بينة التوثيق والحقوق بينة التوثيق والحقوق
random

آخر الأخبار

الصبغة الرسمية للوثائق العدلية (الجزء السابع) - بينة التوثيق والحقوقالصبغة الرسمية للوثائق العدلية (الجزء السادس) - بينة التوثيق والحقوقالصبغة الرسمية للوثائق العدلية (الجزء الخامس) - بينة التوثيق والحقوقالصبغة الرسمية للوثائق العدلية (الجزء الرابع) - بينة التوثيق والحقوقالصبغة الرسمية للوثائق العدلية (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوقالصبغة الرسمية للوثائق العدلية (الجزء الثاني) - بينة التوثيق والحقوقالصبغة الرسمية للوثائق العدلية (الجزء الأول) - بينة التوثيق والحقوقالرضائية والشكلية في التصرفات العقارية (الجزء السادس)- بينة التوثيق والحقوقالرضائية والشكلية في التصرفات العقارية (الجزء الخامس)- بينة التوثيق والحقوقالرضائية والشكلية في التصرفات العقارية (الجزء الرابع)- بينة التوثيق والحقوقالرضائية والشكلية في التصرفات العقارية (الجزء الثالث)- بينة التوثيق والحقوقالرضائية والشكلية في التصرفات العقارية (الجزء الثاني)- بينة التوثيق والحقوق الرضائية والشكلية في التصرفات العقارية (الجزء الأول)- بينة التوثيق والحقوقتفسير صيغ الوثائق العدلية (الجزء الخامس) - بينة التوثيق والحقوقتفسير صيغ الوثائق العدلية (الجزء الرابع) - بينة التوثيق والحقوقتفسير صيغ الوثائق العدلية (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوقتفسير صيغ الوثائق العدلية (الجزء الثاني) - بينة التوثيق والحقوقتفسير صيغ الوثائق العدلية (الجزء الأول) - بينة التوثيق والحقوقعنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الخامس) - بينة التوثيق والحقوقعنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الرابع) - بينة التوثيق والحقوق
random
جاري التحميل ...

الرضائية والشكلية في التصرفات العقارية (الجزء السادس)- بينة التوثيق والحقوق

 

الرضائية والشكلية في التصرفات العقارية (الجزء السادس)



 

 ثالثا- رأينا في مسائل الرضائية والشكلية والإثبات في التصرفات العقارية.

 إن مقاربة الكتابة كشكلية لا بد أن تتم من خلال الجمع والتوفيق بين النصوص القانونية والشرعية. وهكذا يمكن النظر إلى الشكلية من خلال المقابلة بين شكلية الانعقاد وشكلية الإثبات، أو المقابلة بين الشكلية –عموما- والرضائية، أو بين ما هو منصوص عليه في القانون الوضعي وما هو مسطر في الفقه المالكي، والجمع بين ما يتعلق بالتصرفات العقارية وقواعد التوثيق العدلي.

وبالرجوع إلى المرحلة التاريخية التي صدرت فيها القرارات المذكورة سابقا، أي مرحلة ما قبل دخول مدونة الحقوق العينية حيز التــطبيق، فقد كان من الواجب آنذاك الرجوع إلى الفقه الإسلامي وتطبيقه كلما تعلق الأمر بعــقار غير محفــظ، لأن الفـــــــقه الإســلامي كان – بحسب الراجح – هو القانون الواجب التطبيق على العقارات غير المحفظة منذ عهد الاحتلال إلى عهد دخول م.ح.ع حيز التطبيق.[1]

وحتى في العقارات المحفظة كان يمكن الرجوع إلى الفقه المالكي إذا ما وجد فراغ في النص التشريعي العقاري الذي كان يمثله –وقت صدور القرارات السالفة- قانون 2 يونيو 1915 – المعروف بقانون 19 رجب- وذلك بمقتضى الفصل السادس منه،[2] وحتى في الحالات التي تطبق فيها قواعد ق.ل.ع على العقارات المحفظة، فقد كان الواجب –وقته- بحسب رأي فقهي راجح لدينا[3]  هو الأخذ بقواعد الفقه الإسلامي في تتميم نصوص ق.ل.ع وفي تفسير نصوص ذلك القانون المستقاة من الفقه الإسلامي.

