بينة التوثيق والحقوق بينة التوثيق والحقوق
random

آخر الأخبار

الرضائية والشكلية في التصرفات العقارية (الجزء الثاني)- بينة التوثيق والحقوق الرضائية والشكلية في التصرفات العقارية (الجزء الأول)- بينة التوثيق والحقوقتفسير صيغ الوثائق العدلية (الجزء الخامس) - بينة التوثيق والحقوقتفسير صيغ الوثائق العدلية (الجزء الرابع) - بينة التوثيق والحقوقتفسير صيغ الوثائق العدلية (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوقتفسير صيغ الوثائق العدلية (الجزء الثاني) - بينة التوثيق والحقوقتفسير صيغ الوثائق العدلية (الجزء الأول) - بينة التوثيق والحقوقعنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الخامس) - بينة التوثيق والحقوقعنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الرابع) - بينة التوثيق والحقوقعنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوقعنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الثاني) - بينة التوثيق والحقوقعنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الأول) - بينة التوثيق والحقوقركن الرضا في الوثائق العدلية (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوقركن الرضا في الوثائق العدلية (الجزء الثاني) - بينة التوثيق والحقوقركن الرضا في الوثائق العدلية (الجزء الأول) - بينة التوثيق والحقوقمقتضيات تحرير الشهادة العدلية (الجزء الرابع) - بينة التوثيق والحقوقمقتضيات تحرير الشهادة العدلية (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوقمقتضيات تحرير الشهادة العدلية (الجزء الثاني) - بينة التوثيق والحقوقمقتضيات تحرير الشهادة العدلية (الجزء الأول) - بينة التوثيق والحقوقالالتزام بالتعاقد (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوق
الرضائية والشكلية في التصرفات العقارية (الجزء الثاني)- بينة التوثيق والحقوق الرضائية والشكلية في التصرفات العقارية (الجزء الأول)- بينة التوثيق والحقوقتفسير صيغ الوثائق العدلية (الجزء الخامس) - بينة التوثيق والحقوقتفسير صيغ الوثائق العدلية (الجزء الرابع) - بينة التوثيق والحقوقتفسير صيغ الوثائق العدلية (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوقتفسير صيغ الوثائق العدلية (الجزء الثاني) - بينة التوثيق والحقوقتفسير صيغ الوثائق العدلية (الجزء الأول) - بينة التوثيق والحقوقعنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الخامس) - بينة التوثيق والحقوقعنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الرابع) - بينة التوثيق والحقوقعنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوقعنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الثاني) - بينة التوثيق والحقوقعنصر السبب في الوثائق العدلية (الجزء الأول) - بينة التوثيق والحقوقركن الرضا في الوثائق العدلية (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوقركن الرضا في الوثائق العدلية (الجزء الثاني) - بينة التوثيق والحقوقركن الرضا في الوثائق العدلية (الجزء الأول) - بينة التوثيق والحقوقمقتضيات تحرير الشهادة العدلية (الجزء الرابع) - بينة التوثيق والحقوقمقتضيات تحرير الشهادة العدلية (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوقمقتضيات تحرير الشهادة العدلية (الجزء الثاني) - بينة التوثيق والحقوقمقتضيات تحرير الشهادة العدلية (الجزء الأول) - بينة التوثيق والحقوقالالتزام بالتعاقد (الجزء الثالث) - بينة التوثيق والحقوق
random
جاري التحميل ...

القوة التنفيذية للوثيقة العدلية - بينة التوثيق والحقوق


                                 القوة التنفيذية للوثيقة العدلية 

 


  

   

 ذهب فقهاء المالكية إلى أن ثبوت الوثيقة العدلية بواسطة الخطاب عليها من قبل قاضي التوثيق، يختلف عن الحكم القضائي؛ وتأسس على ذلك أن الحكم القضائي يعد قابلا للتنفيذ بمقتضاه، بينما لا تشكل الوثيقة العدلية الثابتة _أي المخاطب عليها_ سندا يخول لصاحبه التنفيذ بمجرد وجوده دونما حاجة إلى اقترانه بحكم.

