اختصاص العدول في التصرفات العقارية
لم يكن الشهود العدول مقيدين بمجال محدد،
ولا بالإشهاد في زمن معين أو على قضايا محصورة من حيث النوع والموضوع؛ إلا
أنه سرعان ما حدث ما يدعو إلى إلزامهم بالإشهاد داخل حيز ترابي محدد (أولا) كما أن
المواضيع التي يشهدون عليها تقلصت بفعل مرور الزمن وعوامل أخرى (ثانيا) .
أولا- الاختصاص المكاني للعدول في التوثيق العقاري .
تضمنت المادة 14 من قانون 16.03
المتعلق بخطة العدالة مقتضيات تخص الاختصاص المكاني للعدول، وقد ورد فيها ما
يلي: " يتعين على العدل أن يتخذ مقر مكتبه حيث تم تعيينه.
يتكون كل مكتب من عدلين على الأقل.
تحدد إجراءات تحديد العدد الضروري من العدول
والمكاتب العدلية بنص تنظيمي.
يتقيد العدل في ممارسة الخطة بحدود دائرة
محكمة الاستئناف المنتصب فيها، ما عدا الإشهاد بالزواج والطلاق فيتم وفق المادتين
65 و87 على التوالي من مدونة الأسرة.
يجب على العدل أن يتلقى الإشهاد بمكتبه كلما
تعلق الأمر بشهادات خارجة عن دائرة نفوذ المحكمة الابتدائية المحدث مكتبه
بدائرتها، ولا يجوز له التوجه لتلقي هذه الشهادات في حدود دائرة محكمة الاستئناف
إلا بعد إشعار القاضي المكلف بالتوثيق التابع لدائرة نفوذه من طرف طالبي الشهادات
بطلب كتابي يسجل بكتابة ضبط القاضي بسجل خاص معد لهذه الغاية، ويشار وجوبا في
الشهادة إلى مراجع تسجيل الطلب.
يشهد العدل على من هو حال وقت الإشهاد
بالدائرة المنتصب فيها ولو كان يسكن بغيرها، باستثناء الشهادات المتعلقة بالعقار
والتركات فيراعى فيها حدود دائرة محكمة الاستئناف التابع لها موقع العقار أو موطن
الموروث.
غير أنه يجوز في حالة الظرف القاهر تلقي
الوصية بعقار بمكان وجود الموصي بإذن من القاضي".
بالرجوع إلى المادة المذكورة أعلاه، فإن
الأصل في الاختصاص المكاني للعدل هو تقيده في ممارسة الخطة بحدود دائرة محكمة
الاستئناف المنتصب فيها. وقد ورد على هذا الاختصاص بعض الاستثناءات، والذي يعنينا
منها هو ما يتعلق بالتصرفات العقارية.[1]
فمن بين ذلك ما نصت عليه المادة السابقة من
أن العدل يشهد على من هو حال عنده بمكتبه ولو كان يسكن بدائرة محكمة استئناف غير
تلك التي ينتصب فيها العدل باستثناء العقار والتركات اللذين يراعى فيهما حدود
دائرة محكمة الاستئناف التابع لها موطن العقار أو موطن الموروث .
فالعدول المنتصبون للإشهاد بدائرة نفوذ
محكمة الاستيناف الموجود فيها العقار أو موطن الموروث هم وحدهم المختصون بتلقي
الإشهاد عليه،[2] إلا أن هذا الاستثناء يرتبط بقيد يقضي
بوجوب "التلقي (في المادة العقارية) في مقر المكتب إذا تعلق
التوثيق بشهادات خارجة عن دائرة المحكمة الابتدائية المحدث مكتب العدلين بنفوذها[3] أو إشعار القاضي
فيما يخص توجههما إلى خارج دائرة المحكمة الابتدائية المعينين بنفوذها...".[4]
غير أن الإدلاء للعدلين بما يفيد كون طالبي
الشهادات قاموا بإجراء إشعار القاضي بالتوجه خارج نفوذ دائرة المحكمة الابتدائية
وفي حدود دائرة الاستئناف، وبما يبين مراجع تسجيل طلب التوجه، وإن كان لا يصل إلى
مرتبة الإذن أو الأمر القضائي المكتوبين، يعد غير متيسر من الناحية العملية ، ومن
ثم فلا داعي له؛ فمن جهة أولى قد يستغني الأطراف عن هذا الإجراء لأنه يكلفهم كتابة
الطلب والانتقال إلى مركز القاضي المكلف بالتوثيق – مهما كان بعيدا – من أجل تسجيل
الطلب لدى كتابة الضبط والحصول على وصل بذلك، ومن جهة ثانية قد لا يتأتى القيام
بهذا الإجراء – ولو رغب الأطراف في ذلك- بسبب تزامن موعد التوجه أو التلقي مع عطلة
رسمية .
