الاختصاص في استفسار الشهود
يعد الاستفسار عنصرا من عناصر الترجيح بين الشهادات، وتبعا لذلك فقد يكون إجراؤه في صالح المشهود له لأنه بمثابة تزكية لشهوده، وقد يكون في صالح المشهود عليه –أو الخصم- لأنه وسيلة تبطل بها الشهادة– في أحوال معينة-.
والحديث عن ذلك وغيره
يرتبط بدراسة حكم الاستفسار (أولا) وبدراسة أجله وكيفيته ضمن آثار الاستفسار
(ثانيا).
أولا_ حكم الاستفسار.
اختلف
الفقهاء في حكم الاستفسار، هل يلزم في كل شهادة، بحيث لا يعمل بها ولا يحكم
بموجبها إلا إذا كانت مستفسرة، أو أنه غير لازم لها وليس شرطا في القضاء بمقتضاها. ووجد
في هذا الصدد جملة آراء للعلماء، فقد ذهب فريق منهم إلى عدم جواز الاستفسار أصلا،
وذلك لأن الاستفسار لم يكن مما جرى به العمل عند الفقهاء الأقدمين،[1]
لأنهم اعتبروه تكرارا للأداء وفيه إضرار بالشاهد، وهو منهي عنه.[2] وذهب فريق
آخر إلى أن استفسار الشهود عن شهادتهم غير لازم إلا أن يكون في الشهادة إجمال أو
احتمال، وهذا القول مترتب على أن استفسار الشهود حق للقاضي.[3]
غير أن تطبيق هذا الرأي لا
يستقيم إلا عند من يرى أن الأداء لا ينبغي أن يكون في كل الأحوال إلا عند القاضي،
وليس الحال كذلك في شهادة اللفيف التي يكون فيها الأداء أمام العدلين،
فلا يمكن –بحسب الأصل- أن يتطرق إليها احتمال أو إجمال ما دام أن العدلين يقومان
باستفسار الشهود واستيضاحهم عن الشهادة، في الوقت الذي يكتبانها فيه.[4]
وبالرغم من ذلك، فعدم اعتماد مسطرة العدول
المبرزين في وقتنا قد يتصور معه أن يبقى الإجمال والاحتمال عالقا بشهادة اللفيف،
مما يمكن معه استفسار الشهود. ولذلك فإن الغرفة المدنية بمحكمة النقض استقرت
–نسبيا- على أن الاستفسار غير واجب في شهادة اللفيف إذا لم يكن بها إجمال، فقد جاء
في إحدى قرارات المجلس الأعلى سابقا ما يلي: "لكن من جهة فإن استفسار البينة
لا يعتبر شرطا لصحتها لاسيما إذا لم يكن بها إجمال أو غموض وأن المحكمة بعدم
استفسارها لبينة المطلوبين تكون قد استعملت سلطتها الموضوعية على الحجج المقدمة
لديها مما يكون معه ما أثير بالشق الأول من الوسيلة غير جدير بالاعتبار".[5]
ورأى فريق ثالث أن استفسار الشهود غير واجب
إلا أن يطلبه الخصم، فيكون حينئذ واجبا فيتم عند العدول المبرزين، ومعلوم أن هذا
الرأي انبنى على أن الاستفسار حق للخصم. وعليه جرى العمل في عصر الونشريسي.[6]
بينما ذهب فريق رابع من الفقهاء إلى أن
الاستفسار واجب، ومن ذلك ما أفتى به الفقيه عبد
الكريم اليازغي[7] حيث
قال: "الحمد لله الذي يجب في هذا الزمان أنه لا يقضى بشهادة اللفيف إلا
بعد الاستفسار حضر الشهود أو غابوا قربت غيبتهم أو بعدت، إذ كثيرا ما ينكر
الواحد منهم الشهادة رأسا أو يقول خلاف ما قاله أولا".[8]
وتجدر الإشارة إلى أن الذين ذهبوا إلى
الوجوب إنما قصروه على الشهود العاديين في كل الأحوال، وعلى الشهود المبرزين إذا
ما كان في شهادتهم إجمال؛ قال التسولي في ذلك : "الشاهد غير المبرز الذي لا
يعرف ما تصح به الشهادة حكمه حكم اللفيف في وجوب الاستفسار عن كيفية علمه بما شهد
به... وظاهره كان في الوثيقة إجمال أم لا .
وأما العدل المبرز العارف بما تصح به
الشهادة فلا يستفسر حيث لا إجمال مطلقا، وأما المبرز غير العالم بما تصح به
الشهادة فيستفسر إذا أبهم أو أجمل ...".[9]
وذهبت الغرفة الشرعية
بالمجلس الأعلى سابقا إلى مساندة هذا الرأي الذي يقضي بالوجوب في بعض اجتهاداتها،
ومن ذلك ما جاء في قرار لها: "حقا فاستفسار شهود اللفيف يعتبر إلزاميا لأنه يقوم
مقام التزكية، وهو ما درج عليه قضاء المجلس لأنه لا يخالف النصوص الفقهية الجاري
بها العمل، وحيث أن المحكمة لم تستجب فتكون قد خرقت حقوق الدفاع مما يعرض القرار
للنقض".[10]
فمن وجهة نظر محكمة النقض يكفي المشهود عليه
بشهادة اللفيف أن يطلب استفسارها، وعلى المشهود له أن يستجيب، وأن يتكلف هو نفسه
بالقيام بهذا الواجب وليس المشهود عليه، لأن التزكية يقوم بها من شهد له بالشهادة
لا من شهد عليه بها.[11]
وواضح من خلال ما ورد عن هؤلاء الفقهاء أن
اختلافهم في حكم الاستفسار يرتبط بمسألة أخرى اختلف الفقهاء حولها، تتعلق
بالاستفسار هل هو حق للقاضي أم للمشهود عليه،[12] فمنهم من ذهب إلى أن
الاستفسار "لا حق للمشهود عليه فيه، وإنما الحق والنظر فيه للقاضي".[13]
وعلل أصحاب هذا
الاتجاه رأيهم بعدم إعطاء هذا الحق للمشهود عليه بأنه قد يكون من
أهل الاستطالة أو من أهل الدعارة أو ممن لا يتحاشى قول السوء، فإنه لا محالة
سيؤذي الشاهد، فكيف يصح أو يسوغ حضوره مع الشاهد؟[14] مع
قول الله تعالى: "ولا يضار كاتب ولا شهيد".[15]
وإلى هذا الرأي الذي يفيد أن الاستفسار حق
للقاضي ذهب قرار لمحكمة النقض جاء في بعض حيثياته: "لكن حيث إن اللفيف... يعتبر
من الشهادات الاسترعائية... وإن للقاضي أن يستريب منها لمجرد احتمال شيء... مع أن
الأصل في أداء الشهادة موكول إلى أمانة القاضي أو من يثق به ممن تكون فيه أهلية
الضبط، وحينئذ، فإن الحق في الاستفسار الذي يعبر عنه بالاستفصال أيضا يرجع للقاضي
بمحض سلطته التقديرية وله أن يثيره تلقائيا...".[16
أما الاتجاه الثاني
فقد ذهب إلى أن الحكم الذي جرى به العمل بفاس كثيرا هو أن الاستفسار لا يطبق إلا
إذا طلب الخصم أو المشهود عليه ذلك.[17]
وذهب الشيخ محمد
العربي الفاسي[18] إلى
أن الحق في الاستفسار هو للقاضي وللخصمين كذلك، وقد ينفرد به أحدهم في بعض
الصور؛ لأنه قد يكون عند المشهود عليه، أو المشهود له، معرفة لحقائق يظهرها
وقت الاستفسار، فينكشف حينئذ للقاضي وجه الحق فيزيد استبصارا بالقضية، وكل ما
يزيد القاضي استبصارا بالقضية يعد مطلوبا، وعليه فيعطى الحق لكل طرف أن يوجه
أسئلته بواسطة القاضي للشهود حول النقط التي تكون خفية.