غير أن هذه القاعدة قد تعرف بعض الاستثناءات التي تجعل موقف المشرع المغربي موقفا وسطا يقف بين من يرى للوثيقة الرسمية حجية تنفيذية مطلقة وبين من لا يرى لها تلك الحجية مطلقا.

ولذلك فإن تعامل قضاء الموضوع مع الوثيقة العدلية الثابتة من حيث الاعتبار أو الإلغاء كلا أو بعضا، إنما يرجع إلى مدى تمتعها بالقوة التنفيذية. وعليه فسندرس مدى إمكانية اعتبار الوثيقة العدلية ضمن السندات التنفيذية (أولا)، ثم طبيعة الرقابة التي يبسطها قضاء الموضوع على الوثائق العدلية (ثانيا).

 

أولا: مدى جواز اعتبار الوثيقة العدلية سندا تنفيذيا

 

تعد المحررات الرسمية في بعض التشريعات المقارنة سندات تنفيذية،[1] تخول لذوي الشأن اللجوء مباشرة إلى مصلحة التنفيذ لاستيفاء حقوقهم دون حاجة لاستصدار حكم قضائي بذلك.

فالقانون الفرنسي –مثلا- من خلال المسطرة المدنية أجاز للموثق تسليم نسخ العقود المذيلة بالصيغة التنفيذية، فجعل بذلك النسخة التنفيذية للعقد الموثق في مرتبة واحدة مع النسخة التنفيذية للحكم القضائي.[2]

وقد اتخذ القانون المصري الموقف نفسه، من خلال النص في المادة الثانية من قانون التوثيق المصري على أن من مهام مكاتب التوثيق "وضع الصيغة التنفيذية على صور المحررات الرسمية الواجبة التنفيذ". وهو الموقف الذي دعمه من خلال المادة 280 من قانون المرافعات المصري.

أما بخصوص موقف التقنين المغربي، فلا تسعفنا النصوص القانونية بالإشارة إلى أي مقتضى يجعل من الوثيقة الرسمية سندا تنفيذيا بحيث ينفذ به الأطراف مباشرة دونما حاجة إلى مقرر قضائي.

 فبالرجوع إلى قانون المسطرة المدنية المغربي،[3] نجد أن المشرع لم يتعرض إلى التنفيذ الجبري بواسطة محررات الموثقين أو العدول، لذا فإن أصحاب هذه المحررات عليهم اللجوء إلى القضاء ومراجعته لاستصدار الأحكام من أجل التنفيذ.

وبالرغم من ذلك، فإن الوثائق الرسمية لها أهمية في التنفيذ المعجل، ذلك أن الفصل 147 من ق.م.م (المشار إليه) ينص في فقرته الأولى على ما يلي: "يجب أن يؤمر بالتنفيذ المعجل رغم كل تعرض أو استئناف دون كفالة إذا كان هناك سند رسمي أو تعهد معترف به، أو حكم سابق غير مستأنف".

ولكن السند الرسمي لا يكون قابلا للتنفيذ المعجل على الوجه المذكور، إلا أن تتوفر بعض الشروط أهمها عدم الطعن بالزور في السند الرسمي.[4]

وتنطبق القاعدة العامة المتعلقة بعدم اكتساب المحررات الرسمية للقوة التنفيذية إلا بعد الحكم بما توجبه بمقتضى مقرر قضائي، على الأحكام الأجنبية المراد تنفيذها بالمغرب[5] وعلى العقود المبرمة بدولة أجنبية ويراد تنفيذها بالمغرب،[6] فلا يتم تنفيذهما إلا بعد تذييلهما بالصيغة التنفيذية.[7]

ولا يخرج عن هذه القاعدة العامة إلا ما نصت عليه المادة 14 من مدونة الأسرة[8] التي أعفت عقود زواج المغاربة بالخارج إذا توفرت على شروط خاصة من المطالبة بتذييلها بالصيغة التنفيذية حتى تطبق بالمغرب.[9]

ويرجع ما ذهب إليه المشرع المغربي إلى أن المحررات الرسمية لها قوة في الثبوت والإثبات، وليست لها قوة في التنفيذ؛ فهذه القوة التنفيذية لا تتمتع بها – من حيث الأصل- إلا الأحكام القضائية.