ولذلك فإن مسطرة الإشعار لا وجود لها – بحسب
علمنا- من الناحية العملية، إذ يلجأ العدول في هذه الحالة إما إلى الامتناع عن
التلقي أصلا، وإما إلى تلقي الإشهاد دون ذكر ما يفيد التوجه،[5] فيبدو الأمر كما لو أن
الشهادة تم تلقيها بمكتب العدول.[6]
كما يطرح اصطلاح "التركة" الوارد
في الاستثناء المذكور إشكالات كثيرة ترجع إلى الغموض الذي يكتنفه والمقصود منه،
وهل يقتصر على إحصائها أو يشمل التصرفات الواردة عليها؟ وهل تشمل العقار والمنقول
معا، أم تقتصر على المنقول باعتبار أن الاختصاص في العقار بمحل موقعه؟ وما العمل
إذا توزعت أموال الهالك بين دوائر محاكم استئناف متعددة، أو كان له – قيد حياته-
محل سكنى في دائرة ما وله فيها عقارات ومنقولات ومركز أعمال في دائرة أخرى وله
فيها عقارات ومنقولات هي أيضا؟
حاول بعض الباحثين[7] الإجابة على
الإشكالات المذكورة قائلا بأن "اصطلاح التركة... يقصد به كل تصرف
قانوني في تركة الموروث سواء كان إحصاء أو قسمة أو مخارجة... فكل شهادة بتصرف يزمع
إنجازها بشأن التركة إنما يختص بها العدول المنتصبون للإشهاد بمحل السكنى العادي
للموروث، أو مركز أعماله ومصالحه...".
وهذا الاختصاص-حسب الفقه نفسه- يشمل المنقول
والعقار، فالاختصاص في التركة "إذا كانت عبارة عن منقول... إنما
يكون للعدول المنتصبين للشهادة بدائرة محكمة الاستئناف التي بها موطن الموروث... وليس
للعدول الذين يحضر لديهم الورثة بدائرة محكمة استئناف أخرى...
(أما) الاختصاص في التركة إذا كانت عقارا،
إنما يكون للعدول المنتصبين بمحل السكنى العادي للموروث ومركز أعماله ومصالحه،
وليس للعدول المنتصبين في دائرة محكمة الاستئناف الموجودة فيها عقارات التركة ...".[8]
غير أنه من الناحية العملية يجري العمل –
وهذا هو الغالب- على أن يتلقى عدول دائرة استئناف معينة شهادة إحصاء المتروك كلما
وجد عقار واحد بدائرة محكمة الاستئناف التي ينتصبون فيها، حتى لو وجدت العقارات
الأخرى بدائرة أو دوائر استئنافية أخرى، بغض النظر عن موطن الموروث. فالعدول
يتبعون موقع العقار أينما كان ولو تعلق الأمر بالعقار الذي يشكل تركة، فهم لا يرون
أنه مستثنى من العموم الذي يقضي بأن الاختصاص في العقار يرجع لموقعه.[9]
ومن الإشكالات أن الاستثناء السابق يرد عليه
هو نفسه استثناء آخر يتعلق بالاختصاص في تلقي الوصية بعقار، إذ أن الفقرة السابعة
من المادة 14 المذكورة جعلت الاختصاص ينعقد في هذه الحالة لمكان وجود الموصي –حتى
لو كان خارج حدود دائرة الاستئناف المنتصب فيها العدل- وذلك في حالة الظرف القاهر،
لكن مع تقييد ذلك بوجوب الحصول على إذن القاضي.
لكن "تقييد تلقي الإشهاد
بالوصية على عقار في هذا الاستثناء بإذن من القاضي قد يفوت المصالح على أصحابها
لاسيما وأن الظرف ظرف قاهر لا يسمح باتخاذ إجراء من الإجراءات، وأن إذن القاضي لا
يتأتى في كل الأحوال والظروف؛ فقد يكون اليوم يوم عطلة وقد تكون ساعة تلقي الإشهاد
خارج أوقات العمل الرسمية، مع العلم أن العدول ولحساسية مهامهم غير ملزمين لا شرعا
ولا قانونا بالتقيد في مزاولة عملهم بساعات وأوقات العمل الإدارية، بل يجب عليهم
الإسراع في التلقي كلما طلب منهم ذلك خاصة إذا كان الظرف طارئا.