وهذا الذي ذهب إليه العربي الفاسي هو الذي
نؤيده، فالاستفسار قد يكون حقا للقاضي لأنه يمكنه من استيضاح بعض النقط الغامضة في
الشهادة حتى يحكم عن بينة، وقد يكون حقا للمشهود عليه لأنه قد يمكنه من الاطلاع
على وجه يبطل من خلاله الشهادة، وقد يكون حقا للمشهود له لأنه يعد بمثابة تزكية
للشهود.
ومهما يكن من اختلاف حول حكم الاستفسار وما
يرتبط به من خلاف حول الجهة التي لها الحق فيه، فإن ما جرى به العمل وما استقر
عليه رأي بعض الفقهاء أن بعض الشهادات لم تكن تقبل –من غير الشهود المبرزين- إلا
إذا تم استفسارها.[19]
وإذا كان هؤلاء
الفقهاء قد يعنون بالاستفسار ذكر الشهادة مفصلة غير مجملة، على المعنى الذي يرد
ضمن أسباب الترجيح الذي مفاده أن الشهادة المفصلة ترجح على الشهادة المجملة[20]،
فإنه لا مانع يمنع من تنزيل ذلك على معنى الاستفسار الذي نحن بصدده.[21]
ولذلك نقول بأن بعض
الشهادات يجب استفسارها ابتداء عند العدول، وإلا عدت باطلة، وهذه الشهادات حسبما
استقصاها الفقيه أحمد الرهوني[22] هي العتق، والرشد،
والسفه، والتجريح، والتعديل، والتوليج، وإثبات الملك، وإثبات أخوة شخص لآخر
والإسلام، والغبن، والردة، والزنى واللواط، والفرية،[23] والعدم،[24] والولاء، والتعنيس، وضرر
الزوج بزوجه، والكفاءة في النكاح، وفساد العقود، ووقف الطريق، والغصب، وإلحاق
الولد بميت، وشهادة السماع، والسرقة، والشتم، وضيق الطريق، والغيبة، والمفاوضة،
والشهادة بالإيصاء، والشهادة الخالية من المعرفة أو التعريف و الملا أي الغنى، والدين.
غير أنه بحسب وضعية التوثيق المعاصرة، وبحسب
ما ندعو إليه من أن الشهادة العدلية لا ينبغي أن يرد فيها ذكر الخصم، ولا أن تقام
في الميدان الزجري، ولا أن تنصب على ما لا ينعقد فيه الاختصاص حاليا للعدول، فإننا
نقتصر –مما ذكره الرهوني- على بعض الشهادات التي لا ينبغي قبولها إلا إذا كانت
مستفسرة عند العدول وهي: الرشد،[25] والسفه،[26] وحسن السيرة،[27] وإثبات الملك،[28] وإثبات القرابة،[29] وتأكيد الإسلام،[30] والغبن،[31] والعدم،[32] وإلحاق الولد بميت،[33] وشهادة السماع،[34] والغيبة.[35]
ونضيف إلى هذه الشهادات التي يجب استفسارها
تلك الشهادات التي نعتبرها تدعيما لبدايات الحجج بالكتابة، وهي الشهادات التي لم
يتم إنجازها كشهادات أصلية تتضمنها، ثم حدثت ظروف ما تحولت بموجبها إلى شهادات
استرعائية لفيفية.[36]
فكل
الشهادات السابقة يجب –في نظرنا- استفسارها على وجه الوجوب عند العدول، أما ما
تبقى من الشهادات فلا ينبغي استفسارها إلا من باب الجواز، ولا ينبغي استفسارها
وجوبا إلا إذا أثبت الخصم سببا موجبا لإبطالها كالتجريح بالقرابة أو العداوة،[37] أو ثبت ذلك للقاضي
تلقائيا بدون طلب من الخصم. فعندئذ يجب استفسار هذه الشهادات وجوبا عند القاضي لا
عند العدول .
وترتب على الاختلاف
حول حكم الاستفسار اختلاف آخر حول الجهة التي يتم أمامها الاستفسار؛ فقد كان الاستفسار –
بحسب المفهوم الذي اتخذه عند ظهوره في القرن الثامن الهجري- يجري عند العدول
المبرزين،[38] بينما كان قبل ذلك يتم
عند القضاة لأنه كان يعد في معنى الأداء، وفي ذلك يقول أبو الحسن الصغير:
"يجب على شهود رسم الاسترعاء أداء شهادتهم عند القاضي لا عند الشهود
المبرزين، فإذا أدوها عنده على نص الرسم وكان الرسم بينا لا إجمال في شيء
من فصوله علم على شهادته، وإن زاد على مقتضى الرسم أو نقص منه نبه على
ذلك ثم لا يلزمه أداء ثان لأنه قد أدى ما يجب عليه فبرئت منه ذمته؛ إذ لا يشترط
استصحاب ذكرها من حين أدائها إلى حين الحكم بها، ثم لو لزم أداء ثان للزم
ثالث ورابع إلى ما لا يتناهى وهو باطل...