ففي مجال التصرفات العقارية مثلا فإنه إذا صدر حكم نهائي يقضي باستحقاق شخص لعقار أو لحق عيني واقع عليه فإن هذا الشخص يعتبر مكتسبا لذلك العقار أو الحق. ويمكنه أن يتصرف فيه؛ كما يمكن أن يطلب تحفيظه إن كان غير محفظ، ويستند في ذلك إلى الحكم النهائي الذي يغني عن كل ما يثبت حقه في كل ما حكم له به.

ولما كانت القاعدة تقضي بأن الحكم يعتبر معلنا للحق الذي هو موضوع الدعوى، لا منشأ لذلك الحق، فإن هذا يعني أن من حكم له بشيء يعتبر مالكا لذلك الشيء منذ وقوع السبب الذي اعتمد عليه المحكوم له عند المطالبة به، وأن الحكم إنما أعلن هذه الملكية ولم تنشأ بسببه.[10]

وهذا يعني من جهة أن السبب الذي يستند إليه الحكم هو الذي يفيد الثبوت؛ فهذا السبب الثابت لا تتوفر له القوة التنفيذية. ويعني من جهة أخرى أن الحكم القضائي النهائي الصادر في موضوع الملكية العقارية _مثلا_ لا يعد سببا للملك، بل هو قرينة قاطعة على الملك لا يجوز دحضها بالدليل المعاكس.[11] 

 وهذا الأمر هو ما يسمى بقوة الأمر المقضي، إذ أن الأحكام التي تصدر عن القضاء تكون حجة في حدود ما فصلت فيه بين الخصوم في الدعوى، بالنسبة إلى ذات الحق محلا وسببا، ذلك أنه إذا صدر حكم في خصومة، فإن المشرع يعتبر ذلك الحكم مطابقا للحقيقة ولو لم يكن كذلك من حيث الواقع؛ إذا هي نوع من الحرمة التي يتمتع بها الحكم، وبمقتضاها يعد متضمنا قرينة لا تقبل الدليل العكسي على أنه صدر صحيحا من حيث إجراءاته ومن حيث مضمونه، وأن ما قضى به هو الحقيقة بعينها.[12] 

وهذا الرأي _ الذي يفيد بأن الوثائق العدلية ليست سندات تنفيذية_ نجد له مرجعا شرعيا عند فقهاء المالكية الذين اعتبروا الرسوم العدلية "من التصرفات الثبوتية الصرفة (المجردة) عن كل إلزام فضلا عن التنفيذ، ولم تعتبر عندهم – على الأصح- من الأحكام القضائية الملزمة والمقتضية للتنفيذ؛ ولم تكن الوثائق العدلية أحكاما تلزم المتعاقدين بالتنفيذ بمجرد الخطاب عليها من طرف القضاة…".[13]

فمن ذلك أن القرافي ذكر أن" حكم القاضي ينفذ على الغير، والشاهد لا ينفذ قوله على الغير".[14]

ومن ذلك أن التسولي نقل عن المازري وغيره في خطاب القاضي على رسم بقوله: "ثبت عندي أن فلانا وفلانا اشتريا من فلان في عقد واحد كذا بثمن سماه الخ " أنه قال :" أن ذلك لا يوجب نقل الملك فتترتب عليه آثاره من شفعة ونحوها إذ النقل لا يثبت إلا باعتراف المتعاقدين أو حكم الحاكم عليهما بعد الإنكار…".[15]

وفي موضع آخر يوضح الفقيه القرافي الفرق الجوهري‏ بين الثبوت والحكم والتنفيذ  حيث يصرح بأن"إظهار الحجة الشرعية وكمال النظر فيها وإثبات وترتيب مقتضاها عليها من اعتقاده الاستحقاق وتصريحه بتلك حكم، وإلزام الخصم وقهره لرفع الحق تنفيذ، فهذا هو الفرق بين الإثبات والحكم والتنفيذ". [16]

 

ثانيا: رقابة قضاء الموضوع على صحة الوثائق العدلية

 

 ترتب على قاعدة عدم تمتع الوثيقة العدلية بالصفة التنفيذية، أن الخطاب على الرسم العدلي لا يعني الجزم بصحة الحق المشهود به لفائدة صاحبه؛ وأنه لا يمنع من البحث  -لاحقا- في صحة هذا الرسم وعلاقته بالحق المضمن به.