كما أن إذن القاضي حينما يقرره المشرع في
حالة من الحالات لم يقرره اعتباطا، أو لمجرد أن يصدر القاضي أمرا أو لا يصدره أو
يوقع على ورقة أو لا يوقع، أو لمجرد أن يكون له علم بالواقعة موضوع الإذن، وإنما
يقرر لمصلحة عامة تتمثل أساسا في أن يقوم القاضي بالأبحاث اللازمة والمعاينات
الضرورية ليتأكد من توفر العناصر والمعطيات التي تستوجب إصدار إذنه في النازلة أو
لا، كأن يتأكد من توفر حالة الظرف القاهر أو حالة التعذر أو غير ذلك من الأمور؛
وهو الشيء الذي يتعذر عليه القيام به في أحوال جد استعجالية كحالة الوصية".[10]
وهذه الإشكالات العملية التي يطرحها إذن
القاضي جعلت بعض الدارسين[11] يقترح "في
هذا الشأن أن يتم الاستغناء عن إذن القاضي في مثل هذه الأحوال، وأن يكتفى في ذلك
بإلزام العدول ببيان التوجه ومكان التلقي، والإشارة إلى حالة الظرف القاهر، أو
حالة التعذر بتفصيل كاف في طليعة الوثيقة بمذكرة الحفظ وفي الرسم المحرر، ليتمكن
القضاء من بسط مراقبته على الواقعة في حال ادعاء العكس".
ولا يسعنا أمام هذا الارتباك الحاصل على
مستوى الاختصاص المكاني[12] إلا أن نقرر أحقية
ما يطالب به أكثر العدول – بحسب علمنا- إذ يطالبون بتوسيع دائرة الاختصاص المكاني
بجعلها على الصعيد الوطني، إسوة بأكثر المهن الحرة التي يمارس أصحابها مهامهم على
صعيد ربوع المملكة كافة[13] وبأن تكون التبعية
لمحكمة الاستئناف على مستوى التعيين فقط.[14]
وإلى جانب ذلك تنبغي المطالبة – في مجال
الاختصاص المكاني- بأن يتلقى العدل بمكتبه جميع الشهادات حتى لو كان محل التعاقد
-سواء كان عقارا أو تركة أو منقولا - خارج دائرة محكمة الاستيناف التي ينتصب فيها
العدل طالما أن الأطراف هم الذين حضروا إليه بمكتبه.[15]
ثانيا- الاختصاص الموضوعي للعدول في التوثيق العقاري.
لم تكن مهام العدول محصورة في قضايا
معينة وإنما كانوا يشهدون على كل القضايا والمسائل الشرعية؛ لكن مع مرور الزمن
أخذت القضايا والمسائل التي يشهد فيها العدول تتناقص تدريجيا، وكان من المفترض أن تتضاعف
الشهادات التي يكتبها العدول من حيث الكيف ومن حيث الكم،[16] لأن أقضية الناس
ومعاملاتهم لا تتناهى.
وحاليا فإن العدل – من الناحية القانونية-
يمكن أن يشهد على جملة من القضايا ما دام هذا الإشهاد لا يخرج عن دائرة التعامل،[17] وما دام يتقيد بالشروط
الواردة في قانون 16.03 والنصوص الخاصة.[18]
وفي مجال التصرفات العقارية خاصة، فالعدل
يمكنه أن يشهد على أكثر العقود والتصرفات العقارية سواء تعلقت بالعقار المحفظ أو
العقار في طور التحفيظ، أو العقار غير المحفظ. ولا يمنعه من ذلك إلا تلك التقييدات
أو الشروط الواردة في النصوص القانونية.[19]
لكن من الناحية العملية لم يعد العدول في
مجال التصرفات العقارية بصفة خاصة يتلقون إلا قدرا يسيرا من الشواهد المتعلقة
بالعقار، ومعظم هذه الشهادات ترجع إلى البيع أو الهبة أو الصدقة، كما أن أكثر
الشهادات العدلية تنصب على العقارات المحفظة.[20] وحتى هذه الشواهد
القليلة لا يتلقى منها العدول إلا صنفا واحدا أو صنفين؛ وكلما أوغل الأطراف في ذكر
الشروط والتقييدات التي يضمنون بها حقوقهم ومصالحهم كلما امتنع العدول إما عن
كتابة الشهادة ككل أو كتابة تلك الشروط فقط.