وأما استفهام شهود الرسم عند المبرزين فلا
يجوز للقاضي أن يبيحه البتة، إذ ليس الاستفهام عند المبرزين هو الأداء
المعتبر، بل الأداء المعتبر إنما يكون عند القاضي حسبما تقدم، وإنما هو نقل
شهادة...".[39]
ويترجح عند بعض الباحثين المعاصرين[40] هذا الرأي الفقهي
القائل بإجراء الاستفسار أمام القاضي، على أساس أن الاستفسار تطبيق من تطبيقات
الفصل 76 من قانون المسطرة المدنية (ق.م.م).[41]
أما الطريقة المعمول بها اليوم فهي تقضي بأن
يتفق طالب الشهادة مع أربعة عدول على أن يقوم اثنان منهما بتلقي شهادة اللفيف
والاثنان الآخران باستفسارها، ويكون ذلك في المجلس نفسه.[42]
ومن شأن هذه الطريقة أن تجعل الاستفسار يكون
وفق رغبة المشهود له فلا تنكشف الحقيقة، ولا يؤدي الاستفسار هدفه، ولذلك يرى بعض
الباحثين[43] أن "الاستفسار
الذي يكشف الحقيقة يجب أن يكون على يد القاضي بمحضر عدلين وبطلب من الخصم".
أما رأينا في هذه المسألة فإنه يقتضي الجمع
بين الآراء السابقة، فتختلف الجهة التي يجري أمامها الاستفسار بحسب الحالات؛ ونؤسس
هذا الرأي على ما سبق أن رأيناه بخصوص حكم الاستفسار، إذ تبين لنا أن حكم
الاستفسار هو الجواز في أكثر الشهادات، إلا أنه يكون واجبا في
بعضها، فإن كان استفسار الشهادة واجبا على المشهود له ولم يقم به هو،
فإن القاضي لا ينبغي أن يعتد بهذه الشهادة كشهادة لفيفية معتبرة، إلا أن يتبين له
بالدليل القاطع أن المشهود له عمل على استفسار الشهود غير أنهم رفضوا، ففي هذه
الحالة فإن القاضي يجب عليه أن يستفسر الشهود هو بنفسه.
وإذا أقام المشهود له الاستفسار في حالة
الوجوب، فلا حق للقاضي في إعادة استفسار الشهود حتى لا يكون ذلك من باب المضارة
بهم، وكذلك الخصم لا يملك هذا الحق، وليس للقاضي إلا أن يرجح الشهادة المستفسرة
على الشهادة غير المستفسرة، فإن كانتا معا مستفسرتين فإن القاضي يعمل قواعد
الترجيح الأخرى ويستعين بالقرائن[44].
لكن إذا تبين للقاضي، سواء طلب ذلك المشهود
عليه أم لم يطلبه أن الشهادة المستفسرة تضمنت سببا لبطلانها كوجود قرابة أو عداوة
بين أحد الشهود وخصم طالب الشهادة، فإن القاضي له أن يعيد استفسار الشهود أمامه
ليتأكد من وجود سبب التجريح ومن مداه.[45]
وإذا تم ذلك بطلب من المشهود عليه –أو
الخصم- وتم استفسار الشهود فعلا ووجد القاضي أن درجة القرابة –مثلا- غير مؤثرة، ثم
قضى على الخصم بموجب الشهادة المستفسرة أمام القاضي، فلا يحق لهذا الخصم أن يلجأ
إلى طريق الزور الفرعي للطعن في الشهادة. فنحن نريد بهذا الاقتراح أن نجعل من
الاستفسار أمام القاضي طريقا لحماية الشاهد من اتهامه بالزور.
وإذا أقام المشهود له الاستفسار في شهادة لا
يجب فيها هذا الاستفسار، فلا ينبغي للقاضي أن يعيد استفسار الشهود عنده، ولا ينبغي
للمشهود عليه أن يطلب استفسارهم، وذلك مع مراعاة ما تقدم من أن الشهادة التي قد
يعتريها سبب من أسباب التجريح يمكن إعادة استفسارها، وإذا ما تم ذلك فإنه يقطع
الطريق على دعوى الزور. وبديهي –في هذه الحالة- أن القاضي يرجح – بحسب الأصل-
الشهادة المستفسرة اختياريا على التي لم تستفسر.
فالخلاصة مما تقدم أن الاستفسار يكون عند
العدول بطلب من المشهود له، إما على سبيل الاختيار أو على سبيل الوجوب، وأنه يمكن
في حالات خاصة استفسار أو إعادة استفسار الشهادة عند القاضي، سواء بطلب من المشهود
عليه أم بأمر تلقائي من المحكمة.
ثانيا_ آثار الاستفسار.
ترتبط آثار الاستفسار بمعرفة
المدة التي ينبغي أن يحصل الاستفسار داخلها والكيفية التي يجري عليها، فنحن نذكر
هذه الآثار في معرض الحديث عن هذين العنصرين بالتتابع.[46]
1- أجل الاستفسار.
اختلف الفقهاء حول تحديد المدة التي
يجب أن يحصل الاستفسار داخلها، بحيث إذا مرت المدة لم يقبل الاستفسار، فذهب أكثر
الفقهاء إلى أن استفسار شهادة اللفيف يجب أن يحصل داخل ستة أشهر من تاريخ تلقيها
بكيفية تامة، بحيث يكون قد طولع بها القاضي وكتب صيغة الثبوت في الفراغ الذي ترك
له وسجل عليه ثبوت البينة وقبولها عنده، ووضع شكله في الفراغ المخصص لذلك.