ولذلك فإن قضاء الموضوع، يتدخل في تأكيد صحة الرسوم العدلية أو إلغائها، ولا يكتفي برقابة قضاة التوثيق على هذه الوثائق.

وقد صرحت محكمة النقض بقاعدة انعدام الصفة التنفيذية في الوثيقة في قرار لها  جاء فيه ما يلي: "إن قضاة الموضوع لهم الحق في تصفح الرسوم المدلى بها لديهم واعتبار صحتها شكلا وموضوعا قبل أن يعملوا بها، ولو لم يقع فيها أي طعن من لدن المحتج بها عليه، وأن ذلك داخل في سلطتهم التقديرية التي لا تخضع لرقابة المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا".[17] 

مع العلم أن هذا القرار "ينبغي التعامل معه بنوع من الحيطة والحذر، ولا يؤخذ به على إطلاقه، لأن فيه شيئا من التفصيل والتوضيح ، ولأن الأخذ به على إطلاقه يؤدي بالضرورة إلى نتائج غير حميدة، منها أنه يشجع القضاة المكلفين بالتوثيق على عدم القيام بالتحريات اللازمة في شأن مراقبة الرسوم العدلية، وإلى عدم التأكد من خلوها من النقص وسلامتها من الخلل قبل الخطاب عليها، ويكرس الرأي القائل بأن شأن قاضي التوثيق أن يصادق على الرسوم ويخبر بأن العدول الموقعين أسفلها هم من العدول المنتصبين للإشهاد بدائرة نفوذه، دون أن يكون من شأنه التحقق من مدى خلوها من النقص وسلامتها من الخلل؛ وهذا لا يجوز؛ ومن النتائج أيضا عدم الاعتداد بالخطاب الذي يضعه القاضي المخاطب على الشهادة، والذي يعني مما يعنيه أن الوثيقة العدلية أصبحت شهادة تامة؛ وتدخل قضاء الموضوع بإطلاق في الشهادة العدلية التي صارت وثيقة رسمية بمجرد الخطاب عليها، يقتضي أن أداء الشهادة لدى القاضي المكلف بالتوثيق والخطاب عليها من طرفه أصبحا لاغيين، وينبغي إعادتهما لدى قاضي الحكم؛ وهذا غير مستساغ لا فقها ولا قانونا، ومنها أيضا عدم الاعتراف برسمية العقود التي تعني مما تعنيه أن الرسوم صارت حججا قاطعة بمجرد الخطاب عليها إلى أن يطعن فيها بالزور؛ والتسليم بالقرار المذكور على عمومه يخول لقاضي الموضوع إبعاد العقد الرسمي وإصدار حكمه بخلافه؛ ولو لم يطعن فيه أحد بالزور؛ وهذا غير معقول كذلك، ناهيك عن أن ذلك سيخرق مبدأ حياد القاضي في الأحكام.

لذا ينبغي أن يفهم هذا القرار فهما ضيقا ولا يتوسع فيه؛ وهو إنما يطبق في حالات خاصة قد تكون معدودة عدا؛ مثل حالة وجود وثيقة من الوثائق الرسمية مشوبة بخلل أو نقص يفضي إلى بطلانها أو قابليتها للإبطال؛ كوجود رسم… ملكية لم يشر فيه… إلى أحد أركانها الأساسية، ومثل حالة الإدلاء برسوم متعددة متناقضة مع بعضها البعض، فيتفحصها قضاة الأحكام من أجل الترجيح فيما بينها؛ مع التذكير بأننا لا نرى (يقول العلمي الحراق) مسوغا شرعيا للتفريق في ذلك بين القاضي المدني والقاضي الجنائي؛ فكلاهما ملزم باتباع الحجج والبينات الرسمية أولا؛ ولا يسوغ شرعا أن يستند القاضي في حكمه إلى علمه أو إلى مجرد اقتناعه أو اطمئنانه الشخصي مع وجود الحجج القاطعة؛ سواء كان مدنيا أو جنائيا…".[18] 