ومن أسباب نقصان الشهادات التي يحررها
العدول في المجال العقاري –وفي غيره من المجالات- أن المشرع نفسه قد يمنع العدول
من تلقي بعض الشهادات مثل ما فعل بخصوص صنف
من أصناف عقود الملكية المشتركة،[21] وهو ذلك المتعلق بعقود
السكن الاجتماعي الذي قصر المشرع تحريره على الموثق دون غيره،[22] ومثل نسخه لبند من
المادة 65 من المدونة العامة للضرائب – كان يتعلق بفائدة رسم إحصاء المتروك- مما
أدى إلى تقليل رسوم الإحصاء أو انعدامها.[23]
ومن هذه الأسباب تجاوز الاختصاص
الحصري المخول للعدول في بعض المواد بموجب القانون[24] أو بموجب الفقه
المالكي،[25] ومنها امتناع العدول من
التلقي بسبب الجهل بالشهادة أو بطبيعتها أو بما تقتضيه من شروط، أو بسبب الخشية من
أن يرجع الأطراف على العدول لعدم قبول بعض الإدارات والمحاكم لبعض الشهادات
العدلية إما من باب الجهل بطبيعتها وبما تنطوي عليه من أهمية اجتماعية واقتصادية
اهتدى إليها الفقهاء الذين أصلوا لها، وذلك مثل الجهل بطبيعة بيع الصفقة وبما يسهم
به في حل معضلة الشياع؛[26] وإما من
باب الظن الخاطئ بأن القانون لا يجيز بعض الشروط التي قد تتضمنها تلك
الشهادات مثل الشرط المانع من التصرف لمدة معقولة ولباعث مشروع.[27]
ومن الأسباب التي تؤدي إلى امتناع العدول عن
التلقي في المجال العقاري عدم توفير الضمانات التي تؤدي إلى تحريهم التام عن وضعية
العقارات.[28] ومنها اختلاف الرؤى
والقناعات إما بين العدول أنفسهم لتفاوت قدراتهم العلمية والفكرية، فتجد أحد
العدلين _مثلا_ مقتنعا بالشهادة بينما لا يقتنع بها رفيقه فلا يمضيها معه من أجل
ذلك، وإما بينهم وبين قضاة التوثيق الذين قد يمتنعون عن الخطاب على الرسوم العدلية
لأسباب مختلفة.
ومما يدعو الناس إلى عدم
التعامل مع الوثيقة العدلية طول فترة إنجازها ، والخشية من ضياع حقوق
الأطراف وتعطيل مصالحهم من جراء ذلك، خاصة في ظل عدم استفادة العدول من نظام
الإيداع.
ويضاف إلى ذلك أن العدول والأطراف لا
يساهمون في إحياء بعض الشهادات التي كانت منتشرة إما بسبب الجهل بوجودها أو للظن
بأن الحاجة إليها لم تعد قائمة.[29]
وإننا –إزاء هذه الوضعية– نقرر بأن العدول
ليسوا وحدهم المتضررين ولا الأطراف المتعاقدون فقط، بل إن أكبر الخاسرين من جراء
هذه الوضعية هو خزينة الدولة التي تضيع في مبالغ هامة، وقد يؤدي سلوك بعض موظفي
الدولة المتسم بالشطط في مواجهة الوثائق العدلية إلى المساهمة في خسارة أكبر
لخزينة الدولة التي ينتسب إليها هؤلاء الموظفون ويعملون من أجل سمعتها وازدهارها
الاقتصادي.
فلا يعقل أن تحرم الدولة من أموال طائلة
لمجرد أن موظفيها يرفضون التعامل مع الوثائق العدلية الرسمية التي استوت وصارت
وثائق رسمية تامة تحظى بالحجية والقوة الثبوتية، وذلك بسبب ما يعتقدونه – جهلا
منهم- بأن تلك الوثائق تخالف المقتضيات القانونية، والحال أن بعض هؤلاء الموظفين
قد لا يكون على اطلاع تام بالمقتضيات التوثيقية والفقهية التي تبنى عليها تلك
الوثائق والتي لا تخالف المقتضيات القانونية في شيء.[30]
وفي انتظار إصدار مدونة شاملة للتوثيق تقوم
على مبادئ وقواعد فقهية وقانونية سليمة، لكي يرجع إليها عند الاختلاف،
فإننا ندعو إلى إيجاد وسائل للتواصل بين العدول والفاعلين في المجال العقاري حتى
يكون كل منهم على اطلاع بما يتطلبه عمل الآخر، مما يمكن من توحيد الرؤى في المجال
التوثيقي، ويسهم في ازدهار الدولة اقتصاديا.