وإذا ما نظرنا إلى المسألة من خلال مدونة الحقوق العينية المطبقة حاليا، فإننا نجد أنها أحالت على ق.ل.ع في كل ما لم تنص عليه مما يدخل في مجال تطبيقها ثم إلى الفقه المالكي فيما لا نص فيه في ق.ل.ع.[4]

وبالرجوع إلى ق.ل.ع المحال عليه، فإننا نجده في مجال البيع العقاري ينص على اشتراط الكتابة كشكلية اصطلح على تسميتها بشكلية الانعقاد أو الصحة تمييزا لها عن شكلية الإثبات.

وعندما نص الفصل 489 من ق.ل.ع على هذه الشكلية لم يرد فيه ما يبين جزاء انعدامها؛ وإذا لم يكن هذا الجزاء هو البطلان -وهو لا يكون كذلك إلا بوجود النص عليه- فمعنى ذلك أن الشكلية المتطلبة في هذا الفصل ليست شكلية انعقاد لأن شكلية الانعقاد معناها أن الكتابة ركن في العقد، ولا يوجد ما يدل على ذلك.

وحيث لم يتم النص على هذه الشكلية في الفصل الثاني من ق.ل.ع الذي ورد فيه: "الأركان[5] اللازمة لصحة الالتزامات الناشئة عن التعبير عن الإرادة هي:

1 - الأهلية للالتزام؛

2 - تعبير صحيح عن الإرادة يقع على العناصر الأساسية للالتزام؛

3 - شيء محقق يصلح لأن يكون محلا للالتزام؛

4 - سبب مشروع للالتزام".

فقد كان من الممكن النص في هذا الفصل ولو من باب الاستثناء على الكتابة كركن في التصرفات العقارية، كأن يضاف إلى الأركان عبارة "كتابة في البيوع العقارية ينعقد بها التصرف"، ومعنى عدم النص على الكتابة في هذا الفصل أن المشرع لم يصرح بأن الكتابة تعد ركنا في عقد البيع العقاري، وعليه ينبغي أن نبحث عن هذه الركنية من خلال قرينة أخرى، وقد كان يمكن أن تكون هذه القرينة هي التصريح ببطلان عقد البيع العقاري الذي لم يتم إنشاؤه كتابة منذ البداية.

ولما لم نجد هذه القرينة وجب إرجاع الشكلية إلى معناها الأصلي، وهو أنها وجدت للإثبات لا للصحة والانعقاد.

غير أن م.ح.ع  وبعض القوانين العقارية الخاصة  تضمنت التصريح بالبطلان في حالة انعدام شكلية الكتابة، وعليه فإنه يمكن أن نقول بأن هذه النصوص تتحدث عن شكلية الانعقاد، لولا أن تصريحها بالبطلان إنما انصب على جزئية معينة، وهي الجزئية المتعلقة بكتابة العقود العقارية من قبل فئة لا تنتمي إلى الفئات التي حددتها هذه القوانين، أي أن العقد لا يبطل من جهة كونه لم يكتب أصلا، بل يبطل من جهة كونه لم يكتب من طرف الفئة المهنية التي خول لها القانون ذلك. ومعنى أنه يبطل –هنا- أنه لا يمكن الاستناد إليه في إثبات العقد العقاري، ما دام أنه لم يكتب من قبل المهني المختص، فلو حدث ذلك لما أبطل من جهة الكتابة، إلا أن يطاله البطلان من جهة أخرى تتعلق بانعدام ركن من أركانه الموضوعية. 

وحتى لو قلنا بأن الأمر يتعلق دائما بشكلية الانعقاد كلما تعلق الأمر بتصرف عقاري عموما، أو بالتصرفات العقارية المنصوص عليها في المواد والفصول السابقة خصوصا، فلا يوجد ما يؤكد وجوب تفسير شكلية الانعقاد بأنها الكتابة التي تنصرف إلى إنشاء العقد تحديدا، ولا تنصرف إلى كتابة أخرى ككتابة إقرار بالحق أو حوالة أو غير ذلك مما يسمى كتابة دون أن تنصب هذه الكتابة على العقد بمعنى الاتفاق.[6]

فلو وجد محرر يتضمن إقرارا بالحق ولا يتضمن تعاقدا بين طرفين، فوجب أن نقول إن الكتابة كشكلية انعقاد أو صحة قد تحققت. وإن قيل بأن الكتابة المطلوبة يتوجب فيها أن تتم في الوقت الذي تم فيه التعاقد الذي ترتب عليه الحق، ولو كانت هذه الكتابة في شكل إقرار مكتوب، فإن هذا القول ينسجم مع اعتبار الشكلية ركنا في العقد، وقد سبق تفنيد ذلك.