وإذا كان الحكم القضائي النهائي في موضوع الملكية العقارية –مثلا- يعتبر معلنا للملكية وقرينة قاطعة عليها، لا منشأ لها ولا سببا فيها، فإن له آثارا لا يستهان بها في إفادة الملكية منها أنه إذا ما ثبتت صحة الوثيقة العدلية بموجب الحكم القضائي فإنها تتطهر من العيوب التي تشوبها.[19] 

 فلو فرضنا أن شخصا طالب بملكية عقار، واستند في طلبه هذا إلى عقد شراء تشوبه عيوب تجعله باطلا، كأن يكون السبب غير مشروع، لكن ذلك لم يثر أثناء الدعوى، فصدر حكم نهائي باستحقاق المدعي لذلك العقار؛ فإن ملكية هذا المحكوم له بذلك العقار تصبح متطهرة من ذلك العيب، لأن ملكيته أصبحت تستند إلى ذلك الحكم النهائي لا إلى ذلك العقد الثابت بمقتضى خطاب القاضي، الذي كان سببه غير مشروع.

ومن الآثار التنفيذية للحكم أنه يمكن للمحكوم له أن يتصرف في ذلك العقار بمجرد صدور الحكم النهائي القاضي بملكيته، عن طريق البيع أو غيره. أما أثناء الدعوى وقبل صدور الحكم فإنه لا يحق للمدعي أن يتصرف فيما يطلب الحكم له بملكيته، لأنه ما زال لم يعترف له بهذه الملكية.

ولهذا يرى الفقهاء أنه لا يجوز بيع ما فيه خصومة؛ غير أنه يجب التنبيه إلى أن الحكم القاضي بشيء لشخص لا يجعل ذلك الشيء حلالا للمحكوم له به فيما إذا كان يعلم أنه لا حق له فيه، لأن الفقهاء يقررون أن حكم الحاكم لا يحلل حراما ولا يحرم حلالا.[20] 

ولئن كان للحكم القضائي النهائي هذه الخاصية التطهيرية، وهذا الأثر التنفيذي ، فإننا –مع ذلك- نرى أن مراقبة قضاء الموضوع لا ينبغي أن تنصرف إلى عيوب الوثيقة من الناحية التوثيقية والشكلية المحضة التي تدخل أساسا في مجال الثبوت لا في مجال الحكم، ومن النواحي التوثيقية الصرفة أن يرد ذكر التاريخ بالميلادي دون الهجري أو بالأرقام فقط دون الحروف، أو أن يتم إغفال بيان غير رئيسي من بيانات الهوية،[21] ونحو ذلك مما يعتبر أمرا توثيقيا محضا لا تأثير له في موضوع التصرف إلا من باب الاستثناء.

لكن إذا أدت عيوب الوثيقة من هذه الناحية إلى تضرر الأطراف فلا مانع يمنع قضاء الموضوع من أن تمتد مراقبته على المجالات التوثيقية الصرفة؛ إلا أن ذلك ينبغي أن يكون بطلب من الأطراف لأنه ليس –في نظرنا- من النظام العام.

 وفي هذا الصدد جرى عمل محكمة النقض على الحكم بالبطلان المطلق لبعض الوثائق العدلية مستندة – على ما يبدو- إلى الفصل 306 من قانون الالتزامات والعقود الذي ينـص على أن : "الالتزام الباطل بقوة القانون لا يمكن أن ينتج أي أثر، إلا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له".[22]

وهكذا فقد جاء في إحدى القرارات ما يلي: " لكن حيث إن رسم الإقالة الذي اعتمده المدعيان لإثبات دعواهما لا عمل به، ولا يصح الاحتجاج به على الطرف الآخر لأمور منها، أنه… لم ينص بهامشه على تاريخ تضمين الرسم وعلى الرقم الذي جعل لكناش الرسوم… وعدم التنصيص على ما ذكر في هذا الرسم يدل على أنه غير مدرج بكناش جيب العدل الشاهد فيه وغير مسجل بأحد كنانيش المحكمة… وبذلك فالصبغة الرسمية التي تعطى للرسوم العدلية فقدها هذا الرسم لكونه جاء على خلاف الشكل الذي حدده القانون… كما أنه لا يعتبر محررا عرفيا لعدم التوقيع عليه من الطرفين …".[23]