وينبغي للمتعاملين مع الوثيقة العدلية إذا
لم يكن لديهم علم بمقتضياتها أن ينظروا إلى ما تضمنته على أساس أن الأصل في
المعاملات الإباحة، وأنه لا حظر إلا بدليل قطعي، وأن العقود تبنى على الصحة، وأن
الأولى في العقود أن يتم إعمالها لا إهمالها، وأن ينظر إلى الوثيقة التامة على
أنها وثيقة تحظى بالقوة الثبوتية، ومن أجل ذلك ينبغي أن يعمد الأطراف عند وجود
الشطط إلى الطعن في سلوك موظفي الإدارة لدى القضاء وليس الرجوع عند العدول
باعتبارهم طرفا ضعيفا.[31]
غير أن المسطرة القضائية للطعن – في مثل هذه
الحالات- ينبغي أن تكون مسطرة تتسم بالسرعة والفعالية، وينبغي أن يؤهل للحكم في
مثل هذه النوازل قضاة مختصون يكونون على اطلاع تام بمقتضيات الفقه والقانون
والتوثيق، من أجل الوصول إلى أحكام وقرارات موحدة لا تخالف الشرع ولا القانون،
يهتدي بها المشرع في وضعه للنصوص المتعلقة بالتوثيق أو بالحقوق العينية العقارية.[32]
[1] - ومن الاستثناءات حسب المادة 14 من قانون 16.03
أن الإشهاد على الزواج والطلاق يتم وفق المادتين 65 و87 على التوالي من
مدونة الأسرة المستفاد منهما أن العدل المختص بالإشهاد
على الزواج والطلاق وتوثيقهما هو المنتصب للإشهاد داخل نفس المحكمة الابتدائية
المصدرة للإذن بالزواج أو الطلاق.
[2] - يتم التساؤل حول
ما إذا كان من حق العدول الذين يوجد العقار بدائرة محكمة الاستئناف المعينين
بنفوذها؛ التوجه إلى خارجها لتلقي الشهادة بهذا العقار؛ فيما إذا تعذر على المشهود
عليه الحضور إلى دائرتهم الاستئنافية، أو ليس من حقهم ذلك؟ وإذا كان من حقهم ذلك،
فهل عليهم طلب إذن من قاضي التوثيق أو إشعاره بذلك؟
يبدو – حسب بعض الباحثين- "أنه من حق هؤلاء العدول أو
من الواجب عليهم التوجه إلى خارج دائرة محكمة الاستئناف المنتصبين بنفوذها، لتلقي
الشهادة بالعقار إذا تعذر على المشهود عليه الحضور إلى دائرة العقار؛ وعليهم أن
يطلبوا من القاضي إذنا مكتوبا بذلك عند الإمكان، فإن تعذر الإذن اكتفوا بإشعاره...
لأنه إذا امتنع العدول المختصون ترابيا في توثيق العقار من التوجه إلى دائرة محكمة
الاستئناف حيث يوجد المشهود عليه ربما أضر ذلك بمصالحه وعرض حقوقه وحقوق المشهود
له للضياع بسبب عدم الإشهاد عليها ، الشيء الذي يتنافى ومقصد المشرع من التوثيق
أساسا، لاسيما وأن عدول الدائرة الموجود بها المشهود عليه ممنوعون من تلقي الإشهاد
بهذا العقار بمقتضى صريح المادة".
- العلمي الحراق، الوجيز في شرح القانون المتعلق بخطة العدالة، مطبعة
كانا برينت، الرباط ،الطبعة الأولى 2009، ص 55-56.
وهو رأي جدير بالاعتبار، إلا أننا لا نرى فائدة من إذن القاضي ولا من
إشعاره، لأن هذا الإجراء – الغائب من الناحية العملية- يؤدي فقط إلى
فرض حجر غير ضروري على العدول، مما قد يؤدي بهم إلى الامتناع عن التلقي أصلا
فيسهم ذلك في الإضرار بحقوق المتعاقدين وتعطيل مصالحهم. ونرى أن يقتصر العدول في
هذه الحالة على ذكر السبب الذي جعلهم يتوجهون خارج نفوذ محكمة الاستئناف في طليعة
الشهادة.
[3] - ولو أنها توجد
بدائرة محكمة الاستئناف المحدث مكتب العدلين بدائرة نفوذها.
[4] - الحراق ، الوجيز
، م س ، ص 55.
[5] - ومن الناحية
العملية –بحسب علمنا أيضا- فإن الأمر الغالب على عمل العدول أنهم
يشيرون إلى دائرة المحكمة المنتصبين للإشهاد بها، دون ذكر المكتب المحدث بالدائرة
أو المكان الذي توجهوا إليه.
