الرضائية والشكلية في التصرفات العقارية (الجزء الثاني)
ثانيا-الكتابة الإلكترونية في التصرفات العقارية.
قبل أن نتحدث عن إمكانية إثبات
التصرفات العقارية بواسطة الكتابة الإلكترونية، وعما إذا كان بالإمكان أن يتم ذلك في صيغة رسمية عند
العدول والموثقين، نرى أن نتحدث في البداية عن يعض المقتضيات التي تتميز بها
الكتابة الإلكترونية بصفة عامة.
أ- المقتضيات العامة للكتابة الإلكترونية.
الكتابة بالمفهوم التقليدي كوسيلة للإثبات
تتجلى في ذلك المحرر الخطي، الذي قد يكون ورقة رسمية أو عرفية.
أما بخصوص الكتابة بالمفهوم الحديث، فهي لا
تشمل الأوراق التقليدية، بل تتسع كذلك للأوراق المرسلة عبر وسائل الاتصال التقنية
كالفاكس والإنترنيت.[1]
والمشرع المغربي ساير نفس النهج الذي سارت
عليه العديد من التشريعات عندما لم يعتد بنوع الدعامة المستعملة في الكتابة.[2]
وعلى المستوى الفقهي تعرف الكتابة
الإلكترونية بأنها: "تلك الرسالة التي تتضمن معلومات تنشأ أو تدمج أو تخزن أو
ترسل أو تستقبل كليا أو جزئيا بوسيلة إلكترونية أو رقمية أو ضوئية أو بأي وسيلة
أخرى مشابهة".[3]
ولقد أثير التساؤل حول مدى الحجية القانونية
للعقود المبرمة عبر شبكة الإنترنيت في الإثبات واختلفت الآراء في هذا الشأن. ويمكن
رد هذا الاختلاف إلى ثلاث نظريات إحداها قالت بعدم حجية المحررات الإلكترونية
لأنها عرضة لاحتمالات العبث والتعديل فيها، وأخرى دعت إلى التفريق بين الأنواع
المختلفة لمخرجات الحاسوب، أما النظرية الثالثة فتقول بتمتع جميع مخرجات الحاسوب
بالحجية الكاملة في الإثبات... شأنها في ذلك شأن المحررات الكتابية التقليدية شرط
أن تتم بوسائل أمان تمنع اختراقها أو إحداث أي تغيير في مضمونها...[4]
كما اشترط بعض الباحثين القائلين بهذه
النظرية الأخيرة[5] ثلاثة شروط لصحة الكتابة الإلكترونية
لكي تكتسب الحجية على مستوى الإثبات، وهي أن تكون مقروءة،[6] وأن تشفع بتوقيع
إلكتروني،[7] وأن يمكن الاحتفاظ
بها وتخزينها على شكلها الأصلي.[8]
ويعتبر الشرط المتعلق بالتوقيع الإلكتروني
أهم تلك الشروط بالنظر إلى الإشكال الذي يطرحه، المتمثل في مدى قدرته على التعبير
عن إرادة صاحبه في الرضاء بالتعاقد والقبول بالالتزام، حيث يرى جانب من الفقه أنه
لا يجوز معادلة التوقيع اليدوي بالتوقيع الإلكتروني، إذ يتعذر التثبت من حضور
الموقع ومن وجوده المادي فعليا وقت التوقيع، وهو عنصر أساسي في التوقيع اليدوي فلا
يمكن مثلا التأكيد على أن من يوقع الكترونيا وراء الجهاز الآلي هو بالفعل الشخص
ذاته الذي عرف عن هويته إذ لا يوجد أي تأكيد قاطع حول هوية الموقع حين لا يكون هذا
الأخير موجودا بشكل مادي وقت التوقيع.[9]
وقد أظهرت التقنيات الحديثة صورا عديدة
للتوقيع الإلكتروني يجاري أنواع مختلفة من التعاملات سواء التجارية أو المدنية أو
غيرها من التعاملات.[10]
وقد أشار المشرع المغربي إلى التوقيع
الإلكتروني من خلال الفصل3-417 من ق.ل.ع المضاف بمقتضى القانون 53.05 المتعلق
بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية[11] بنصه على أنه:
"يفترض الوثوق في الوسيلة المستعملة في التوقيع الإلكتروني، عندما تتيح
استخدام توقيع إلكتروني مؤهل[12] إلى أن يثبت ما
يخالف ذلك.
يعتبر التوقيع الإلكتروني مؤهلا إذا تم إنشاؤه وكانت هوية
الموقع مؤكدة وتمامية الوثيقة القانونية مضمونة، وفق النصوص التشريعية والتنظيمية
المعمول بها في هذا المجال.
تتمتع كل وثيقة مذيلة بتوقيع إلكتروني مؤهل
وبختم زمني إلكتروني مؤهل بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المصادق على
صحة توقيعها والمذيلة بتاريخ ثابت".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- نور الدين
الناصري، "المعاملات والإثبات في مجال الاتصالات الحديثة"، سلسلة
الدراسات القانونية المعاصرة، عدد 12، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء،
الطبعة الأولى، 2007 ص21.
[2]- ينص الفصل 417 من
ق.ل.ع حسب تعديل المادة 5 من قانون 53.05 (المتعلق بالتبادل الإلكتروني
للمعطيات القانونية- على ما يلي: "الدليل الكتابي ينتج من ورقة رسمية أو
عرفية.