ويبدو أن رقابة محكمة النقض على شكليات العقود وتحريرها أخذت تسير في اتجاه  يأخذ نوعا من المرونة، فقد جاء في  إحدى قراراتها أن "خطاب قاضي التوثيق بأدنى رسم القسمة المطعون فيه بدلا من وضع شكل قاضي القاصرين وسط الرسم لتعلقه بقاصرات لا أثر له على صحته، لذلك فإن المحكمة مصدرة القرار كانت على صواب حينما أوردته في تعليله، وحيث إن كون القاضي قد وقع هنا أو هناك فإن ذلك لا يقدح في الرسم معتبرة أن خطابه بأدناه هو إذن منه بالقسمة المجراة واعتبار المقدم على المحجوزات نائبا عنه فيها وإشهادا منه بوقوعها.

ومن جهة أخرى فإنه يتضح من صورة الرسم المذكور المدلى بها في الملف أنه ينص في سطره الأخير على كناشي الحفظ للعدلين المحررين له، إلا أن رقم كناش الحفظ للعدل الثاني تم إغفاله، وأن هذا الإغفال لا أثر له على صحة الرسم".[24]

كما قضت في نازلة أخرى بأن "شهادة العدل الواحد الاسترعائية المتضمنة أركان البيع لا يؤثر على صحة العمل بها تأخير الأداء عليها من قبل القاضي، ويقضى لصاحبها مع يمينه فيما يثبت بالشاهد واليمين".[25] 

كما اعتبرت محكمة النقض بمناسبة البت في نازلة تتعلق برسم ملكية عرف به عدلان، وصعب عليهما حل علامة العدل الأول، أنه: "من الثابت أن رسم الملكية مذيل بخطاب القاضي والرسم يتضمن التعريف بشكله، لهذا فإن خطابه على الرسم المذكور يغني عن التعريف بعلامة العدلين به وفقا لما نص عليه العلامة أبو الشتاء في كتابه التدريب على تحرير الوثائق العدلية: "إذا كان الرسم مؤدى… (بواسطة) قاض أو نائبه فلا بحث عن شاهديه أو شهوده".[26]

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

[1] - يعد السند التنفيذي أهم عنصر في التنفيذ الجبري، والسندات التنفيذية أنواع عديدة منها الأحكام والأوامر القضائية وبعض  المحاضر:  كمحضر جلسة الحكم ومحضر إرساء المزاد العلني، وشهادة التقييد الخاصة بالرهن.

[2] - ينص الفصل 502 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي على ما يلي:

 

  Nul jugement, nul acte ne peut être mis à exécution que sur présentation d’une expédition revêtue de la formule exécutoire, à moins que la loi n’en dispose autrement .

 

[3] - انظر : قانون المسطرة المدنية المصادق عليه بمقتضى ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447   بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) ، الجريدة الرسمية عدد 3230 مكرر،  بتاريخ 13 رمضان 1394 (30 شتنبر 1974)،  ص 2741 ، وقد لحقته تعديلات كثيرة.

[4] - انظر:  إدريس العلوي العبدلاوي، القانون القضائي الخاص، المطبعة الإقليمية بمراكش، 1984، ج 2، ص 256 .

[5] - ينص الفصل 430 من ق.م.م على ما يلي: "لا تنفذ في المغرب الأحكام الصادرة من المحاكم الأجنبية إلا بعد تذييلها بالصيغة التنفيذية من طرف المحكمة الابتدائية لموطن أو محل إقامة المدعى عليه أو لمكان التنفيذ عند عدم وجودهما.

يجب على المحكمة التي يقدم إليها الطلب أن تتأكد من صحة الحكم واختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرته، وأن تتحقق أيضا من عدم مساس أي محتوى من محتوياته بالنظام العام المغربي".