[6] - ولا داعي –
بطبيعة الحال- إلى المبالغة بالقول إن العدول إنما يمارسون التدليس في هذه الحالة،
إذ ينبغي مراعاة الظروف الحقيقية التي تجعلهم يتلقون الشهادة دون الحصول على
الإشعار، المتمثلة في الرغبة في كسب أرزاقهم أولا وفي حفظ حقوق الأطراف خشية أن
تضيع بسبب التسويف وطول الإجراءات ثانيا. ولعل مراعاة حقوق الأطراف هي التي
استوجبت في هذه الحالة إقرار الإشعار وليس الأمر القضائي المكتوب، فإن كان هذا
الإشعار هو نفسه لا يحقق هذه العلة، فمن المعقول الاستغناء عنه هو أيضا .
[7] - الحراق ، الوجيز
، م س ، ص 57-60.
[8] - الحراق ، م س ،
بنفس الموضع.
- ونضيف أن العدول غير مختصين بتلقي شهادات إحصاء تركات المغاربة الموجودة
خارج أرض الوطن، وأنهم مختصون بتلقي شهادات إحصاء تركات الأجانب
المسلمين الموجودة بالمغرب. وهو ما بسطناه في مقالة إحصاء المتروك.
[9] - وقد ذهب بعض
القضاة الباحثين إلى القول بأنه إذا وجدت عقارات خارج الدائرة التي بها موطن
الموروث فيتعين توجيه إنابة قضائية إلى تلك الدائرة لإحصاء ممتلكات الموروث من طرف
العدول المنتصبين بها وتوجيهها للعدول المكلفين بإحصاء التركة بموطن الموروث. وهذا
القول يجري به العمل لدى بعض أقسام التوثيق.
- انظر: ابراهيم بحماني، " التصور الموضوعي والواقعي
لتوسيع دائرة الاختصاص المكاني للإشهاد العدلي " ، مجلة خطة
العدالة ، عدد 1 ، سنة 1998 ، ص 73.
لكن الرأي السابق مخالف للنص القانوني ولغايات المشرع.
- انظر : الحراق ، الوجيز ، م س ، ص 59.
[10] - الحراق ، الوجيز
، م س ، ص 61.
[11] - م س ، بنفس
الموضع.
[12] - ومما يبرز هذا
الارتباك أن بعض العدول ينصون في طليعة الشهادة على أنهم منتصبون بدائرة المحكمة
الابتدائية – وليس محكمة الاستئناف- والبعض ينص على أنه منتصب بمركز القاضي
المقيم، والبعض ينص على المكتب المحدث والبعض لا ينص عليه، والبعض يذكر التوجه
بينما لا يذكره البعض الآخر، ومن النادر أن نجد من ينص على إذن القاضي أو ما يفيد
إشعاره بالتوجه.
[13] - تنص المادة
12 من القانون المتعلق بمهنة التوثيق (العصري) على ما يلي: "يمارس
الموثق مهامه بمجموع التراب الوطني.
غير أنه يمنع عليه تلقي العقود وتوقيع الأطراف خارج مقر مكتبه.
يمكن للموثق لأسباب استثنائية تلقي تصريحات أطراف العقد والتوقيع على العقود
خارج مكتبه وذلك بإذن من رئيس المجلس الجهوي وإخبار الوكيل العام للملك لدى
المحكمة المعين بدائرتها".
وتنص المادة 30 من قانون مهنة المحاماة على ما يلي: "يمارس
المحامي مهامه بمجموع تراب المملكة...".
[14] - انظر : محمد
ساسيوي ، " إصلاح العدالة بين المنهجية والمضمون "،
نص المداخلة التي ألقاها بالنيابة عن رئيس الهيئة الوطنية للعدول في إطار الندوة
المسماة " التوثيق العدلي واصلاح منظومة العدالة" المنعقدة
بكلية الحقوق السويسي بالرباط بتاريخ 2013/05/16.
[15] - بينما لا ينبغي
أن يتوجه خارج المكتب إلا في حدود دائرة الاستيناف المنتصب فيها.
[16] - لأن الناس تزداد
أقضيتهم بفعل ما يحدثونه من فجور ، ولأن المعاملات لا تتناهى.
[17] - تنص
المادة 32 من قانون 16.03 على ما يلي: "يمنع تلقي الشهادة التي
يكون موضوعها خارجا عن دائرة التعامل".