 وحتى لو فرضنا صحته، فإنه يمكن -في نظرنا- أن يقدم إلى القضاء كل ما يدل على أن الكتابة تمت في وقت التعاقد فعلا، كأن يقر شخص –مدعى عليه- في المحكمة بأنه باع عقاره لفلان –المدعي- وأنهما كتبا عقد البيع فعلا، وإنما ينصب إنكاره على جزئية أخرى لا تتعلق بالكتابة. ففي هذه الحالة يوجد إقرار بكتابة العقد،  فوجب أن يتم الركون إلى الإقرار من هذه الزاوية، غير أن ذلك ينبغي أن يكون تعزيزا لما يشكل بداية بالحجة كوجود وصل أو نحوه، فلئن كانت بداية الحجة يمكن تعزيزها بشهادة الشهود والقرائن، فمن باب أولى أن يتم تعزيزها بالإقرار المنصب على كتابة العقد. فإن ثبت أن العقد كتب في وقته فعلا، ثبت وجود الكتابة كشكلية انعقاد.

غير أن ذلك لا يستقيم –في نظرنا- إلا أن نحصر إثبات الكتابة كشكلية انعقاد في الإقرار المكتوب بطريقة رسمية[7] والمنصب على وجود الكتابة في وقت التعاقد مع تعزيزه بما يشكل بداية حجة، وذلك لأن الحديث عن بداية الحجة، لا يأتي إلا في معرض الحديث عن الكتابة كشكلية إثبات لا كشكلية انعقاد. ولذلك حصرنا الأمر في الإقرار لأنه من جهة أقوى من الكتابة، ومن جهة لأنه مكتوب، ومن جهة لأن بداية الحجة المتصلة بموضوع شكلية الإثبات لا يصلح لدعمها إلا شهادة الشهود أو القرائن، فوجب أن يصلح لدعم شكلية الانعقاد أمر أقوى من الشهادة والقرائن ومن الكتابة نفسها وهو الإقرار. وإذا ما استندنا إلى الرأي الفقهي الذي ينكر على الكتابة أن تكون شكلية انعقاد[8]، فإننا سنركن إلى أن الشكلية لا تكون إلا للإثبات ؛ ولكن حتى القول بهذه الشكلية سيجعل الطريق مسدودا – بحسب الظاهر – على من لم يكتب التصرف في حينه، إذ لا يمكن قبول أي حجة أخرى منه للإثبات بموجبها ما دام أنه لا يتوفر على الكتابة.

لكن هذا الأمر يمكن دحضه بأن المشرع أوجد استثناءات على مبدأ عدم جواز الإثبات بغير الكتابة في حالات معينة، ومن بين تلك الاستثناءات وجود بداية الحجة بالكتابة التي يتم تعزيزها بالشهادة والقرائن.

ثم إن المشرع تحدث عن الكتابة كشكلية إثبات في الباب المخصص لشهادة الشهود، فهو لم يتحدث عنها إلا ليبين الحالات التي لا تجوز فيها شهادة الشهود، ولم يثبت عنه ما ينفي إمكانية الاعتماد على القرائن لإثبات وجود العقد، بغض النظر عما إذا كان مكتوبا أو شفويا، فلما كان الأمر كذلك فلا مانع يمنع من إثبات العقد – ولو كان شفويا- بالإقرار شريطة أن يكون موثقا  بطريقة رسمية أو يتم  ذلك عند القضاء –الذي غالبا ما يكون هو القضاء الزجري-.

ومن شأن هذا الاتجاه أن يساعد على تلافي التناقض الذي يحصل من تطبيق مقتضيات الفصل 489 من ق.ل.ع والفصل 551 من القانون الجنائي المتعلق بجنحة عدم تنفيذ عقد.[9]  إذ قد يثبت العقد لدى المحكمة الزجرية بمجرد الإقرار بالحق من طرف المدين الذي لم ينفذه. ولو ثبت العقد أمام القضاء الزجري فإما أن يقال بأن هذا الإقرار المسجل في الحكم الزجري يعد هو نفسه كتابة رسمية؛ أو يقال بأنه مجرد واقعة من وقائع الجنحة التي يتضمنها الحكم، ومعلوم أن الحكم الزجري يعقل الحكم المدني فيما قضى به من وقائع.