وأما مجرد تلقي العدلين لشهادة اللفيف دون
إتمام الإجراءات المذكورة أعلاه، فلا يعتبر بداية لتاريخ الستة أشهر، وأما إذا مرت
ستة أشهر دون أن يستفسر اللفيف فقد استحسن الفقهاء ترك الاستفسار.[47]
ولا يعد اعتبار أجل
ستة أشهر وعدم تجاوزها أجلا مطلقا، بل هو مقيد بأن يكون المشهود عليه حاضرا رشيدا
عالما بالبينة اللفيفية التي شهدت عليه، فإذا كان في عكس هذه الحالات بأن كان
غائبا غير رشيد جاهلا بالبينة التي شهدت عليه، فإن باب الاستفسار يبقى مفتوحا له،
ولو تجاوز الأجل ستة أشهر، فلا يعتبر الأجل المذكور إلا من يوم حضوره إن كان غائبا
أو من يوم علمه إن كان جاهلا أو يوم رشده إن كان قاصرا أو سفيها؛ فإذا كان
حاضرا وعالما ورشيدا ثم سكت ولم يطلب الاستفسار يعتبر سكوته المدة المذكورة
رضا منه بتلك الشهادة.[48]
والذي يستفاد من اجتهادات القضاء في هذه
المسألة أن له فيها رأيان: رأي يعتد بالأجل مطلقا، وهو رأي الغرفة المدنية بمحكمة
النقض،[49] ورأي يعتد بالأجل في
الوقائع التي تكون عرضة للنسيان داخل هذا الأجل، وهو رأي الغرفة الشرعية بهذه
المحكمة.[50]
غير أنه وفق اجتهادات
محكمة النقض – السابق ذكرها- التي تعتبر أن استفسار الشهود يعد عوضا عن
التزكية المشترطة في العدول، فإن قبول الاستفسار ينبغي أن يكون مقبولا في كل
الأحوال والأزمنة، دون تحديده بأجل.
والذي نراه في مسألة الأجل في ضوء ما
اقترحناه سابقا يرجع إلى أننا ندعو بداية إلى أن لا يتم الاستفسار مع الشهادة التي
يتعلق بها في وقت واحد، فلا بد أولا أن تتم كتابة الشهادة اللفيفية، ويتم الخطاب
عليها، ثم يتم الاستفسار بعد ذلك.
ونرى أيضا أن أدنى أجل يجب أن يكون
بين تلقي الشهادة واستفسارها هو ستة أيام، وذلك حتى تقطع الطريق –ولو نسبيا- على
من يكتب الشهادة مع الاستفسار في وقت واحد ثم لا يضع تاريخ الاستفسار بمذكرة الحفظ
إلى أن يتم الخطاب على الشهادة، فيأخذ مراجعها وينقلها في شهادة الاستفسار بعد
تحريرها.
كما يجب أن يكون أقصى أجل يستفسر فيه طالب
الشهادة شهادته أمام العدول، سواء كان الاستفسار وجوبيا أم جوازيا –على ما رأينا-
هو ستة أشهر، إلا أن يثبت أن طالب الشهادة استدعى الشهود إلى الاستفسار فامتنعوا
أو أدلوا بأعذار، فيمكن استفسارهم متى تيسر الأمر عند العدول، أو يتم استفسارهم
عند القاضي –بمناسبة الدعوى- إذا لم يأتوا عند العدول وكان الاستفسار وجوبيا –بحسب
ما بيناه آنفا-.
ويمكن أن يتم استفسار الشهود متفرقين، شريطة
أن لا يتجاوز الأجل ستة أشهر من تاريخ الخطاب على الشهادة المراد استفسارها إلى
تاريخ حضور آخرهم. وإذا ما تم الأمر على هذا النحو فيكتب في شهادة الاستفسار تاريخ
استفسار كل واحد من الشهود ومراجع شهادته بمذكرة الحفظ .
2- كيفية الاستفسار.
كان الاستفسار-عند العدول- يظهر في
الوثيقة بإحدى صيغتين، تتعلق إحداهما بالاستفسار المطابق، أي الذي يتضمن المطابقة
بين ما صرح به الشهود في شهادة اللفيف وبين ما ذكروه في الاستفسار، وتتعلق الثانية
بالاستفسار المخالف، أي الذي يتضمن المخالفة بين ما جاء في شهادة اللفيف وما جاء
في الاستفسار. وبحسب كل صيغة من هاتين الصيغتين[51] تتحدد بعض آثار
الاستفسار.
فصيغة الاستفسار في حالة المطابقة يمكن أن
ترد وفق ما يلي : "الحمد لله ...استفسر شهيداه أمنهما الله شهود اللفيف
المسطرة أسماؤهم بالموجب حوله[52] عن شهاداتهم
الصادرة منهم ثمة كيف شهدوها فأجاب كل واحد منهم على انفراده بما طابق به شهادته
من حيث المعنى وهو أنهم شهدوا بمعرفتهم لفلان بن فلان الفلاني وأنه حافظ لماله لا
يضيع منه شيئا[53]... ومستندهم… استفسارا تاما تلقاه
من استوعبه منهم...وهم عارفون قدره شهد به عليهم بأتمه إلخ".[54]
فهذه الصيغة التي يتضمنها الاستفسار المطابق
تأتي في حالة ما إذا "أعاد كل واحد شهادته على المستفسرين كما كان أداها عند
المتلقي منه، وهنا تكون شهادة اللفيف صحيحة، فإن اختلف اللفيف في شهادتهم فبعضهم
أعادها كما شهدها أولا، وبعضهم زاد فيها أو نقص[55]، فحينئذ تكتب الصيغة
الأخرى وهي صيغة الاستفسار المخالف، فيبدأ فيها العدل المستفسر بذكر أسماء الشهود
اللفيف وهويتهم ثم السؤال والجواب عن الشهادة وعن مستندها وذلك كالتالي :
"فلان بن فلان الفلاني...(يذكر العدل قبالته ما يتعلق باسمه وهويته)...سأله
شهيداه عن شهادته الصادرة منه بالموجب حوله كيف شهدها وعلى أي وجه أداها، فأجاب
بأنه شهد بمعرفته لفلان بن فلان الفلاني وأنه حافظ لماله علمه بالمجاورة – مثلا-
فلان بن فلان الفلاني (هويته) سكناه كذا... سئل فأجاب بأنه يسمع[56] أنه حافظ لماله إلى
آخر الشهود ...(ثم يقول العدل المستفسر) :
الحمد لله استفسر شهيداه شهود اللفيف
المسطرة أسماؤهم أعلاه[57] عن شهادتهم الصادرة
منهم بالمشار له، فأجاب كل واحد منهم على انفراده بما هو مقيد عقب اسمه ثمة من حيث