[18] - تنص المادة 1 من
قانون 16.03 على ما يلي: "تمارس خطة العدالة بصفتها مهنة حرة حسب
الاختصاصات والشروط المقررة في هذا القانون وفي النصوص الخاصة...".
[19] - مثل التراخيص
الإدارية اللازمة لبعض البيوع ، ومسألة عدم الاختصاص في كتابة تركات المغاربة
الموجودة بالخارج، ومسألة عدم التلقي عند وجود حجز على العقار.
[20] - يتفادى أغلب
العدول – خاصة بالمدن الكبرى- المشاكل المرتبطة بالعقارات غير المحفظة، نظرا لعدم
انضباط مسألة أصل التملك.
[21] - يرجى النظر
في المادة 12 من القانون رقم 18.00 المتعلق بنظام الملكية المشتركة
للعقارات المبنية، حسبما غير وتمم، التي جعلت العدول من ضمن الفئات المخول
لها الكتابة في مجال الملكية المشتركة .
[22] - يرجى النظر
في المادة 93 من قانون المالية رقم 48.09 لسنة 2010 (ج.ر عدد 5800 بتاريخ 14 محرم
1431 موافق 31 دجنبر 2009 ص 6095).
[23] - كان هذا البند قد
ألغي - لسنوات- بموجب قانون المالية لسنة 2013 من باب الاستجابة للهاجس الجبائي .
[24] - رسم الإحصاء
–بحسب الأصل- يعد اختصاصا حصريا للعدول.
[25] - لم نقل " الفقه
المالكي " هكذا عبثا، فقد كان من اللازم قبل صدور مدونة
الحقوق العينية وبعد هذا الصدور أن يتم التوجه إلى الفقه المالكي لاستقاء الأحكام
منه رأسا كلما وجد فراغ في النصوص التشريعية، ولما كان هذا الفراغ موجودا في باب
التبرعات على سبيل المثال، فقد كان من اللازم أن يتم العمل بما ينص عليه الفقهاء
من أن " ذكر الإشهاد شرط صحة في جميع التبرعات وفي كل ما
كان بغير عوض كالتوكيل والكفالة".
- انظر: أبو الشتاء الغازي الحسيني الصنهاجي، التدريب على تحرير الوثائق
العدلية، مطبعة ومكتبة الأمنية، الرباط، الطبعة الثانية 1995، ج 2 ، ص 165.
والإشهاد على الصفة التي يعنيها الفقهاء والموثقون القدامى لا يتحقق -مبدئيا-
إلا بواسطة العدول .
[26] - للاطلاع على
بيع الصفقة يرجى النظر في :
- محمد ميارة، تحفة الأصحاب والرفقة ببعض مسائل بيع الصفقة، بتحقيق عبد السلام
حادوش، مطبعة الصومعة، الرباط، دجنبر 1995، ص 90-123.
- محمد ابن معجوز، الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي،
مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثانية 1999، ص 243-278.
[27] - "الأصل
هو عدم جواز المنع من التصرف لتعارضه مع أحد العناصر الجوهرية المميزة لحق الملكية
وهو عنصر التصرف، ومع مبدأ تداول المال. لكن منذ منتصف القرن التاسع عشر أخذ
القضاء الفرنسي يميز بين الشرط المانع من التصرف منعا أبديا، والشرط المانع من
التصرف منعا مؤقتا ولباعث مشروع. فأبقى الأول على التحريم، وحلل الثاني إلى أن صار
القضاء فيه قضاء ثابتا لا يتزعزع. وقد عمل المشرع المصري على الأخذ به صراحة في
الفصل 823 من القانون المدني، في ضوء القيدين السالفين: المدة المعقولة والباعث
المشروع".
- عبد الرازق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، منشورات الحلبي
الحقوقية، بيروت، طبعة 2000،ج 8، ص 506-507.
ونصت المادة 824 من القانون المدني المصري على أنه: "إذا
كان شرط المنع من التصرف الوارد في العقد أو الوصية صحيحا طبقا لأحكام المادة
السابقة، فكل تصرف مخالف له يقع باطلا" .