وعليه فإن القرارات القضائية التي استبعدت الإقرار–ولو كان لدى القضاء الزجري-، فظاهر أنها اعتبرت الشكلية في البيوع العقارية شكلية انعقاد بالمعنى الذي يجعلها ركنا في العقد يترتب على غيابه البطلان، وإلا لوجب أن نلزمها– إذا ما اعتبرت الشكلية تشمل أي كتابة تفيد إقرار طرف ما بما عليه من حق-بالإقرار المكتوب رسميا أو عند القضاء الذي يصرح فيه بكتابة العقد في وقته المناسب، شريطة وجود ما يدعم ذلك من بداية حجة.

ولو أن تلك القرارات اعتبرت الشكلية شكلية إثبات، لوجب أن نلزمها بمطلق الإقرار المكتوب بصفة رسمية أو عند القضاء.

لكن عندما ننتقل إلى الحديث عن حجة كتابية أخرى غير العقد المكتوب وغير الإقرار المكتوب، فإننا ننتقل من الحديث عن الشكلية –ولو كانت مجرد شكلية إثبات- إلى الحديث عن الرضائية.

وبعبارة أخرى فإن وجود الكتابة –كشكلية إثبات- يستدل عليه بالعقد المكتوب فعلا، أو ببداية الحجة المعززة بالشهادة أو القرائن، أو بالإقرار الرضائي المكتوب رسميا أو الإقرار القضائي. ولا يستدل على الكتابة – كشكلية إثبات- بأنواع من الكتابة لا تدخل في إثبات وجود الشكلية، بل تدخل في باب إثبات وجود الرضائية، ومن الأمثلة على ذلك ما ذكرته مدونة الأوقاف في المادة 48 منها[10] عندما قررت الإثبات بجميع الوسائل ومنها الحوالات الحبسية.[11] ومن بين ذلك ما جرى عليه العمل في الميدان الجبائي مما تنص عليه المادة 141 من المدونة العامة للضرائب.[12]

  فهذه الأدلة المكتوبة لا تدخل في باب شكلية الإثبات، وإنما تدخل في باب القرائن الفعلية على وجود تعاقد رضائي.[13]

ومن شأن إثبات وجود العقد بالطرق المندرجة في مبدأ الرضائية أن يحقق قواعد العدالة ومبادئ القانون الطبيعي؛ إذ قد يقتنع القاضي بواسطة أدلة قوية على وجود الحق، فلا يقبل بعد هذه القناعة اليقينية أن يترك هذا الحق  بدون حماية لمجرد عدم توفر شكلية معينة، خاصة أن القاضي ملزم بتطبيق المبدأ القائل بأن إعمال العقد خير من إهماله.

لكن الإثبات بالقرائن في ميدان التصرفات العقارية ينبغي أن يستند إلى بداية حجة بالكتابة تعززها هذه القرائن؛ وإلا فلا يجب الإثبات بالقرائن المجردة في التصرفات العقارية إلا فيما خصصه القانون. ولا يبقى لصاحب الحق في هذه الحالة إلا أن يلجأ لتعزيز القرائن المتواجدة لديه بإقرار الخصم الرضائي المكتوب رسميا أو القضائي. ويمكن أن ينقلب الإثبات إلى إثبات هذه القرائن نفسها على أساس أنها وقائع لا تصرفات قانونية، وذلك مثل الحيازة التي تعد قرينة واقعية يتم إثباتها باللفيف عندما تتحقق شروطها وأهمها شرط المدة.

وبالنسبة للفيف خاصة فلقد قلنا بشأنه–في مقالة سابقة- بأن الشهادة اللفيفية التي انصبت على تصرف قانوني – وليس على واقعة قانونية- من شأنها أن تشكل شهادة شهود معززة لبداية الحجة بالكتابة، ويكون ذلك في الحالة التي يثبت فيها فعلا أن التصرف أبرم فعلا بواسطة وثيقة أصلية، لكن هذه الوثيقة ضاعت ولم يمكن إعادة إحيائها أو الحصول على نسخة منها، أو لم تستكمل إجراءاتها كأن تظل عالقة بمصلحة بمذكرة الحفظ لسبب من الأسباب، دون أن يتم التراجع عنها، فاللفيف في هذه الحالة يعد شهادة معززة لبداية الحجة.