المعنى استفسارا تاما تلقاه من استوعبه منهم شهد عليهم بما فيه عنهم وهم عارفون
قدره وبأتمه ...".[58]
وعلى أساس نوعي الاستفسار اللذين تظهرهما
الصيغة تترتب آثار الاستفسار، فالاستفسار المطابق يؤدي –بحسب الأصل- [59] إلى اعتبار الشهادة
اللفيفية حجة والعمل بها، إلا أن تتضمن الشهادة أسبابا للتجريح كالعداوة والقرابة،
فيجوز الطعن فيها بذلك ولو بعد الاستفسار، ولا تضر المخالفة بين ألفاظ الاستفسار
والشهادة اللفيفية إذا اتحد المعنى؛ أما الاستفسار المخالف فيؤدي إلى إلغاء الرسم
الأصلي واستبعاده، [60] فإذا " اختلف
(شهود) اللفيف كلهم أو جلهم عند استفسارهم في أركان الشهادة أو شروطها، فشهادتهم
باطلة".[61]
وإذا رجع الشاهد في شهادته أو أنكرها أو
ادعى نسيانها -عند الاستفسار- كتب ذلك عنه، والرجوع في الشهادة قبل الحكم يبطلها،
ومثله في ذلك إنكارها أو ادعاء نسيانها.[62]
والذي نراه في مسألة كيفية الاستفسار والصيغ
التي يمكن أن يرد فيها، ينبني على ما سبــــــــق أن ذكرناه - في مقال اللفيف- عندما دعونا إلى إنقاص
عدد الشهود إلى ستة (6)، وذلك من شأنه أن يسهل عملية إجراء الاستفسار بالكيفية
التي ذكرناها عندما تحدثنا عن حكم الاستفسار وعن أجله، إذ يمكن إجراؤه على صفة
انفرادية بحيث يسأل كل شاهد لوحده[63] عن كيفية تحمله
للشهادة ومستند علمه، ويطلب منه أن يفصل ما تم الإجمال فيه، ويتم التركيز معه في
ذلك على الجزء الذي شهد به إن كانت الشهادة تضم عناصر متعددة يمكن التلفيق بينها.
وما ذكرناه إنما ينطبق –عادة- على الاستفسار
المطابق الذي يتم إجراؤه أمام العدول؛ إذ من الناحية العملية، نجد أن مسطرة
الاستفسار المخالف معطلة ولا يتم تطبيقها، لأن الاستفسار عند العدول إنما يتم طلبه
من قبل المشهود له الذي يعد الاستفسار في صالحه لأنه بمثابة تزكية للشهود، وعليه
فإنه يتصور أن يتم الاستفسار المخالف عند القضاة في الحالات التي يجب فيه ذلك
–بحسب رأينا الذي أثبتناه سالفا-، سواء بطلب من المشهود عليه، أو بصفة تلقائية من
المحكمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] - الذي أحدث الاستفسار هو القاضي محمد بن أحمد الفشتالي المتوفى سنة 779 هجرية، أي أن الاستفسار على المعنى المعروف حاليا حدث في القرن الثامن الهجري،
ثم أخذ العمل يجري به في المغرب الأقصى والمغرب الأوسط، حيث كان العدول المبرزون يقومون باستفسار شهود الاسترعاءات عن فصول الوثيقة ومضمنها بعد أن قبلهم القاضي وأدوا شهادتهم عنده.- انظر : أحمد الونشريسي، المنهج الفائق والمنهل الرائق
والمعنى اللائق بآداب الموثق وأحكام الوثائق، دراسة وتحقيق لطيفة الحسني، طبعة
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، 1997 ، ص 449.
وقد توفي الونشريسي سنة 914 هجرية، حيث عاش بين القرن التاسع والعاشر
الهجريين، وكان الاستفسار معروفا في عهده، لكن لم تكن شهادة اللفيف بمعناها عند
المتأخرين قد ظهرت في وقته؛ وعليه فإن الاستفسار الذي
أحدثه الفشتالي كان يتعلق بالشهود المزكين والعدول المنتصبين للشهادة، أما اللفيف
على صورته عند المتأخرين – بحسب ما رأيناه في مقال اللفيف- فلم
يكن معروفا في الفترة التي أحدث فيها الاستفسار، والذي كان معروفا هو اللفيف
التواتري الذي لا يعتبر من الشهادة إلا من باب الإطلاق المجازي.
[2] - قال
الونشريسي :"وسئل عنها (أي مسألة الاستفسار) عالم المغرب القاضي أبو
إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن اليزناسي فأجاب بما نصه :
الاستفصال الذي يبيحه القضاة لا أدري مستندهم في ذلك بل المفهوم من
الفقه عدم التعرض للشاهد وعدم مضارته لاسيما وما يتحيل به الشهود
من سؤاله عن أشياء تغلطه ولابد. وهذا من الفساد، بل الذي دلت عليه الروايات
أن القاضي يسأله عما يتوقف عليه الحكم مما عسى أن ينتفع به أحد الخصمين.
ووجه ابن رشد رحمه الله تعالى عدم اختبار الشاهد فقال: إن كان
عدلا فاختباره لا يجوز، وإن كان غير عدل فشهادته لا تجوز. وعلى هذا المعنى
جاءت الروايات أن الدابة لا تجعل في جملة الدواب. كما جاءت أنه لا يسأل
عن الوضوء وبالله التوفيق".
- المنهج الفائق، م س، ص 453- 454.
[3] - من أنصار
هذا الرأي أبو الفضل العقباني شيخ الونشريسي بتلمسان، انظر : المنهج الفائق، م س،
ص 454.
[4] - قال الشيخ محمد
العربي الفاسي :"ومقتضى قول الشيخ أبي الفضل العقباني سببه إما إجمال أو
احتمال عند القاضي في كلام الشاهد، فإن الإجمال والاحتمال ليسا لازمين للفيف، فلا
يكون ما تسبب عنهما – وهو الاستفسار- لازما له... فإنه إذا وقع الأداء وقد حضر
عدلان لم يحتج إلى إعادته بالاستفسار، وقد لا يكون عند صاحب النازلة ما يدعو
إليه".
- محمد العربي الفاسي، شهادة اللفيف،
مركز إحياء التراث المغربي، الرباط، ت.ط.غ.م، ص 26.
