذي يجب أن يجري في محرر ثابت التاريخ، وكان
هذا المحرر غير متوفر في النازلة، فإنه على فرض صدور حكم بالإدانة في دعوى زجرية
تتعلق بعدم تنفيذ عقد، فإنه لا يرقى إلى درجة المحرر الثابت التاريخ المتطلب في
قيام البيع طبقا لمقتضيات الفصل 489 من قانون الالتزامات والعقود، والمحكمة لما
رفضت إيقاف البت في النازلة تكون قد طبقت الفصل العاشر المحتج به تطبيقا سليما مما
يجعل الوسيلة بدون أساس".[3]
كما لم تعترف بعقد بيع رضائي توصل فيه
البائع بالثمن، جاء في قرار حديث منها: "لا يكون بيع العقار منجزا إلا إذا
أبرم كتابة وبمحرر ثابت التاريخ وإن توصل مالك العقار بمبلغ مالي من مدعي الشراء
لا يخول هذا الأخير سوى استرجاع ما سبق له دفعه، لا إلزام المالك بإتمام البيع
قضاء".[4]
وفي سياق استبعاد كل ما لا يشكل دليلا
كتابيا – في نظر هذه القرارات- فقد تم استبعاد إثبات البيع باللفيف.
فقد نقضت محكمة النقض قرارا استئنافيا
لاعتماده على موجب لفيفي في شراء عقار بدل تطبيق الفصل 489 من قانون الالتزامات
والعقود،[5] ومما جاء فيه أنه
"ينص الفصل 489 من قانون الالتزامات والعقود على أن بيع العقار يجب أن يكون
كتابة في محرر رسمي ثابت التاريخ ، ولذلك يتعرض للنقض... الحكم الذي يقضي برفض
الطلب في نزاع عقاري استند فيه المدعي إلى رسم عدلي لإثبات الشراء واستند فيه
المدعى عليه إلى موجب لفيفي يثبت شراءه وحيازته".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- القرار
عدد 717 الصادر بتاريخ 18 أكتوبر 1978 في الملف المدني عدد
62586 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 26 ، سنة 1980 ، ص67.
[2]- القرار عدد817 الصادر
بتاريخ 27 أبريل 1983 في الملف المدني عدد 90228 ، مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 32
سنة 1983 ص 52 .
[3]- القرار عدد 679 الصادر
بتاريخ 7 فبراير 2012 في الملف المدني عدد 4813/1/7/2010 منشور بمجلة قضاء محكمة
النقض عدد 76 السنة 2013 ص 38.
[4]- القرار عدد 5017 الصادر
بجميع غرف محكمة النقص بتاريخ 6 دجنبر 2010 في الملف المدني عدد
2290-1-5-2006 ، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى ، العدد 73 ، السنة 2011 ، ص 31.
[5]- القرار عدد 443 الصادر
بتاريخ 14 دجنبر 1978 في الملف عدد 66415 منشور بمجلة المحاماة ، العدد 17 ، السنة
1980 ، ص115.
.