أما إن ثبت بأن اللفيف أنجز في تصرف رضائي، فحتى الفقه المالكي لا يجيز ذلك، لأن التصرفات الرضائية فيه إما أن يتم الإشهاد عليها من قبل الشهود العدول ولو لم يكونوا منتصبين، أو تتم كتابتها والإشهاد عليها من قبل العدول المنتصبين، وذلك بواسطة شهادات أصلية لا استرعائية.

فلو وجد لفيف لإثبات بيع عقاري رضائي، أي لم ينجز كتابة، فهو لا يدخل في هذه الحالة في باب شكلية الإثبات، بل يدخل في باب الرضائية.

ولو وجد لفيف لإثبات بيع عقاري تمت بشأنه الكتابة المتطلبة فيه فعلا، إلا أن الوثيقة ضاعت أو لم تستكمل وبقي فقط ما يدل عليها، فاللفيف هنا يعد شهادة شهود تعزز بداية الحجة.[14]

وما قلناه ينبغي –في نظرنا- أن ينطبق – بعد دخول م.ح.ع حيز التنفيذ- على العقارات المحفظة وغير المحفظة، ونلخصه في أن الشكلية المتطلبة في التصرفات العقارية هي شكلية إثبات، أو هي شكلية انعقاد – بمعنى حصول الكتابة في صيغة عقد أو إقرار رسمي أو قضائي،[15]- وهي تثبت بكتابة العقد فعلا، أو بالإقرار الرضائي المكتوب رسميا أو الإقرار القضائي أو بالشهادة أو القرائن المعززة لبداية حجة بالكتابة، سواء تعلق الأمر بالعقارات المحفظة أو غير المحفظة، وما لم تتحقق هذه الشروط فالحديث يكون بعد ذلك في منزلة الرضائية لا منزلة الشكلية. واللفيف قد يدخل في هذه المرتبة أو تلك بحسب ما إن كان معززا لبداية الحجة بالكتابة أو مجرد شهادة عادية أو قرينة فعلية.

وتأسيسا على ذلك فلا وجه للقول بأن التصرف العقاري يجوز إثباته بغير الكتابة، أي بطريقة رضائية، بل ينبغي دائما إثباته بالكتابة المتطلبة فيه، فإن لم تكن هذه الكتابة حاضرة في وقت الإثبات فينبغي إحضار أدلة مكتوبة أخرى تبين أن هذه الكتابة حدثت بالفعل.  

ولذا، فإن الخطأ في هذه المسألة قد يأتي من جهة النظر إلى أن الرضائية جائزة في التصرفات العقارية ما دام أن جزاء انعدام الشكلية غير موجود، أو ما دام أن الفقه الإسلامي يبيح  الرضائية في هذه التصرفات.[16]

وعليه فإن التصرفات العقارية لا بد فيها من شكلية الكتابة، وهي لا تثبت إلا بهذه الكتابة المتطلبة فيها أو بما يدل على تحقق تلك الكتابة فعلا؛ وكل كتابة لا تدخل في الصنفين السابقين، فهي كتابة تعد دليلا على تحقق رضائية التعاقد لا على تحقق الشكلية، فلا يعتد بها في المحاكم إلا أن يتعلق الأمر بما يجوز فيه ذلك مما يدخل في باب تخصيص العام وتقييد المطلق، كالكتابة التي تفيد الرضائية في ميدان الأوقاف.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]- وحتى ق.ل.ع لم يتم تطبيقه على العقارات قبل صدور ظهير 1965 الذي ألغى المحاكم العصرية (الفرنسية) وقضى بتوحيد المحاكم المغربية. قال ابن معجوز في كتابه الحقوق العينية – بحسب طبعة 1999-:"...ظهير الالتزامات والعقود لم يطبق في يوم من الأيام على العقارات، لأن الفقه الإسلامي هو الذي كان يطبق عليها، سواء كانت من اختصاص القضاء الشرعي أو المحاكم العصرية(الفرنسية).