ويمكن أن ينتج كذلك عن
المراسلات والبرقيات ودفاتر الطرفين وكذلك قوائم السماسرة الموقع عليها من الطرفين
على الوجه المطلوب والفواتير المقبولة والمذكرات والوثائق الخاصة، أو عن أي إشارات
أو رموز أخرى ذات دلالة واضحة، كيفما كانت دعامتها وطريقة إرسالها.
إذا لم يحدد القانون
قواعد أخرى ولم تكن هناك اتفاقية صحيحة بين الأطراف، قامت المحكمة بالبت في
المنازعات المتعلقة بالدليل الكتابي بجميع الوسائل وكيفما كانت الدعامة
المستعملة".
[3]- نور الدين
الناصري، م.س،ص22.
[4]- نور الدين
الناصري،المحررات الإلكترونية وحجيتها في إثبات التصرفات المدنية و التجارية، مقال
مطبوع منشور في مجلة الفقه والقانون، ص 13.
[5]- نور الدين
الناصري،المحررات الإلكترونية، م س. ص6.
[6]- وهذا يقتضي أن
يكون المحرر الكتابي مدونا بحروف أو رموز أو إشارات معروفة أو مفهومة بحيث تدل على
مضمون التصرف القانوني... وبالرغم من أن المحررات الإلكترونية يتم تدوينها على
الوسائط بلغة الآلة التي لا يمكن أن يراها الإنسان بشكل مباشر، إلا أن هذه
المعلومات يمكن قراءتها بلغة المرسل إليه بعد إيصال المعلومات في الحاسب الآلي
الذي يتم دعمه ببرامج لها القدرة على ترجمة لغة الآلة إلى اللغة المقروءة للإنسان...
وهو ما يعني استيفاءها للشرط المتعلق بإمكان القراءة والفهم طالما أن اللغة التي
تظهر على الشاشة هي لغة مفهومة ومقروءة لأطراف العقد.
- انظر: حسن عبد الباسط
جميعي، إثبات التصرفات القانونية التي يتم إبرامها عن طريق الإنترنيت، دار النهضة
العربية، 2000، ص 19-20.
[7]- التوقيع
الإلكتروني أو الرقمي...إجراء معين يقوم به الشخص المراد توقيعه على المحرر سواء
كان هذا الإجراء على شكل رقم أو إشارة إلكترونية معينة أو شفرة خاصة... شرط أن
يحتفظ بالرقم أو الشفرة بشكل آمن وسري تمنع استعماله من قبل الغير، وتعطي الثقة في
أن.. هذا التوقيع يفيد أنه بالفعل صدر من صاحبه.
- انظر: نور الدين
الناصري،المحررات الإلكترونية،م.س،ص8.
[8]- ويتم الاحتفاظ
بمعلومات المحرر الإلكتروني عن طريق إدخال المعلومات أو بنود الاتفاق بين الطرفين
وتخزينها كما هي وبما تحتويه من النصوص و التوقيع آليا في الحاسب الإلكتروني وذلك
بعد أن تتم معاينة المحرر الإلكتروني عن طريق شاشة الحاسب و يتم تخزينه على
أسطوانة مغناطيسية. و يمكن استرجاع الوثيقة و استخراج نسخ منها مطابقة للأصل.
انظر: نور الدين
الناصري،المحررات الإلكترونية،م.س،ص9.
[9]- محمد أخياط: بعض
التحديات القانونية التي تثيرها التجارة الالكترونية، مجلة الإشعاع، عدد 25، السنة
2000، ص 17.
[10]- هناك نوعان شائعان
من التوقيعات الإلكترونية، الأول هو المفتاحي، وفيه يتم تزويد الوثيقة
الإلكترونية بتوقيع مشفر مميز يحدد الشخص الذي قام بتوقيع الوثيقة ووقتها ومعلومات
عن صاحب التوقيع.
أما النوع الآخر فهو
التوقيع البيومتري الذي يعتمد على تحديد نمط خاص تتحرك به يد الشخص الموقع أثناء
التوقيع، إذ يتم توصيل قلم إلكتروني بجهاز الكمبيوتر ويقوم الشخص بالتوقيع
باستخدام هذا القلم الذي يسجل حركات يد الشخص أثناء التوقيع كسمة مميزة له، حيث إن
لكل شخص سلوكا معينا.
انظر: نور الدين الناصري،
"المعاملات والإثبات في مجال الاتصالات الحديثة"،م.س،ص31.
[11]- قانون رقم 53.05
يتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، الصادر بتنفيذه ظهير شريف
رقم1.07.129 في 19 من ذي القعدة 1428 )30 نوفمبر 2007(،ج.ر. عدد
5584 بتاريخ 25 من ذي القعدة 1428 )6 ديسمبر 2007(، ص 3879.
[12] - تم إحلال عبارة "مؤهل" محل عبارة "مؤمن" الواردة في الفقرتين الأولى والثانية من الفصل 417-3 المذكور بالمتن، بمقتضى المادة 77 من القانون رقم 43.20 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 100.20.1 بتاريخ 16 من جمادى الأولى 1442( 31 ديسمبر 2020)؛ الجريدة الرسمية عدد6951 بتاريخ27 الأولى جمادى 1442( 11 يناير 2021)، ص271.