[5] - القرار عدد
2408 المؤرخ في15/4/1998 في الملف المدني عدد 3900/1/5/97، منشور بمجلة قضاء
المجلس الأعلى - الإصدار الرقمي دجنبر 2000 – العدد المزدوج 53 - 54، ص83.
[6] - عاش ما بين
834-914 هجرية موافق 1428 -1508 ميلادية.
[7] - المتوفى
سنة 1199 هـ .
[8] - محمد المهدي
الوزاني، النوازل الكبرى أو "المعيار الجديد" مطبعة فضالة، المحمدية،
الطبعة الأولى 1999، ج 9، ص286.
[9] - علي بن عبد
السلام التسولي، البهجة في شرح التحفة، حققه وضبطه وصححه:محمد عبد القادر شاهين،
دار الكتب العلمية، بيروت،الطبعة الأولى 1418 هـ - 1998م، ج 1، ص114.
[10] - قرار عدد
1040 صادر بتاريخ 06/10/1992 منشور بمجلة المرافعة، عدد 6،يونيو 1997 ص 156.
[11] - العلمي
الحراق، التوثيق العدلي بين الفقه المالكي والتقنين المغربي وتطبيقاته في مدونة
الأسرة، مكتبة دار السلام، الرباط، طبعة 2009، ج 1، ص 512.
[12] - يطلق قانون 16.03
المتعلق بخطة العدالة لفظ المشهود عليه وهو يقصد به -في الغالب- المشهود له، أي
طالب الشهادة، ونحن هنا نطلق اللفظ على حقيقته فنعني به خصم طالب
الشهادة.
[13] - قال
ذلك الشيخ أبو الفضل العقباني، وهو قول الشيخ أبي الحسن الصغير والأستاذ أبي سعيد بن
لب.
- انظر : العربي الفاسي، م س، ص 25.
[14] - م س، بالموضع
نفسه . وقد ذكر العربي الفاسي أن علة عدم إعطاء الحق للمشهود عليه في الاستفسار إن
كانت هي حضوره مع الشاهد، فليس ذلك الحضور لازما.
- انظر، رسالة اللفيف، ص 25-26.
[15] - سورة البقرة،
من الآية، 282.
[16] - قرار عدد 34
س 3 بتاريخ 06/02/1980 ملف مدني عدد 61405، مجلة رابطة القضاة، العدد المزدوج 6-7،
سنة 1983، ص 145 .
[17] - العربي
الفاسي، م س، ص 26.
[18] - م س، ص 26.
[19] - وهي التي
ذكرها الزقاق في لاميته بقوله :
شهادة إعتاق ورشد
وضده وجـــرح
وتعديل وتأليـج اسـجــــــلا
وإثبات ملك أو أخ في
وراثة تفسر
إلا من ذوي العلم فاقـبلا
وزاد بعض الفقهاء – ومن جملتهم ميارة- على هذه الشهادات الثمانية شهادات أخرى
حتى وصل المجموع إلى ثلاثة وثلاثين شهادة يجب استفسارها. وقد نظم أحمد الرهوني في
كتابه حادي الرفاق المسائل الأخرى التي أضافها العلماء إلى مسائل الزقاق، وهي خمسة
وعشرون مسألة فقال :
كــــــذلك إســلام وغـبـــــن
وردة
زنى ولــــــــــــواط فــرية عــــــدم ولا
وتعنيس بكر ضر زوج
كفاءة فسـاد
عقود وقف طــــرق على الولا
كغصـب وإلـحاق لولد
بميت شـهادة
ســمع واختـــــــــلاس ففــــــصلا
وشـتم وضيق للطريق
وغيبة مفــاوضة
إيــصاء ومـــــعرفة مـــــــــــلا
وبالدين فاخـــتم ثـــــــم
عمـم فلا
تكن لغير عليم قابلا منه مجملا
- انظر : محمد القدوري، موسوعة قواعد الفقه والتوثيق، مستخرجة من حادي
الرفاق إلى فهم لامية الزقاق (لأحمد الرهوني)، مطبعة النجاح الجديدة
بالدار البيضاء، الطبعة الأولى 2004، ص 252.
[20] - وهذا النوع
من الاستفسار هو الذي ذهب إليه مشروع قانون اللفيف، الذي لا يجعل استفسار الشهود
على المعنى الذي نتناوله في هذا المقال واجبا. ويتضح ذلك من المادتين 12 و13 منه
اللذين جاء فيهما على التوالي ما يلي:
المادة 12 : "يتعين على العدلين أن يتأكدا من سماع فصول الشهادة من كل
شاهد على انفراد بتفصيل؛ واستفساره عما أبهمه وأجمله؛ مع سؤاله عن مستند علمه
بدقة" .
المادة 13 : "يغني سماع الشهادة بالكيفية المقررة في أحكام هذا القانون
عن استفسار الشهود لدى عدلين آخرين" .
[21] - فالاستفسار
في الرشد مثلا أن يقال "هو رشيد،... حافظ لماله، غير مبذر له، أو يحسن
تنميته..."
والاستفسار في السفه أن يقال :" هو سفيه، ... مبذر لماله، أولا
يحسن تنميته..."
والاستفسار في الغبن أن يقال :" إنه زاد الثلث، مثلا، على القيمة، أو
نقص الثلث منها".
فالاستفسار بهذا المعنى قد يتم في الشهادة نفسها، وقد يتم مستقلا عنها فيتضمنه
الاستفسار الذي نحن بصدد الحديث عنه.
- انظر :القدوري، موسوعة قواعد الفقه، م س، ص 249 وما يليها.
[22] - في كتابه
حادي الرفاق إلى فهم لامية الزقاق، وهو الذي أعاد محمد القدوري إخراجه والتعليق
عليه تحت عنوان آخر سماه "موسوعة قواعد الفقه والتوثيق "، انظر هذا
الكتاب الأخير، ص 249- 255.
[23] - الفرية أي
القذف.
[24] - أي الإعسار،
أو الإفلاس. غير أن الإعسار ينسب عادة إلى الشخص غير التاجر الذي لم يعد معه مال
يسدد به ديونه، والتفليس ينسب إلى التاجر.
[25] - لا نعني
بالرشد بلوغ السن القانوني، بل نعني به ترشيد القاصر حسبما ورد
في الفقرة الثالثة من المادة 218 من مدونة
الأسرة التي جاء فيها: " إذا بلغ القاصر السادسة عشرة من عمره،
جاز له أن يطلب من المحكمة ترشيده".