واستمر القضاء على هذا المنوال إلى أن صدر يوم 22 رمضان 1384 موافق 26 يناير 1965 القانون الذي ألغى المحاكم العصرية وقضى بتوحيد المحاكم المغربية، وقد نص فصله الثالث على ما يلي:" إن النصوص الشرعية والعبرية وكذلك القوانين المدنية والجنائية الجاري بها العمل حاليا تصبح إلى أن تتم مراجعتها مطبقة لدى المحاكم المذكورة في الفصل الأول" أي الموحدة. وهذا يعني أن المحاكم المغربية أصبحت ملزمة بتطبيق ظهير الالتزامات والعقود الذي كان لا يطبق إلا أمام المحاكم العصرية، ولكن مجال تطبيق هذا القانون بقي هو المجال الذي كان يطبق فيه أمام تلك المحاكم، أي القضايا المدنية التي لا تتعلق بالعقار غير المحفظ أو الذي في طور التحفيظ حيث يبقى خاضعا للفقه الإسلامي.

وبعبارة أوضح، فإن الفصل الثالث المشار إليه أوجب على المحاكم المغربية أن تطبق كل النصوص التي كانت مطبقة أمام مختلف المحاكم –المحاكم الشرعية والمحاكم العصرية- كل في الميدان الذي كان مطبقا فيه، بحيث تبقى العقارات المحفظة خاضعة لظهير 19 رجب (الذي ألغته م.ح.ع) والعقارات غير المحفظة والتي في طور التحفيظ خاضعة للفقه الإسلامي، والقضايا المدنية الأخرى أي الدعاوى الشخصية والدعاوى العينية المتعلقة بمنقول خاضعة لظهير الالتزامات والعقود...".

- محمد ابن معجوز، الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثانية 1999، ص 6-7.

[2]- كان الفصل 6 من قانون 19 رجب ينص على ما يلي:"إن مقتضيات القانون الإسلامي التي لا تتعارض مع هذا الظهير ولا مع قانون الأحوال الشخصية ولا مع قواعد العرف لأصحاب الحقوق العينية تطبق على العقارات المحفظة وعلى الحقوق الراجعة لها في حالة ما إذا كانت متلائمة مع نوع الحقوق والتحملات المبينة في الرسم العقاري".

[3]- قال ابن معجوز:"...يبقى السؤال مطروحا حول القضايا المتعلقة بعقار محفظ...عندما نحتاج إلى تفسير نص في (ق.ل.ع)...هل يرجع في ذلك إلى الفقه الإسلامي أو إلى القانون الفرنسي باعتباره مصدرا للالتزامات والعقود؟

للجواب على هذا التساؤل نشير إلى أن ديباجة أو مقدمة ظهير الالتزامات والعقود تنص على أن قواعد هذا القانون مأخوذة من الفقه الإسلامي مثلها في ذلك مثل قانون الموجبات والعقود التونسي، وهناك مدونة لظهير الالتزامات والعقود بالفرنسية، وقد ذيل كل فصل منه بالإشارة إلى المراجع الفقهية التي أخذ منها ذلك الفصل، ويتبين من تلك المراجع أن أغلبها من كتب الفقه المالكي.

ولهذا فإننا نرى أنه يتعين أن يعتبر الفقه الإسلامي –والمذهب المالكي بالخصوص- هو المصدر الرسمي لظهير الالتزامات والعقود ؛ بحيث يرجع إلى هذا الفقه لتتميم القانون المدني.

أما فيما يتعلق بتفسير نصوصه فنحن نرى أنه لا بأس من الرجوع إلى القانون المدني الفرنسي عندما يكون النص المراد تفسيره مأخوذا من ذلك القانون لمعرفة المراد منه...".

-ابن معجوز، الحقوق العينية، م س، ص 7-8.

[4]- تنص المادة 1 من م.ح.ع على ما يلي: "تسري مقتضيات هذا القانون على الملكية العقارية والحقوق العينية ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار.

تطبق مقتضيات الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود في ما لم يرد به نص في هذا القانون. فإن لم يوجد نص يرجع إلى الراجح والمشهور وما جرى به العمل من الفقه المالكي".