[6] - ينص الفصل 432 من ق.م.م على ما يلي: "تكون العقود المبرمة بالخارج أمام الضباط والموظفين العموميين المختصين أيضا قابلة للتنفيذ بالمغرب بعد إعطائها الصيغة التنفيذية ضمن الشروط المقررة في الفصول السابقة".

[7] - تنص الفقرة الثالثة من الفصل 433 من ق.م.م على ما يلي: "تكون الصيغة التنفيذية كما يأتي:

وبناء على ذلك يأمر جلالة الملك جميع الأعوان ويطلب منهم أن ينفذوا الحكم المذكور (أو القرار) كما يأمر الوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك لدى مختلف المحاكم أن يمدوا يد المعونة لجميع قواد وضباط القوة العمومية وأن يشدوا أزرهم عندما يطلب منهم ذلك قانونيا".

[8] - تنص المادة 14 من مدونة الأسرة على ما يلي: "يمكن للمغاربة المقيمين في الخارج، أن يبرموا عقود زواجهم وفقا للإجراءات الإدارية المحلية لبلد إقامتهم، إذا توفر الإيجاب والقبول والأهلية والولي عند الاقتضاء، وانتفت الموانع ولم ينص على إسقاط الصداق، وحضره شاهدان مسلمان، مع مراعاة أحكام المادة 21 بعده".

- انظر: قانون 70.03 يتعلق بمدونة الأسرة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.04.22 في 12 من ذي الحجة 1424(3 فبراير 2004) ج ر عدد 5184 الصادرة يوم الخميس 5 فبراير 2004 ، ص418.

[9] - والذي نلاحظه من الناحية العملية على مستوى بعض المحاكم أنه يجري تطلب الصيغة التنفيذية دائما في عقود زواج المغاربة المبرمة بالخارج ، كما نلاحظ أن هذا الإجراء يشمل حتى الزواج المختلط الذي يكون أحد طرفيه مغربيا.

[10] - انظر : محمد ابن معجوز، الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثانية 1999، ص 346-347.

[11] - ينص الفصل 453 من قانون الالتزامات والعقود على ما يلي: "القرينة القانونية تعفي من تقررت لمصلحته من كل إثبات. ولا يقبل أي إثبات يخالف القاعدة القانونية".

[12] - انظر: محمد الكشبور، رقابة المجلس الأعلى على محاكم الموضوع في المواد المدنية ،مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء ،الطبعة الأولى 2001، ص 18-19 هامش 9.

ومن الناحية الإجرائية، فإن جميع الأحكام- سواء كانت نهائية أم غير نهائية- تتمتع بحجية الأمر المقضي كصفة، بينما تتمتع الأحكام النهائية وحدها بقوة الأمر المقضي كدرجة، فالأحكام كلها تتمتع بالحجية، إذ أن ما قضت به يعتبر هو الحقيقة طالما أنها لم تصطدم بطريق من طرق الطعن العادية إذا أفضى إلى الحكم بغير ما قضت به، أما الأحكام النهائية فتتمتع بقوة الشيء المقضي، وتعد قابلة للتنفيذ بحسب الأصل، حتى لو وردت عليها طرق الطعن غير العادية، فهي لا توقف تنفيذها إلا في حالات استثنائية حصرية نص عليها القانون.

والأحكام النهائية هي التي تقبل طرق الطعن العادية، والأحكام غير النهائية هي التي تقبل طرق الطعن غير العادية. و"طرق الطعن العادية (voies ordinaires) هي التي لا يكون فيها الطاعن ملزما، حتى يقبل طعنه، أن يدلي بسبب معين قانونا، بل إن طعنه يقبل دون تحديد لأسباب قبوله . والطعن العادي بعد ذلك يطرح الخصومة من جديد أمام المحكمة التي يحق لها أن تبحث في الدعوى بكاملها ضمن الشروط نفسها التي كانت ممنوحة للمحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه. وطرق الطعن العادية في المغرب هي التعرض والاستئناف.                                                          

أما طرق الطعن غير العادية (voies extraordinaires) فهي التي لا تقبل إلا إذا استند الطاعن في طعنه لسبب من الأسباب التي حددها القانون على وجه الحصر. ثم إن المحكمة التي عرض عليها الطعن، تكون سلطتها محصورة في بحث العيوب التي أثارها الطاعن في طعنه ليس إلا. و… هي تعرض الخارج عن الخصومة وإعادة النظر والطعن بالنقض".