"وعندنا في المغرب إن كان المشرع لم ينظم
بكيفية واضحة الشرط المانع من التصرف فإنه قد أخذ به في الفصل 492 من ق.ل.ع عند
قوله: "بمجرد تمام البيع ، يسوغ للمشتري تفويت الشيء المبيع ولو
قبل حصول التسليم . ويسوغ للبائع أن يحيل حقه في الثمن ولو قبل الوفاء ما لم يتفق
العاقدان على خلافه..." والاتفاق هنا ورد مطلقا، فقد يتفق
العاقدان على منع التصرف قبل حصول التسليم أو بعده. وفي الفصل 69 من ظ.ت.ع عند
قوله :"يجب على كل شخص يطلب تسجيل حق من الحقوق أن يقدم إلى المحافظة
قائمة تتضمن ما يلي : ...وعند الاقتضاء بيان ما يطلب تسجيله في نفس الوقت الذي
يطلب فيه تسجيل الحق الأصلي من أسباب للفسخ أو عن قيد على الحق في التصرف..."وفي
هذا النص كما يتبين الإشارة ظاهرة إلى الشرط المانع من التصرف. ومن ثم فإن العمل
بهذا الشرط جائز في ضوء القيدين السالفين: المدة المعقولة والباعث المشروع. وهما
قيدان يعتد بهما ولو بدون نص لأنهما يرجعان إلى القواعد العامة ليس غير" .
- عبد الرحمان بلعكيد، وثيقة البيع النظر والعمل ، مطبعة النجاح الجديدة
، الطبعة الثالثة 2001، ص 27-28 هامش 52.
- وللاطلاع على القيد المانع من التصرف ومشروعيته في الفقه الإسلامي يرجى
النظر في:
- خليل أحمد حسن قدادة، "مدى شرعية القيود الإرادية التي ترد
على حق الملكية"، مجلة الجامعة الإسلامية (سلسلة الدراسات الإنسانية)
– المجلد الثاني عشر، العدد الثاني، يونيو 2004، ص 151 وما يليها.
[28] - ومن ذلك أن
العدول قد لا يجدون المساعدة الكافية التي تمكنهم من الاطلاع مباشرة على الرسوم
العقارية لاستخلاص وضعية العقار، كما لم يخول لهم لحد الساعة- بحسب
علمنا – الاستفادة من النظام الذي يتيح معاينة الرسوم العقارية إلكترونيا.
[29] - ومن الأمثلة على
هذه الوثائق البائدة أو النادرة بالرغم من أن الحاجة إليها لا تزال قائمة بيع
الشخص لجميع أملاكه بالبلدة الفلانية .
- انظر : الصنهاجي، التدريب، م.س، ج 1 ، ص 178-179.
ولعل الإعراض عن هذه الوثيقة لم يكن فقط بسبب الجهل بوجودها من الأطراف
والعدول، وإنما بسبب أن المحافظين العقاريين قد يصرون على تحديد الملك المعين الذي
ينتمي إلى دائرة نفوذهم وإفراده بعقد شراء واحد.
[30] - من موظفي
المحافظة العقارية من لا يزال يصر على إدراج عنصر الحوز في التبرعات في العقارات
المحفظة بالرغم من أن مدونة الحقوق العينية جعلت الحوز القانوني يقوم مقام الحوز
الفعلي.
[31] - وهذا لا يمنع من
الرجوع إلى العدول لإصلاح الأخطاء المادية، أو لاستبيان الوجه القانوني أو الشرعي
الذي بنيت عليه بعض بنود الوثيقة.
[32] - ففي مجال الحوز
في التبرعات – مثلا- صدرت عن محكمة النقض جملة من القرارات المتضاربة، بعضها نص
على أن التبرع يبطل إذا لم يحصل الحوز الفعلي قبل حصول المانع، وهو الموت أو
الإفلاس أو مــــــرض الموت، والبعض الآخــــــــر – مثل القرار
المعروف اختصارا بالقرار 555 الصادر بتاريخ 08 دجنبر 2003 عن الغرف المجتمعة
للمجلس الأعلى- نص على أن تقييد الحق العيني الناجم عن التبرع يشكل حوزا قانونيا
يغني عن الحوز الفعلي.
ومن جهة أخرى، وبالرغم من صدور القرار 555 السالف الذكر وما شابهه من قرارات
سابقة أو لاحقة، فقد صدرت بعد ذلك قرارات مناقضة لما ذهب إليه القرار 555.
ولعل ذلك هو ما حدا- مؤخرا - بمدونة الأوقاف إلى النص على أن الحوز في
العقار المحفظ يتحقق بمجرد التقييد على الرسوم العقارية (المادة 26)، ثم سارت على
نهجها مدونة الحقوق العينية (المادة 274).
- للاطلاع على الأحكام والقرارات المتعلقة بالحوز يرجى النظر في:
- امحمد برادة اغزيول وآخرون، الدليل العملي للعقار غير المحفظ، منشورات جمعية
نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الدراسات والأبحاث، العدد 2 ، الطبعة
الثانية، أبريل 2007 ، ص 98 وما يليها.