[5]- جاء في التعليق على هذا الفصل من قبل جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية التي نشرت ق.ل.ع في الموقع الإلكتروني لوزارة العدل: "وردت في النص الفرنسي عبارة " les éléments""العناصر" بدل الأركان كما جاء في الترجمة العربية؛ فالعناصر تستغرق الأركان وشروط الصحة، أما الأركان فهي أجزاء الماهية التي تختل باختلال بعضها. والملاحظ أن الأهلية من حيث المبدأ ليست ركنا، لأنها لا تعتبر من أجزاء الماهية وإنما من شروط الصحة.

وبذلك يمكن صياغة الفقرة 1 من الفصل 2 أعلاه كالآتي: العناصر اللازمة لصحة الالتزامات الناشئة عن التعبير عن الإرادة هي:...".

[6]- قال أحد الباحثين: "فالاجتهادات (القضائية) التي تستلزم للقول بوجود البيع وبصحته عقد بيع موقع من طرف أطرافه وثابت التاريخ وقابل للتسجيل والتقييد فوق الصك العقاري تشكل تحريفا لنص الفصل 489 من ق.ل.ع الذي لا يتطلب عقدا ولكن مجرد محرر والفرق واضح بين المصطلحين.

فلو كان المشتري مثلا يتوفر على عقد بيع صحيح وتام الأركان لما التجأ إلى طرق باب القضاء للحصول على حكم يقضي بصحة شرائه".

- نور الدين الجزولي، عقد بيع العقار المحفظ بين الشكلية والرضائية (الفصل 489 من ق.ل.ع)، مقال منشور بمجلة المحامي، العدد 17، السنة 1990 ص 7 وما يليها، الاقتباس من ص 25.

[7]- الهدف من كل كتابة سواء كانت عقدا أو غيره هو استخلاص إقرار كل طرف على نفسه بالحق الذي عليه، فلو ثبت هذا الإقرار عند القضاء بأي طريقة ثبت العقد، وهذا ما يستنتج من الفصل 416 من ق.ل.ع الذي ورد فيه: "يمكن أن ينتج إقرار الخصم من الأدلة الكتابية". ولو ثبت العقد بالإقرار فلا حاجة بعد ذلك للشكلية لأن المقصود منها هو استخلاص أن العقد موجود. لكن هذا لا يستقيم إلا على القول بأن الشكلية وجدت للإثبات، لكن على القول بأن الكتابة شرط صحة فينبغي أن نعتد بالإقرار القضائي أو المكتوب بطريقة رسمية إذا ما تضمن ما يفيد وجود الكتابة في وقتها فعلا، أي أنه يكشف عن وجود الكتابة. وقد اشترطنا فيه الرسمية لأن المالكية لم يكونوا يمضون ما في الإقرارات المكتوبة إلا بالإشهاد عليها، وذلك الإشهاد هو ما يرادف الرسمية حاليا، كما أن الإقرار الرسمي ليس عرضة للإنكار. كما اشترطنا كتابة الإقرار – إن كان رضائيا- لأن  الفصل 413 من ق.ل.ع ينص على أنه "لا يجوز إثبات الإقرار غير القضائي بشهادة الشهود إذا تعلق بالتزام يوجب القانون إثباته بالكتابة".

[8]- سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، مطبعة السلام، شبرا، مصر، الطبعة الخامسة 1990، ج 3، ص 19-20.

- عبد الرحمان بلعكيد،وثيقة البيع النظر والعمل، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثالثة 2001، ص 292-296.

[9]- ينص الفصل 551 من مجموعة القانون الجنائي على ما يلي: "من تسلم مقدما مبالغ من أجل تنفيذ عقد، ثم رفض تنفيذ هذا العقد أورد تلك المبالغ المسبقة، دون عذر مشروع، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من مائتين إلى مائتين وخمسين درهما".

[10]- تنص الفقرة الأولى من المادة 48 من مدونة الأوقاف على ما يلي:" يمكن إثبات الوقف بجميع وسائل الإثبات. وتعتبر الحوالات الحبسية حجة على أن الأملاك المضمنة بها موقوفة إلى أن يثبت العكس".

 [11]- تعتبر الحوالات الحبسية مرجعا أساسيا لإدارة الأحباس في إحصاء الممتلكات الحبسية وضبطها والمحافظة عليها، وكان الهدف منها هو إحصاء الأوقاف وتسجيلها في دفاتر وكنانيش خاصة ورسمية تكون وثيقة قانونية وتاريخية.