- ادريس العلوي العبدلاوي، القانون القضائي الخاص، م س ، ج 3، ص 10-11.   

 [13] - العلمي الحراق، التوثيق العدلي بين الفقه المالكي والتقنين المغربي وتطـبيقاته فـي مدونـة الأسرة، مكتبة دار السلام، الرباط، طبعة 2009، ج 1 ، ص 183.

[14] - أحمد بن إدريس القرافي ، الذخيرة ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، 1994 ، ج 10 ، ص 84.

[15] - علي بن عبد السلام التسولي، البهجة في شرح التحفة، حققه وضبطه وصححه محمد عبد القادر شاهين، دار الكتب العلمية ، بيروت ،الطبعة الأولى 1418 هـ - 1998م ، ج 1 ، ص 120.

[16] -  الذخيرة ، م س ، ج 10 ، ص 73.

[17] -  قرار عدد 217 صادر بتاريخ 8 ماي 1968، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 1، أكتوبر 1968 ص 36.

[18] - الحراق ، التوثيق، م س ، ج 1 ، ص 466 هامش 940.

[19] - من خاصيات الحكم القضائي تطهير السند الذي انبنى عليه من العيوب التي تشوبه، وهذه الخاصية تتمتع بها الحيازة الاستحقاقية (الملكية أو الاستمرار) هي أيضا؛ فالحيازة تطهر السبب الذي انبنت عليه من العيوب، وهو ما يؤكد كونها قرينة وليس سببا للملك.

[20] - انظر ، ابن معجوز، الحقوق العينية، م.س، ص 374.

[21] - كالبيان المتعلق بمهنة المتعاقد، فهو غير مؤثر إلا في حالات نادرة.

[22] - الفقرة الأولى من الفصل 306 من ق.ل.ع . وتنص فقرته الثانية على ما يلي: "ويكون الالتزام باطلا بقوة القانون:

1 - إذا كان ينقصه أحد الأركان اللازمة لقيامه؛

2 - إذا قرر القانون في حالة خاصة بطلانه".

[23] - القرار عدد 150 ، الصادر بتاريخ 27 مايو 1981 في الملف المدني عدد 78427 ، منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى في مادة الأحوال الشخصية 1965-1989 ، إعداد إدريس ملين ،منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية 1990 ص 271.

 [24] - قرار عدد 586 صادر عن غرفة الأحوال الشخصية بتاريخ 30/05/2001 ملف 28/95 ، منشور في : التقرير السنوي للمجلس الأعلى لسنة 2001 ، ص 108.

[25] - قرار عدد 888 بتاريخ 17 دجنبر 1996 في الملف العقاري عدد 6203/92 ، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد المزدوج 53-54 ، سنة 1999 ص 168.

[26] - قرار عدد 855 عن غرفة الأحوال الشخصية بتاريخ 18/9/2001 في الملف العقاري عدد 158/96 .

ذكره : - إدريس بلمحجوب، من أهم توجهات المجلس الأعلى ورقابته في مجال شروط وتقنيات تحرير الوثيقة العدلية وصحتها،  مساهمة في أشغال الندوة المنظمة تحت عنوان :" توثيق التصرفات العقارية" جامعة القاضي عياض ، كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية بمراكش، سلسلة الندوات والأيام الدراسية ، العدد 23، المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش ، الطبعة الثانية 2005 ، ص 233 وما يليها.

 

 

 

عن الكاتب

محمد الكويط

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

آخر مشاركة

الصبغة الرسمية للوثائق العدلية (الجزء السابع) - بينة التوثيق والحقوق

تابع المدونة من هنا

جميع الحقوق محفوظة

بينة التوثيق والحقوق

2025