[26] - من النادر
أن نجد شهادات تتعلق بإثبات السفه، ونحن لا نعتبر السفه من ضمن الشهادات التي
نستبعدها بحكم ذكر المشهود عليه فيها، وذلك لأن السفه من النظام العام ولأن السفيه
في حكم المحجور عليه، فلا بأس أن يرد ذكر المشهود عليه (السفيه) في الشهادة.
[27] - وهي شهادة
قد تثبت باللفيف، ولذلك جعلناها عوض "التعديل" الذي لم يعد له محل في
وقتنا.
[28] -وهو ما يسمى
بالاستمرار أو الحيازة الاستحقاقية أو الملكية، فتلك الشهادة ينبغي أن ترد مستفسرة
على المعنى الذي نقصده هنا، ولكن اعتبار ذكر شروط الملكية في وثيقة الحيازة يعني
وجوب استفسار هذه الشهادة على المعنى الذي قد يقصده الرهوني، المتمثل في بيان وتفصيل
مشتملات الشهادة وعدم ذكرها على الإجمال.
[29] - وقد جعلناه
محل ما ذكره الرهوني من إثبات أخوة شخص لآخر.
[30] - جعلناه محل
شهادة الإسلام، لأن هذه تثبت بوثيقة أصلية غير استرعائية، ولا يمكن أن تصدر شهادة
تأكيد الإسلام باللفيف – في نظرنا- إلا إذا كان طالبها يعيش في بلدنا، حتى يوجد
شهود يعرفون بإسلامه، ويمكن أيضا أن تتم في ما إذا كان هذا الشخص قد توفي واحتاج
ورثته إلى إثبات إسلامه. وقد قلنا ذلك للتمييز بين شهادة تأكيد الإسلام هنا، وتلك
التي ينجزها العدول بدون لفيف فيما يتعلق بأجنبي مسلم لا يقطن ببلد مسلم، وغالبا ما
يعتمد العدول في هذه الشهادة على وثيقة موقعة من إمام مسجد ما أو معهد إسلامي يوجد
بالخارج.
[31] - لكن في
الشهادة بالغبن، ينبغي أن ترد هذه الشهادة خالية من ذكر المشهود عليه سواء كان
بائعا أو مشتريا، وعمليا فإن هذه الشهادة غير موجودة لأنه يعتمد فيها على الخبراء،
بالإضافة إلى أن طريق الطعن بالغبن –في التشريع المغربي- ضيق جدا، لأن من شروطه أن
يقترن بالتدليس أو يقع على قاصر.
[32] - وينبغي أن
يعتمد فيه على بعض الوثائق التي تشكل قرائن كشهادة الاحتياج أو تواصيل الكراء
وغيرها.
[33] - مناط
استفسار هذه الشهادة أن الهدف من ورائها قد يكون هو مجرد الرغبة في إدخال وارث آخر
على الورثة المعروفين .
[34] - تعد شهادة
السماع أشهر الشهادات التي ينبغي أن تستفسر، إذا ما حصرت في المواطن التي تجب
فيها.
[35] - لا يقصد
عادة بالغيبة أن يكون الغائب مشهودا ضده، ولذلك نجيز اللفيف في هذه الشهادة. ومن
باب الضرورة نجيز في الشهادة ذكر غيبة الزوج عن زوجته، لكن دون الإشارة إلى كونه
تركها بدون نفقة.
[36] - مثل شخص
اشترى عقارا من آخر وكتب ذلك عند العدول، وضاع الرسم ولم يبق إلا صورة منه، ولم
يمكن إنجاز نسخة له ولا تعريف بالشكل لضياع سجل الحفظ، أو بقي الرسم عالقا بمصلحة
التسجيل، فالرسم هنا موجود ولكنه ناقص، فقط ينبغي إعادة إحيائه بواسطة شهادة
لفيفية، فيكون الوصل العدلي أو صورة الرسم هي بداية الحجة بالكتابة، وتكون الشهادة
اللفيفية هي ما يدعمها، وإلا فلا يجوز كتابة شهادة لفيفية ابتداء فيما محله
الشهادة الأصلية كالبيع والهبة ونحوهما، لأن هذه تعد تصرفات لا وقائع.
[37] - وحتى إذا لم
يتم استفسار هذه الشهادات عند العدول، فإنه يحق للقاضي استفسار شهودها للتأكد من
كون القرابة أو العداوة مؤثرة أم غير مؤثرة في الشهادة اللفيفية.
[38] - الونشريسي،
المنهج، م س، ص 449.
[39] - الونشريسي،
م س، ص 450 وما بعدها.
[40] - زكرياء
غطراف ، استفسار شهود اللفيف بين أحكام الفقه واجتهادات القضاء، مقال
منشور بمجلة القضاء المدني، العدد 6 أكتوبر 2012، ص 80 وما يليها.
[41] - ينص هذا
الفصل على ما يلي: "يستمع إلى الشهود على انفراد سواء بمحضر الأطراف أو في
غيبتهم.
يصرح كل شاهد قبل سماع شهادته باسمه العائلي والشخصي وحرفته وسنه وموطنه وما
إذا كان قريبا أو صهرا للأطراف مع ذكر الدرجة أو خادما أو عاملا عند أحدهم.
يقسم الشاهد تحت طائلة البطلان على قول الحقيقة.
لا يؤدي الأفراد الذين لم يبلغوا ست عشرة سنة كاملة اليمين ولا يستمع إليهم
إلا على سبيل الاستئناس.
يمكن إعادة سماع الشهود ومواجهة بعضهم لبعض".
[42] - وفي نفس
التوقيت، غير أنه يتم –غالبا- إدراج فرق ربع ساعة بين الشهادة اللفيفية والاستفسار.
[43] -عبد السلام العسري،
شهادة الشهود في القضاء الإسلامي، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه من دار الحديث
الحسنية بالرباط، دار القلم، الرباط، الطبعة الأولى 2007، ج 2، ص 744.
[44] - وقد رأينا
–في مقال اللفيف-أن القاضي يمكن أن يتنزل شهادة اللفيف إلى مرتبة الشهادة العادية
إذا لم تتقو بالقرائن، وله –في نظرنا- فعل ذلك سواء وجد الاستفسار أم لم يوجد.