والحوالات الحبسية هي سجلات جمعت أو أحصيت فيها الأملاك الوقفية، وتضم توثيقا دقيقا لكل المعلومات والمعطيات المتعلقة بالواقفين والموقوف عليهم والصيغة والأملاك الموقوفة ومختلف العمليات والتصرفات التي خضعت لها من كراء ومعاوضة ومناقلة وقسمة...

وقد سميت الحوالة الحبسية بهذا الاسم لأنه نقل وحول أصل التحبيس إليها.

-زكرياء العماري، إثبات الوقف العام بين مدونة وأحكام الفقه الإسلامي، مقال منشور بمجلة الحقوق، سلسلة المعارف القانونية والقضائية، قراءات في القوانين العقارية الجديدة، ص 255 وما يليها.

[12]- تنص المادة 141  من المدونة العامة للضرائب (م.ع.ض) التي جاءت تحت عنوان "قرائن التفويت" في الفقرة الأولى من البند الأول والأولى من البند الثاني على ما يلي:"I.- يثبت تفويت العقارات والحقوق العينية العقارية ثبوتا كافيا للمطالبة بواجبات التسجيل، إما بإدراج اسم الحائز الجديد في جداول رسم السكن ورسم الخدمات الجماعية، والأداءات التي يقوم بها الحائز المذكور بمقتضى الجداول المشار إليها، وإما عن طريق عقود الإيجار وغيرها من العقود التي يبرمها، والمثبتة لحقوقه في العقارات المعنية.

...

II.- بصرف النظر عن المقتضيات الخاصة المتعلقة بتحفيظ العقارات، فإن جميع العقود والأحكام والاتفاقات ولو كانت شفاهية والتي يكون موضوعها إنشاء حق عيني على عقار محفظ أو نقله، أو الإعلان عنه أو تغييره، أو انقضاؤه، ومن أجل تطبيق واجبات التسجيل، تعتبر في حد ذاتها واستقلالا عن كل تقييد في الرسم العقاري، محققة لإنشاء الحقوق العينية المذكورة أو نقلها أو التصريح بها أو تغييرها أو انقضائها".

 [13]- وقد تكون هذه الكتابات – المعتبرة قرائن- معززة لبدايات حجة بالكتابة، ففي هذه الحالة تدل وتكشف على وجود الكتابة كشكلية إثبات.

 [14]- وجدنا من الباحثين من يدعم هذا الاتجاه ؛ حيث  قال "فالصواب اقتراب الحكم (أي الحكم المتعلق بطبيعة البيع العقاري) أكثر ما يمكن من نص الفصل 489 من ق.ل.ع وذلك بالاعتماد على محرر مكتوب إن وجد فإن لم يوجد فعلى بداية الحجة بالكتابة على أن تعزز بوسائل الإثبات الأخرى المقبولة شرعا مع مراعاة الحالات الاستثنائية التي تسجل فيها الكتابة شريطة أن تثبت أمام القاضي مبررات هذا الاستثناء وشريطة أن يثبت لديه حصول البيع بالوسائل المقنعة التي لا تدع مجالا لأدنى شك في وقوع البيع وفي صحته".

- نور الدين الجزولي، م س.

[15]- وذلك في التصرفات التي يكون فيها التعاقد لا التصرفات التي لا تعاقد فيها كالتصرفات بإرادة منفردة.

[16]- لما كانت شكلية الشهادة متطلبة للإثبات عند المالكية، حتى تم اعتبار الشهادة هي البينة، ولما كان العدول المنتصبون للإشهاد يجمعون بين الكتابة والشهادة، وكانت الشهادة المكتوبة هي نفسها الوثيقة المشهود بها، فلم يكن هناك مجال للاعتداد بالرضائية. بل إن بعض المذاهب كانت تعرف بالنسبة للشهادة ما يسمى بشكلية الانعقاد حيث اعتبرت الشهادة عند بعضهم شرط صحة في الزواج لا ينعقد العقد بدونه، واعتبرت عند بعضهم  الشهادة على معاينة الحوز شرط صحة في التبرعات لا ينعقد التبرع بدونها.

عن الكاتب

محمد الكويط

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

تابع المدونة من هنا

جميع الحقوق محفوظة

بينة التوثيق والحقوق

2025