[45] - فإن وجدت
القرابة أو العداوة فإن القاضي يتأكد من درجتها وتأثيرها على الشهادة عن طريق
الاستفسار.
[46] - ولقد سبق
ذكر بعض الآثار كما قررها الفقهاء أو كما اقترحنا من حلول في الفقرة الأولى، عند
الحديث عن حكم الاستفسار والجهة التي يتم أمامها.
[47] - انظر : عبد
السلام العسري، شهادة الشهود، م س، ج 2، ص 744.
[48] - انظر : أبو
الشتاء الغازي الحسيني الصنهاجي، مواهب الخلاق، مطبعة الأمنـية بالرباط، الطبعة
الثانية، 1955، ج 1، ص 322.
[49] - انظر:
القرار عدد 3627 بتاريخ 11/06/1997 في الملف المدني عدد 2656/94،
ذكره : الحسن بوعيسي، كرونولوجيا الاجتهاد القضائي في مادة العقار
والأحوال الشخصية، دار الأمان، الرباط، الطبعة الأولى 2004، ص 11.
[50] - انظر: قرار
عدد 1040 صادر بتاريخ 06/10/1992 منشور بمجلة المرافعة، عدد 6،يونيو 1997 ص 156.
[51] - وقد عرض
الدكتور عبد السلام العسري مجموعة من صيغ الاستفسار حسب "مقدار دور القاضي
فيها تبعا لما كان يجري به العمل في بعض الأمصار المغربية، وفي بعض الفترات
ومراعاة أيضا لمطابقة الاستفسار لما أدلى به الشهود اللفيف في الموجب الذي وقع
تلقيه منهم أو مخالفته له". وهذه الصيغ هي : صيغة الاستفسار عند المطابقة من
طرف عدلين دون حضور القاضي ودون الشهادة على إذنه – وهي التي يجري بها العمل
حاليا-؛ و صيغة الاستفسار عند المطابقة من طرف عدلين دون حضور القاضي، لكن
مع الشهادة عليه بإذنه للعدول في إجراء الاستفسار؛ وصيغة الاستفسار عند
المطابقة من طرف العدلين مع الإشارة إلى إذن القاضي دون الشهادة عليه، ودون حضوره،
مع إفراد كل شاهد باستفسار خاص به وكتابة لفظه؛ وصيغة الاستفسار عند المطابقة من
طرف القاضي وبحضور العدلين؛ وصيغة الاستفسار عند المطابقة من طرف عدلين وبمحضر
القاضي؛ وصيغة الاستفسار عند المخالفة من طرف العدلين.
- انظر: شهادة الشهود، م س، ج 2، ص 751 وما يليها.
[52] - وبحسب ما
ذكرناه في مسألة الأجل وما اقترحناه من أن الاستفسار لا ينبغي أن يتم إلا بعد
الخطاب على الشهادة الأولى، فليس شرطا أن تكتب شهادة الاستفسار حول شهادة اللفيف،
ما دام أن مراجع تضمينها والخطاب عليها تكتب في شهادة الاستفسار، خاصة أن العدل قد
يكتب شهادة الاستفسار حول الشهادة اللفيفية المخاطب عليها، فيحدث ما يدعو إلى
إصلاح رسم الاستفسار وإعادة كتابته فمن شأن ذلك أن يؤدي إلى إعادة كتابة الشهادة
الأولى هي الأخرى مع ما يتطلبه الأمر من إجراءات للخطاب عليها .
[53] - هذا مجرد
نموذج، والأمر هنا يتعلق بالشهادة على الرشد أو الترشيد الذي يقابله السفه.
[54] - أبو الشتاء
الغازي الحسيني الصنهاجي، التدريب على تحرير الوثائق العدلية، مطبعة ومكتبة
الأمنية، الرباط، الطبعة الثانية 1995، ج 1، ص 113-114.
[55] - المرجع نفسه،
ص 114.
[56] - إيراد مستند
السماع ومستند المجاورة أو المخالطة في وثيقة واحدة جائز، على خلاف ما يتصوره بعض
القضاة والعدول من أن ذلك ممنوع. لكن إذا ما شهد بالسماع ولو شاهد واحد فينبغي -في
نظرنا- استفسار شهود اللفيف كلهم، ولو في الشهادات التي ليس من الواجب
استفسارها .
[57] - عبارة
"أعلاه" تفيد إمكانية لزق الوثائق، ويستحسن في الوقت الحالي ترك ذلك ما
دام أن الوثيقة اللاحقة تتضمن مراجع الوثيقة التي سبقتها أو التي بنيت عليها.
[58] - الصنهاجي،
التدريب، م س، ج 1، ص 114.
[59] - ينبغي
مراعاة ما ذكرناه من أن القاضي لا ينظر –بحسب ما دعونا إليه - إلى اللفيف كحجة إلا
أن تتحقق شروطه ويتعزز بالقرائن المعززة له، وإلا أنزله إلى مرتبة الشهادة العادية
التي يملك عليها السلطة التقديرية المطلقة، وقد يكون الاستفسار من ضمن الشروط في
بعض الحالات، وإن لم يكن شرطا فينبغي اعتباره مرجحا في حالة تساوي حجتين لفيفيتين
معتبرتين تعززت كلاهما بالقرائن.
[60] - لخص الأحكام
السابقة الشيخ التسولي حيث قال: "إذا كمل الاستفسار ووافق أداؤه ما قيد عنهم
أولا ثبتت شهادتهم ويبقى المدفع فيهم بالعداوة... ونحوها... لا بكل قادح لأنه
مدخول فيهم على عدم تمام العدالة...،وإن خالف أداؤه شهادته أولا سقطت الأولى والثانية
والمعتبر في المخالفة اختلاف المعنى لا اللفظ، وإن بقي إجمال بعد الاستفصال بغفلة
ممن بحثهم عنه سئلوا عنه كما يسأل الشاهد عنه بعد أداء شهادته...".
-البهجة، م س، ج 1 ص 113.
[61] - الصنهاجي،
التدريب، م س، ج 1، ص 114.
[62] - انظر :
الصنهاجي، مواهب الخلاق، م س، ج 1، ص 319.
حفظك الله استاذي بما حفظ به كتابه العزيز
ردحذفوحفظك الله وجعلك لك المراد.
ردحذفجعل لك المراد
ردحذف